من أبطال الإسلام.. المثنى بن حارثة
إن قصتي معك اليوم قصة بطل من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هو المُثنَّى بنحارثة -رضي الله عنه-، أسلم سنة تسع، وقيل: سنة عشر، وقيل: أسلم قديمًا.
وكان موصوفًا بالشهامة والشجاعة وحُسن الرأي.
- سمَّاه عمر -رضي الله عنه-: “مؤمر نفسه”؛ لأن ديار قومه كانت قريبة من الإمبراطورية الفارسية، فكان يُغِير بقومه على سواد العراق -أي: قُراها-، وكانت أخباره الطيبة تأتي المدينة زمن أبي بكر -رضي الله عنه-، فيقول: “من هذا الذي تأتينا وقائعه -معاركه- قبل معرفة نسبه؟!”.
- ثم إنه قدِم المدينة، وقال لأبي بكر -رضي الله عنه-: “يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابعثني على قومي؛ فإن فيهم إسلامًا أقاتل بهم أهل فارس”، ففعل أبو بكر -رضي الله عنه-.
- فرجع إلى قومه يقاتل بهم الفرس، ولما أرسل أبو بكر خالدًا -رضي الله عنه- إلى العراق أميرًا للجهاد انضم إليه المثنى بقومه، وما كان منه إلا السمع والطاعة.
- ولما طلب أبو بكر من خالد أن يذهب مددًا للمجاهدين بالشام استناب خالدٌ المثنى على الجيش.
من أيامه البيضاء -رضي الله عنه-:
وللمثنى -رضي الله عنه- أيام بيضاء كثيرة بأرض العراق، نذكر منها: “يوم البُوَيْب”، وكان من خبر هذا اليوم أن الفرس أرسلوا جيشًا كثيفًا بقيادة “مِهران”؛ ليأخذوا بثأر “يوم الجسر” الذي قتل فيه منهم مقتلة عظيمة.
- فاجتمعوا عند مكان يقال له: “البُوَيْب”، يفصل بينهم وبين المسلمين نهر الفرات، فقال الفرس للمسلمين: “إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم”.
قال المسلمون: بل اعبروا إلينا. فعبرت الفرس.
اختىَّ الفاضلة:
لقد كان هذا اليوم يومًا مباركًا مِن أيام شهر رمضان، فعبَّى المثنى جيشه جيدًا، وعزم عليهم بالفطر، ليكون أقوى على القتال؛ ففعلوا، وحضهم على الجهاد والصبر، وقال: إني مُكَبِّرٌ ثلاثَ تكبيرات، فتهيئوا، فإذا كبّرتُ الرابعة فاحملوا -أي: اهجموا على العدو-. فقالوا: السمع والطاعة.
فلما كبَّر التكبيرة الأولى عاجلتهم الفرس، وحملوا عليهم حتى غالقوهم -أي: أحدثوا بينهم اضطرابًا-، واقتتل الطرفان اقتتالاً شديدًا، وجعل المثنى يقول: “يا معشر المسلمين، عاداتكم.. انصروا الله ينصركم”. فجعل المسلمون يدعون الله بالنصر والظفر.
- استمر القتال.. ولما طالت مدة الحرب جمع المثنى جماعة من أصحابه الأبطال، وطلب منهم أن يحموا ظهره، وحمل على “مِهران” قائد الفرس، فأزاله عن موضعه حتى دخل في ميمنة جيشه، وحمل عليه المنذر بن حسان فطعنه، ثم قام جرير بن عبد الله بحَزِّ رأسه -أي: قطعها-، -رضي الله عنهم جميعًا-.
- لقد قتلوا قائد الفرس.. يا له من عمل رائع!
- فلما رأت الفرسُ مصرعَ قائدها هربت، وتبعهم المسلمون يفصلون رؤوسهم عن أكتافهم فصلاً.
- وسبق المثنى البطلُ الشجاعُ إلى الجسر؛ ليمنعهم من العبور، وليتمكن منهم المسلمون، فمكنهم الله -تعالى-، وقتلوا من الفرس قريبًا مِن مائة ألف -ولله الحمد والمنة-!
ولدي الحبيب:
هذا يوم كريم من أيام المثنى -رضي الله عنه-، التي نصره الله -عز وجل- فيها على عُبَّاد النار، نتعلم منه:
1- نحمد الله -تعالى- على أن جعلنا مسلمين؛ فإنها أعظم نعمة، قال مجاهد -رحمه الله-: “لا أدري أي النعمتين عليَّ أعظم، أن هداني للإسلام أو عافاني من هذه الأهواء”.
2- التحلي بمكارم الأخلاق التي كان عليها رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، حيث مدحه الله -تعالى- بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4).
3- المسارعة إلى الخير متى علم العبدُ به.
4- الرجوع إلى أهل العلم الربانيين لا سيما في أوقات الفتن.
5- التواضع، والمُهم الأكبر هو نُصرة دين الله -تعالى-، والدعوة إليه لا إلى أنفسنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: (طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ كَانَ فِى الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِى السَّاقَةِ كَانَ فِى السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري).
6- ما أجمل خُلُق الإقدام والشجاعة في موضعه، وأجمل منه خُلُق الإحجام في موضعه؛ لأن هذا لا يعرفه إلا أهل العلم.
7- أعظم الغزوات هي التي يُقتل فيها قائد الأعداء، كما قال ابن كثير -رحمه الله- عند قوله -تعالى-: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) (البقرة:251): “فيه دلالة على شجاعة داود -عليه السلام-، وأنه قتله قتلاً أذل به جنده، وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يُقتل فيها ملك عدوه، فيُغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويؤسر الأبطال والشجعان والأقران، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويُدال أولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه” اهـ من قصص الأنبياء ص482.8- مشروعية الفطر في شهر رمضان للتقوِّي به على قتال الأعداء.
9- مَن نصر الله -تعالى- نصره الله -تعالى-، وأعزه وأقرَّ عينه.
10- الدعاء لا سيما عند الشدائد ومقاتلة الأعداء (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر:60).
11- محبة الصحابة -رضي الله عنهم- والترضِّي عليهم، ونشر محاسنهم، والتصدِّي للروافض أعداء الصحابة -رضي الله عنهم-.
وصلى الله على محمد، وآله وصحبه وسلم.