تاريخ الحلقة 04/03/1999
يسري فودة: كم مرة تغير مصير شعب لأن خبراً وصل متأخراً أو لأن معلومة أُسيء تحليلها؟ كم مرة أصيب مشروع قومي بإحباط، أو مُنِيت آمال أمة بأكملـها بانتكاسة لأن بيننا خائناً واحداً على الأقل؟ ما أكثر هؤلاء الذين يُشترون! وما أقل قدرة الكريم على التعلم!
لا يدعى هذا البرنامج لا من قريب ولا من بعيد رصداً شاملاً لأحداث وقعت
في (إسرائيل) أو في (قبرص) أو في دولٍ عربية، أو هنا في الغرب، في وضح النهار، أو تحت جنح الليل، كل حادثة في حد ذاتها فيلم سينمائي مثير، وما خفي كان أعظم.
قناة (الجزيرة) تفتح الملف الحاضر الغائب، في الحرب والسلم، واللاسلم واللاحرب، وتطرح التساؤل:
لماذا إذا كانت أجهزة الاستخبارات العربية مؤهلة حقاً إلى هذا الحد لا نسمع بها -عادة- في مواجهة الموساد بقدر ما نسمع بها في مواجهة المواطن العربي أينما كان؟
بنايوتس بسخاليس (صحفي قبرصي): حبسوني، بعد استجوابي طوال الليل، اتهموني أولاً بالتجسس لصالح
(الروس) ثم لصالح (البلغار) وحتى لصالح (تشيكوسلوفاكيا) اعترفت بأن لي علاقات مع الفلسطينيين في (قبرص) وفي (لبنان) في إطار تغطيتي للقضية الفلسطينية ومسألة الشرق الأوسط، وعندما لم يجدوا شيئاً اتهموني بالتجسس لصالح منظمة التحرير الفلسطينية.
يسري فودة: بنايوتس بسخاليس، صحفي قبرصي زار (تل أبيب) للمرة الخامسة في يناير من عام 78 لتغطية مفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية، قُبض عليه قبل مغادرته بيوم واحد.
بنايوتس بسخاليس: عزلوني تماماً لمدة ستة أشهر، ثم حكموا علي بخمس سنوات، وأرسلوني إلى سجن الرملة حيث بقيت حتى مايو سنة 1980م وأتيحت لي الفرصة لمرافقة السجناء السياسيين الفلسطينيين الذين قضيت معهم عامين.
يسري فودة: (عودي غرجوف) إسرائيلي (بيجال داماري) إسرائيلي، قبض عليهما معاً متلبسين بالتجسس، قبرص - نوفمبر عام 98.
شيمي أنزور (السفير الإسرائيلي في قبرص): الولدان اللذان قُبض عليهما كانا في مهمة لمكافحة الإرهاب، ولم يفعلا شيئاً فقد كان خطأً كبيراً.. كبيراً.
بنايوتس بسخاليس: أنا آسف للتعبير الذي استخدمته أنت، هذه ليست مزاعم، لقد ثبت من خلال الأدوات التي وجدت في حوزتهما، وأنا أعلم كصحفي ما وجدوه أنهما جاسوسان متخصصان عاملان للموساد الإسرائيلي.
مايكل ثيودولو (مراسل صحيفة تايمز البريطانية): في الواقع ما قاله السيد (بيريز) هو أنهما كانا يحاولان إجهاض هجوم إرهابي إسلامي على إسرائيل، لكن رأياً ساخراً يقول: إن ذلك محاولة لاحتواء الرأي العام القبرصي، أعتقد أن الناس تشك في هذا التفسير لأن المكان الذي قُبض عليهما فيه هو ميناء صيد صغير اسمه (زيجي) يخطط لتحويله إلى قاعدة بحرية لرسو السفن اليونانية، ليس مكاناً للإرهابيين المسلمين، إنه مكان صغير، وما عساهم أن يفعلوا هناك، هذا ما يقوله الساخرون.
يورام بنور (التليفزيون الإسرائيلي المستقل): فيه عندي نوع من شعور.. أنه يمكن أن يكون ذلك في إطار صفقة، لأنه اليوم أصبح السوق التجاري مفتوح، وفيه نوع من بضاعة جديدة هي المعلومات الاستخبارية، إسرائيل -لا شك- لها اهتمام في أي تحرك عسكري، أو مدني، أو اقتصادي في شتى أنحاء الشرق الأوسط، ولكنْ فيه طرف آخر مهتم أكثر خصوصي في قبرص، وهو الطرف التركي، الحلف العسكري الإسرائيلي- التركي معروف.
يسري فودة: البحر إلى قبرص مفروش بالنوايا الحسنة في بعض الأحيان، وفي معظم الأحيان مفروش بالنوايا السيئة، هذا البلد الذي لا تفصلنا عنه سوى كيلو مترات معدودة الذي مساحته لا تتعدى بضعة كيلو مترات معدودة ليس تماماً جهنم، كيف يكون هذا الجمال جهنم؟!
هو في رأي البعض "جنة الجواسيس" لكن هؤلاء لا يأتون إلى هنا من أجل سواد عيون قبرص، ذاكرة قبرص تاريخ للشرق الأوسط، أهلاً بكم إلى تاريخ لا يزال حاضراً، أهلاً بكم إلى (وكر الجواسيس).
جمال دملج (18 عاماً من العمل الصحفي في قبرص): العلاقة الشخصية، وأريد أن أوضح، العلاقة الشخصية هي قائمة بين الرئيس القبرصي الحالي من جهة، وبين بعض المسؤولين الإسرائيليين، مثلاً هناك رحلات ما نسميه Picnic بالغرب، هذه الرحلات يقوم بها الرئيس القبرصي على متن قاربه السياحي بشكل شبه أسبوعي إلى ميناء (حيفا) بإسرائيل وبصحبته السفير الإسرائيلي في قبرص.
أنا أذكر مثلاً، طبعاً أنت تعرف لقد وصلت إلى قبرص في شهر ديسمبر 1980م فتابعت القصة القبرصية، يعني وتعرفت إلى الرئيس القبرصي الحالي من سنة 1982م بعد سنتين من وصولي على قبرص، فتابعت بعض الخيوط المتعلقة بالعلاقة بين حزبه التجمع الديمقراطي الحزب الذي يتزعمه، قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية وبين إسرائيل، فوجدت أن فريق الرجال المكلف بحماية الرئيس القبرصي -طبعاً قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية- المكلف بحمايته شخصياً تلقى تدريباته على أساليب العمل الاستقراري والأمني في إسرائيل.
سمير أبو غزالة (السفير الفلسطيني في قبرص): الحكومة القبرصية، والشعب القبرصي يعلم تماماً أن مصلحته الأولى في جيرانه، وجيرانه الأكثر هم العرب، وبالتالي هم واعيين تماماً تماماً لهذه الجيرة، وهذه العلاقات العربية التي أعتقد لن تؤثر عليها أي مؤثرات أخرى، طبعاً لكل دولة لها سيادتها، ولها حقها بأن تقوم بتحالفات، أن تقوم بـ.. هذا شيء آخر، لكن العلاقة الفلسطينية، العلاقة العربية القبرصية هي علاقة ثابتة ومتينة، وهم يعلموا ذلك تماماً.
ولا أعتقد أنها تؤثر تلقائياً، وعندما يحدث أي شيء، بلقاءات إسرائيلية أو غيرها دائماً يضعون بالصورة بأن العلاقة الفلسطينية، والعلاقة العربية هي علاقة ثابتة، رجاء أن تكونوا في غاية الثقة.
يسري فودة: نحن الآن نقود سيارتنا على يُسمى (الخط الأخضر) وهو خط وهمي يفصل القبارصة الأتراك في الشمال عن القبارصة اليونان هنا في الجنوب، بكل ما يمثله هذا الخط من حساسية بين شركاء هذه الجزيرة الضئيلة الحجم ثَمة خط آخر، ربما يكون أكثر حساسية من هذا الخط، نسميه نحن (الخط الأحمر) بدأ هذا الخط الأحمر عندما أردت أن أرسم بالكاميرا صورة للسفارة الأميركية في مواجهة السفارة الروسية في لقطة متصلة من داخل السيارة.
القانون القبرصي يسمح بهذه اللقطة، رآنا هؤلاء فاستوقفونا، ثم هرول من داخل السفارة رئيس أمنها، ثم انضم إليهم جهاز الاستخبارات القبرصي، ساقونا جميعاً إلى أحد أقسام الشرطة حيث حققوا معنا واحداً تلو الآخر لحوالي خمس ساعات، مذاق من الحساسية في قبرص.
مايكل ثيودولو: لا يقتصر الأمر على استخبارات الشرق الأوسط، ولو نظرت إلى القواعد البريطانية تجد أن لدى الأميركيين اتفاقاً لاستعمال طائرات (U) التجسسية من القاعدة البريطانية في (أكراتيري) على الساحل الجنوبي لمراقبة اتفاقات السلام في الشرق الأوسط.
وفي شرقي قبرص لديك الكتيبة البريطانية التاسعة التي تستخدم معدات معقدة وتستخدم هذا المكان كقاعدة للتنصت على الشرق الأوسط، لست أدري ماذا يلتقطون، لكنهم يمررونه إلى مقر القيادة في (شلتمنت).
باتريك سيل (مؤلف كتب عن الشرق الأوسط): في الأيام الخوالي كان البريطانيون، كانت مصلحتهم الطريق إلى الهند، أما المصدر الآخر للاستخبارات فهو إسرائيل، ترى الإسرائيليين يصادقون المارونيين والأكراد وسكان جنوب السودان، وأيضاً الدول المحيطة بالعرب مثل تركيا وإيران وإثيوبيا كل ذلك يتطلب قدراً كبيراً من النشاط الاستخباري.
يسري فودة: في عام 1944م وصل إلى مصر العميل اليهودي (ليفي إفرايم) الشهير باسم (جون دارلنج) متخفيا بشخصية ضابط إنجليزي للبدء فيما عُرف بعد ذلك بالعملية (سوزانا) شرع في تكوين شبكة من اليهود المصريين وغير المصريين ضَمت (فيليب ناتاسون) (إيلي جاكوب نعيم) (مائير زعفران) (مائير يوحاس)
(صمويل عازر) (روبير زاسان) (سيزار كوهين) (فيكتور ليفي) وغيرهم.
كان أيضاً من بينهم (إيلي كوهين) الذي كانت له فيما بعد قصة طويلة في دمشق، كان الهدف إفساد علاقات مصر بأميركا وبريطانيا.
وكانت الوسيلة الحرائق والاغتيالات، تورط في العملية (سوزانا) كبار زعماء اليهود (موشيه شاريت) (بنحاس لافون) (ديفيد بن غوريون) وأيضاً (شمعون بريسكي) الشهير باسم (شمعون بيريز).
الجاسوس المصري رفعت الجمال والمعروف لدى إسرائيل
بـ (جاك بيتون)
الصدفة وحدها أدت إلى سقوط شبكة اليهودية مساء الثالث والعشرين من يوليو/ تموز عام 1954م عندما احترقت قبل الأوان عبوة كيماوية في جيب (فيليب ناتاسون) أمام سينما (ريو) بالإسكندرية، في هذه الأثناء كانت مصر تبحث لها عن جهاز استخبارات سُمي على حد قول مؤسسه (زكريا محيي الدين) المخابرات السرية، أما اللواء المصري (عبد المحسن فايق) وكيل وزارة التموين سابقاً فهو الذي أخذ على عاتقه مهمة البحث عمن أصبح بعد ذلك أشهر جاسوس مصري وجده في (أفاق) اسمه الحقيقي (رفعت الجمال) نعرفه الآن باسم (رأفت الهجان).
وصل رفعت الجمال إلى إسرائيل بحراً من الإسكندرية عام 1955م، وصلتها أنا جوا عن طريق (لندن) بعد ذلك بنحو نصف قرن، كنت أحاول أن أترسم في خطواتي خطواته الأولى في تل أبيب، ومن ثم خطواته في قبرص، هنا في شارع (بن يهودا) حيث تنتشر مكاتب شركات الطيران وشركات السياحة كان يفتش عن غطاء للبدء في نشاطه السري وقتذاك، وقد صار اسمه في المخابرات المصرية العميل (313) وقتذاك، وقد صار له جواز سفر إسرائيلي صادر من تل أبيب برقم (146742) باسم (جاك بيتون) المولود في المنصورة - مصر.
هذا الذي وضع بعد ذلك بين يدي القيادة المصرية الموعد السري الذي حددته القيادة الإسرائيلية لشن حربها على العرب عام 1967م، دون أن يعلم أحد!! هذا الذي حرق لإسرائيل كثيراً من أغلى جواسيسها، دون أن يعلم أحد!! هذا الذي وضع بين يدي السادات خرائط مفصلة لخط بارليف، دون أن يعلم أحد.
عاش هنا في شارع (يوشع بن نون) في تل أبيب باسم مستعار، ودين مستعار، ولغة مستعارة، وبقلبين وعقلين وسبعة أرواح. في طريق الخروج من القدس سألت سائق السيارة الفلسطيني إن كان سمع برأفت الهجان؟ قال: طبعاً هذا الذي أتى إلى إسرائيل ووقعت في غرامه (إيمان الطوخي) أليس كذلك؟
منحني النائب السابق لرئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) موعداً على الطريقة السينمائية، اتصلت به من لندن، قال: أغلق واتصل حين تصل إلى إسرائيل، فلما وصلت اتصلت، قال: قابلني على الطريق السريع بين (حيفا) (تل أبيب) ستجد محطة لتموين السيارات بالبنزين، إلى جوارها مطعم صغير بالقرب من منطقة (هرتزيليا) انتظرني هناك، طابت لي فكرة أن الموساد يستدرجني لا كي أجيب أنا عن أسئلته بل كي يجيب عن أسئلتي!!
مطعم بسيط تملكه أسرة بسيطة من عرب ما قبل 1948م، لكن الذي تحمله جدران المطعم من صور ومقتنيات أبعد ما يكون عن البساطة.
يقول (جدعون بن عزرا) الذي كان على رأس جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل وكان نائباً لرئيس الموساد: إنه لم يشاهد أي شيء عن رأفت الهجان، رفعت الجمال - جاك بيتون.
جدعون بن عزرا (نائب رئيس الموساد سابقاً): لا أنا ما شاهدت، أنا بأعرف شيء واحد إنه مصر أخذت شخص ظلم من.. وقال: إنه كان يشتغل لمصلحة إسرائيل، و.. غير صحيح، وهو عزام عزام، وهو موجود في سجن مصر، اتحكم 15 سنة أظن.
إسرائيل مش على مستوى إنه تلم أخبار من مدنيين، إسرائيل على مستوى إنه هي بدها تعرف المصادر.. المصادر الخطر اللي ضدها، عزام عزام مش الشخص اللي يقدر يساعد إسرائيل، وإحنا نطلب مصر إنه يرجع لبلاده.
يسري فودة: من.. أو ما هي نوعية الشخص الذي تعتقد أنه يمكن أن يصلح لذلك؟ يعني..
جدعون بن عزرا [مقاطعاً]: إن إسرائيل راح تختاره من شان يلم أخبار عشان..
يسري فودة: نعم.
جدعون بن عزرا: ما أقدرش أجاوب على هذا، لكن أنت بتعرف طبعاً إيلي كوهين، إيلي كوهين تعرف أنه كان إسرائيلي ووصل إلى سوريا، وكانت له علاقة كويسة جداً مع السلطة اللي هناك، ما كانتش خوف من سوريا، لأن إسرائيل كانت مصيدة كبيرة، ولا يزال مسجون في سوريا، وإحنا بنطلب من سوريا إنه يرجع لإسرائيل.
يسري فودة: ما رأيك فيما يقوله المصريون من أن مصري هو (جاك بيتون) الذي كان يعيش في إسرائيل باسم جاك بيتون هو الذي أوقع إيلي كوهين؟ هل هذا صحيح من الناحية التاريخية؟
جدعون بن عزرا: هو السبب إن إيلي كوهين اتمسك؟!
يسري فودة: نعم.
جدعون بن عزرا: ما أظنيش، وما بأعرف..
يسري فودة: (إيلياهو شاؤول كوهين) ولد في الإسكندرية عام 1924م حيث عاش وتعلم، قبض عليه عام 55 بتهمة التورط في العملية سوزانا، لكن دليلاً كافيا لم يتوافر ضده، بعد عام هاجر من مصر إلى إسرائيل، وفي عام 60 أرسله الموساد إلى (الأرجنتين) حيث اختبأ في هذا المنزل عاماً كاملاً، اختلق أثناءه شخصيته
الجديدة كامل أمين ثابت ومن ثم قفز إلى سوريا، هناك اخترق بعض الدوائر السياسية حتى لعبت الصدفة دورها، فرأى عميل مصري في إسرائيل صورة له مع يهودية.
سألها من هذا؟ قالت: زوج أختي، ليلتها طارت رسالة إلى القاهرة، وبعدها بأيام كان ملف (إيلي كوهين) بين يدي الرئيس السوري آنذاك (أمين الحافظ) في مايو/ آيار عام 1965م شنق جاسوس إسرائيل في دمشق أمام عشرة آلاف متفرج، أما الذي بعث الرسالة من تل أبيب فلم يكن سوى جاك بيتون، رأفت الهجان.
يورام بنور: سمعت فيها، ما قرأت كل التفاصيل، وسمعت إنه كان رجل مهم، وكان.. الحكومة الإسرائيلية، جاب معلومات، وفي إسرائيل جمع المعلومات، ومعروف فيه مقولة تقول: "إذا فيه اتنين يهود حفظوا السر.. انسى عنه". ما فيش كتمانه، جماعتنا بيحبوا يحكوا كتير، أول إشي بالنسبة لقصة إيلي كوهين ليست قصة ناجحة تماماً، لأن إيلي كوهين قتل أو أعدم، وانمسك.
من المعروف اليوم إن كتير من المعلومات التي نزلها لم تستعمل بطريقة دقيقة، معروف إنه كان خلل في تشغيل إيلي كوهين من قبل مسؤولين عنه في جهاز الأمن الإسرائيلي، وهي قصة ناجحة لا أعلم إذا هي تمثلت..
من المعروف إنه بعض الدول حتى الآن كانوا لإسرائيل ناس في مواقف مهمة في بعض الأماكن في العالم العربي، تفاصيل غير معروفة لأي حدا هذه أشياء سرية أمن الدولة يعني، ولكن أعتقد إنه كان أكتر من إنجاز لجهاز الأمن الإسرائيلي، ولكن مش موقف، حرب الأيام الستة مثلاً عام 67 كان كمان هو نجاح لعمل.. عمل أمني، عمل لجمع المعلومات مكثف وطويل وفي أكثر من دولة عربية واحدة، لأنه ما فيه أي شرح آخر لهذا النجاح الكبير.
في نفس الطريقة تقدر تقول إنه حرب أكتوبر 73 كان الفشل أولاً للموساد، كما الانتفاضة، والانتفاضة هي مثل مهم، لأن وقت الانتفاضة معروف، لأنه كان للشاباك، لجهاز الأمن الإسرائيلي الوقائي في المناطق الفلسطينية بحدود مائة ألف معطي معلومات، بديش أقول عميل، لأنه فيه درجات.. فيه عميل أمني، فيه عميل على مستوى مدني، على مستوى اقتصادي، فيه واحد بيعطي معلومات لمرة واحدة أو لمرتين، ولكن مائة ألف متعاون من أنواع كثيرة، وعلى غرم [رغم] ذلك فشلت المخابرات الإسرائيلية لتقدير ماذا هي الانتفاضة؟ وأول سنة للانتفاضة كانت هزيمة بعد هزيمة لإسرائيل من كل النواحي العسكرية والأمنية والدبلوماسية.
إيجال داماري جاسوس
إسرائيلى قبض عليه متلبس
ياعيل ديان (عضو الكنيست-ابنة موشي ديان) وأود أن أرى جاسوسية ضد حركة (حماس) وضد (منظمة الجهاد) ولننسى محاولة اكتشاف شيء ما في سوريا، فإذا كنا عاجزين عن اكتشافه بمساعدة أميركا، وإذا كنا مضطرين إلى إرسال من يبحث عنه فإن ذلك لن يفيدنا.
يورام بنور: كان لكل تنظيم فلسطيني في المناطق قبل السلطة كان جهاز أمني، هذا جهاز الأمن كان مسؤول عن شراء السلاح، عن تجميع المعلومات وكان ناجح، يمكن مش لا يقارن بينه وبين مخابرات دولة لأنه المعلومات كانت ميدانية يعني مثلاً من وين بأقدر أسرق قطعتين (إم 16) أو كلاشين، OK جيب الدورية هاي.. الظابط تبعها عقليته؟ تتعامل معاه، أو ما تتعاملش معاه، أي ساعة بيمر من وين بيطلع؟ وإلى لوين بيروح وإلى اليوم هذا كان موجوداً.
جدعون بن عزرا: أنا متأكد إنه الفلسطينيين لهم القدرة، يعني إذا فلسطيني بيروح لفلسطيني، إذا ضابط فلسطيني بيطلب من مواطن فلسطيني تفاصيل عن شخص، هذا أسهل له بكثير مما أنا يهودي بأوقف فلسطيني، أو بدي منه نفس الأخبار من فلسطيني بسهولة بيقدر يحصل على هذه، طبعاً هو لازم يتعلم ويعرف المهنة، لكن "خد من الدخلان..." بيعرفوا يشتغلوا، إذا بدهم يشتغلوا بيعرفوا يشتغلوا..
يورام بنور: يمكن القول إن نجاح الفلسطينيين مش بطال.. الفلسطينيين يعلمون اليوم مَنْ هم العملاء، من المعروف، مثلاً استطيع أن أتكلم عن جهاز الأمن الوقائي بقيادة العقيد (جبريل رجوب) يعلم بالضبط من هم العملاء في الضفة؟ من هم، ناداهم، قال لهم: اعملوا معروف أنتم سويتوا كيت، كيت، كيت، إحنا مش راح نعمل حساب معاكم، فيه رب في السماء وحسابه معاكم، بس وقفوا العمل.. خط أحمر، أنا بأعرف من معرفة شخصية إنه فيه كثير من الحالات، ما أقدرش أقول لك كل الحالات هذا دوَّى هذا الإنذار جاب الهدف.
جدعون بن عزرا: مع الأسف، إسرائيل لازم تستمر، وتبني مخابرات قوية جداً لمستقبل الدولة هذه، ويا ريت إحنا كنا نعيش بدون مخابرات.
يورام بنور: أي شغيل يحتاج إلى رخصة عمل، يحتك في مرحلة أو مرحلة أخرى من طلب هذا الترخيص ليذهب ليعمل في (تل أبيب) أو في (حيفا) أو في (يافا) بضباط أمن إسرائيليين، فلو هم شافوه وهو راجل لديه شوية معلومات، يمكن يجربوا تجنيده.
يسري فودة: إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى الموساد، وهو الذراع الخارجية الطولى لإسرائيل فإن ذراعها الداخلية (الشين بيت) تتحرك في حرية أكبر، وتطال رؤوساً أكثر، وتتفنن في فعل ذلك، فيما تُسمى مناطق الحكم الذاتي، ما الذي يمكن أن تفعله السلطة الفلسطينية بالعين البصيرة واليد القصيرة والاعتذار عن عدم الحديث في مجال ترصد له أفقر الدول في العالم ملايين الدولارات، هؤلاء الذين يعيشون هنا في الضفة أو هناك في غزة يعيشون في مصيدة.
باتريك سيل: رأينا أيضاً الإسرائيليين يرسلون فرقاً لقتل الخصوم، استخدموا الاغتيال السياسي على نطاق واسع، قتلوا علماء، شاركوا في برامج عسكرية عربية، قتلوا خصوماً فلسطينيين منهم أخيراً فتحي الشقاقي في مالطة ويحيى عياش صانع القنابل وحاولوا قتل خالد مشعل في عَمان، قتلوا أناساً كثيرين، قتلوا طبعاً أبو جهاد في تونس، وأرسلوا فرق اغتيال في اتجاهات كثيرة.. الاغتيال السياسي أداة مهمة استخدموه.
سمير أبو غزالة: الحقيقة، قبرص مسرح استخدمت الساحة القبرصية حقيقة، واُستشهد لنا مناضلان على التراب القبرصي، وأنت تعلم الجاسوسية لا تتوقف كان بسلام أو بغير بسلام.
يسري فودة: في الرابع عشر من ديسمبر عام 79 استدرج إلى قبرص أحد مساعدي أبو جهاد في اليوم التالي في شارع (نافارينو) في نيقوسيا أطلق الرصاص على أبو صفوت فأردي قتيلاً ومعه السكرتير الثاني بمكتب منظمة التحرير سمير طوقان حتى الآن تقوم أجهزة الأمن الفلسطينية بتدريس هذه العملية التي اشترك في تنفيذها خمسة بينهم لبنانيان دخلوا البلاد وغادروها كأنهم سراب، يذكر تقرير الشرطة القبرصية أنها لا تزال تقوم بتحقيق نشط للقبض عليهم.
جمال دملج: أذكر أنني كنت ارتاد الفنادق، كان يدعى في ذلك الوقت فندق (كنيدي) في الوقت الحالي هو فندق الـ Holiday Inn كان يرتاده السفير الفلسطيني في ذلك الوقت، في ذلك الفندق، هو إحدى الشخصيات البارزة في العمل الفلسطيني في الداخل إسماعيل درويش كنت أرى بعض جيراني الإسرائيليين الذين يسكنون في الشقق المجاورة كيف كانوا يتابعون إسماعيل درويش.. كيف كانت تتم عمليات المطاردة داخل الفندق، داخل أروقة الفندق، داخل طوابق الفندق عندما يتنقل خارج الفندق عندما يخرج، كيف تتم عملية المطاردة بالسيارات وفي إحدى الأحيان اشتركت أنا شخصيا في عملية المطاردة، ليست مطاردة إسماعيل درويش وإنما مطاردة الذين يطاردونه، لأنك تعلم دائماً هناك حس صحفي، ودائماً هناك الحس الأمني بالصحفي، كنت أريد أن أصل في الواقع ماذا سيحدث بعد؟
جانب من ميناء لارناكا في قبرص
يسري فودة: وما حدث أنه في اليم التالي غادر إلى روما، وما أن وصل إلى الفندق حتى أطلق عميلان للموساد النار عليه فقتلاه، في بداية عام 1981م بُتِر ذراع الكاتب السوري (هاني الهندي) على اثر انفجار سيارته قبل توجهه من (ليماسول) إلى (لارنكا) في طريقه إلى بيروت، نفذ العملية (موشيه بابلي) يهودي من أصل فرنسي..
في يوليه/ تموز عام 85 أتت عبوة ناسفة على منزل أحد كبار مسؤولي الممثلية الفلسطينية في قبرص نجا ملاذ عبده وأصيب حموه، ياسر عرفات يبعث إليه ببرقية تعزية، بعد ذلك بشهرين اقتحم السوري خالد الخطيب والأردني عبد الحكيم خليفة ومعهم البريطاني (هيان ديفيد سون) اقتحموا قارباً إسرائيلياً في ميناء (لارنكا) السياحي، وقتلوا ثلاثة عملاء للموساد بينهم (أولا كوهين) المتهمة باغتيال المسؤول الأمني الفلسطيني أبو حسن سلامة في بيروت أواخر السبعينات.
مايكل ثيودولو: أظن أنه في غضون أيام انتقاماً لذلك هاجمت إسرائيل مقر منظمة التحرير في تونس، وقتلت كثيراً من الناس، وردا على ذلك جاء خطف سفينة (أكيلي لارو) وبعد سنوات قليلة حاول الفلسطينيون الترويج لقضيتهم فاستأجروا سفينة للعودة إلى فلسطين.
يسري فودة: كان من المفترض أن تحمل سفينة العودة أكثر من مائة فلسطيني وصحفي ومتعاطف مع القضية ذكر اسم المصري حسن صقر في سياق الموساد، لكن تصريحاً لصلاح خلف، أبو إياد يلوم أميركا وإسرائيل، وزير دفاعها آنذاك (اسحق رابين) لا ينفي ولا يؤكد، قبل ذلك بيوم واحد ارتبط اسم الموساد باغتيال ثلاثة فلسطينيين في ليماسول، محمد سلطان التميمي، مروان الكياني، وأبو حسن قاسم، وفي عام 91 اكتشفت دورية قبرصية أربعة إسرائيليين رجلين وامرأتين يعبثون بصندوق الخطوط الهاتفية للسفارة الإيرانية في نيقوسيا، مشهدُ مما تكرر بعد ذلك بسبع سنوات في سويسرا، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يطلق فيها سراح متهم في قبرص حتى قبل تقديمه إلى المحاكمة، بل إن الرئيس القبرصي أصدر عام 98 عفواً رئاسياً عن إسرائيلي سرق مجوهرات في بافوس.
بعد عمر طويل من التعاطف العربي القبرصي الآن، رغم التقارب الإسرائيلي التركي.. هل تلعب قبرص مع إسرائيل؟!
بنايوتيس بسخاليس: ربما عن جهل، إذ إن انفتاح الحكومة القبرصية تجاه إسرائيل أكثر من اللازم، لقد منحوا شركة إسرائيلية حق إدارة النظام الأمني لقطاع الاتصالات، إنها.. لست أدري كيف أصف ذلك؟!
شيمي أنزور: لا أعتقد ذلك، نتبادل زيارات رفيعة المستوى مع المسؤولين القبارصة، والسياسة القبرصية واضحة فهم يودون الاحتفاظ بعلاقات طيبة بكل الدول المجاورة بما فيها إسرائيل، وهذا هو التغيير الذي طرأ في السنوات الأخيرة.
يورام بنور: الحكومة القبرصية -كما أعتقد- متسامحة لا تفتش بدقة في أي جواز، وجواز مين هذا؟ ومين هذا؟ ومن أين أتى؟ وإلى أين يذهب؟ حتى هاي الاعتقال الأخير لم يتم إلا لما هؤلاء يعبوا الكباية فوق أو كباية عشرين سنتيمتر ماي [ماء] بلترين، ما كان عند السلطة القبرصية أي مفر أو مهرب من اعتقالهم، لأنه فيه مدى الضغط من الرأي العام، فيه تصور إنه الحكومة هناك لديها استعداد لحل المشاكل بطريقة غير رسمية.
سمير أبو غزالة: يعني فيه جزء منه -حقيقة- لا شك أنها تركت بصمات إيه، ولذلك عندما يعلم أن هناك نوع من التوقف أو نوع من الرجوع إلى الوراء في الاتفاقية دائماً يسألوننا لماذا حصل؟ وكيف؟
جدعون بن عزرا: أنا متأكد إن قبرص هي مش الدولة الوحيدة اللي المخابرات العالمية بتشتغل فيها، كل دولة ديمقراطية بتعطي Chance كويس إنه المخابرات التانية تشتغل فيها، بشرط طبعاً إنه ما فيش اتفاق بيدي شغل، شغل المخابرات مثلاً إسرائيل والولايات المتحدة فيه اتفاق إن إسرائيل مش راح تشتغل، مش راح تعمل كثير معلومات في أميركا.
يسري فودة: ورغم ذلك اكتشف (تولر..).
جدعون بن عزرا: وهذه كانت المشكلة.
باتريك سيل: مكان آخر من هذا النوع هو (البحرين) ففي البحرين مكان يدعى
(Get ways) يستضيف واحداً من أضخم قواعد التنصت الأميركية، وفيه كانت تعمل اللجنة الخاصة.
يسري فودة: عاد العميل (313) من قبرص إلى إسرائيل جاسوساً جديداً، من على شاطئ البحر في تل أبيب أو هنا في (هرتزيليا) أو حتى من داخل المدينة كان يقوم بتشفير رسالة طويلة داخل جهاز في حجم الكف على شكل آلة حاسبة يضغط على زر واحد فتكون الرسالة كلها خلال ثوانٍ معدودة في القاهرة، التكنولوجيا غيرت قواعد العمل السري.
باتريك سيل: أعتقد أن دور العميل الفرد قد تراجع بظهور الأقمار الصناعية خاصة فيما يتعلق بالتنصت على المحادثات بما في ذلك تلك المشفرة.
ياعيل ديان: أعتقد أنه محق فلا دور الآن للعميل الفرد، والحقيقة أن كثيراً منهم فشل، كان من المفترض أن يكون لدينا نظام رائع، لكننا لم ننجح في مثل هذا النوع من زرع المعدات ومراقبة الشقق وتنفيذ الأعمال الفردية.
يورام بنور: لا أوافق على هذا الكلام، أعتقد أن أهمية الشخص لا زالت كبيرة، لا بديل لشخص موجود في موقع مهم في دولة هدف، دولة مستهدفة، دولة تريد أن تجيب معلومات منها، معروف إن التطور التكنولوجي عظيم، اليوم يقدروا الناس في هضبة الجولان في طرف إسرائيل يمكن أن يسمعوا مكالمة هاتفية داخل دمشق، ولكن على غرم [رغم] ذلك إذا لك واحد في الحكومة السورية نفسها وأنت كمسؤول أمن إسرائيلي لا بديل لذلك.
جدعون بن عزرا: ما بتقدر تعرف إنه لما تشوف شخص ما بتقدر تعرف إذا هو بيقدر يشتغل معاك وما بيقدر، هذا بيتدارس، هذا بده شغل كتير، هذا مو إشي بسيط، وهذا شغل، هذه مهنة، زي ما مهنتك في التليفزيون، هذه مهنة أنه لازم تعرف تشتغلها، ومش دايماً تنجح فيها.
سمير أبو غزالة: صحيح هناك تضخيم في صورة الموساد، لا أستطيع أن أنفي ذلك، هناك تضخيم، وخاصة بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، نحن أدرى الناس في الموساد، لأننا تواجهنا وإياهم خمسين عام، لا تنسَ خمسين عام ونحن في مواجهة الموساد.
بنايوتيس بسخاليس: نعم، أنا جاسوس.. جاسوس صحفي، أتجسس لصالح شعبي والرازحين تحت الاحتلال، قلت لهم صراحة إنني إذا قبلت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فعندئذ أقبل احتلال الأتراك لبلادي.
جدعون بن عزرا: شوف.. أول شيء ميزانية الموساد شيء سري، لما إحنا نوصل لسلام كامل نقدر نخفض ميزانية الموساد، إذا صار لديك اليوم لازم نستمر نشتغل.
يورام بنور: هذا إشي يمكن في يوم القيامة، ولكن نهاية الأعمال القتل والاغتيال والتجسس واقتحام الأجهزة في الحكومات لم ينتهي ولن ينتهي إلا بسلام، ويمكن بعده، والسلام لسه للأسف الشديد بعيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى