رويترز تكشف بالتفصيل كيف أخفى نظام الأسد آلاف الجثث بالصحراء
صورة من الجو لموقع المقبرة الجماعية في صحراء الضمير شرق دمشق
كانت رائحة الموت التي لا تخطئها الأنوف تعبق الأجواء على طول الطريق الصحراوي السوري أربع ليال أسبوعيا على مدار عامين تقريبا.. إنها رائحة عشرات الآلاف من الجثث التي تنقلها شاحنات من مقبرة جماعية إلى أخرى في موقع سري.
كان ممنوعا على السائقين مغادرة سياراتهم بينما أقسم الميكانيكيون ومشغلو الجرافات على التزام الصمت، فقد كانوا يعلمون جيدا أنهم سيدفعون حياتهم ثمنا للتحدث علنا. كانت أوامر "عملية نقل الأتربة" شفهية فقط وأشرف عليها ضابط سوري برتية عقيد، قضى ما يقرب من عقد من الزمن في دفن قتلى الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
صدرت أوامر نقل الجثث من القصر الرئاسي. وأدار العقيد، المعروف باسم "أستاذ التطهير"، العملية من 2019 حتى 2021. كانت المقبرة الأولى، في بلدة القطيفة بريف دمشق، تضم خنادق مليئة برفات أشخاص ماتوا في السجن أو أثناء الاستجواب أو خلال القتال. وكشف نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان عن وجود تلك المقبرة الجماعية خلال سنوات الحرب الأهلية، وكانت تعتبر لفترة طويلة واحدة من أكبر المقابر الجماعية في سوريا.
لكن تحقيقا أجرته رويترز خلص إلى أن حكومة الأسد قامت سرا بالحفر في موقع القطيفة ونقلت آلاف الجثث بالشاحنات إلى موقع جديد في منشأة عسكرية تبعد أكثر من ساعة في صحراء الضمير.
في تقرير حصري نُشر يوم الثلاثاء (14 أكتوبر/تشرين الثاني 2025)، كشفت رويترز عن مخطط إعادة الدفن السري ووجود المقبرة الجماعية الثانية. ويمكن لرويترز الآن أن تكشف، بتفاصيل دقيقة، كيف نفذ المسؤولون هذه المؤامرة وأبقوها طي الكتمان لمدة ست سنوات.
رويترز استخدمت الأقمار الصناعية والمسيَّرات
تحدثت رويترز إلى 13 شخصا على دراية مباشرة بالجهود التي استمرت عامين لنقل الجثث، وحللت أكثر من 500 صورة من صور الأقمار الصناعية للمقبرتين الجماعيتين التُقطت على مدى أكثر من عقد، والتي لم تُظهر فقط إنشاء مقبرة القطيفة، ولكن أيضا كيف توسع الموقع السري، مع إعادة فتح خنادق الدفن وحفرها، حتى غطى مساحة شاسعة من الصحراء.
استخدمت رويترز التصوير الجوي بالطائرات المسيرة للتأكد من نقل الجثث. وبإشراف خبراء في الجيولوجيا الجنائية، التقطت رويترز أيضا آلاف الصور بطائرات مسيرة وعلى الأرض للموقعين بهدف إنشاء صور مركبة عالية الدقة. وفي صحراء الضمير، أظهرت رحلات الطائرات المسيرة أن التربة غير المستوية حول خنادق الدفن كانت أكثر احمرارا وقتامة من المناطق المجاورة المستوية، وهو نوع التغيير المتوقع إذا أضيفت تربة القطيفة إلى تربة صحراء الضمير، وفقا لما ذكره بنجامين روك ولورنا داوسون الخبيران الجيولوجيان اللذان قدما المشورة لرويترز.
تنتشر المقابر الجماعية في أنحاء سوريا، لكن الموقع السري الذي اكتشفته رويترز يعد من بين أكبر المواقع المعروفة. ومع ما لا يقل عن 34 خندقا يبلغ طولها الإجمالي كيلومترين، تعد المقبرة الواقعة بالقرب من بلدة الضمير الصحراوية من بين أوسع المقابر التي تم حفرها خلال الحرب الأهلية التي مزقت البلاد.
وتشير روايات الشهود وأبعاد الموقع الجديد إلى احتمال دفن عشرات الآلاف هناك. وقررت رويترز عدم الكشف عن الموقع لحمايته من التلاعب. وبعد نشر التقرير الأول لرويترز، قالت الهيئة الوطنية للمفقودين التابعة للحكومة إنها تواصلت مع وزارة الداخلية لحماية الموقع وفق الآليات المتبعة لديهم. وأوضحت اللجنة لرويترز أن نقل الجثث بشكل عشوائي إلى موقع الضمير سيجعل عملية تحديد هوية الضحايا أكثر تعقيدا.
وقالت اللجنة: "ما تكشف عنه عمليات نقل التربة الأخيرة لا يقتصر على بعد سيادي أو لوجستي، فلكل أسرة مفقود معاناة خاصة تتشابك مع تعقيدات علمية قد تحول مهمة التعرّف إلى مشروع تقني طويل ومكلف".
وفقا لشهود شاركوا في العملية، كانت ست إلى ثماني شاحنات مليئة بالتراب والبقايا البشرية والديدان تتوجه إلى موقع الضمير الصحراوي أربع ليال تقريبا كل أسبوع. وبحسب شهود، بما في ذلك سائقا شاحنتين وثلاثة فنيين لإصلاح السيارات وسائق جرافة وضابط سابق من الحرس الجمهوري التابع للأسد شارك منذ الأيام الأولى في عملية نقل الجثث، التصقت الرائحة الكريهة بملابس وشعر جميع المشاركين.


.jpg)


.jpg)
.jpg)




