مازلنا في باريس، مع عميل جهاز الاستخبارات البريطاني المنشق (ديفيد شيلر) حديثه هذه المرة يهم العقيد الليبي معمر القذافي شخصياً، يهم الضالعين في محاولة اغتياله بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، يهم المهتمين جميعاً بقضية (لوكيربي) وبالطبع يهم أجهزة الاستخبارات أينما كانت، وبصورة خاصة جهاز الاستخبارات البريطاني، أهلاً بكم إلى حديث مطول خص به هذا
البرنامج.
خرج ضابط الاستخبارات البريطاني المنشق ديفيد شيلر من سجن (لاسونتيه) في باريس -بعد ثلاثة أشهر- منتصراً على الحكومة البريطانية، كانت هذه قد استشاطت غضباً حين فجر ديفيد شيلر أقوى قنبلة له حتى الآن، ضلوع جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 في محاولة لاغتيال العقيد الليبي معمر القذافي، أكدها بعد ذلك العقيد الليبي نفسه.
العقيد/ معمر القذافي:
كل ما نتكلم عن (لوكيربي) وننسى محاولة الاغتيال اللي نظمتها المخابرات البريطانية، وبعدين هذه الشهود -يعني- شهد شاهد من أهلها، فهذا الشيلر -أو اسمه إيه- ضابط المخابرات البريطاني، هو اللي اعترف، هو اللي قال إن إحنا دبرنا ورسمنا خطة لاغتيال القذافي بالذات، وبعدين اتلاقيناها مضبوطة، المخابرات البريطانية –في الحقيقة هذه- قبل حكم العمال، حزب العمال بفترة كبيرة متورطة في خطة لاغتيال القذافي وهذه تأكدت، ومشتركة معاها المخابرات الأمريكية، وحصلت هذه المحاولة، وفشلت.
ولما حصلت المحاولة -وقعت يعني- تم الإعلان عنها، وتبناها شخص أو اثنين موجودين
في بريطانيا، والآن فيه قضية، وأن الإذاعة الليبية في اليمن ستقدم الشريط اللي فيه محاولة الاغتيال، وتقدم كل الوثائق بالصوت والصورة.
يسرى فوده:
هذا هو اليوم والمكان اللذان يقول الليبيون إنهما شهدا محاولة الاغتيال التي يتحدث عنها ضابط الاستخبارات البريطاني، كان ديفيد شيلر على رأس المكتب الليبي في جهاز الاستخبارات البريطاني MI5، وكانت على رأس همومه قضية (لوكيربي) حتى قبيل ساعات من تسليم المتهمين الليبيين، لم يكن لدى العميل البريطاني كثير من الثقة في أمر التسليم، فيما كان واثقاً كل الثقة من نتيجة المحاكمة.
ديفيد شيلر:
إنني مندهش، ولست متأكداً، ولن أصدق إلا إذا رأيتهما في المحكمة، فقد كانت هناك مناورات دبلوماسية عديدة تجري بين أطراف مختلفة أثناء عملي في جهاز الاستخبارات الداخلي البريطاني، وشهدت في هذه الفترة انعقاد اللقاء الرسمي الوحيد بين الحكومتين البريطانية و الليبية، كان ذلك في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 1995م، وكان اجتماعاً بطبيعة الحال لم يفضي إلى أي نتيجة، ولذلك لا أعرف ولا أفهم لِمَ لَمْ يقوم القذافي بتسليم المتهمين الآن، علية أن يتمسك بموقفه لأن نتيجة المحاكمة ستكون إدانة للمتهمين.
يسرى فوده:
لماذا؟ تعتقد أن ثمة دليلاً على أن هذين المتهمين تآمرا لتفجير الطائرة الأمريكية؟
ديفيد شيلر:
نعم، بسبب الأدلة في القضية.
يسرى فوده:
في هذه الحال لماذا يقوم العقيد القذافي بتسليمهما إن كان يعلم بوجود مثل هذا الدليل؟ أتعتقد أن هذه مناورة سياسية أم أن ثمة صفقة من تحت الطاولة؟
ديفيد شيلر:
ربما تكون هناك صفقة وراء الكواليس، نعم، فأثناء عملي في جهاز الاستخبارات البريطاني كان كثير من الوقائع يجرى خلف الكواليس، ومنها اتصالات غير رسمية بين أطراف مختلفة هنا وهناك، ورغم أن الحكومة البريطانية كانت تحاول دائماً السيطرة على الوقائع، فقد كانت هناك اتصالات غير رسمية أيضاً تجري على مستوى أجهزة الاستخبارات في البلدين، ومن المحتمل أن العقيد الليبي قرر تسليم المتهمين لاقتناعه بأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ترفع العقوبات، وهي عقوبات تمنع الطيران من وإلى ليبيا، وتمنع استيراد قطع غيار الطائرات، وهي مشكلة تؤثر على الليبيين، وربما رأى أنها الطريقة الوحيدة لحل المشكلة.
يسرى فوده:
وهذا الدليل الذي تشير إليه .. هل يوحي بأن المتهمين تصرفا فيما تصرفا فيه نيابة عن الحكومة الليبية، أو أي حكومة أخرى؟
ديفيد شيلر:
لا يوجد دليل قاطع يدين أعضاء في النظام الليبي، لا يوجد دليل قاطع من هذا النوع على الإطلاق، صحيح أنه كانت هناك بعض المعلومات الاستخبارية سابقاً، التي كانت تفيد بأن ليبيا دبرت تلك العملية انتقاماً من قيام الأمريكيين بقصف طرابلس في منتصف الثمانينات، وأن ليبيا أيضاً قررت استهداف طائرة أمريكية فوق أوروبا قبل حلول أعياد الميلاد، وكان ذلك دليلاً للاستخبارات.
يسري فوده:
متى ظهر أول دليل أو على الأقل أول إشارة إلى أن هذين الاثنين بعينيهما هما اللذان ينبغي التحقيق في أمرهما فيما يتعلق بالحادث؟
ديفيد شيلر:
ما حدث أولاً هو زيارة مالطة، وقد عرفوا من إفادة الشهود أن المتورطين ليسوا فلسطينيين، بل كانوا ليبيين، فتحول الاتهام إلى ليبيا، وقورنت تلك المعلومات بنتائج الفحوص المخبرية التي جرت لأثار الانفجار الذي وقع، فبدأت الثغرات التي كانت تنتاب التحقيقات تلتئم، وقد استغرقت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وقتاً طويلاً في محاولة ربط التفاصيل، وعرفوا أن معظم ما لديهم من الأدلة يشير إلى أن جهاز توقيت الانفجار كان من صنع شركة (ميبو) السويسرية، فتوجهوا إلى مقر الشركة، فشرحوا لهم كيف أن الشركة زودت الحكومة الليبية بتلك الأجهزة، وهنا بدءوا في التحرك نحو ليبيا..
يسري فوده [مقاطعاً] :
عفواً، تقول إنها ذهبت إلى الحكومة الليبية، فهل ذكر الأمر بهذه الطريقة دون تحديد هذين المتهمين؟
ديفيد شيلر [مستأنفًا] :
لم تقم الشركة بتزويد المتهمين نفسيهما بهذه الأجهزة، بل في الحقيقة إن عضوين في الحكومة الليبية قاموا بالاتصال بها، أحدهما طلب الأجهزة، والثاني
تسلمها، لكن لم يتوفر دليل يكفي لإدانتهما.
وبعد أن تحول التحقيق تجاه ليبيا، بدأت تتكشف أمور جديدة، فمثلاً نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في إقناع أحد موظفي الخطوط الليبية ليكون على لائحة الشهود في الولايات المتحدة، وقد أدلى بشهادة مفادها أنه رأي (الأمين فحيمه) وهو ينزل من طائرة قادمة من ليبيا إلى مالطة، ونحن نعلم أن (فحيمه) كان يعمل في الخطوط الليبية، وبالتالي ليس مطلوباً منه أن يخضع لإجراءات الجمارك أو الأمن، التي تنطبق على المسافرين العاديين.
وأضاف ذلك الشاهد في الإفادة التي أدلى بها أنه رأى المتهم (فحيمه) يحمل حقيبة يد، أثبت التحقيق لاحقاً أنها استخدمت لإخفاء القنبلة الموقوتة، وكان ذلك هو الخيط الذي ربط اسم (الأمين فحيمه) بالقضية، ومن ثم بدءوا بتقصي أسماء الليبيين الذين مروا بمالطة خلال تلك الفترة، وكان من بينهم (عبد الباسط المقراحي) وقد ورد اسمه، لأنك عادةً تملأ استمارة عندما تصل إلى المطار، واستمارة في الفندق وهكذا.
ومن خلال ذلك نجحوا في تتبع خطواته، وقد تطابقت تلك المعلومات مع معلومات رئيس الشركة التي قامت بتصنيع جهاز توقيت الانفجار في سويسرا، وبعد ذلك بدأت الأدلة تدور حول الشخصية.
يسري فوده:
علام إذن هذه الضجة كلها حول تورط سوري-إيراني؟
ديفيد شيلر:
حدث ذلك غالباً بسبب التوقيت ففي عام 1988م أسقط الأمريكيون طائرة إيرانية، فقال الإيرانيون علناً إنهم سينتقمون لذلك، ثم وصلت معلومات استخبارية تفيد بأنهم كلفوا الجبهة الشعبية القيادة العامة بتنفيذ عملية انتقامية، بعد ذلك بشهرين، لعبت الصدفة دورها، عندما ألقي القبض في (فرانكفورت) على أربعة عشر من أعضاء الجبهة الشعبية القيادة العامة، وأنت تعلم أن مطار (فرانكفورت) كانت محطة تغيرت فيها رحلة الطائرة الأمريكية 103 قبل توجهها إلى مطار (هيثرو) في لندن، ولذلك تركز التحقيق في وقت من الأوقات على (فرانكفورت) وعلى مسألة القبض على أعضاء الجبهة الشعبية القيادة العامة.
وقد ألقي القبض حينها على صانع القنابل الذي قال للشرطة -وقتها- إنه صنع لتلك الجماعة خمس قنابل، وإنه يستطيع تعقب أثر أربع من تلك القنابل، لكنه لم يعرف شيئاً عن القنبلة الخامسة، لكنها كانت موضوعة داخل مسجل محمول من نوع (توشيبا) وعندما علمت السلطات بذلك، وزعت تحذيراً لكل شركات الطيران كي تأخذ حذرها من ذلك النوع من المسجلات، وبالطبع وصل التحذير إلى شركة الخطوط الليبية.
ونحن نعلم أنه إذا أراد أحدهم أن يدفع الشبهة عن نفسه فإنه سيستخدم قنبلة موقوتة في مسجل توشيبا مشابه للمسجل الحقيقي كي تتجه الأنظار إلى الإيرانيين، لكن الغريب أن هذا الشخص -أي صانع القنابل- كان متأكداً أن القنبلة وُضعت في مسجل محمول له سماعة واحدة، لكن التحقيق أثبت أن المسجل الذي استخدم في العملية كان ذا سماعتين، وكان جهاز توقيت الانفجار مختلفاً أيضاً، فالجهاز الذي صنعه ذلك الشخص كان انفجاره يعتمد علي اختلاف الضغط الجوي،أي عندما تحلق الطائرة في الجو ويزيد ارتفاعها.
أما الجهاز الذي عثروا عليه فكان من النوع المباشر -أي- عندما تضبط المؤشر على الساعة العاشرة تماماً، فإن الانفجار يحدث عند العاشرة تماماً، وذلك يحدث بصرف النظر عن مستوى الضغط الجوي، أو ارتفاع الطائرة في الجو -وبالتالي-كان مختلفاً.
يسري فوده:
وماذا تستخلص أنت من ذلك كله؟!
ديفيد شيلر:
أود القول أيضاً أنها لم تكن مصادفة أن يظل الناس ينظرون إلى الزاوية السورية الإيرانية، لقد كان هناك تضليل متعمد، فمثلاً وصلت إلى أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي (جيمس ترافيجن) وثائق يعتقد أنها تدين سوريا بتدبير الهجوم، ثم اكتشفنا أنها لم تكن حقيقية، بعد ذلك قام الليبيون بحملة لمحاولة تقويض الأدلة في أعين الناس، وجاء ذلك على شكل فيلم اسمه (الخيانة المالطية) مولته ليبيا، وإن قام بإنتاجه وتمويله ظاهرياً (تاين رولاند) الذي عقد في ذلك الوقت صفقة تجارية مع العقيد القذافي، خرج منها بمكسب مالي كبير.
يمكن إذن القول إنه قام بإنتاج الفيلم نيابة عن الليبيين، فلم يكن أبداً فيلماً مستقلاً، وقد اعتمد الفيلم على معلومات تحاول توريط الإيرانيين، ثم جاءت بعد ذلك إحدى وثائق استخبارات سلاح الجو الأمريكي، والتي كُشف عنها بموجَب قانون حرية المعلومات، وكانت الوثيقة تقول إنهم تلقوا معلومات تفيد بأن وزير الخارجية الإيراني دفع مبلغ عشرة ملايين دولار لجماعة غير مسماة، كي تقوم بعملية (لوكيربي) وتساءل البعض عن الجدوى من تعقب الليبيين؟!
ولكن الناظر إلى تلك الوثيقة سيرى أنها جاءت من مصدر لم يُجرب سابقاً، وليس لمعلوماته مصداقية، حيث إنه سمعها من مصدر ثان، وربما من مصدر ثالث، ثم حاولوا نسف الحجة البريطانية التي تستند أن القنبلة دخلت الطائرة في مالطة، فتناولوا وثيقة تقول إنه لا يوجد دليل قاطع على أن القنبلة دخلت للطائرة في مالطة، ولكن تلك الوثيقة كُشف عنها في بداية التحقيقات، والتي قام بها أحد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في مالطة، ولكن هذا العميل لم يكن على علم بجميع زوايا التحقيق التي اكتشفت من قبل، لكن مسألة أن القنبلة -فعلاً- دخلت الطائرة في مالطة، ثم البدء بها، فكانت في مرحلة لاحقة.
يسري فوده:
كيف توصلت إلى ذلك، أكان جزءاً من عملك؟!
ديفيد شيلر:
نعم، عندما تسلمت مسؤولية المكتب الليبي وأمور الاغتيال الليبية في جهاز الاستخبارات البريطاني، كان جانب من تفكيرنا منصباً على قضية (لوكيربي) وآثارها السياسية، كما كان هناك اهتمام من جانبنا بمسألة أهمية وضرورة القبض على المتهمين، ومحاكمتهما، وكانت تجري خلف الكواليس أشياء تتعلق بالاستخبارات ومعلومات كنا نتعامل بها بنوع من السرية بين الحين والآخر، وانجرت الحكومة البريطانية إلى مثل هذه الأشياء كقناة رسمية، وكان الليبيون يحاولون إيجاد قنوات للتفاوض، وجرت بعض المفاوضات بفضل جهود المخابرات في البلدين.
ولاحظت أن الليبيين كانوا -في فترة من الفترات- رابحين في الحملة الدعائية، ولم يتضح لنا الأمر إلا حينما تفرغنا -تماماً- لدراسة جميع الملابسات، وتمعنت مجدداً في التقارير التي كانت تردنا بخصوص احتمال تورط الجانب الإيراني في القضية، لكنني لم أجد دليلاً على ذلك إطلاقاً، كل ما كان هناك مجرد شائعات، ومعلومات من مصادر لا يعتمد عليها حسب مستوى اعتمادنا لمصادر المعلومات.
بعد ذلك ذهبت محاولات الليبيين لتضليلنا سدى، وينبغي القول إنهم كانوا منظمين، بل إنهم استعانوا بشركة متخصصة في العلاقات العامة في لندن اسمها (j.j.w) وكلفهم ذلك حوالي أربعة ملايين جنيه إسترليني، في محاولة لإقناع الصحف وأعضاء البرلمان بأن ليبيا غير متورطة ولا مسؤولة عن حادثة (لوكيربي) وفي الوقت نفسه لتشجيع التبادل التجاري بين ليبيا وبريطانيا، كي تحقق الشركات البريطانية مكاسب تدفعها للضغط على الحكومة لرفع ما على ليبيا من عقوبات مفروضة عليها.
يسري فوده:
أي أسماء محددة؟ نواب بأعينهم يتُقرب إليهم أو شركات بعينها تشجع؟
ديفيد شيلر:
نعم، لديك (ديفيد ستيل) مثلاً الزعيم السابق لحزب الديمقراطيين الأحرار، حيث زار ليبيا في الصيف عام 1995م، والتقى الزعيم الليبي معمر القذافي لمناقشة مسألة (لوكيربي) وأيضاً (تيدي تيلور) عضو مجلس النواب عن جمعية المحافظين، وهو في الوقت نفسه رجل أعمال، وقد زار ليبيا واجتمع بالقذافي، وعاد من هناك لينشر رسالته.
يسري فوده:
بين هذه التفاصيل كلها، ما هو الدليل أو المعلومة التي وقعت بين يديك أثناء عملك الاستخباري وكنت حقاً مهتماً بمتابعتها؟!
ديفيد شيلر:
بخصوص التحديد ومعرفة المسؤول، ما حدث هو أن التحقيق بدأ قبل انضمامي لجهاز الاستخبارات، ولم يحدث الكثير بعد عام 1991م، عندما صدر أمر بإلقاء القبض على المتهمين الليبيين في القضية، وهما (المقراحي) و(فحيمه) أما دوري أنا فكان يتلخص بمتابعة كل تفاصيل التحقيقات، وكانت تلك مهمة طويلة وشاقة بسبب اختلاف أهمية المعلومات التي كانت تصلنا من هنا وهناك، وفى مثل تلك القضية لا يوجد شيء أهم من غيره، فأنت دائماً تحاول تكوين صورة متكاملة للأحداث.
من هذا المنطلق كانت هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى تورط ليبيا دون غيرها، لكن نقطة التحول في كل التحقيقات كانت عندما استطاعت الفحوص المخبرية تحديد مصدر جهاز التوقيت، وهي مسألة استغرقت من رجال التحقيقات وقتاً طويلاً، يمكن القول إنه وصل إلى حوالي أربعة سنوات، وتوصلنا إلى أن شركة (ميبو) في سويسرا هي التي صنعته، وهي مملوكة (لإدوين بولي) و(أوين مويستر) واعترف الشخصان في مقابلة مع ضباط الأمن أنهم باعا أجهزة توقيت الانفجارات إلى ليبيا.
يسري فوده:
إلى من تحديداً في ليبيا؟
ديفيد شيلر:
إلى عضو في الحكومة الليبية كان قد طلب الأجهزة، وتسلمها شخص آخر، وتعرفوا عليهما عندما قارنوا البيانات الأمنية في سجلات بريطانيا والولايات المتحدة، نعم أحدهما يدعى عز الدين الهنشيري والآخر رشيد سعيد، وكان معروفاً أن رشيد كان يعمل في القسم الهندسي في جهاز الاستخبارات الليبي، ويحاول البعض تقويض شهادة صاحبي الشركة السويسرية، على أساس أن الشركة -ربما- تكون زودت جهات أخرى بنفس النوع من الأجهزة، لكن المعروف أن الشركة لم تصنع إلا عشرين جهازاً، باعتها كلها إلى ليبيا.
يسري فوده:
أي مستوى بلغ التنسيق بين الاستخبارات البريطانية والأمريكية وغيرها؟
ديفيد شيلر:
الكثير، كان لدينا خطان متوازين من التحقيق، وهناك التحقيق الخاص بالأدلة وكان معنياً بجمع المعلومات والقرائن، وهناك التحقيق الخاص بالمعلومات الاستخبارية وكان معنياً بجمع وتنظيم كافة المعلومات التي يمكن استخدامها في تقييم موقفنا وموقف الحكومة، وكانت الشرطة الاسكتلندية تقود الخط الأول الخاص بالأدلة بحكم وقوع الانفجار فوق بلدة (لوكيربي) الاسكتلندية، ويعاونها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، حيث بقي عدد كبير من أعضائه في اسكتلندا.
كما كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مشاركة في التحقيق، وكانت هناك مشاركة من الشرطة الألمانية، لأن الطائرة أقلعت من ألمانيا، ومن الشرطة المالطية، لأن الطائرة وصلت إليها من فرانكفورت، لقد كانت قضية كبيرة، تطلبت أعلى مستوى من التنسيق بين أجهزة استخبارات وأمن، ولهذا حققت نجاحاً، فقد عمل الجميع بتعاون وثيق، كحال أي تحقيق ناجح.
يسري فوده:
أي تنسيق؟ من أي نوع مع استخبارات أو مصادر شرق أوسطية؟ عربية؟ إسرائيلية؟
ديفيد شيلر:
نعم، فالأردنيون أيضاً ساعدوا، كانت لديهم معرفة بالقيادة العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخاصة بتلك الخلية التي كانت قد ألقي القبض عليها في فرانكفورت في شهر أكتوبر في 1988م، وقد زودنا الأردنيون بمعلومات ساعدت -على الأقل- في تلك المرحلة من التحقيقات على إبعاد الشبهة عن الجبهة الشعبية القيادة العامة، وهم لديهم معلومات عن معدات تصنيع القنابل التي استعلمت أيضاً في فرانكفورت.
يسري فوده:
كيف علموا بذلك؟
ديفيد شيلر:
لديهم مصادرهم، ولا أعرف عنها، لكن لهم مصادرهم.
يسري فوده:
هل اتصلوا بالاستخبارات البريطانية، أم أن هذه اتصلت بهم؟
ديفيد شيلر:
أظن أن الاستخبارات البريطانية اتصلت بهم.
يسري فوده:
وكيف علم البريطانيون أن لدى الأردنيين شيئاً يضيفونه إلى القضية؟
ديفيد شيلر:
ما يحدث عادةً أنك في سياق التحقيق تأتي بشخص ما قد يكون أردنياً، أو له صلة بالأردنيين، بناءً على ذلك تتصل بالأردنيين لتعرف إن كانت لديهم معلومات إضافية عن الشخص، وهم لا يمانعون في مشاركة المعلومات مع بريطانيا.
يسري فوده:
أي دور للموساد؟!
ديفيد شيلر:
كلا، لا أظن.
يسري فوده:
من واقع عملك بالقسم الليبي في جهاز الاستخبارات البريطاني الداخلي MI5 كيف حققت الأمر بين الليبيين الذين يعيشون في بريطانيا؟ خاصة في ظل تدعم المعارضة الليبية، في أواسط التسعينات، داخل ليبيا وخارجها؟ هل جمعت أدلة أو معلومات أضافت إلى القضية من أوساط المعارضة الليبية في بريطانيا أو غيرها؟
ديفيد شيلر:
لا، ليس من المعارضة، فقد كنا دائماً في شك من المعلومات الصادرة عن المعارضة الليبية، لأن لهم مصلحة بطبيعة الحال في تشويه صورة العقيد القذافي، لذلك لا أظن أننا استندنا إلى معلومات من هؤلاء، لكن ما أذكره مقتل المعارض الليبي في لندن علي أبو زيد، في أواخر عام 1995م، حيث حاول بعض المعارضين استغلال الحادث، فاتهموا النظام الليبي بمقتله، وطالبوا بسرعة التصرف، بل إن بعضهم دعا إلى ثورة على النظام الليبي، ولكن حين حققنا في الحادث على صعيد الأدلة الاستخبارية لم نجد أي دليل على صحة ما قالوه.
يسري فوده:
تعتقد بالفعل أنهما سيدانان من واقع الأدلة المتاحة، ولكن أتعتقد حقاً أن ثمة صفقة سرية بين بريطانيا، ليبيا، أمريكا، أو غيرها؟
ديفيد شيلر:
لا أدري، وربما يكون ذلك احتمالاً أدى إلى تسليم المتهمين، ويصعب التكهن بهذا، وفي حال إدانتهما فستكون العقوبة السجن من أربعين إلى خمسة وأربعين عاماً، الحالة الوحيدة التي يمكن مقارنتها بهذه الحالة هي حالة السوري هنداوي الذي وضع قنبلة في حقيبة صديقته في إحدى رحلات شركات الطيران الإسرائيلية العال قبل أن تُقلع من لندن في أواخر السبعينات، ورغم أن القنبلة لم تنفجر، فقد أدين وحكم عليه بالسجن لمدة خمس وأربعين سنة، و إذا أدين الليبيان فستكون العقوبة عن هجوم إرهابي، وربما تكون خمسة وأربعين عاماً في السجن، وقد يقضي المتهمان كل حياتهما في السجن.
يسري فوده:
سنعود إلى بقية القضية، ولكن إذا ركزنا الآن على ما كشفت أنت عنه بخصوص محاولة اغتيال العقيد الليبي معمر القذافي، حدثنا أولاً: كيف علمت بها؟ وما مدى مصداقية مصدرك؟
ديفيد شيلر:
ما حدث أنني كنت في جهاز الاستخبارات الداخلي، أعمل عن قرب مع زملائي في جهاز الاستخبارات الخارجي، لم يكن هناك أسلوب منظم لتبادل المعلومات وتنسيق الخطط وتوزيع المهمات، لكن كانت لدينا اجتماعات رسمية، وقوائم رسمية بأسماء أشخاص نحاول تجنيدهم، وكنا نلتقي لمناقشة مستوى التقدم الذي أحرزه كل منا، ومن ثم كانت لدي الفرصة للاحتكاك بضباط الاستخبارات الخارجية أكبر من المتاحة لباقي زملائي.
وذات يوم جاء أحدهم من الاستخبارات الخارجية لزيارتي، كان ذلك في صيف عام 1995م، وقال لي إن هناك متطوعاً لتقديم المعلومات، وقال لي صديقي إن ذلك الشخص كان قد دخل إلى السفارة البريطانية في إحدى دول الشرق الأوسط، دون أن يذكر لي من أي السفارات.
وقال المتطوع إنه إذا حصل على بعض المال فإنه سيقوم بعملية لاغتيال العقيد القذافي، وأنت تعلم أن سيطرة الرئيس القذافي على ليبيا -ربما- تكون أقوى من سيطرة الرئيس صدام حسين على العراق، إن العقيد القذافي هو ليبيا بأسلوب أكثر من الرئيس العراقي صدام حسين وسيطرته على العراق، وعندها قال جهاز الاستخبارات الخارجي إن التخلص من العقيد القذافي يعنى إمكانية وضع أحد العملاء مكانه، أو أحد أعضاء المعارضة الليبية، وبالتالي سيتم تسليم المتهمين الليبيين في قضية (لوكيربي) وتجرى المحاكمة في تلك الحالة، ولو أن جهاز الاستخبارات الخارجية لم يقم باغتيال القذافي فإنه يستطيع التفاخر بوضع رجل مكانه يكون على استعداد للتعاون مع الحكومة البريطانية، وما حدث بعدها هو أن ذلك الشخص الذي زارني من الاستخبارات الخارجية دبر المبلغ، وذهب لمقابلة ذلك العميل، وتحدث معه في التفاصيل، وأعطاه مبلغ ثلاثين ألف جنيه إسترليني تحت الحساب، وفي الأشهر التالية..
يسري فوده [مقاطعاً] :
عفواً، لقد لاحظت أنك تحدثت -أولاً- عن متطوع عرض خدماته، والآن تسميه عميلاً، فمتى بدأتم تسميته عميلاً؟
ديفيد شيلر:
نعم، فالذي لدينا أن الذين يعملون داخل الجهاز نسميهم ضباطاً، أما الذين يتم تجنيدهم، أو الذين يكونون مستعدين للإدلاء بمعلومات فنسميهم عملاء، والغريب أن هذا الشخص لم يكن عميلاً يعتمد عليه -حسب عرفنا- وبمجرد أن دخل أرض سفارتنا أصغينا له، وأعطيناه ثلاثين ألف إسترليني، وربما كان لدى المتطوع معلومات أمنية، ولكن ليس الكثير، وناقشنا ذلك، وقال لي بأن وجهة نظري صحيحة، ولكن المتطوع لم يقل إنه سيقود جيشاً، بل كان يزعم أنه سيقود جماعة إسلامية متطرفة لتنفيذ الهجوم.
يسري فوده:
هل كان ينتمي إلى أي جماعة؟
ديفيد شيلر:
لا، لم يكن هو نفسه إسلامياً، لكن في هذا الوقت كان في ليبيا كثير من القلق، وخليط من الجماعات الإسلامية، كان بعضها يتخذ من لندن مقراً، وكان لديه نفس الهدف، لم يكونوا منظمين، ولكنهم جميعاً كانوا يلتقون حول هدف واحد، وهو إقامة دولة إسلامية في ليبيا، أجل، دولة إسلامية، على عكس الطريق الثالث، أو الكتاب الأخضر.
ما حدث هو الموقف التالي: ذلك الشخص الذي يقول إنه يقود أولئك المتطرفين أخذ ثلاثين ألف جنيه من أموال دفع الضرائب البريطانية لتنفيذ ذلك الشيء، وبالتالي يصل إلى جهاز الاستخبارات الخارجي هذا التقرير الذي رأيته بعيني -كما رأته الحكومة- وكان يبدو كقائمة تسوق يطلب فيه ذلك الشخص إمداده بسيارة جيب وبنادق ومتفجرات -وحتى أقلام- لتنفيذ عملية الاغتيال، وتمت الموافقة على ذلك في ديسمبر 1995م، وبعد ذلك التقى الضابط بالعميل المذكور في مناسبتين أخريين، وفى كل مرة كان يعطيه مبلغاً إضافياً من المال، حتى وصل إجمالي المبلغ إلى مائة، أو مائتين وعشرين ألف جنيه.
وكان انطباعي في البداية أن ذلك مجرد لعبة صبيانية، وكان بعض من ضباط الاستخبارات الخارجية يأتونني بأفكار جنونية، تقرأ المواقف بصورة خاطئة، وقالوا لي -ذات يوم- استعد لقراءة صور الغلاف، القذافي سيسلم المتهمين في قضية (لوكيربي) وهذا جرى في عام 1994م، وكانوا يكررون في كل مرة أن ذلك سيحدث خلال أسبوع حسبما يصلهم من مصادرهم، حدث ذلك أكثر من مرة، وكلها انتهت بنوع من الحرج، لذلك كان لدي كثير من الشك في رواية هذا الضابط.
فالجهاز الخارجي كان يحاول تقليد (جيمس بوند) في أفلامه، حيث يتعقب أحدهم في المقاهي وما إلى ذلك من خدع، وعرفت أن جهاز الاستخبارات الخارجية لا يكمل العملية التي يبدأ بها، ورغم ذلك أخذت المسألة بجدية، وأبلغت رؤسائي في جهاز الاستخبارات الداخلية عما يحدث.
يسري فوده:
قبل ذلك، زميلك في الاستخبارات الخارجية MI6 الذي أخبرك، هل كان مضطراً للتنسيق معك؟ أم أنه تطوع بإخبارك؟
ديفيد شيلر:
بل تطوع، لأنه لم يكن مضطراً، أعتقد أنه لم يكن ليخبرني في الظروف العادية، ولكن لأننا عملنا سوية عن قرب أبلغني بذلك، وعلى كل حال هدأ الحال لفترة من الزمن، كما يجري في كثير من الأحيان، وحسبت خلال تلك الفترة أن الأمر انتهى كغيره، وذات يوم كنت أقوم بمراجعة بعض التقارير الاستخبارية عن ليبيا من مصادر مختلفة، وكانت تلك المصادر المختلفة تتحدث عن هجوم على موكب من السيارات، في مدينة (سرت) الليبية، وكان ملخص التقرير، أن حشد من الناس كان يهتف بحياة العقيد معمر القذافي، فيما كان موكبه يمر بهم، وأن تلك الجماعة كانت قد وضعت قنبلة أسفل إحدى السيارات.
يسري فوده:
أي جماعة؟
ديفيد شيلر:
الجماعة التي يقودها الشخص المسمي رمزياً (توم وورث)( Tom Worth) الذي حصل على المبالغ .. المتطوع.
يسري فوده:
وما اسمه؟
ديفيد شيلر:
لا أعرف اسمه لكن الذي حدث هو أن تلك الجماعة ذهبت إلى هناك، ووضعت قنبلة أسفل السيارة الخطأ، ومن ثم تسبب انفجار القنبلة في فوضي، وفي مقتل مدنيين أبرياء، أمعنت النظر في التقرير الذي لم يذكر أسماء بالتحديد، لكنني أدركت للوهلة الأولى أن هذه محاولة لاغتيال القذافي، واستغربت على الفور، ورغم أن ليبيا لا تتمتع بالاستقرار فإن محاولات الاغتيال ليست بذلك الانتشار، وعندما التقيت بالضابط قلت له بأنني رأيت هذا التقرير، وسألته إن كان الفاعل هو ذلك المتطوع؟! فقال لي نعم، نعم.
يسري فوده:
هل اتصلت الاستخبارات الخارجية، أو الداخلية بأي صورة، بأبي عبد الله الصادق زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة؟
ديفيد شيلر:
لا أعلم ذلك بالتفصيل، لكن المؤكد أن الاستخبارات الخارجية إن لديها صلات وثيقة بكل المعارضين الليبيين، الذين كان متاحاً لبعضهم التحرك من ليبيا وإليها وكانت الاستخبارات تستفيد من هؤلاء المعارضين الخارجيين من بلادهم، وخاصة وأنهم حريصون على تثبيت نفوذهم، في حالة موت القذافي فعندما يكون لديهم رجالهم هناك يستطيعون عندئذ تثبيت أحدهم في السلطة في ليبيا، وسيكون ذلك من وجهة نظرهم إعادة لبناء علاقة ودية مع الغرب.
يسري فوده:
هل يمكننا إذن إنه كان داخل الاستخبارات البريطانية حكم بموت العقيد القذافي؟
ديفيد شيلر:
بالتأكيد من وجهة نظر الاستخبارات الخارجية، فرغم أن الخطة جاءت مبدئياً من ذلك العميل (توم وورث) فإنه لم يكن ليبدأ في تنفيذها بدون تمويل منا، لقد أعطوا مالاً لشخص لم يكن مؤهلاً، ومن الناحية القانونية مساعدتك لشخص بالمال لتنفيذ الجريمة، يعني أنك ضالع في الجريمة بالقدر نفسه.
يسرى فوده:
وهل يمكننا -أيضاً- أن نقول بناءً على ذلك، إن جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجي MI6 كان يقوم بالتمويل، وتجهيز معارضين ليبيين لاغتيال الزعيم الليبي؟
ديفيد شيلر:
بالتأكيد، والشيء المثير أعتبر هنا هو أن برنامج بانوراما، الذي بثه تليفزيون (B.B.C) آنذاك، استخلص من تحقيقاته أن جهاز الاستخبارات الخارجي لم يحصل على ترخيص مسبق من المسؤولين السياسيين لتنفيذ الهجوم، لأن ذلك قد يؤثر على الاستقرار العالمي، كما هو معروف، والقانون الداخلي في بريطانيا يفرض على جهاز الاستخبارات ضرورة الحصول على موافقة وزير الخارجية على الأقل، حتى تكون لديه الحصانة ضد الادعاء إذا وقع شيء ما لاحقاً، ولكن هذا لم يحدث، وحين تقول الحكومة إنني انتهكت القانون بإفشاء بعض الأسرار، فلتنظر إذن إلى جهاز الاستخبارات الخارجي الذي انتهك القوانين في أمر أخطر بكثير، أدى في بعض الظروف إلى مقتل أبرياء.
يسرى فوده:
إلى أي مدى أنت متأكد من أن الاستخبارات الخارجية لم تستشر الحكومة؟
ديفيد شيلر:
المشكلة أن ذلك الضابط قال لي إنه أخبر الحكومة، لكنه كان سيقول ذلك على أي حال، لقد أكد لي طوال الوقت أن وزير الخارجية على علم تام بذلك، ومن ثم قلت لنفسي: من أنا حتى أناقش وزير الخارجية، خاصة أنني تعلمت من واقع عملي، أن من يخرج عن القطيع لا يكافأ، إننا عادة نترك الأمور على علاتها، لكنني قمت بإبلاغ رؤسائي ومن ثم كان الأمر بأيدهم، حيال ذلك التصرف وهذا الموقف.
يسرى فوده:
إذن افترضت طول الوقت أن وزير الخارجية كان على علم، لكنه لم يكن؟!
ديفيد شيلر:
لا أعتقد أنه كان على علم، برنامج بانوراما في B BC الذي بث أثبت من مصادر داخل وزارة الخارجية أن الوزير لم يكن على علم به، بل إن ذلك تأكد على نطاق واسع في الحكومة، التي قالت أيضاً أنه لا يوجد دليل على وجود مؤامرة تمت الموافقة عليها رسمياً، لقد قالوا ذلك بأنفسهم، وهو يفتح المجال لهذا التطور الجديد.
أما جهاز الاستخبارات الخارجية فيتصرف بنفسه خارج نطاق السيطرة، وهنا تكمن الأخطار، فحتى C.I.A عندما تحاول اغتيال (كاسترو) مثلاً تحصل على موافقة، فبالرغم من أن هناك شخص كالعقيد القذافي لا يقبله الغرب، فأنت لا تضمن أن خلفه لن يكون أسوأ منه، إنك في هذه الحالة يمكن أن تخلق قدراً هائلاً من عدم الاستقرار في منطقة غير مستقرة بالفعل، مثل شمال أفريقيا حيث يتصاعد الخطر الإسلامي المتطرف، لقد أخذ جهاز الاستخبارات الخارجية على عاتقه مهمة تحديد السياسة الخارجية البريطانية التي من المفترض أنها مسؤولية نواب الشعب المنتخبين.
يسري فوده:
هل حدث أبداً من قبل أن الاستخبارات الخارجية أو الداخلية تصرفت وحدها دون علم الحكومة بعملية ما؟!
ديفيد شيلر:
لا علم لي بذلك، فأنا لم أكن ضالعاً في كل العمليات، ولا أدري بكل ما يحدث تماماً في الاستخبارات الخارجية، أما الاستخبارات الداخلية فبالتأكيد تخبر الحكومة بعملياتها، وهم لا يخبرونها إذا كانت العملية قليلة الأهمية، وكثير من العمليات هي هذا المستوى أصلاً.
يسري فوده:
أقول ذلك على ضوء رد فعل السيد (روبن كوك)وزير الخارجية حين قال بالحرف الواحد "إن ذلك لم يؤذن به على المستوى الرسمي" فماذا تفهم من ذلك؟
ديفيد شيلر:
ما يعنيه هو أنه لا يوجد دليل على أن هناك مؤامرة وافقت عليها الحكومة بصورة رسمية، وهذا يقود إلى القول إنه ما دامت الحكومة لم تصرح بذلك فإن الاستخبارات الخارجية لابد كانت تتصرف خارج نطاق السيطرة، وهذا يشكل خطراً على الديمقراطية، فليس للاستخبارات أن تقرر ما هو في صالح بريطانيا، فهناك المسؤولون المنتخبون، وهم مسؤولون أمام البرلمان والناخبين.
يسري فوده:
حين يصل الأمر داخلياً إلى حد أن جهاز استخبارات يأذن بمثل هذه العملية.. بمثل هذه الضخامة كاغتيال رئيس دولة دون إخبار الحكومة أو الدوائر السياسية التي من المفترض -على أية حال- أنه مسؤول أمامها، ويرفع تقاريره إليها، وأنت تقول -بالفعل- أن تلك إشارة إلى خروج الأمر عن السيطرة، فهل يدلك هذا على وقوع أمور مشابهة في الماضي؟!
ديفيد شيلر:
أنا لا أعلم أي شئ عن عمليات أخرى، أنا لم أعمل مع جهاز الاستخبارات الخارجي إلا حوالي عامين، وعلاقتي وثيقة ببعض ضباط الاستخبارات الخارجية، لكنني لا أعلم عن مؤامرات أخرى من هذا النوع أبداً.
يسري فوده:
لو تناولنا العملية نفسها، تقول إنها وقعت في (سرت)؟
ديفيد شيلر:
نعم، في فبراير أو مارس عام 1996م، لا أذكر بدقة.
يسري فوده:
حدِّثنا قليلاً عن تفاصيل العملية.
ديفيد شيلر:
ليس لدي الكثير لأضيفه إلى ما قلته، أنا لا أعرف عن مؤامرة الاغتيال نفسها من العميل (توم وورث) وإنما من مصادر وتقارير أخرى، أذكر منها اثنين على الأقل، وربما ثلاثة من مصادر مختلفة، تحدثت جميعها عن محاولة الاغتيال.
يسري فوده:
ثمة هناك تقارير تقول إن شيئاً لم يحدث في الواقع في ليبيا على حد وصفك في فبراير عام 1996م، وأن شيئاً آخر وقع في نوفمبر من نفس العام، فكيف لك أن تقارن هذه التقارير المتضاربة؟
ديفيد شيلر:
حسناً، إن حادثة نوفمبر 1996م كانت مختلفة تماماً، فحسبما أعرف استطاع الذين حققوا في الأمر أن يفصلوا بين الحادثتين اعتماداً على مصادر مختلفة، إن إحدى مشاكل ليبيا هي أنه لا توجد تغطية إعلامية في الغرب لكل ما يحدث داخلها، ولكن بمجرد إعلان عن المؤامرة قام المحققون باستقصاء الأمر، وتأكدوا من وقوع الحادث، وأنا أعلم أن البعض حاول التشكيك في صدقي بزعم أنه لا يوجد سجل بخصوص هذا، لكن الناس اليوم عرفوا ذلك وتأكدوا منه، وإذا أرادت الحكومة الاهتمام بما تفعله الاستخبارات فعليها أن تحقق في الأمر، بدلاً من أن تجعل الحقيقة تختفي كما حدث في حالة (كيث).
يسري فوده:
ديفيد، هل لديك رسالة أخيرة، ربما للحكومة البريطانية، أو العقيد الليبي أو أي طرف آخر؟
ديفيد شيلر:
نعم، أود القول للحكومة البريطانية إن الوقت حان لتشعر بمسؤولية حيال هذا، وأن تجلس نتفاوض، نتحدث، بحيث أعود إلى بريطانيا فلا أحد يقبل أن يبقى في المنفى في أوروبا الغربية في مثل هذه الظروف، أعني أن الحكومة البريطانية تنادي بوجوب مقاضاتي، لأنني انتهكت القانون، لكن عليها أن تقاضي أشخاصاً في جهاز الاستخبارات الخارجية أيضاً.
أجل .. لقد آن الأوان للتخلص من هذه المسألة والعودة مجدداً إلى حياتي الطبيعية، وأنا أشعر بالأسف على الأفعال التي تقوم بها بلدي، حيث أنهم دفعوا تدفع لبعض الناس أموالاً لكي يغتالوا زعيم دولة، لكن الضحايا من المدنيين، ويجب على الحكومة أن تتحمل تلك المسؤولية، وإذا نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر أخرى مثلاً ليبيا تدفع أموالاً إلى الجيش الجمهوري الايرلندي، لكي يحاولوا أن اغتيال (توني بلير) في لندن، ومن ثم يقتلون مدنيين في الشوارع، سنعرف أن المسألة بشعة وغير مقبولة.
يسري فوده:
الذي كان لأكثر من خمس سنوات صائداً، تحول اليوم إلى فريسة، ليس لديه ندم، إن كان لديه قليل منه، فهو على ما فات، لديه اليوم ثورة على أساليب جهاز الاستخبارات البريطاني، لديه اليوم إحساس بالخزي والعار، واعتذار للعقيد الليبي معمر القذافي، لديه اليوم دعوة إلى إعادة محاكمة الفلسطينيين سمر وجواد، ورغبة في طرح ما لديه أمام العدالة، كلنا نريد أن تستمع إلى شهادة (ديفيد شيلر) والحكومة البريطانية وحدها لا تريد، هي تعلم أن لديه الكثير لا يزال، وهو يعلم أنه -ربما- يضطر إلى دفع بقية عمره ثمناً لذلك، طيب الله أوقاتكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى