لماذا ذهب إلي إسرائيل؟.. ولماذا رفض مشروع الضبعة؟
لماذا إبراهيم كامل؟ هل لأنه رجل أعمال؟ هل لأنه صاحب أول شركة مصرية تصنع طائرات ركاب؟ هل لأنه ترأس المجلس المصري - الأمريكي لرجال الأعمال لمدة ست سنوات؟!
الحقيقية أنني فكرت في الكتابة عن هذا الرجل لأسباب أخري تماما لا يعرفها الكثيرون من أبناء الجيل الجديد الذين يتلقون معلوماتهم من بعض برامج الـ«توك شو» السطحية أو صحف الإثارة والتحريض التي لا تروج سوي الإحباط ولا تتحدث سوي عن الخراب والدمار وتتعمد تشويه كل الشخصيات المصرية وتخلط بين الحابل والنابل، ولقد طال إبراهيم كامل الكثير من رصاص هذا الإعلام الجديد الذي سيطر علي الرأي العام في مصر عبر سنوات مضت.
وعندما اقتربت من هذا الرجل اكتشفت أنه يشعر بالمرارة وأنه يتمني أن يكف هؤلاء عن نقل الحقائق منقوصة للناس وأن يتوقفوا أيضاً عن تشويه كل الشخصيات المصرية وإلصاق الاتهامات بهم.
وكنت متفقا تماما معه في هذا الكلام، وكتبت في هذا الشأن محذرا من ظهور بعض العناصر الفاسدة بين رجال الأعمال المصريين وقلت إن هؤلاء يسيئون إلي صورة الجميع وإنه لابد من وقفة حاسمة مع كل رجل أعمال يمارس النصب أو يقرر الهرب بأموال الشعب إلي الخارج.
ولكن وبكل أسف ظل كثير من هؤلاء النصابين يمارس حياته وهو يحمل لقب رجل أعمال!!.. وتم تصوير رجال الأعمال في مصر علي أنهم حرامية ونصابون بسبب هؤلاء الدخلاء.
وخلال لقائي به كنت أتأمل مسيرته التي بدأت بموقف سياسي مثير للجدل حتي هذه اللحظة حين كان إبراهيم كامل ضمن أول وفد مصري يزور إسرائيل أثناء توقيع اتفاقية «كامب ديفيد».
ورغم حساسية أي مصري من كلمة إسرائيل تحديدا في توقيت الزيارة إلا أن كثيراً من الأمور قد اتضحت عبر السنين وأصبحت النظرة السياسية لاتفاقية «كامب ديفيد» مختلفة تماما عما كانت عليه فترة السبعينيات والثمانينيات، ونستطيع أن نقول إن السنوات الخمس الماضية تحديدا قد كشفت عن أهمية عودة أرضنا المحتلة عقب «كامب ديفيد»، فقد رأينا كل من أطلقوا علي أنفسهم دول "الممانعة" يتمسحون في إسرائيل.. ويمارسون الدعارة السياسية بحثا عن علاقة مع إسرائيل، ولا يحتاج الوضع في سوريا مثلا إلي شرح أو توضيح.
ولقد تم اتهام كل الوفد المصري المشارك في مفاوضات «كامب ديفيد» بالتطبيع مع إسرائيل رغم أن مهمة الوفد كانت واضحة ومحددة وعلنية ولم تكن في الخفاء أو لإقامة صفقات سرية!
وظل إبراهيم كامل سنوات واحدا من هؤلاء المطبعين، ولا يذكر اسمه إلا مرتبطا بتلك الواقعة دون تقديم أي معلومة أخري عنه أو عن حقيقة موقفه!!
ولم يعرف أبناء الجيل الحالي مثلا أن إبراهيم كامل الذي يتهمونه بالتطبيع ويتم تصويره باعتباره خائنا للوطن كان يجمع التبرعات لمنظمة التحرير الفلسطينية أثناء دراسته في أمريكا، فقد كان طالبا هناك ورأي أن من واجبه القيام بدور وطني ليس فقط بجمع التبرعات ولكن بتحسين صورة الفلسطينيين الذين تم تشويه صورتهم في الإعلام الأمريكي وتقديمهم باعتبارهم قتلة وإرهابيين، والجميع يعرف أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان داهية سياسية وكانت رؤيته في ذلك الوقت سابقة لعصره وقدم لمصر ما تتمني أنظمة عربية أن تقدمه لبلادها حتي اليوم، ولم يكن اختيار الوفد لإجراء الاتفاقية سهلا، بل كان اختيارا دقيقا يحظي به الأكثر ثقة في وطنيته والأكثر وعيا بالقضية الفلسطينية وبطبيعة الصراع العربي - الإسرائيلي، وبالتالي فقد اختار عناصر وطنية لا تقل في قوتها عن قوته في الخطاب الشهير الذي ألقاه في الكنيست الإسرائيلي مؤكدا أن مصر لا تتفاوض من موضع الضعف وأن رسالتها للسلام هي التي دفعتها إلي القدوم إلي إسرائيل كي يعرف العالم كله أن الإرهاب والقتل ليس ثقافة مصرية ولا عربية.
ووصلت رسالة السادات ونجح الرجال الذين اختارهم في مفاوضاتهم، وكان إبراهيم كامل واحدا من أكثرهم حضورا.
لكن الصورة التي بقيت من كل ذلك هي " تهمة " اسمها التطبيع!!
لم ينزعج إبراهيم كامل ـ كما قال ـ من ذلك، وقال لي: إن الخبرة جعلته يوقن أن الزمن كفيل بتغيير كثير من المفاهيم وإن الحقائق مهما غابت لابد وأن تتكشف.
وخلال جلستي معه كنت أنظر إليه وأنا أتعجب من الهدوء والثقة التي تلازمه رغم العواصف التي يعيشها كل فترة ليس فقط باعتباره رجل سياسة، بل لأنه مثير للجدل دائما.. ففي مجال رأس المال هو رجل الأعمال الذي يمتلك المليارات، وفي مجال السياسة هو أحد صناع التاريخ بشكل أو بآخر، وفي دائرة الأحداث هو بطل قصة مشروع مصر النووي في الضبعة، فقد تم وضعه في دائرة "رجل الأعمال" الذي يقف أمام أهم مشروع مصري!!.. وقد انتهزت الفرصة كي أعرف حقيقة موقفه خاصة أنه صاحب مصلحة مباشرة في الساحل الشمالي، فهل كان إبراهيم كامل صوت رجال الأعمال الذين لهم مصالح واستثمارات في الساحل الشمالي؟!.. أم أن رفضه لإنشاء المحطة النووية في منطقة الضبعة، كان لأسباب أخري؟!
والحقيقة أن الدكتور إبراهيم كامل لم ينكر وجود مصلحة مباشرة له في الساحل الشمالي اعترف لي بأن إحدي شركاته لها مشروع ملاصق لسور هذه المنطقة في الساحل الشمالي، وأنه لم يبدأ العمل في هذا المشروع إلا عندما قررت مصر إيقاف مشروعات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية بعد انفجار مفاعل تشرنوبل.
وربما كان هذا السبب وراء عدم استماع البعض لوجهة نظره كاملة في مشروع الضبعة، فهو لا ينكر وجود مصلحة مباشرة، لكن ليس هذا هو السبب الرئيسي فهناك أسباب أخري علمية تتلخص في عدم ملاءمة المكان لبناء المشروع المهم والضخم، فالرياح في مصر كما يقول الدكتور إبراهيم كامل شمالية غربية بمعني أن ما يحدث في الساحل الشمالي سينتقل إلي الدلتا كلها ثم إلي القاهرة، ولا قدر الله في حالة وقوع حادثة في هذه المنطقة فإن حجم الضرر سيكون بالغاً جداً، ويؤكد إبراهيم كامل أن مخاطر تلك المشروعات الضخمة لا حدود لها وتأثيراتها تستمر لأجيال وأجيال، ورغم كل التقدم التكنولوجي والعلمي فإن المخاطر واردة ولو بنسبة واحد في المائة، ويوضح أن مصر بالفعل بها عشرات الأماكن التي يمكن بناء المشروع عليها ومن المؤكد أننا سنجد البديل في بلد مساحته مليون كيلو متر مربع، دون أضرار أخري تخص الاقتصاد والسياحة، فالساحل الشمالي مستقبل مصر السياحي في السنوات القادمة، فمن المفترض مثلا أن يصل عدد الفنادق في هذا الموقع إلي 6 فنادق بطاقة 3000 غرفة، كما أن هذه الأرض التي يقام عليها المشروع كانت صحراء منذ أكثر من 30 عاماً، واليوم قيمتها تتراوح بين 15 و20 مليار جنيه، فلماذا نضحي بكل ذلك وهناك عشرات الحلول أمامنا؟!
كانت تلك وجهة نظر إبراهيم كامل التي تم نزعها من سياقها الطبيعي ليصبح الرجل معترضا علي المشروع بحكم مصالحه الشخصية!!
عموما.. وكما قال لي فإن الزمن كفيل بتصحيح كثير من الأخطاء والمفاهيم.. وفي هذا السياق أيضاً أثير جدل كبير حول موضوع رسالته لنيل درجة الدكتوراة حيث كان موضوعها عن القوانين الاشتراكية وتأثيرها علي مناخ العمل في مصر، ووقتها تم اتهامه بأنه يعادي العمال ويقف ضدهم لصالح الرأسمالية، في حين أن موضوع الرسالة لو تم تطبيقه بشكل جيد ما رأينا ما يحدث في الشارع من إضرابات عمالية وما إلي ذلك، فالرأسمالية تحمي مصالحها بطبيعة الحال، واختيار العامل جزء من مصلحتها الرئيسية والحفاظ عليه وتهيئة المناخ المناسب له يعود بالإنتاجية علي صاحب رأس المال وليس العكس، وهذا تقريبا ما حاولت رسالته للدكتوراه أن تؤكده وأن تؤسس له بحيث يضمن العامل حياة كريمة ويشعر بالأمان كي يواصل العطاء في المجال الذي تم اختياره للعمل فيه.. ولكن ومع تكدس العمالة وترهلها وتدني أجورها بدأت المشكلات والعواصف، فهذه القوانين لم تعط للعامل ما يتمناه أو يتطلع إليه، فكان له تمثيل صوري في مجالس الإدارات كما كانت هناك نقابات في المصانع لكنها ضعيفة.. وعبر سنوات تضخمت مشاكل العمال حتي وصلت إلي ما رأيناه مؤخرا.
لقد تخلصت مصر من الكثير من تأثيرات القوانين الاشتراكية وتم تطبيق جزء كبير من رسالة إبراهيم كامل، لكن مازالت فكرة اختيار الكوادر العمالية وفق قدراتها مفقودة في مصر، ومازالت ضمانات الحياة الكريمة للعامل شبه معدومة.
كنت أتحدث مع الدكتور إبراهيم كامل عن المصريين وعما يمتلكون من صلابة وقدرة، وتناقشنا في فكرة الانتماء التي كادت تغيب عن المصريين، فكان للرجل رأي واضح في هذا الشعب العظيم الذي يحتاج دائما إلي الشعور بالفخر والعزة.
لقد عاش إبراهيم كامل لحظة إعلان نكسة يونية بمرارتها، كما عاش لحظة انتصار أكتوبر، وفي الهزيمة أو النكسة كان في أمريكا وحكي لي عما حدث للطلاب المصريين وللجالية المصرية عموما، فقد عمت الأفراح بينهم وهم يستمعون إلي المذيع أحمد سعيد يذيع بيانات كاذبة عن سقوط طائرات العدو بالمئات وعن نجاح قواتنا في إلحاق الخسائر بهم، وبعد ساعات تكشفت الحقائق المريرة، وسقط إعلام أحمد سعيد وصدم الشارع العربي كله بما حدث وبالكارثة التي لحقت بمصر والعرب.
وقد حكي لي الدكتور إبراهيم كامل «الحاصل علي بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1961، والدكتوراه في إدارة الأعمال من جامعة ميتشجان الأمريكية سنة 1970» عن شماتة الأمريكان واليهود واللوبي الصهيوني في أمريكا، وعن حزن المصريين هناك وشعورهم بالعار بعد أن كانوا يرقصون فرحا بالنصر الكاذب.
وانتقل في حديث متواصل ليحكي لي عن لحظات الانتصار التي عاشها المصريون في أكتوبر 1973، فقد شاهد شوارع القاهرة نظيفة وجميلة ولم يكن مواطن واحد يكسر إشارة، كان الناس في الشوارع يتبادلون الابتسامات، وقد اختفت الجريمة من مصر نهائيا، وعاشت مصر أياما طويلة في أمان وهدوء وفرحة غير مسبوقة.
إن المصريين في كل مكان وفي كل زمان يعشقون تراب هذا الوطن، ومهما اغتربوا ومهما أخذتهم البلاد فإن وطنهم هو مصر العظيمة.
لقد تحدث كثيرون - بكل أسف - عن إبراهيم كامل واتهموه في وطنيته وفي إخلاصه لبلده، وتطاولوا عليه، ولقد شن اليسار المصري حربا ضروسا ضد الرجل، لكنه تحمل ولم يرد، وظل مؤمنا بحكمته في أن الزمن كفيل بكشف الحقائق، كما اهتم أكثر بابنه محمد إبراهيم كامل «مواليد أغسطس 1978» والذي كان أول عمل له بعد التخرج من قسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية هو تقديم عرض إلي شركة «رولز رويس»، لتقبل التعاقد مع شركة «سيروكو» للطيران، إحدي شركات مجموعة "كاتو" التي يرأسها والده، وحصل محمد إبراهيم كامل علي الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة "هارفارد" وبعدها جاءه عرض من "بان. اند. كومباني" أكبر شركة استشارات بريطانية، فسافر إلي إنجلترا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى