لأول مرة لا أجدنى متحمساً لكتابة هذا المقال الأسبوعى القصير رغم غيابى الأسبوع الماضى بسبب وعكة صحية. ذلك أن ما حدث عشية الجمعة ونهارها يترك الإنسان الذى يحاول أن يكون منصفاً فى مساحة عريضة من المشاعر المتناقضة.
الملمح الأول يخطفك مباشرة إلى رمال سيناء الحبيبة وهى ترتشف مرة أخرى من دماء أبناء مصر الذين سقطوا هذه المرة لا بأيدى مجرمى بنى إسرائيل وسفاحيهم، بل بأيدى فئة من أبناء الوطن تحمل رايات سوداً وتدعو إلى إقامة «إمارة إسلامية».
والملمح الثانى أعلام دولة أجنبية، حتى وإن كانت عربية، تغزو قلب العاصمة بينما يهتف حاملوها: «يا أوباما يا أوباما كلنا هنا أسامة»، بينما يمسك بعضهم بتلابيب طالب أزهرى وهم يطردونه من الميدان مرددين: «لا إله إلا الله، العلمانى عدو الله»، ويمنع بعضهم الآخر جماعة من الصوفيين من الدخول أصلاً لأنهم «مشركون مشركون».
والملمح الثالث شيخ المقاومة الشعبية فى السويس يشكر «أهالى» العباسية على اعتدائهم على الثوار، بينما يتهم خطيب مسجد النور جميع مرشحى الرئاسة بالعمالة إما لأمريكا أو لإسرائيل، والجماعة الإسلامية ترفع شعاراً «كتاب الله يحرق الأخضر واليابس»، وبعض السلفيين يحتلون منصة «6 أبريل» ويهاجمون منصة «كفاية» بالزجاجات الفارغة.
أما الملمح الرابع، وهو من أكثرها جميعاً ألماً وقسوة، فهو أن يتحول واحد من أنبل هتافات الثورة، ومن أكثرها استنفاراً للكرامة الإنسانية والوطنية، ومن أجرئها مجابهة لعقود طويلة من الذل الذى عانينا منه جميعاً بلا استثناء - إلى هتاف آخر يقصم ظهر الأمة فى المنتصف ويصيب منها قاع النخاع الشوكى، أن يتحول هتاف «ارفع راسك فوق أنت مصرى» إلى «ارفع راسك فوق أنت مسلم».
عندما اصطدمت أذنى لأول مرة بهذا الهتاف المحرف أصابنى خليط من المشاعر، أولها رجفة مفاجئة تستدعى إلى القلب صورة صديق مسيحى يقف فى الميدان فى تلك اللحظة. ماذا ينتظرون من صديقى وأخى فى الوطن أن يفعل الآن؟ أن ينكس رأسه؟ أو أن يختبئ فى الصفوف ذلاً وعاراً؟ أو أن يتلاشى من الوجود كأنه لم يكن؟ ماذا عسى صديقى وأخى فى الوطن أن يشعر الآن وهو الذى فرد ذراعيه وقد جعل من جسده حلقة فى سلسلة بشرية من المسيحيين الذين حموا ظهور إخوتى فى الإسلام وهم يسجدون لله محاطين بالأذى من كل جانب، حتى تأكدنا معاً فى النهاية من ذهاب الديكتاتور الفاسد؟
ثم تزيد المفارقة ألماً حين ترى صورة لشاب يبدو «مدنياً» يحمل فى الزحام لافتة مكتوباً عليها بخط اليد: «والله أنا مسلم»، وإلى جواره شاب آخر يبدو «ليبرالياً» يحمل بدوره لافتة أخرى مكتوباً عليها: «وأنا كمان والله».
اللهم اهدنا جميعاً إلى إدراك أن بين أيدينا وفى قلوبنا ديناً – مع كامل الاحترام لكل الأديان – هو سيد الليبرالية. إن الله عز وجل ليس فى حاجة إلى أحد منا، وحين يقول لنا فى محكم آياته: «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» دعونا نرحم أنفسنا لعل الله يرحمنا. ثم دعونا نواجه معاً عدواً واحداً مشتركاً يتضاحك علينا فى هذه اللحظات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى