لم يكن مشهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك داخل القفص في أولي جلسات محاكمته هو وأركان نظامه انتصارا فقط لثورة 25 يناير «العظمي» التي أسقطت الفرعون من عرشه ولكنها أيضا كانت انتصارا كبيرا و«سماويا» لمن مهدوا للثورة من غير الشباب «الذين قادوا وخططوا ووجهوا الضربة الأولي والكاسحة للنظام السابق وذلك في الفترة من 25 إلي 28 يناير وقبل أن يهب الشعب كله».. قبل الشباب بسنوات كان هناك كتاب ومثقفو وصحفيو مصر الذين خاضوا معارك ودفعوا أثمانا ومهدوا الأرض ونبهوا إلي أن هناك طريقا واحدا فقط للتعامل مع نظام مبارك .... وهو الإطاحة به .. !
كان لافتا أن خرجت بعض الأصوات «قليلة العدد منفلتة التعبيرات جهولة الأداء» تطالب بالرحمة والعفو عن مبارك خاصة أن صورته وصوته في القفص يثيران التعاطف مع رجل مسن ومريض. واشتبكت بعض هذه العناصر أمام أكاديمية الشرطة مع أهالي الشهداء.
هل يعرف هؤلاء من هو حسني مبارك وأي نوع من الطغاة هو؟... لكي نعرف عدم استحقاق مبارك لأي نوع من التعاطف، بل ضرورة الابتهاج الوطني العام بمحاكمته وظهوره العلني الذليل في محاكمة عادلة لابد أن نتذكر مئات الجرائم وصور الفساد والنهب العام وتسليم مقدرات مصر لإسرائيل واختيار أسوأ العناصر في الغالبية العظمي من مناصب الدولة، ولكن إلي جانب ذلك لابد أن نعرف أيضا أن هذا الرجل «الممثل» داخل القفص والحريص علي استعطاف فئة وهمية اسمها «الأغلبية الصامتة» لم يعرف الرحمة ولا الإنسانية مع خصومه الذين لم يكن بينه وبينهم أي خصومة شخصية .. بل معارضون ومفكرون محترمون مارسوا دورهم بالتنبيه علي الفساد والاستبداد.
أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر وقف مفكر مصري عظيم اسمه عباس محمود العقاد ليقول في البرلمان أن الأمة علي استعداد لأن «تسحق» أكبر رأس في البلاد يخون الدستور وقام الملك في ظل سلطة الاحتلال بسجن العقاد 9 أشهر وعومل العقاد باحترام بالغ وكتب مقالات وقصائد شعر ... لكن ماذا فعل «الديكتاتور المصري» مع معارضيه؟
اعتمد مبارك منذ بداية حكمه خطة شديدة الدهاء والخبث والمكر والخداع في التعامل مع المعارضة السياسية والصحفية .. لقد قرر «هندسة وبناء» حياة حزبية وصحفية وهمية فيها المؤيد والمعارض علي أن يكون الجميع تحت سيطرته هو والسيد صفوت الشريف، لكن إذا حدثت معارضة جذرية من الخارجين عن سيطرة الأجهزة الأمنية أو الذين يتعاملون مع الوطن لا بمنطق المصالح بل بمنطق المعارضة الحقيقية والرغبة في التغيير فإن الديكتاتور وأذنابه يكشرون عن أنيابهم ويفعلون أي شيء!
ولعل الدكتور عبد الوهاب المسيري المفكر والكاتب هو صاحب النموذج الأكثر وضوحا في مدي شراسة وانحطاط نظام مبارك مع المعارضين.. ولعل صورته في عام 2006 وسط مظاهرة سلمية والعالم كله يعرف أن الرجل مصاب بالسرطان ومع ذلك تنطلق الهراوات الغليظة باتجاه جسده المنهك هي المعادل الموضوعي لصورة مبارك في القفص .. ديكتاتور وقاتل وفاسد يحاكم علي جرائمه.. ومفكر يسحق لمواقفه.. الدكتور المسيري المولود في عام 1938 والحاصل علي الدكتوراة في الأدب الإنجليزي عام 69 والذي تعتبره مراكز أكاديمية كثيرة واحدا من أرقي العقول في العالم وخصما من العيار الثقيل لإسرائيل والحركة الصهيونية وصاحب عشرات المؤلفات المهمة قرر منذ عام 2004 أن يشتبك أكثر مع الواقع وأن ينزل بنفسه إلي الشارع.
هل يعرف هؤلاء من هو حسني مبارك وأي نوع من الطغاة هو؟... لكي نعرف عدم استحقاق مبارك لأي نوع من التعاطف، بل ضرورة الابتهاج الوطني العام بمحاكمته وظهوره العلني الذليل في محاكمة عادلة لابد أن نتذكر مئات الجرائم وصور الفساد والنهب العام وتسليم مقدرات مصر لإسرائيل واختيار أسوأ العناصر في الغالبية العظمي من مناصب الدولة، ولكن إلي جانب ذلك لابد أن نعرف أيضا أن هذا الرجل «الممثل» داخل القفص والحريص علي استعطاف فئة وهمية اسمها «الأغلبية الصامتة» لم يعرف الرحمة ولا الإنسانية مع خصومه الذين لم يكن بينه وبينهم أي خصومة شخصية .. بل معارضون ومفكرون محترمون مارسوا دورهم بالتنبيه علي الفساد والاستبداد.
أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر وقف مفكر مصري عظيم اسمه عباس محمود العقاد ليقول في البرلمان أن الأمة علي استعداد لأن «تسحق» أكبر رأس في البلاد يخون الدستور وقام الملك في ظل سلطة الاحتلال بسجن العقاد 9 أشهر وعومل العقاد باحترام بالغ وكتب مقالات وقصائد شعر ... لكن ماذا فعل «الديكتاتور المصري» مع معارضيه؟
اعتمد مبارك منذ بداية حكمه خطة شديدة الدهاء والخبث والمكر والخداع في التعامل مع المعارضة السياسية والصحفية .. لقد قرر «هندسة وبناء» حياة حزبية وصحفية وهمية فيها المؤيد والمعارض علي أن يكون الجميع تحت سيطرته هو والسيد صفوت الشريف، لكن إذا حدثت معارضة جذرية من الخارجين عن سيطرة الأجهزة الأمنية أو الذين يتعاملون مع الوطن لا بمنطق المصالح بل بمنطق المعارضة الحقيقية والرغبة في التغيير فإن الديكتاتور وأذنابه يكشرون عن أنيابهم ويفعلون أي شيء!
ولعل الدكتور عبد الوهاب المسيري المفكر والكاتب هو صاحب النموذج الأكثر وضوحا في مدي شراسة وانحطاط نظام مبارك مع المعارضين.. ولعل صورته في عام 2006 وسط مظاهرة سلمية والعالم كله يعرف أن الرجل مصاب بالسرطان ومع ذلك تنطلق الهراوات الغليظة باتجاه جسده المنهك هي المعادل الموضوعي لصورة مبارك في القفص .. ديكتاتور وقاتل وفاسد يحاكم علي جرائمه.. ومفكر يسحق لمواقفه.. الدكتور المسيري المولود في عام 1938 والحاصل علي الدكتوراة في الأدب الإنجليزي عام 69 والذي تعتبره مراكز أكاديمية كثيرة واحدا من أرقي العقول في العالم وخصما من العيار الثقيل لإسرائيل والحركة الصهيونية وصاحب عشرات المؤلفات المهمة قرر منذ عام 2004 أن يشتبك أكثر مع الواقع وأن ينزل بنفسه إلي الشارع.
في هذه المرحلة كان المرض الخبيث ينتشر في جسده وكان قد كتب مذكراته الشخصية وانضم لحركة كفاية كمنسق عام لها، وكان يرفض هذا ويطلب أن يكون عضوا بها فقط وفي عام 2006 وفي مظاهرة للحركة اعتراضا علي التعديلات الدستورية المشبوهة وتسارع إيقاع مخطط التوريث فوجئ الجميع بجحافل من قوات الأمن تتجه نحو الرجل وتسحق عظامه في قلب الشارع وكان رجل مبارك الأثير «حبيب العادلي» يتابع المشهد مباشرة من مكتبه!
صورة الدكتور عبدالوهاب المسيري في المظاهرة وهو محاصر بمحبيه وقوات أمن مبارك تهوي عليه بالعصي المكهربة كانت أيقونة مبكرة للثورة قبل صورة خالد سعيد بسنوات.
الدكتور محمد السيد سعيد المفكر والكاتب والعقل اللامع في مجال التحليل السياسي والذي كان واحدا من «أشرف شرفاء» مهنة الكتابة في مصر كان هو الآخر نموذجا كاشفا لوحشية الرئيس السابق في التعامل مع أصحاب الفكر والمعارضين، فبعد واقعة وقوف الدكتور السيد سعيد أمام مبارك في معرض الكتاب عام 2004 وتصديه بشجاعة لما يقوله الرئيس تلفظ مبارك بلفظ خارج وبذيء يحمل إهانة للرجل، وذلك أمام حشود من كتبة الرئيس السابق الذين صفق بعضهم لبذاءات الرئيس. قبل ذلك بسنوات طويلة كان الدكتور محمد السيد سعيد يتعرض لتعذيب وحشي استمر عدة أسابيع في مقار أمن الدولة بعد دفاعه عن عمال أحد المصانع الذين تم تشريدهم وبيع شركتهم لصالح مستثمرين أجانب ولم يفكر الرئيس مبارك في الاطمئنان علي الرجل، بل اندفعت أقلامه تنهش في سيرة رجل يتعرض للتعذيب. وعندما قرر الدكتور محمد السيد سعيد تأسيس صحيفة اختار لها اسم «البديل» قام النظام بمحاصرتها ولم تستطع الاستمرار لأكثر من عامين، فقد منع كل «رجال» الأعمال أي إعلانات عن الصحيفة وحوربت بشتي الطرق «والكباري» لأنها لعبت دورا رائعا في كشف فساد النظام. ومثل الدكتور المسيري فقد انتقل الدكتور محمد السيد سعيد إلي رحاب الله وهو لا يدري إلي أين تتجه مصر وهو في حالة من الغضب وربما الحزن الذي ساعد علي انتشار المرض في جسده.
في يوليو 2006 أيضا مات «كمدا وحزنا وقهرا وغضبا» عظيم مصري آخر اسمه الدكتور أحمد عبدالله رزة وهو من رواد وقادة الحركة الطلابية في السبعينيات كان رئيسا للجنة الوطنية للطلاب وقائد الاعتصام الطلابي في 1972 للمطالبة بالديمقراطية واستعادة الأرض. الدكتور أحمد عبدالله رزة «مات من الإحساس» هكذا يمكن أن تصف رجلا حصل علي أعلي الدرجات العلمية في العلوم السياسية من جامعة كامبردج وعاش حياة بسيطة ومتواضعة وقرر خدمة البلد بإنشاء مركز لمساعدة الفقراء وتعليم الأطفال في حي عين الصيرة .. إلي جانب كتاباته وكتبه وأبحاثه الفذة وفي عام ,2005 وبعد إلحاح من محبيه وعارفي قدره قرر خوض انتخابات مجلس الشعب وكتب الأستاذ الكبير لويس جريس: «أصدقائي أهالي دائرة مصر القديمة ودار السلام هيا نبدأ الخطوة الأولي.. هيا نضع أيدينا في أيدي الشرفاء في هذا الوطن» وفي الانتخابات كان الدكتور أحمد عبدالله يسير حاملا ميكروفونا ليحيي خصومه ويحث الناس علي المشاركة في الوقت الذي اندفع فيه رجال أمن الدولة وجمعوا بلطجية وألفوا أغنيات تسخر من الرجل وتتهمه بأقذع الاتهامات وقد توفي الرجل كمدا بعد المسخرة التاريخية التي شهدتها انتخابات ,2005 فقد شاهد كل ما آمن به من حرية وعدالة وعلم ومنطق ورغبة في الاستقلال ينهار تحت رؤية تري أن أي مخبر أمن دولة أهم وأكرم عند الرئيس من قائد ومفكر سياسي فذ مثل أحمد عبدالله رزة !
الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر تم سحله أيضا بأوامر مباشرة من مبارك لأنه اعترض علي موقف النظام المصري من تدمير العراق بحجة تحرير الكويت وخلال 6 شهور من عام 94 رأي الشاعر من الأهوال ما لا يمكن وصفه وإلي وفاته كانت آثار التعذيب الوحشي علي كل جسده.
وهو نفس ما حدث مع الدكتور عبد الحليم قنديل الذي تم اختطافه في رمضان من عام 2006 لأنه كان يعارض وبقوة مشروع التوريث ويأبي الدخول في صفقات أمن الدولة التي تتيح له فرصة المعارضة باتفاق مسبق وحسبما يحكي الدكتور قنديل في أكثر من مناسبة، فإن من قاموا باختطافه وتركه عاريا في الصحراء كانوا لا ينتمون للإنسانية بصلة .. هم أبشع من اليهود وكفار قريش مجتمعين !
النماذج متعددة وكلها تكشف أن صورة مبارك في القفص.. أقل ما ينبغي تجاه هذا الديكتاتور البليد المجنون بالسلطة علي حساب الجميع!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى