عندما رجع الرسول عليه الصلاة والسلام من موقعة «أُحد» وجد نساء بنى النجار يبكين قتلاهن فقال «أما حمزة فلا بواكى له»، وكذلك الغلابة فى بلادنا لا بواكى لهم فى برنامج حزب ولا برنامج تليفزيون، فمنذ صباح 12 فبراير خطف «الأرستقراط» الثورة من الميادين إلى الفضائيات فى حوار «طرشان» علوى لا يهم «الغلبان» السفلى، وتحول الفقير إلى شحات الغرام يغنى للثورة تحت البلكونة من أجل «نظرة لله» إلى الحد الأدنى للأجور أو فرصة عمل والجميع يقول له «اسرح» و«روَّح».. فى مصر تغلى العروق لكن الذى ينفجر هو «المواسير».. وأنا أخشى يا أرستقراط الانفجار، ففى الأسبوع الماضى غرق شبان مصريون فى رحلة الهروب إلى إيطاليا وكأنه لا ثورة قامت ولا حكومة قعدت وفى كل مرة أعيد نشر خطابهم: (أمى الحبيبة.. تعلمين يا أمى أننى ذهبت لأعرق لا لأغرق،
لكنه القدر وظلم البشر، كنت أبحث عن لحظة دفء افتقدتها فى وطنى، عن لقمة، عن مسطرة بلاستيك ملونة لابنى، لأبحث عن عباءة لك، ودواء الروماتيزم، عن نظارة طبية تحتاجها زوجتى، أنقب فى القاع الآن عنهم ولا أجدهم، لم يطردنى حضنك لكن لفظنى حضن وطن، لم يعلمنا الفارق بين البطولة والبطالة، فى قاع البحر يا أمى لا بورصة ولا احتكار ولا ثورة بناها «حسام» ليسكنها عشرون «عمرو» ولا تعذيب ولا خوف، فإن الغريق لا يخشى من البلل، اختفيت يا أمى ولم يعثروا علىّ حتى أوفَّر ثمن أكفانى، فنحن لم نسدد بعد ثمن تذكرة السفر فلا تسألينى عن اسم البحر الذى غرقت فيه الأبيض أم الأحمر أم النيل!
فقد غرقنا معاً فى الديون.. وسدوا أمامنا أبواب الأمل والعمل ليفتحوها لأبنائهم ولطبقتهم، أوصيك بابنى كى لا يغرق، دعيه ينسى ما حكيته له عن قطز وبيبرس وملوك العرب فى الأندلس، واحكى له عن ملوك السمسرة فى البورصة، علميه ليصبح جديراً بأن يكون حارس أمن لرجل أعمال أو سكرتيراً لسمسار، وإذا سألك عن قبرى فقولى: إن لى ألف قبر فى كل مصنع باعوه وكل بنك نهبوه وكل ثورة ركبوها، ارفضى يا أمى أن تقبلى فىّ دية.. وانتظرينى مع كل شروق على الشاطئ واسألى الأمواج عن حفيد قد يأتى إليكِ وفى يده العباءة ودواء الروماتيزم وفى اليد الأخرى الأمل والخلاص... «ابنك الشهيد»).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى