آخر المواضيع

آخر الأخبار

09‏/07‏/2011

الادارة الامريكية تعيد فتح مصر بالمال والدبلوماسية والاعلام

84

محمد عبد الحكم دياب

أكتب هذه الكلمات ولم تبق إلا ساعات تفصلنا عن مليونية 'الثورة أولا' التي خرجت أمس وأملنا أن تكون قد حققت هدفها في تجديد الثورة وتصحيح مسارها، واستمرارا لما بدأناه الأسبوع الماضي عن عوامل مؤثرة سلبا على الثورة؛ نستكمل بعضه بتناول عوامل خارجية، تخص الدور الأمريكي، كنموذج يجُب أدوار غيره في المنظومة الغربية التابعة. ودون مقدمات فإننا نعيد التذكير بأن السياسة الغربية، وفي طليعتها الأمريكية محكومة بوحدة المصلحة الاستراتيجية؛ ولها أبعاد ثلاثة.. الأول يقوم على السيطرة على مناطق مخزون الطاقة في المنطقة العربية، والثاني يضمن بقاء ووجود الدولة الصهيونية وحماية أمنها، والثالث يمتد ليكبح حركات التحرير والتمرد والثورة بما يعرف بمكافحة الإرهاب، والمنطقة العربية ومحيطها الإسلامي مستهدفة بهذه الحرب حتى لو أبيدت وتم تهجير كل سكانها، ولنا في العراق والصومال والسودان وأفغانستان وباكستان المثل الواضح.
إذن ما يقال عن ازدواج المعايير الأمريكية ليس صحيحا من وجهة نظري على الأقل، فثمة ما يمكن تسميته بأحادية المعيار؛ وهو وحدة المصلحة الاستراتيجية. والإدارة الأمريكية لن تعمل لغير صالح الولايات المتحدة؟ فكل المنظمات والمؤسسات الأمريكية تنشر الثقافة التي تخدم مصالحها، ولا تدعو لمبادئ تعاكسها. فمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات تتهاوى أمام تلك المصالح، والقضية الفلسطينية الشاهد الأكبر على ذلك منذ الإقدام على جريمة اقتلاع شعب تتحمل فيه الامبراطورية البريطانية المسئولية الأخلاقية والقانونية والتاريخية، وورثتها إمبراطورية أمريكية على نفس المعايير الاستعمارية والعنصرية.
معيارنا أن كل الوعود التي قطعها الغرب على نفسه زمن الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية، ومن بعدهما الوريث الأمريكي؛ كل الوعود التي قطعها لليهود نفذت بكاملها، وزادتها الحروب على المنطقة فوق ما تم الوعد به. أما الوعود المقابلة للعرب منذ حملة نابليون مرورا بمعاهدة سايكس بيكو، وصولا إلى عودة عصر الغزو العسكري مرة أخرى لأفغانستان والعراق، تلك الوعود لم ينفذ منها شيء بل على العكس صار وعد الدولة الفلسطينية، الذي لن يرى النور محصورا في 22' من أرض فلسطين التاريخية. والمصلحة الغربية وضعت بلادنا على قوائم انتظار أحكام الإعدام التي تصدر عن مؤسسات الغرب تباعا، وكلما حل الدور على بلد فتح الأبواب لنهب جديد للثروات وسرقتها من مناطق الوفرة المالية لتمويل الحروب ضد دول الكثرة البشرية، والمصلحة الغربية في حاجة دائمة للمستبدين والقتلة والفاسدين والخونة واللصوص، وكيف تكون مع الثورة إذن؟!.
بعد درس الثورة الإيرانية اعتادت الإدارة الأمريكية ركوب موجة الثورات واستخدام أساليب المراوغة والتدليس، واضطرت لإصدار تصريحات سياسية وإعلامية تأييدا لثورتي تونس ومصر. وأبناء المنطقة على قناعة منذ ما قبل عصر عبد الناصر، وهو الذي كان يستخدم السياسة الأمريكية كبوصلة تهديه إلى سلامة سياسته؛ كان يستيقظ صباحا متابعا الموقف الأمريكي، إن كان ودودا ارتاب فيه، وأيقن أنه مخطئ، أما إذا وجده على طبيعته العدائية فمعناه أن سياسته سليمة، وعليه أن يعززها ويطور منها. والسياسة الأمريكية في سعيها جاهدة لاختراق الثورة؛ بالتمويل والتدريب الزيارات والمنح المقدمة من احتكارات أمريكية وصهيونية مهمتها ترسيخ قواعد التبعية التامة لإرادتها؛ هذه السياسة لا تقبل بأقل من الاندماج في المشروع الصهيو غربي، الذي تتشكل على أساسه المنطقة ويعاد رسمها من جديد.
وبدأ الجهد الإعلامي والصحافي الأمريكي لاحتواء الثورة متزامنا مع إغراءات القروض، والإغداق المالي على منظمات أهلية لها علاقة بالمؤسسات والمنظمات والسياسات الغربية، ولفت نظري تقرير يشعر قارئه بأنه أمام سيناريو لفيلم هابط، وقد نشر على موقع 'ديلي بيست' التابع لمجلة نيوزويك الأمريكية عن 'مدرسة المدونين الثوريين' بوزارة الخارجية الأمريكية، والتقرير حرره بيتر ماكديارميد وجيني إيماج؛ عن اشتراك شاب مصري في دورة تدريبية يتولاها فريق مكون من دبلوماسي كان يعمل مع جورج بوش الابن وعدد من أعضاء حملة أوباما في نيويورك، وذلك في نهاية 2008، قبل بداية اندلاع الثورات العربية بعامين.
ومن باب التشويق ذكر التقرير أن الناشط المصري وهو في طريقه إلى المعهد لم يترك وهو يغادر مطار القاهرة علامة تكشف عن وجهته، وإمعانا في التمويه ذهب إلى مسؤول الأمن طالبا تفتيشه؛ بدعوى أنه على قوائم الترقب، ويسأله الإسراع ليلحق بالطائرة، لكن رجل الأمن لم يفعل. وبعد ثلاثة أيام كان الشاب جالسا في غرفة بمساكن كلية الحقوق بجامعة كولومبيا على أطراف حي مانهاتن بنيويورك مع ثلاثة بدأوا العمل لتوهم ضمن فريق باراك أوباما المعني بوسائط التواصل الألكترونية، وأورد التقرير أسماءهم، وتركزت المناقشات حول إتاحة هذه الوسائط لعامة الناس.
وأشار التقرير إلى أن الكثير كان قد تحقق مما تم الاتفاق عليه في جلسة 2008؛ قبل أسبوع من ثورة 25 يناير، وكان موقع ويكيليكس قد سرب معلومات عن دعم سري لما أسماهم المتمردين المصريين، ونشر وقائع الدورة وأسماء المتحدثين والموضوعات التي تم تناولها. وكان المنظمون قد حرصوا على عدم البوح بشخصية الناشط المصري حماية له من ملاحقة الأمن المصري.
ودعت لهذا الدورة منظمة غير حكومية هي 'ائتلاف حركة الشباب'؛ ومولتها وزارة الخارجية، وانحصرت مهمتها في بيان قوة تأثير وسائط التواصل الالكتروني وكيفية استخدام الرسائل النصية (إس إم إس) كوسيلة لا تحمل أجندة بعينها؛ غير الدعوة للتصدي للقمع والاضطهاد واستخدام العنف.
وأثناء التدريب انقسم المشاركون إلى مجموعتين كل منهما إثني عشر مشاركا من بلاد عدة، واتخذ الشاب المصري مكانه ضمن فريق متنوع ومختلف؛ فيهم كولومبي يقول التقرير انه استطاع تحريك 12 مليون شخص في مسيرة ضخمة ضد حركة مقاومة ماركسية مسلحة معروفة باسم فارس FARC، ومنهم طالب فنزويلي معروف بأنه كان وراء الاحتجاجات المعادية للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، ومشاركون ليست لهم دوافع سياسية، وضرب مثلا بناشط سريلانكي يكافح مرض الإيدز في بلده، وبمن يعملون ضد الإبادة، وآخرون في شبكة العمل العالمية من أجل بورما، بجانب نشطاء ضد استخدام الأسلحة البيضاء ومقرهم لندن. وكان ضمن البرنامج محاضرة ألقاها المؤسس المشارك لشبكة الفيسبوك عن أصول وطرق التغيير الاجتماعي، وأشار إلى وجود عدد من موظفي وزارة الخارجية بين الحضور؛ أحدهم جيمس غلاسمان السكرتير المساعد لشؤون الدبلوماسية العامة في إدارة جورج بوش الصغير. وكان حلمه عندما التحق بوزارة الخارجية هو المساعدة في تأسيس حركة ضد العنف في أنحاء العالم.
وأفصح غلاسمان عن المخاطر من وراء جلب عضو من حركة 6 إبريل؛ في وقت كانت فيه الإدارة الأمريكية تدعم مبارك وتمنحه المساعدات المالية والعسكرية، وأقر أن الدورة جاءت 'ملائمة للاستراتيجية العامة بخصوص مصر'، وتقوم على تنمية المجتمع المدني وترويج الديمقراطية في الأوساط الشعبية قدر المستطاع، وساعد غلاسمان نشطاء مصريين آخرين، ولم يكن يقلقه معرفة المسؤولين المصريين بما جرى في الاجتماع من عدمه، لكنه غضب حين عرف بمنع ناشط آخر من الصعود إلى الطائرة في مطار القاهرة الدولي.
بعد الدورة التدريبية اتصل الناشط المصري بوزارة الخارجية وبمسؤولين في الكونغرس، ثم واصل لقاءاته بالسفارة الأمريكية بالقاهرة لمناقشة ما تسرب من برقيات ووثائق ويكيليكس عن تفاصيل الدورة. وفي رحلة العودة كان الشاب قلقا مما قد يتعرض له بسبب الرحلة، وعلى الرغم من تفتيشه ومصادرة كراسة دون فيها ملاحظاته عن الدورة لكن لم يقبض عليه، واستمر في نشاطه، وألقت الشرطة القبض عليه عدة مرات، كان آخرها مظاهرة 17 حزيران/ يونيو الماضي.
لم يكن هدف هذه السطور بيان صدق أو كذب ما نشر، بل إعادة إكتشاف أمريكا وهي تتعامل مع ثورة 25 يناير، وجرأتها في تصوير الأمر وكأن الثورة المعجزة صناعة امريكية، بمعنى أنها صنعت عملا قد يقضي على رجالها وعلى من اعتمدت عليهم وحققوا لها ما أرادت، وهذا العمل الإعجازي أضحى سهلا لمجرد أن السلطات الأمريكية عثرت على شاب مصري قبل الالتحاق بالمعهد، وما عليه إلا الإمساك بجهاز تحكم عن بعد (ريموت كونترول) فتتحرك الجماهير لتصنع أكبر وأعظم ثورة عرفها التاريخ؛ بعد عقود من الجهد والمال والسلاح والتآمر والفتنة والإفقار، فحققت ما حققت، وتمكنت من دمج السياسة المصرية بالمشروع الصهيوني، وجعلت من حسني مبارك كنزا استراتيجيا في خدمة دولته، وهذا الشاب المحسوب على الثورة؛ جعل منه الأمريكيون رجلا خارقا (سوبرمان) يحرك الملايين في طول مصر وعرضها، ويقودهم مخدرين كقطيع (حاشا لله) يتحرك بإصابع ساحر تخرج من معهد تابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
وقد يجد هذا السيناريو الهابط صدى لدى البعض، فيتناسون أن الثورة فاجأت العالم، وينسون أقوال وتصريحات أوباما وهيلاري كلينتون المؤيدة لحسني مبارك، ولا تخفي السلطات الأمريكية نواياها، ولا تمول أحدا في السر، وصرحت السفيرة الأمريكية الجديدة بالقاهرة بأنهم أنفقوا 40 مليون دولار بمصر منذ قيام الثورة، وأن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول على نصيبها من المبلغ، وأعلنت ذلك أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وخلال الجلسة، قالت باترسون إن المعهد القومى الديمقراطى، والمعهد الجمهورى الدولي، يعملان على تشجيع الديمقراطية ودعم وتنمية قدرات منظمات المجتمع المدني المصري، وأضافت أنه تم تخصيص 65 مليون دولار للمساعدات المتعلقة بدعم الديمقراطية في مصر، وهناك 150 مليون دولار أخرى لتشجيع النمو الاقتصادي.
وفي الوقت الذي نفت فيه السفيرة الجديدة وجود شروط على المساعدات، ذكرت جوانب يتم ربط المساعدات بها، ومؤكد عليه في المساعدات الموجهة للصحة والتعليم، مشيرة إلى أن الرقابة على إنفاق المساعدات الاقتصادية في مصر تتم عبر برنامج المراجعة والمحاسبة التابع لمبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ومكتب المراجع العام بالقاهرة، والاثنان لهما قواعد وإجراءات صارمة في المراجعة والرقابة. وكل ذلك يتم بمعرفة سلطات البلدين، ومعنى هذا أن السلطات المصرية على علم بهذا ووافقت عليه!
وجاء حديثها مطمئنا أعضاء لجنة العلاقات الخارجية على قوة معاهدة 'السلام' وكأنها سفيرة تل أبيب في مصر، وشددت على أن استمرار المعاهدة 'على رأس أولويات الحكومة الأمريكية في المنطقة'. ويا قلبي لا تحزن!
' كاتب من مصر يقيم في لندن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى