دخلنا الأسبوع الثانى من الجدل المثار حول عمليات السمسرة على دماء شهداء الثورة، بينما فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وفضيلة مفتى الجمهورية لا حس ولا خبر، أذن من طين والأخرى من عجين، وكأن القضية تخص شعبا آخر ودولة أخرى غير مصر، ربما لم تصل إلى مسامع أفاضلنا أنباء ثورة سلمية بيضاء قام بها المصريون ودفعوا ثمنها نحو ألف شهيد من فتيانها وعدة آلاف من المصابين.
لقد كنا نتصور أن الثورة حررت الأزهر ودار الافتاء من ربقة التبعية للسلطة السياسية الحاكمة، غير أن الأمور تجرى على نحو مغاير لهذا التصور على طول الخط، حيث يكتفى الإمام الأكبر والمفتى بالفرجة على ما يجرى فى بورصة التنازلات عن حقوق الشهداء، ما شجع جهات أخرى لكى تستثمر فى فتاوى الدية.
وإذا سألتهم أين شيخ الأزهر والمفتى مما يجرى يكون الرد أنهما لا يزالان يدرسان الأمر ويبحثان القضية!
إن كل ما يردده سماسرة التنازلات عن الدية الشرعية كاذب وملفق، فمن أين يعترفون بأن التنازلات تكون مقابل مئات الآلاف من الجنيهات كدية للشهيد، بينما نماذج الإقرارات تقول بالحرف «أقر بمحض إرادتى وبدون مقابل مادى بأننى لم أشاهد الضابط (.....) وهو يطلق النار من أعلى مبنى قسم شرطة (....) حيث إن الظلام حالك ولم أستطع أن أميز الضابط عن غيره».
ولا معنى لهذه اللعبة إلا أنها تهدف إلى إفساد القضية من خلال التلاعب فى أقوال المدعين، وليس الحصول على الحق الشرعى، بما يؤكد أن المقصود فى النهاية هو تضليل العدالة.
ولعل ما حدث مع بعض مصابى الثورة فى بنى سويف ما يكشف أن المسألة كلها تجارة وسمسرة، ووفقا لما رواه أحدى أهالى المصابين لى فقد حدث أن مورست ضغوط على بعض المصابين لكى يتنازلوا عن الشق المدنى مقابل مبالغ كبيرة، وتم تسجيل التنازل فى الشهر العقارى، غير أنهم اكتشفوا فى يوم التسجيل أن أوراق التنازل مع محامى الضباط المتهمين، وبها تعديلات وتغييرات غير التى وقعوا عليها، حيث اشتملت على تغيير أقوال الضحايا فى محاضر الاتهام، فتوجهوا إلى مكتب المحامى العام وقاموا بإبطال وإلغاء هذه التنازلات.
وما حدث بعد ذلك هو الجريمة بعينها، حيث قام الضباط المتهمون بتلفيق قضية سرقة موتوسيكل بأثر رجعى لأحد مصابى الثورة بتاريخ اليوم نفسه الذى أصيب فيه 29 يناير، بل وصدر ضده حكم بالحبس لمدة عام، عقابا له على إلغاء التنازل بعد اكتشافه خديعة تغيير الأقوال.
والسؤال هنا: إذا كان هذا الشاب لص موتوسيكلات فما الذى يدفع السيد الضابط لكى يدفع له مبلغا كبيرا مقابل التنازل عن اتهامه له بإصابته بالرصاص؟ وإذا أضفت إلى ذلك أنه ليس فقط مصابا بل شاهد عيان على عملية إطلاق الرصاص على المتظاهرين فإننا نكون أمام مشهد مطابق تماما لما كان يجرى أيام حبيب العادلى.
غير أن الجريمة الأكبر هى الصمت الأقرب للتواطؤ من قبل ممن بيدهم الأمر على إهدار كل القيم الأخلاقية للثورة، بترك قضية الشهداء والمصابين ليلهو بها سماسرة وأفاقون وتجار فتاوى.
ولهذا وغيره قررت مصر أن تعود إلى الميدان اليوم لتحرير الثورة من خاطفيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى