ارتعشت يد فاروق الأول، ملك مصر والسودان، وهو يوقع على وثيقة التنازل عن العرش، ولأن التوقيع يحمل ملامح هذا الارتعاش مما دعا على باشا ماهر أن يطلب منه التوقيع مرة أخرى في أعلى ورقة التنازل بخط واضح، وكان فاروق قد حزم حقائبه تمهيدًا للسفر على ظهر السفينة الملكية "المحروسة"، حتى تحمله إلى الشاطىء الآخر من البحر الأبيض المتوسط، هناك في إيطاليا الأثيرة لديه ويغادر الإسكندرية والأراضى المصرية كلها إلى الأبد ولا يعود، إلا جثمانًا يدفن خلسة في أرضها في آخر أيام شهر مارس 1965 بعد أن توفي غريبا في إيطاليا في يوم 18 من الشهر نفسه.
وكان يوم 26 يوليو 1952 هو آخر يوم في حياة فاروق كملك لمدة 16 سنة منذ يوم 28 أبريل 1936، ذلك بعد أن أجبره الجيش على مغادرة البلاد، بعد 3 أيام فقط من قيام الثورة صبيحة يوم 23 يوليو.
كان ثوار يوليو لديهم الكثير من الدوافع التى جعلتهم يطيحون بعرش فاروق ووضع نهاية لأسرة محمد على التى تولى رأسها الكبير "محمد علي باشا" بإرادة ثورة شعبية فرضته على السلطان العثماني عام 1805.
فبإرادة الشعب جاء رأس الأسرة وبإرادة جيش الشعب خرج آخر ملوكها.
لكنه لم يخرج مذئوما مخذولا، رغم دوافع الثوار التى جعلتهم يطيحون به.
فقد كان فاروق مسئولًا عن الفساد السياسي والمالى في الحياة السياسية المصرية، بعد أن سيطرت عليه حاشية من المنتفعين، مع أن الشعب المصري لم يحب ملكًا في الأسرة العلوية مثلمًا أحب فاروق في أول عهده.
كما كان مسئولًا عن ضياع فلسطين وكان جيشه يتعرض للمؤامرات الدولية على أرضها فيتحول نصره إلى حصار ثم هزيمة مريرة، مازالت جرحا يشغب بالدم في حياة كل عربي.
ثم جاء حادث الإسماعيلية في 25 يناير باقتحام قوات الاحتلال البريطاني مقر البوليس المصري وإطلاق النار على من فيه وتركهم مابين قتيل وجريح في صفعة للكرامة المصرية،أنتجت غضبا شعبيا (ثأرًا لشهداء الشرطة) وحريقًا في اليوم التالى في قلب القاهرة، ولم يزل ذكرى مريرة وما زال غامضا حتى الآن .
ثم أخيرا موقفه المخزي في انتخابات نادي ضباط الجيش المصرى التى تحدى فيها الضباط الأحرار رجال فاروق في الجيش وأسقطوهم ولم ينسها لهم حتى أصدر قرارًا بحل مجلس إدارة النادى الذي رأسه اللواء محمد نجيب، فكان تحديًا سافرًا للضباط الأحرار قبل قيام الثورة باثني عشر يومًا.
وعندما علم فاروق بأمر الثورة، وهو في مقره الصيفي بالإسكندرية، اتخذ قرارًا بالرحيل قبل أن يجفف جلده من ماء البحر أمام شاطئ المنتزه.
ولكن للأسف كل الذين خاضوا في فاروق لم يحمدوا له صنيعه هذا عندما حقن دماء المصريين ولم يرد أن تنزف نقطة واحدة من دم مصري في سبيل ال
دفاع عن عرشه، بل لم يصدر أمرًا بمقاومة الضباط الذين يسعون لخلعه من على العرش ولم يلجأ لأي قوى داخلية او خارجية.
وكان بوسعه كملك أن يفعل الكثير.
وقبل أن يرحل فاروق كان قد كلف الداهية العجوز على ماهر أن يرأس وزراء مصر، وهو الذي اختاره الثوار بأنفسهم ليكون أول رئيس لوزراء الثورة، رغم ضلوعه كواحد من رموز النظام السابق الذي انهار بالثورة، فقد سبق أن تولى ماهر رئاسة الوزراء 4 مرات في العهد البائد كما كان رئيسًا للديوان الملكي، ولكن كان لقبه رجل الأزمات لأن حنكته السياسية ودهائه منقطع النظير جعله يحتفظ بمسافات متساوية مع الجميع.
وكان بوسعه كملك أن يفعل الكثير.
وقبل أن يرحل فاروق كان قد كلف الداهية العجوز على ماهر أن يرأس وزراء مصر، وهو الذي اختاره الثوار بأنفسهم ليكون أول رئيس لوزراء الثورة، رغم ضلوعه كواحد من رموز النظام السابق الذي انهار بالثورة، فقد سبق أن تولى ماهر رئاسة الوزراء 4 مرات في العهد البائد كما كان رئيسًا للديوان الملكي، ولكن كان لقبه رجل الأزمات لأن حنكته السياسية ودهائه منقطع النظير جعله يحتفظ بمسافات متساوية مع الجميع.
ورحل فاروق في احتفال مهيب وشهير وهو يرتدي زي البحرية العسكرية ويتلقى التحية من الضباط الثائرين عليه، وتطلق المدفعية 21 طلقة تحية وداع للملك المخلوع وصوت مذيع الإذاعة المصرية يجلل في الراديو وهو ينقل وقائع احتفال الوداع الأخير لجلالة الملك الذي رحل.
وروى المرحوم حسين الشافعي في حديث تليفزيوني مسجل "كان قد أذيع على شاشة التليفزيون المصري منذ عدة أعوام في أحد أعياد الثورة المصرية"، كيف أنه كان بصحبة محمد نجيب قائد الثورة للذهاب لحضور مراسم الوداع ولكنهما وصلا متأخرين ليخبرهما على ماهر بأن"المحروسة" قد تحركت بفاروق وعرض عليهما استقلال "لنش" ليلحلقا بالملك لوداعه فلم تكن المحروسة قد ابتعدت عن شواطئ الإسكندرية، فلم يتوانيا وذهبا إليه في عرض البحر ليودعاه وداعا شخصيا، وهما اللذان على رأس الذين سلبوه ملكه وأنزلوه من عرش آبائه، وذلك بعد أن تمت مراسم وداع رسمية تليق بملك مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى