ضعفت علاقات مصر بدول حوص النيل خلال حكم مبارك فتسبب ذلك في تهديد مائي حقيقي لمصر (الأوربية-أرشيف)
نادر نور الدين محمد
يواجه نهر النيل صعوبات عديدة في الوقت الراهن لا تجعله في أفضل أحواله، فمنابع النهر تشهد فورة كبيرة للمطالبة بإعادة توزيع حصص مياه النهر، وفقا لما أسموه بالتوزيع العادل للمياه بعيدا عن الاتفاقيات التي وقعت في عهود سابقة لا تعترف بها النظم الحالية وترى أن سيطرة مصر والسودان على 90% من مياه النهر مقابل 10% فقط لدول المنابع فيه ظلم كبير يحتاج إلى إعادة نظر عادلة، خاصة في ظل هرولة أكثر من 60 شركة استثمارية من 25 جنسية عالمية للاستثمار الزراعي في دول المنابع لزراعة حاصلات إنتاج الوقود الحيوي، وبالتالي زيادة حاجتها إلى موارد مائية أكبر للتحول من نظم الزراعة المطرية إلى نظم الزراعة المروية هي أعلى محصولا وأكثر استقرارا.
نهر النيل
أسباب الاختلاف بين دول حوض النيل
نهر النيل داخل مصر ومشكلة التلوث
كما يشهد نهر النيل داخل الأراضي المصرية ذروة التلوث بمختلف أنواعه من مخلفات الصرف الصحي إلى الصرف الصناعي والتلوث بمتبقيات الأسمدة والمبيدات الزراعية بما أدى إلى انتشار العديد من أمراض التلوث الغذائي وتلوث مياه الشرب، ولم يعد يخلو بيت واحد في مصر الآن من مرض السرطان أو الإصابة بالفيروسات الكبدية القاتلة وكذلك أمراض الفشل الكلوي. وستعرض هذه الدراسة لأحوال نهر النيل حاضره ومستقبله.
نهر النيل
يعد نهر النيل الذي يبلغ طوله نحو 6800 كم في اتجاه جنوب شمال أعلى خط عرض 35 هو الأطول عالميا، غير أنه ليس هو الأغزر مائيا من حيث تصرف المياه عند المصب سنويا حيث لا تتجاوز 84 مليار متر مكعب سنويا، وهي بذلك لا تتجاوز 1.5% من تصرف نهر الأمازون و6.7% من تصرف نهر الكونغو، و15% من تصرف نهر المسيسبي، و17.9% من نهر الميكونج و37.5% من نهر زامبيزي، ونحو 40% من الدانوب، و47% من تصرف نهر النيجر.
ويستمد نهر النيل مياهه من المناطق الرطبة ذات الهطول الغزير على منابعه، وأولها وهي الأقرب لمصر هي هضاب المرتفعات الإثيوبية وتضم إثيوبيا وإريتريا حيث يسري الماء منها من خلال الرافد الأكبر للنهر، وهو النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا بشكل أساسي، ومعه رافد متوسط وهو نهر عطبرة الذي يسير بالتوازي مع النيل الأزرق ويصب شماله بنحو 320 كيلومترا من العاصمة الخرطوم. وهناك العديد من الروافد والبحيرات الأقل مساحة مثل نهر الرهد والسوباط والبارو.
المنبع الثاني لمناطق الهطول الغزير هي منطقة البحيرات الاستوائية الكبرى التي تضم ست دول، وهي بالترتيب من الشرق إلى الغرب كينيا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي ورواندا والكونغو الديمقراطية. وتضم هذه المنطقة بحيرات فيكتوريا -وهي ثاني أكبر بحيرة طبيعية في العالم- وكيوجا وتنجانيقا وإدوارد وألبرت كبحيرات عذبة أساسية ومعها بعض البحيرات الفرعية التي تمثل امتداد طبيعيا لبعض الروافد مثل بحيرات نالوبال وبوجاجالي وكاروما، وجميع هذه البحيرات الصغيرة تقع في الأراضي الأوغندية.
الجزء الثالث من النهر يضم دولتي المصب وهما السودان ومصر، غير أن البعض يرى أن السودان خاصة الجزء الجنوبي منه يعد حوضا ثالثا لمنابع النهر بسبب الأمطار الغزيرة نسبيا التي تسقط على جنوبه وكذلك على الجزء الشرقي الملاصق لإثيوبيا التي تتجاوز 500 مم في السنة مقارنة بمتوسط الهطول على الأراضي المصرية شمالا وجنوبا التي لا تتجاوز 20 مم/سنة. العديد من الاتفاقيات ربطت بين حصص دول المنابع ودول المصب وبدأت منذ العام 1892 ولكن أبرزها الاتفاقيتان الأخيرتان.
الأولى وهي الأهم والموقعة عام 1929 بين مصر وإنجلترا بصفتها الدولة المحتلة لأغلب دول المنابع بما فيها مصر، وتعطي تلك الاتفاقية لمصر حق الاعتراض (الفيتو) على إقامة أي عوائق أو سدود على فرعي النهر الرئيسين -النيل الأبيض والأزرق- أو روافدهما يكون من شأنها إعاقة أو منع سريان مياه النهر إلى مصر أو مجرد تغيير موعد وصوله، حيث تعول مصر على نهر النيل تماما بنسبة تتجاوز 98% وليس لها مصدر غيره للمياه وتشكل الصحاري الجافة نحو 94.5% من إجمالي مساحة أراضيها البالغة مليون كيلومتر مربع. هذه الاتفاقية حددت لمصر أيضا حصة من المياه لا تقل عن 48 مليار متر مكعب سنويا مقدرة عند مدينة أسوان كمدخل النهر إلى مصر.
الاتفاقية الثانية وقعت بين مصر والسودان فقط في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 بالقاهرة، وهي معنية بتوزيع حصص المياه التي تصل إلى أسوان والتي سوف ترتفع بعد إنشاء السد العالي في الأراضي المصرية وتكون بحيرة السد في الدولتين نتيجة لحجز المياه خلف السد وبالتالي تقسم المياه التي تصل إلى هذه البحيرة وقدرت بمتوسط عام يبلغ 84 مليار متر مكعب سنويا تقسم بين مصر والسودان بمعدل 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان وخُصص عشرة مليارات متر مكعب للبخر من بحيرة السد نتيجة للمناخ الحار الجاف في منطقة البحيرة التي يتجاوز البخر فيها 10 مم/يوم. دول المنابع ترى أنها لم تُدع إلى حضور هذه الاتفاقية ولم تشارك فيها، وبالتالي فإن هذه الاتفاقية لا تخص إلا مصر والسودان فقط.
في بداية العام 2009 بدأ يطفو على السطح خلاف حاد بين دول المنابع السبع من جانب -باستثناء إريتريا التي تقف مع دولتي المصب في حتمية الحفاظ على حقوقهما المكتسبة في مياه النهر، ولكن وضعها كمراقب فقط -بناء على رغبتها- وليس عضوا كاملا في مفوضية دول حوض النيل يضعف من موقفها المساند لمصر والسودان، وبين دولتي المصب من الجانب الآخر حيث بدأت دول المصب تطالب بحصص أكبر من مياه النهر وإقامة ما تراه من سدود دون الرجوع إلى مصر بل وشرعت فعلا في إعادة توزيع بعض حصص مياه المنابع الاستوائية في اتفاقية جديدة وقعت بمدينة عنتيبي جنوب العاصمة الأوغندية كمبالا في 14 مايو/أيار 2010، حصلت بمقتضاها كل من تنزانيا وكينيا على زيادة مقدارها ثلاثة مليارات متر مكعب من مياه النهر سنويا خصما من حصتي مصر والسودان التي لا يصلها من منابع البحيرات الاستوائية أكثر من 13 مليار متر مكعب سنويا فقط بنسبة 14% مما يصل إلى مصر والسودان، وهي النسبة التي يفقد نصفها في المستنقعات والأراضي المغمورة في جنوب السودان بدءا من مدينة جوبا عاصمة الجنوب قبل بدء تكوين النيل الأبيض بعد هذه المستنقعات الوعرة، وبالتالي فإن خصم هذه الستة مليارات المخصصة لتنزانيا وكينيا يعني عدم وصول شيء من مياه المنابع الاستوائية إلى مصر والسودان. وفي الجانب الآخر في منابع الهضاب الإثيوبية، فقد أعطت إثيوبيا لنفسها الحق في إقامة عشرة سدود في السنوات العشر القادمة دون الرجوع إلى مصر أو إعطاء تأكيدات بأن هذه السدود لن تقلل من كميات المياه التي ترد إلى مصر والسودان بالإضافة إلى انضمام إثيوبيا إلى معاهدة عنتيبي لإعادة توزيع حصص مياه النهر.
"
تشهد منابع نهر النيل فورة كبيرة للمطالبة بإعادة توزيع حصص مياه النهر وفقا لما أسموه بالتوزيع العادل للمياه بعيدا عن الاتفاقيات التي وقعت في عهود سابقة لا تعترف بها النظم الحالية والتي ترى أن سيطرة مصر والسودان على 90% من مياه النهر مقابل 10% فقط لدول المنابع فيه ظلم كبير يحتاج إلى إعادة نظر عادلة
"
الاتفاقية الأخيرة وانضمام خمس دول إلى هذه الاتفاقية باستثناء دولتي الكونغو وبوروندي سببت قلقلا بالغا في الأوساط المصرية والسودانية خاصة في الأوساط المصرية نتيجة للاعتماد الكامل لمصر على ما يصلها من مياه النهر بنسبة 98% بعكس السودان التي تسقط عليها أمطارا غزيرة، خاصة في جنوبها وشرقها تقلل اعتمادها على النهر إلى 77%.
الظروف الهيدرولوجية والديموغرافية
يغطي حوض نهر النيل مساحة تبلغ 3.1 ملايين كيلومتر مربع تمثل نحو 10% من مساحة القارة الأفريقية وتمثل المدن والمساحات الحضرية 1% فقط من مساحة هذا الحوض، 2% للغابات و3% للأراضي المغمورة بالمياه العذبة Wetlands 3% يشغله مجري النهر وروافده و4% للشجيرات القصيرة Shrub و5% فقط لأراضي الزراعات المروية و10% للزراعات المطرية و30% للصحاري و42% لأراضي الحشائش والمراعي الطبيعية سواء للسافانا القصيرة الخاصة برعي حيوانات المراعي اللاحمة (أبقار وضأن ...) أو السافانا الطويلة لحيوانات الغابات المفترسة والعشبية (أسود ونمور وغزلان ...). يبلغ عدد سكان تعداد دول حوض النيل طبقا لتعداد العام 2008 نحو 378.5 مليون نسمة يتناسلون بمعدل نمو سكاني يمثل النسب العليا عالميا ويتراوح بين 2% و3% سنويا لمقارنة بالمعدل العالمي الذي يتراوح بين 1% و1.2% سنويا، ونتيجة لهذا المعدل في النمو السكاني من المتوقع أن يصل عدد سكان دول حوض النيل عام 2025 نحو 568.3 مليون نسمة.
وتتسم منابع النهر بوقوعها على هضاب ترتفع كثيرا عن مستوى سطح البحر وتتراوح بين 1200 و2000 متر، وبالتالي يسري من ماء النهر في اتجاه الانحدار إلى مياه البحر المتوسط.
أسباب الاختلاف بين دول حوض النيل
ورغم أن مصر تعتمد على مواردها من مياه النيل بينما تعتمد دول منابع حوض النيل على الزراعة المطرية بنسب متفاوتة فإن بعض دول الحوض خاصة إثيوبيا التي تعد الأكثر معاناة من تكرار نوبات الجفاف ترغب في التحول إلى الزراعة المروية، كما أنها تعتقد أن التنمية في إثيوبيا ترتبط ارتباطا مباشرا بترويض مياه النيل وروافده، وبالمثل أيضا تعتقد بقية دول منابع هضاب البحيرات الاستوائية. بالإضافة إلى ذلك فإن سكان جميع هذه الدول من الفقر إلى الحد الذي لا تستطيع معه البدء في اتخاذ خطوات جادة نحو التنمية الشاملة والمستدامة، وإنما تعتمد في ذلك على المعونات الأجنبية وحصصها من أموال الدول المانحة لمفوضية دول حوض النيل Nile Basin Initiative التي تصل إلى 20 مليار دولار تدفعها نحو 20 دولة غربية، ويرعى أوجه الإنفاق فيها البنك الدولي شريطة أن يكون أي مشروع يقام بهذه الأموال مفيدا لأكثر من دولة وليس لدولة واحدة ولا تتضرر من هذا المشروع أي دولة أخرى من دول الحوض.
عموما يتراوح إيراد نهر النيل بين أعلى وأقل رقم سجلا في المائة عام الماضية، حيث سجل إيراد النهر عند مدينة أسوان ورود كمية من مياه النيل بلغت 120 مليار متر مكعب عام 1916، وهي أعلى كمية مياه مسجلة في التاريخ الحديث، بينما كانت أقل كمية مسجلة عام 1984 حيث لم تتجاوز 42 مليار متر مكعب. وبالتالي فإن الإيراد السنوي للنهر يتأرجح بين هذين الرقمين من عام إلى آخر.
ويرى المؤرخون أن لفيضان نهر النيل دورة تكاد تكون ثابتة على مر التاريخ، وهي سبع سنوات سمان للفيضان الغزير، يعقبها سبع سنوات عجاف لفيضان شحيح، ثم ست سنوات لفيضان متوسط كاف لمواجهة متطلبات دول الحوض من مياه النهر.
ويمكن إجمال بعض الاعتبارات الهامة في مستقبل توزيع المياه في حوض النهر في:
- الحاجة متزايدة للمياه دوريا بسبب الزيادة الكبيرة في معدلات النمو السكاني بنسب 2%-3% ووصول تعداد سكان دول الحوض إلى 568 مليون نسمة عام 2025 مقارنة بتعداد 378 عام 2007، وبالتالي زيادة الطلب على المياه سواء لإنتاج الغذاء أو للتطور المجتمعي والصناعي.
- المياه هي السبب الأول في تحجيم النمو الاقتصادي-الاجتماعي Socio-economic، وبالتالي الثقل السياسي في المجتمع الدولي.
- الخلاف الكبير بين دول المنابع ودولتي المصب في حق كل دولة في مياه النهر، فعلي حين لا تقبل كل من مصر والسودان مبدأ الحقوق المتساوية في مياه النهر Acquired Rights فإن دول المنابع لا تتقبل مبدأ الأمن المائي لمصر والسودان Water Security، ولا تعترف بجميع الاتفاقيات التي تضمن حقوق كل من مصر والسودان في مياه النهر خاصة اتفاقية العام 1929 التي ترى أن المستعمر قد وقع بالنيابة عن هذه الدول، وبالتالي هي لم توقع ولم تقر هذه الاتفاقية وتطالب باتفاقيات جديدة تقرها شعوبها الحرة المستقلة.
- هناك تحفظات دائمة خاصة من إثيوبيا بشأن التهديد بالحرب وتدمير أي منشآت تقام على النهر وروافده خاصة بين مصر وإثيوبيا معتمدة على تصريحات للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل قائلا "إن السبب الوحيد الذي يمكن أن يجر مصر إلى الحرب الآن هو الحرب من أجل المياه The only matter that could take Egypt to war again is water". كما كانت هناك تصريحات منسوبة للدكتور بطرس بطرس غالي عام 1993 إبان عمله وزير دولة للشؤون الخارجية المصرية ومسؤولا عن الملف الأفريقي قائلا "إن الحرب القادمة في المنطقة سوف تكون بسبب المياه وليس بسبب الأمور السياسية The next war in our region will be over water, not politics".
- الاستثمارات العالمية في تنمية الموارد المائية في المنطقة متوقفة تقريبا بسبب عدم الاتفاق في وجهات النظر بين دول الحوض وبسبب تضارب المصالح أيضا، وإن كانت أزمة الغذاء العالمية الأخيرة التي استمرت طيلة العام 2007 وحتى 2008 قد تسببت في هرولة العديد من الدول الأجنبية والعربية أيضا للاستثمار في بلدان دول حوض النيل كبلدان وفرة زراعية من المياه والترب الزراعية.
- دولتا المصب تخشيان دائما من تقلص المياه الواردة إليها من النهر بسبب التنمية المطردة في دول المنابع.
- في المقابل فإن دول المنابع مهمومة بسيطرة دولتي المصب على الجزء الأعظم من مياه النهر وحرمانها من الإفادة من مياه النهر رغم كونها المصدر المباشر لهذه المياه.
الاستيلاء على الأراضي الزراعية في دول حوض النيل بزعم الاستثمار الأجنبي
في إصدار للمعهد الدولي لبحوث برامج الغذاء (IFPRI) عام 2009 أبدى المعهد تخوفه من تزايد ظاهرة استحواذ الدول الغنية على الأراضي الزراعية في الدول الفقيرة عن طريق المستثمرين الأجانب، حتى إنه أطلق على هذه الظاهرة أسم "الاستيلاء" على الأراضي الزراعية في الدول النامية عن طريق المستثمرين الأجانب "Land Grabbing" by Foreign Investors in Developing Countries. ويأتي هذا الهجوم الحاد من الدول الغنية على أراضي الدول الفقيرة بسبب وفرة الموارد الزراعية من تربة ومياه عذبة وانخفاض كل من أسعار العمالة وتكاليف الإنتاج إضافة إلى العوامل المناخية التي تضمن استقرار إنتاج الغذاء دون تقلبات. وفي الاتجاه الآخر فإن موافقة دول الوفرة الزراعية من الدول الفقيرة والنامية على هذا الاستثمار كان بسبب حاجتها إلى العائد الاقتصادي من استئجار أو بيع أراضيها إضافة إلى بحثها عمن يمكنه إنشاء بنية تحتية مكلفة مثل الترع ونظم الري والصرف وتمهيد الطرق وتطوير وسائل النقل وغيرها.
وفي العامين الأخيرين زادت مساحات الأراضي المؤجرة للأجانب بنسب كبيرة في العديد من الدول، حيث أورد التقرير توقيع عقود استثمار زراعي لدولة البحرين في فبراير/شباط 2009 في الفلبين لمساحة ربع مليون فدان ومع تركيا لمساحات مفتوحة لاستثمار من 3بلايين إلى 6 بلايين دولار. كما وقعت الصين في عام 2008 عقودا مع كل من الفلبين لمساحة 3 ملايين فدان، وربع مليون فدان مع زيمباوي و6.7 ملايين فدان مع الكونغو الديمقراطية و5 ملايين فدان في زامبيا وربع مليون فدان في الكاميرون. ليبيا أيضا وقعت عقدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 مع أوكرانيا لزراعة مساحة 600 ألف فدان بالقمح و100 ألف فدان مع مالي لزراعة الأرز، وبالمثل أيضا وقعت دولة قطر عقدا في يناير/كانون الثاني 2009 مع كينيا لزراعة مساحة 100 ألف فدان، ومع الفلبين لزراعة 240 ألف فدان، ومع السودان لمساحات مفتوحة للاستثمار الزراعي، ودولة الإمارات العربية وقعت عقدا في مايو/أيار 2008 مع باكستان لزراعة مساحة 750 ألف فدان، ومع السودان لمساحة 950 ألف فدان، ومع إثيوبيا لمساحة 15 ألف فدان. وبالمثل أيضا تستثمر كوريا الجنوبية في السودان في مساحة 1.650 مليون فدان، والمملكة العربية السعودية تتفاوض حاليا مع تنزانيا إحدى دول حوض النيل على الاستثمار الزراعي في مساحة 1.2 مليون فدان ووقعت عقدا مع السودان في فبراير/شباط 2009 لزراعة مساحات 25 ألف فدان بالقمح ومع إندونيسيا بمساحة 1.2 مليون فدان، ثم الأردن التي وقعت عقدا مع السودان أيضا لزراعة مساحة 60 ألف فدان. والكويت أيضا وقعت عقودا لزراعة مساحات مفتوحة مع كل من كمبوديا والسودان، وهناك أيضا 15 دولة من دول غرب أفريقيا وقعت عقودا للاستثمار الزراعي في حاصلات الوقود الحيوي مع الهند بدعم فني برازيلي بميزانية مؤقتة تبلغ 250 مليون دولار ترتفع في العام القادم إلى أكثر من بليون دولار، مع استثمارات أخرى عديدة في دول الجنوب والشرق الأفريقي لإنجلترا والسويد واليابان والدانمارك وكوريا الجنوبية لزراعة حاصلات الوقود الحيوي.
الوقود الحيوي كمدخل للتدخل الخارجي في دول حوض النيل
أصبحت تنزانيا حجر الزاوية لإنتاج الوقود الحيوي في أفريقيا، نظرا لوفرة أراضيها الخصبة التي تبلغ 105 ملايين فدان ووفرة مواردها المائية التي تصل إلى 93 مليار متر مكعب سنويا خصص نحو 11 مليون فدان للاستثمارات الخارجية الخاصة بإنتاج الوقود الحيوي بشقية البيوإيثانول (بديل البنزين) والبيوديزل (بديل السولار) للعديد من الدول ومنها ألمانيا وهولندا وإنجلترا والسويد وكوريا والصين والهند والبرازيل من حاصلات زيت النخيل وقصب السكر والجاتروفا والبونجاميا وبذرة القطن والصبار والذرة الرفيعة.
وفي إثيوبيا الوضع أخطر، ففي خمس سنوات فقط تقدمت 158 شركة دولية للاستثمار في إنتاج الوقود الحيوي بدأت 15 منها الإنتاج الفعلي بالإضافة إلى عدد من الدول البترولية للاستثمار في إنتاج الغذاء بتخصيص أراض تجاوز 5 ملايين فدان لشركات تنتمي لجنسيات أمريكا وجنوب أفريقيا والدنامارك وهولندا والسعودية وإنجلترا وألمانيا وأستراليا والهند والصين وإيطاليا وغانا والسودان وقبرص وأوكرانيا وكندا ولبنان وسويسرا وإسرائيل (400 ألف فدان لإسرائيل منفردة أو بالشراكة مع دول أخرى)، وذلك لاستخراج الوقود الحيوي من حاصلات قصب وبنجر السكر والجاتروفا وزيت النخيل (المصدر: إصدار تطور الوقود الحيوي في إثيوبيا 2009).
أما كينيا فقد خططت لإنتاج 20 مليون لتر إيثانول سنويا بحلول العام 2012 تمثل 20% من وارداتها من البترول، وتعمل في كينيا الآن شركات متعددة الجنسية في إنتاج الوقود الحيوي تنتمي لدول فرنسا وألمانيا واليابان وبريطانيا والهند وكوريا، وبعضها قدم منحا للحكومة الكينية لتشجيع سيرها في اتجاه إنتاج الطاقة النظيفة للحفاظ على البيئة من قصب السكر والجاتروفا وزيت النخيل. السودان أيضا دخل مجال إنتاج الوقود الحيوي منذ خمس سنوات وبدأ في العام 2009 إنتاج أول مصنع للإيثانول افتتحه الرئيس السوداني عمر البشير في يونيو/حزيران 2009 بسعة إنتاجية 200 مليون لتر سنويا من الإيثانول المستخرج من قصب السكر في ولاية النيل الأبيض جنوب العاصمة الخرطوم بنحو 250 كيلومترا. أنشئ هذا المصنع باستثمارات برازيلية من مجموعة شركات Dedini لإنتاج الوقود الحيوي. ويضم السودان الآن نحو ثلاث شركات أخرى لإنتاج الوقود الحيوي ومنها شركة ومصنع الكنانة مع شركة مصرودان وتعمل في منطقة الجزيرة حيث تستخرج الإيثانول من قصب السكر، بالإضافة إلى إحدى كبريات الشركات التي تنتمي لكوريا الجنوبية وحصلت على مساحة 690 ألف هكتار (1.6 مليون فدان) لزراعتها بحاصلات الوقود الحيوي. وينطبق هذا الأمر على أوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية التي تخطو خطوات سريعة في السنوات الخمس الأخيرة، فرواندا وقعت عقدا في العام الماضي يقضي بإنتاجها لنحو 20 مليون لتر سنويا بحلول العام 2012، أما أوغندا فسيتجاوز إنتاجها عشرة أضعاف هذا الرقم بحلول العام 2015. ويرجع السبب في التوسع في إنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل إلى استيرادها لكامل احتياجاتها من البترول من الخارج في ظل اقتصاديات ضعيفة لا تستطيع أن توفر كامل احتياجاتهم من الطاقة، وبالتالي تعتمد على مصادر الطاقة الخشبية البدائية بنسبة أكبر من 90% ولا تستخدم المصادر البترولية إلا بنسب أقل من 7% فقط.
الخطر الأكبر في زراعة حاصلات الوقود الحيوي يكمن في أنها ملوثة للترب الزراعية ومنابع المياه التي ترد إلى مصر والسودان، فجميع أجزاء نباتات الجاتروفا سامة، كما أن الزراعات المروية تعني إضافة الكثير من الأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية التي تهدد بتلوث منابع المياه، إضافة إلى اللجوء الحالي إلى إزالة مساحات كبيرة من الغابات لإحلالها بزراعات الوقود الحيوي يمكن أن يؤثر على تغير المناخ وزيادة احترار مناخ دول حوض النيل وتقلص الأمطار التي تسقط على دول المنابع، وبالتالي تصبح جميعها مهددة بنقص المياه.
تقدم الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المنح والمزايا والاستثمارات والخبراء الذي يتواري وراءهم خبراء من دول أخرى لتقديم الدعم الفني لدول المنابع، كما يقدم البنك الدولي الكثير من المساعدات والأنشطة في مجال مكافحة الفقر والجوع، ويعتقد المحللون أن هذا يتم بإيعاز من دولة كبرى لدفع دول حوض النيل لتحسين وتقوية علاقتها مع إسرائيل، كما تستثمر نحو 25 دولة كبرى الآن في دول حوض النيل. وبالمثل أعلنت السوق الأوروبية أنها بصدد استيراد عشرات البلايين من لترات الوقود الحيوي من البرازيل وكندا وتنزانيا وبعض الدول الأفريقية ورصدت لذلك ميزانية تبلغ 17 بليون دولار سنويا ولمدة عقد قادم!! ... فهل تصعب الأمر على مصر؟؟ عموما أصبح الأمر شديد الخطورة وعلينا أن ننتظر سنوات صعبة قادمة.
دور إسرائيل في دول حوض النيل
رغم ما يمكن اعتباره بالجيرة بين مصر وإسرائيل ووجود حدود مشتركة بينهما وتوقيع اتفاقية سلام شامل تبعها تطبيع للعلاقات رفض المواطن المصري للتحول من اعتبار إسرائيل عدوا قديما إلى جار وصديق جديد جعل السلام بين مصر وإسرائيل سلاما باردا Cold Peace يكاد يقتصر على العلاقات الحكومية عند حدودها الدنيا بينما غابت الموافقة الشعبية على تقبل إسرائيل صديقا وجارا للمصريين. لذلك ينظر المصريون لتحركات إسرائيل داخل دول حوض النيل بريبة وحذر تصل إلى حد التخوين واعتبار هذه التحركات ضمن التحركات العدائية الموجهة ضد مصر وشعبها بغرض الإضرار بمصالحها وعلاقتها بهذه الدول. وقد ترسخ هذا الاعتقاد داخل وجدان المصريين بأن تحركات إسرائيل داخل دول الحوض تهدف إلى توريط مصر في حرب مياه مع هذه الدول يبعد مصر عن التفكير في إسرائيل وتحركاتها داخل المنطقة العربية ويستنزف قوة المصريين بما يزيد من التفوق الإسرائيلي في المنطقة العربية.
"
تحركات إسرائيل داخل دول الحوض تهدف إلى توريط مصر في حرب مياه مع هذه الدول يبعد مصر عن التفكير في إسرائيل وتحركاتها داخل المنطقة العربية ويستنزف قوة المصريين بما يزيد من التفوق الإسرائيلي في المنطقة العربية
"
وعلى الجانب الآخر يزعم الإسرائيليون أأنهم بعيدون عن أي حرب بسبب المياه يمكن أن تحدث بين مصر ودول المنابع، وأن ما يعتقده المصريون من أن المياه سوف تكون سببا للحرب القادمة يجب تأويله بعيدا عن إسرائيل وأن العلاقات الإسرائيلية مع دول الحوض لا تختلف عن علاقات بقية الدول الأخرى مثل الصين وكوريا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والنرويج، مستشهدين بتصريحات للدكتور محمود أبوزيد وزير الري المصري السابق أثناء زيارته لإثيوبيا عام 2000، أشار فيها إلى أن دعم إسرائيل للمشروعات المائية في إثيوبيا يتم بعيدا عن أنهار وروافد حوض النيل.
الأكاديميون في السودان يؤمنون تماما بأن الدور الأمريكي الإسرائيلي غاية في الخطورة في دول المنابع، بل وفي جنوب السودان أيضا ويهدد موارد المياه في مصر والسودان، وعلى مصر أن تنتبه إلى هذا الدور جيدا وتعمل على تحجيمه، ويظهر ذلك في العديد من المؤتمرات الأكاديمية التي عقدت في السودان في السنوات العشر الماضية.
وعموما فإن الدور الإسرائيلي في القرن الأفريقي ودول المنابع يجب أن يؤخذ من المصريين مأخذ الجد، كما كتب عبد العظيم حماد عام 2000 وأنه يجب على مصر أن تنتبه لهذا الدور وتتدخل بثقل اقتصادي واستثماري في هذه المنطقة لإيقاف التغلغل الإسرائيلي فيها.
عموما ينظر الرأي العام المصري إلى التواجد الإسرائيلي في دول حوض النيل على الوجه التالي:
إذا تدخلت إسرائيل بدعم مالي أو فني في بناء السدود في إثيوبيا فهذا سلوك عدواني موجه ضد مصر والسودان.
الدور الإسرائيلي في دول القرن الأفريقي ودول البحيرات الاستوائية مرفوض مصريا وعربيا ويجب الانتباه إليه جيدا.
على مصر أن تبحث عن كيفية شغل الدور الذي تقوم به إسرائيل في دول المنابع، وما السبل التي تمكنها من أن تحل محل إسرائيل هناك.
المصريون يرفضون تماما مبدأ بيع المياه لإسرائيل، وإذا كان هناك ضغوط عالمية في هذا الأمر فإن الفلسطينيين أولى بهذا الأمر.
أن مصر تعاني فعليا من نقص كبير في المياه يصل إلى عدة مليارات الأمتار المكعبة من المياه، وبالتالي فإنها هي الأولى بأي تدفق مائي يأتي إليها عن بقية دول الجوار بما فيهم الفلسطينيين وأن لدينا مشروعات لاستصلاح الأراضي تصل إلى 5 ملايين فدان متوقفة نتيجة لنقص المياه اللازمة لهذه المساحات.
الرئيس حسني مبارك قد صرح في العام 1999 بأن نقل مياه النيل إلى إسرائيل مستحيل وأن اتفاقية دول الحوض تمنع نقل مياه النهر خارج الحوض حتى في داخل بلدان الحوض نفسها فما بالك بدول من خارجها، كما أن جميع دول الحوض ترفض مبدأ نقل المياه إلى خارج الحوض.
على مصر أن تزيد من دورها السياسي والاقتصادي في جميع دول المنابع بما فيها إريتريا لتحجيم الدور الإسرائيلي وتعظيم الدور المصري.
ويمكن إيجاز الدور الإسرائيلي في دول المنابع في:
- لإسرائيل استثمارات مباشرة سواء بمفردها أو بالشراكة مع دول أوروبية في إثيوبيا وحدها في زراعة حاصلات الوقود الحيوي تصل إلى نحو 400 ألف فدان خلافا لما يعتقد البعض وخلافا أيضا للتصريحات الإثيوبية بأن ما بين إسرائيل وإثيوبيا من خلاف أكبر كثيرا مما بينها من اتفاق.
- هناك شواهد كثيرة تشير إلى أن التواجد الإسرائيلي الكبير في دولة مثل إريتريا ودعمها بالسلاح الإسرائيلي إضافة إلى الدعم الفني والتقني Know How تشير إلى احتمال وجود اتفاق بين إسرائيل وإريتريا لنقل المياه العذبة إلى إسرائيل مستقبلا مقابل هذا التواجد المكثف وإن كان بعض خبراء الإستراتيجية العسكرية يرون أن هذا التواجد فقط لمنع أن يكون البحر الأحمر بحرا عربيا خالصا يمكن أن يسبب القلق لإسرائيل، التي تقع في نهايته كدولة وحيدة غير عربية.
- إسرائيل لديها كفاءات فنية وأكاديمية كبيرة في علوم وتقنيات تنمية موارد المياه وترشيد استخدامها وتعرضها دائما على دول الحوض، والكثيرون من الإسرائيليون يعملون في هذا المجال وفي بناء السدود أيضا في العديد من دول الحوض.
- يرى العديد من المفسرين أن للولايات المتحدة الأمريكية دورا هاما في دفع البنك الدولي لدعم مشروعات محاربة الجوع والفقر في إثيوبيا بغرض الضغط على إثيوبيا لتطوير علاقتها بإسرائيل، وهو الحادث في الوقت الراهن فعليا.
- تعمل العديد من الشركات الأمريكية وبغطاء إسرائيلي في الدعم الفني في دول الحوض، سواء في تطوير زراعات حاصلات الوقود الحيوي أو بناء السدود وتطوير طرق الري للإفادة من الوفرة المائية الأرضية في دول الحوض على حساب ما يتدفق من المياه إلى مصر.
- الصحف الأوغندية والتنزانية ترد على قلق مصر من التواجد الإسرائيلي فيها بأنه: إن كان هذا التواجد لا يروق لمصر فعليها أن تفعل ما يفعله الإسرائيليون لنا وتقدم ما يقومونه إلينا بدلا من الانتقاد غير الهادف والبعيد عن مصالح هذه الدول ومصالح مصر أيضا.
ليس الدور الإسرائيلي وحده هو الذي يجب أن يسبب القلق لمصر، ولكن تواجد أكثر من 25 دولة أجنبية بينهم دول كبرى غربية وآسيوية يجب أن يسبب قلقا كبيرا لمصر، وقد يصبح الأمر قريبا خارج نطاق السيطرة المصرية وخارج نطاق ضمان حقوق مصر من مياه النيل.
نهر النيل داخل مصر ومشكلة التلوث
الخسائر الاقتصادية من تلوث النيل والترع والمصارف
البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان وسبل معيشته فيؤثر فيه الإنسان ويجور عليه فيرتد عليه هذا التأثير والجور بالسلب بما يؤثر على حياته وصحته حاليا ومستقبلا. وتلوث الموارد الطبيعية المصرية المتمثلة في الهواء والمياه السطحية والجوفية والتربة والسواحل والمخلفات قد وصل إلى مرحلة من الخطورة تتطلب وقفة جادة وإعادة نظر في كل ما يتعلق بالتلوث البيئي وتأثيره على حياة الإنسان المصري، فإذا نظرنا إلى تلوث الهواء نجد أن السحابة السوداء الناتجة عن حرق قش الأرز والتي بدأت منذ العام 1998 تتسبب في وجود 12 مليون متر مكعب سنويا من المخلفات الكربونية الصلبة العالقة والتي تغطي سماء 11 محافظة، بينما التلوث الكامل للهواء بعادم وسائل المواصلات والنقل والصناعة والغازات المنبعثة من جميع الأنشطة الزراعية والصناعية والمدنية تتسبب في خسائر سنوية للاقتصاد المصري تبلغ 6400 مليون جنيه.
"
يشهد نهر النيل داخل مصر تلوثا شديدا من مخلفات الصرف الصحي إلى الصرف الصناعي والتلوث بمتبقيات الأسمدة والمبيدات الزراعية ما أدى إلى انتشار العديد من أمراض التلوث الغذائي وتلوث مياه الشرب ويكاد لا يخلو بيت في مصر من مرض السرطان أو الإصابة بالفيروسات الكبدية وأمراض الفشل الكلوي
"
ويعد تلوث الموارد المائية المصرية الأخطر حاليا ويتطلب إعادة النظر في كل ما يصب في مجاري المياه العذبة من صرف صحي وصناعي وزراعي، فليس من اللائق بمصر حتى الآن أن تصب غالبية مجاري ومصارف محافظات الصعيد في النيل، ولا أن تصب مجاري الدلتا وصرف المصانع في المصارف الزراعية التي يعاد خلطها بمياه الترع لإعادة استخدامها في الري، ثم تأخذ منها جميع محطات مياه الشرب في جميع محافظات الدلتا والساحل الشمالي للتنقية وضخها كمياه شرب بعد معاملات غير كافية لإحداث تنقية كاملة لجميع أنواع الملوثات والفلزات الثقيلة وسموم المبيدات ومتبقيات الأسمدة، فتلوث الترع والمصارف ومياه الشرب في محافظات الدلتا يعد هو السبب الأول في ارتفاع نسبة وفيات الأطفال الأقل من 5 سنوات طبقا لتقرير البنك الدولي الصادر عام 2006 إلى 20% نتيجة للإصابة بالنزلات المعوية، وهي أعلى بمعدل 2 إلى 3 أضعاف النسب في الدول المشابهة لمصر في معدل الدخل السنوي للفرد نتيجة لزيادة نسبة الميكروبات القولونية (البرازية) في المياه العذبة.
كما يقل تركيز الأكسجين الذائب كثيرا عن المعدل المسموح به في المجاري المائية بما يضر بأسماك الترع والمصارف ويقلل من تحلل المخلفات العضوية ويزيد من أضرارها. ويضاف إلى ذلك أن تلوث الترع والمصارف في محافظات الوجه البحري قد بلغ نسبا غاية في الخطورة مقارنة بمثيلاتها في الوجه القبلي وأن مصرف الرهاوي الذي يصب في فرع رشيد يحتاج إلى إجراءات عاجلة لمواجهة ما يحمله من سموم تهدد كل من يتعايش على مياه هذا الفرع من إنسان وحيوان وتربة ومنتجات زراعية. فالإحصائيات تشير إلى أن عدد القرى الرئيسية في مصر يتجاوز 4660 قرية ومثلها من التوابع لم تصل خدمات الصرف الصحي إلا إلى 1000 قرية فقط.
وحتى نكون أكثر واقعية فلن نكتفي بالاستشهاد بالتقارير الدولية الخاصة بتلوث البيئة في مصر، بل سوف نستشهد بالتقرير الحكومي الرسمي الصادر من وزارة البيئة والمنشور على موقع الوزارة الإلكتروني، حيث يشير هذا التقرير الحكومي المصرية الصادر في يونيو/حزيران 2009 عن حالة البيئة في مصر بإشراف الخبير البيئي العالمي الدكتور مصطفى كمال طلبة بأن عدد السكان الذين يتمتعون بخدمات الصرف الصحي لا يتجاوز 31 مليون مواطن فقط منهم 19.5 مليون في القاهرة والإسكندرية وحدها!! بينما لا يزيد عدد المستفيدين في بقية الـ27 محافظة الأخرى عن 11.5 مليون مواطن بما يعني ضمنيا أن هناك أكثر من 50 مليون مصري لا يتمتعون بخدمات الصرف الصحي الحكومية.
كما يشير التقرير إلى أن هناك أكثر من 5000 حوض تجميع لمياه الصرف الصحي في القرى النائية تصب مباشرة ودون معالجة في النيل والترع والمصارف وأن كمية مياه الصرف الصحي تبلغ 12 مليون م3 / يوم (4.4 مليارات م3/ سنة) بمعدل 160 لتر صرف/يوم للفرد يصرف أكثر من ربعها على الترع والمصارف بينما تستوعب محطات الصرف الصحي فقط 8 ملايين م3/يوم (2.9 مليارات م3/سنة) ويصب بعضها أيضا في الترع والمصارف.
ويشير التقرير الحكومي أيضا إلى أن نسبة تغطية القرى بالصرف الصحي ستبلغ 11% فقط بنهاية العام 2010 ترتفع إلى 40% عام 2012!!، وأن إجمالي عدد المنشآت الصناعية التي تقع على نهر النيل أو المجاري المائية 129 منشأة منها 120 تصرف مخلفاتها على النيل مباشرة بكميات تتجاوز 4.3 مليارات م3/سنة. ويضيف أيضا أن متوسط تركيز كل من الطلب على الأكسجين من الملوثات الكيميائية COD والملوثات الحيوية BOD في حدود الخطر ومتجاوزة لحدود السلامة والأمان خاصة في نهاية ووسط فرع رشيد بسبب ارتفاع تركيز مخلفات الصرف الزراعي والصحي والصناعي بسبب مجموعة مصانع كفر الزيات، وأيضا تأثر المياه بالملوثات العضوية في 15 ترعة وقناة بشرق ووسط وغرب الدلتا ونقص الأكسجين الذائب وتأثر نوعية الأسماك ووجود زيادة كبيرة في أعداد البكتريا القولونية (البرازية) في جميع الترع تجاوز بعضها مليون خلية لكل 100 مللي (بدلا من 2000 خلية فقط كحدود مسموح بها في مياه الشرب و5000 في مياه الري للترع والمصارف) بما يؤكد تلوث جميع الترع بمياه الصرف الصحي، مع رصد زيادة في تركيز الأمونيا عن الحدود المسموح بها (0.5 ملجم/لتر) حيث تجاوز التركيز 0.86 ملجم/لتر في وسط الدلتا و0.91 في الشرق والغرب بسبب الصرف الصحي (صفحات التقرير من رقم 147 إلى 157).
أما عن مصارف الدلتا فيشير التقرير إلى وجود تلوث كبير بمياه الصرف الصحي في جميع مصارف وسط وشرق وغرب الدلتا، وسجلت قيم الطلب الحيوي من الميكروبات على الأكسجين 18.4، 22.5، 21.1 ملغم / لتر والمسموح به 10 ملغم /لتر فقط، وبالمثل سجلت قيم الطلب الكيميائي على الأكسجين ضعف الكميات المسموح بها نتيجة للتلوث بمعادن وفلزات الصرف الصناعي مع تدني قيم الأكسجين الذائب في جميع مصارف وسط وشرق وغرب الدلتا بأقل من نصف القيم المسموح بها (5 ملغم/لتر) حيث سجل المتوسط 2.5 ملجم/لتر فقط وارتفاع تركيز الأمونيا في جميع المصارف نتيجة للتلوث بالصرف الصحي أيضا بما يصل إلى ثلاثة أضعاف الحدود المسموحة مع ارتفاع كبير في قيم البكتيريا القولونية، حيث وصلت كمتوسط عام إلى 1.77 مليون خلية /100 مللي وكانت أعلى قيم لها في مصارف وسط الدلتا، حيث سجلت 2.66 مليون خلية /100 مللي والمسموح به فقط هو 5000 خلية/100 مللي.
أما عن ترع الصعيد فيشير التقرير نفسه (من صفحات 158 إلى 162) إلى نقص الأكسجين الذائب في ترع بحر يوسف (بني سويف والفيوم) والكلابية وأصفون (أسوان) بنسب تتراوح بين 30% و60% من الحدود المسموح بها بسبب استهلاك ميكروبات الصرف الصحي لها وارتفاع تركيز البكتيريا القولونية (البرازية) في الرياح المنوفي وبحر يوسف في بني سويف وترعة الإبراهيمية في المنيا نتيجة لوجود تلوث بالصرف الصحي ومعها زيادة ملحوظة في تركيز الأمونيا مع وجود زيادة في تركيز الرصاص والكادميوم بترعة أصفون وزيادة في تركيز الرصاص والمنجنيز والكروم في ترعة نجع حمادي غرب وزيادة تركيز المنجنيز في ترعة الكلابية.
أما مصارف الصعيد والفيوم فقد سجلت مصارف الفيوم ارتفاع تركيز الملوثات العضوية معبرة عنه بالطلب على الأكسجين الحيوي في جميع المصارف، وسجلت أعلى قيمة لها بقيمة 29 ملغم/لتر في مصرف أطسا والمسموح به 10 ملغم/لتر فقط مع ارتفاع قيم الطلب على الأكسجين الكيميائي في جميع المصارف وتجاوزه القيم المسموح بها (15 ملغم/لتر) وسجلت 20 ملغم/لتر وارتفاع تركيز الأمونيا في جميع المصارف حتى وصلت إلى 14.5 ملغم/لتر بمصرف وادي الريان والمسموح به 0.5 ملغم/لتر وكذلك أيضا ارتفاع أعداد البكتيريا القولونية وسجلت 2.37 مليون خلية/100 مللي في حوض الفيوم والمسموح به فقط 5000 خليه/100 مللي. أما مصارف الصعيد فقد سجلت ارتفاع تركيز المواد الصلبة الذائبة في 59% من المصارف وتجاوزها الحد المسموح به (500 ملغم/لتر) وتجاوز الطلب على الأكسجين الكيميائي النسب المسموح بها في 58% من المصارف في فبراير/شباط و38% في أغسطس/آب مع تجاوز قيم الطلب على الأكسجين الحيوي في أكثر من سبعة مصارف ووصولها إلى 88 ملغم/ 100 مللي في مصرف البربا بأسوان مقارنة بالمسوح به 10 ملغم/لتر وكذلك ارتفاع كبير في أعداد بكتيريا القولون في 52% من المصارف للتلوث بمياه الصرف الصحي.
ويتسبب تلوث الموارد المائية المصرية في خسائر سنوية للاقتصاد المصري تبلغ 3.55 مليارات جنيه مصري، ويحذر البنك الدولي في تقريره عن تلوث الموارد الطبيعية المصرية عام 2006 بأن استمرار تدهور الموارد المائية المصرية يمكن أن يصل بهذا الرقم إلى 9.5مليارات جنيه مصري إذا لم تتخذ الحكومة المصرية إجراءات عاجلة لإيقاف هذا التدهور.
ويرى البنك الدولي أن إنفاق مصر لمبلغ 1.5 مليار جنيه سنويا يمكن أن يقلل من تدهور الموارد المائية المصرية بنسبة 30% فقط. كما يرى أن مصر تأتي في المرتبة الأولي في التلوث البيئى بين الدول العربية وقبل كل من المغرب والجزائر وسوريا ولبنان والأردن وتونس، وأن التلوث البيئى يكلف مصر خسائر سنوية تقدر بحوالي 14.4 مليار جنيه منها 13 مليار جنيه بسبب تلوث الهواء والترب الزراعية والمياه العذبة والبقية لتلوث السواحل ومعالجة المخلفات.
ونأتي إلى تلوث الترب الزراعية، حيث وصلت نسب الأراضي المصرية التي تعاني من ارتفاع تركيز الأملاح إلى 25% من إجمالي الأراضي الزراعية المصرية معظمها أصبح شديد الملوحة خاصة أن مياه نهر النيل تضيف ما يقرب من 3.5 أطنان أملاح سنويا للفدان دون توفير مياه لغسل تراكمات هذه الأملاح إضافة إلى ما يصل إلى الترب الزراعية ومعها الحاصلات الزراعية من ملوثات المبيدات والأسمدة ومياه الري المخلوطة بالصرف الصحي والزراعي والصناعي بما يؤثر على صحة المزارعين ونوعية الحاصلات الزراعية الناتجة التي تؤثر على صحة بقية المصريين وبما أدخل تخصصا جديدا على الزراعة المصرية، وهو الخاص باستصلاح ومعالجة الأراضي الملوثة.
بالإضافة إلى هذا التلوث أوقفت جميع دول العالم المتحضر استخدام مادة اليوريا كسماد للحاصلات الزراعية بسبب تسببها في تراكمات لمادة كربامات الأمونيوم الضارة التي تسبب سرطانات أكيدة لكل ما يتناول حاصلات زراعية مسمدة باليوريا، وبالتالي تأخرت مصر كثيرا في اتخاذ قرار مماثل بوقف استخدام اليوريا كسماد والاكتفاء فقط باستخدامها في الأغراض الصناعية لإنتاج البلاستيك بمختلف أنواعه.
________________
أستاذ المياه والتربة بكلية الزراعة جامعة القاهرة. كتبت هذه الورقة في يوليو/تموز 2010.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى