إبراهيم عيسى : النزول إلى الشارع

ظهور السيد عمرو موسى مع شعبان عبد الرحيم على منصة واحدة كان مشهدا ديمقراطيا رائعا، بل لعل بلاغته تعبر عن مصر بعد ٢٥ يناير حيث ما كان صعبا أن يذهب عمرو موسى إلى منطقة فيصل حيث أرض شعبان عبد الرحيم وأن يتشجع شعبان حتى يقف معلنا حبه لمرشح رئاسى، ها هو يتحقق الآن سهلا!
السيد عمرو موسى يفاجئنى بحماسه وطاقته وجديته فى رغبته وعزيمته للوصول فعلا إلى الناس، ويبدو أنه وجد ملعبه الرائع فى قرى وريف وأحياء مصر الشعبية التى تمنحه حبا غير مشروط ولا ملحوق بحوارات وأسئلة محققة خشنة على طريقة ندوات النشطاء المبعثرة للجهود!
الرجل فعلا يعطينا نموذجا فى النزول للناس ويسهم فى تحول الانتخابات الرئاسية التى لا نعلم موعدها إلى جسر التواصل بين مجموعة الساسة الكبار والشعب بطول وعرض مصر!
النزول للناس كان هو التعبير المبتذل الذى يهاجم به كثيرون القوى السياسية ويثرثرون طول الوقت متهمين قوى وأحزاب اليسار والليبراليين والشباب بأنهم يتكلمون فى الصالونات والندوات بينما الإخوان والتيار الإسلامى ينزلون للشارع!
النزول للشارع فى مفهومهم حيث الناس والجماهير الحقيقيون (أين هم الناس غير ال
حقيقيين؟)، وقد أصبحت نصيحة من لا نصيحة له لمواجهة التيار الدينى وقوة تأثيره هى ضرورة النزول إلى الشارع.
الرد يأتى من مرشحى الرئاسة بقوة..
قبل الثورة نزل الدكتور أيمن نور وحده فى واحدة من أهم المبادرات التى أقدم عليها سياسى جسور وشجاع وقام بعد خروجه من السجن بأكبر عدد زيارات لكل مدن وقرى مصر الممكنة رغم مطاردات وملاحقات من جهاز أمنى مندفع ومن إعلام مدفوع أيامها.
ثم كان النزول الأشهب للدكتور محمد البرادعى حيث وضع حجر الأساس لثورة 25 يناير، وخلال شهور كان يمشى وسط الناس فى المنصورة والحسين والفيوم والمنيا، ثم كان وسط الناس فى 28 يناير حيث جمعة الغضب التى وقف فيها الرجل متصديا جسدا وفكرة ورمزا للنظام القمعى الهمجى!
بعد الثورة ها نحن نرى المرشحين كلهم فى حالة مدهشة من الالتحام بالناس حيث واحد بقامة وسيرة وشهرة عمرو موسى لا يكتفى باسمه وذيوع صيته، فها هو ذا يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة موجودا فى كل سرادق انتخابى ولقاء جماهيرى منصتا ومتكلما مطرقا سمعه وطارقا فكره.
ثم هناك مرشحون مثل حمدين صباحى وهشام بسطاويسى وطبعا أيمن نور لا تكاد تستطيع أن تقابلهم فى القاهرة هذه الأيام من كثرة رحلاتهم ولقاءاتهم ومقابلاتهم ومؤتمراتهم بين آلاف من المصريين ريفا وصعيدا!
منتهى التفانى والحرص والحماس وهؤلاء كلهم خارج الإخوان والتيار الإسلامى وبلا رعاية أو دعاية من هذا التيار، ومع ذلك فإنهم فى قلب الشارع ومتواصلون مع الجمهور فى كل مكان فى البلد فضلا عن أنهم يلتقون الصوفيين والأقباط، وفى الأزهر ومع سكان المقابر وفى الحارات الشعبية، وفى أزقة وكفور ونجوع، فى جولات عنوانها وتفصيلها هو اللقاء الحميمى بالناس فى الشارع (لا تستطيع أن تزيح من ذهنك مشهد فيلم «طيور الظلام» حيث نصيحة عادل إمام للمرشح فى الانتخابات حين صافحه طفل معفن: بوسه من بقه!).
لعل نزول هؤلاء المرشحين للشارع ينهى هذا التأفف الملح من غياب القوى السياسية عن الشارع، حيث يمكن أن تعد الآن قائمة بنحو مئة مثقف وباحث وسياسى منتمين إلى عدة أحزاب جديدة نزلوا إلى عشرات المدن والقرى فى مؤتمرات حضرها وشارك فيها مئات وآلاف خلال الشهور الماضية.
لكن المشكلة أن كل الأحزاب والتيارات لن تنزل إلى الشارع مثلما فعل الإخوان أبدا..
ليه؟
لأن الإخوان وتيارهم الساند يعملون فى أنشطة اجتماعية وخيرية لا علاقة لها بالسياسة، وبصرف النظر عن رغبتهم فى استغلالها سياسيا أو غياب هذه الرغبة فإنها لعب وتلاعب بالخيرى لصالح السياسى وخلط الانتخابى بالاجتماعى، إنشاء مستوصفات ومراكز أشعة ومشاغل أيتام ومعاهد تحفيظ قرآن كريم ليس عملا سياسيا ينزل له وبه رجال السياسة للشارع، بل هو أبعد ما يكون عن السياسة، ثم إن العمل الخيرى الاجتماعى الذى يؤسسه الإخوان وغيرهم من الإسلاميين موجود ومستمر منذ سنين طويلة وفُعِّل أثره، فلا يمكن أن يتماثل أو يتنافس معه نشاط آخر يبدأ بعد شهرين ثلاثة!
الحقيقة أن رجال الأعمال ومليونيرات المدن والريف الطامحين إلى مقاعد البرلمان هم المنافسون الوحيدون للإخوان فى النزول للشارع بالتبرعات والجمعيات الخيرية وشنط رمضان وزكاة عيد الفطر ومسابقات تحفيظ القرآن ودفع مصاريف الأطفال المحتاجين فى المدارس ومعارض السلع المعمرة!
أما إذا نزلت القوى السياسية إلى الشارع على طريقة الأعمال الخيرية والنشاط الاجتماعى للإسلاميين فسوف تخسر مبادئها وسوف تخسر الانتخابات كذلك!

مواضيع مشابهة