لم يكن يعتقد أن التحقيق سوف يسفر عن محاكمة!
فكرت كثيرا في هذه الجملة وأنا أشهد الجلسة الثالثة لمحاكمة الديكتاتور المخلوع وأبناءه ووزير داخليته حبيب العادلي ومعاونوه ، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي طرأت هذه الجملة على ذهني ، فقد خطرت في البداية على ذهني حينما رحت أقرأ ملف القضية مع زملائي منذ شهور عديدة.
ما هذا ؟ هل هذا تحقيق أجرته النيابة العامة بإشراف النائب العام لاهم قضية تشهدها المحاكم المصرية في العصر الحديث؟ هل حصل من قام بإجراء هذه التحقيقات أو من أشرف عليها على ليسانس الحقوق؟ الإجابة بـ لا ، أسهل من الإجابة بنعم.
فالإجابة بلا قد تمنحه بعض العذر ، لانها تلقي بالعبء على النظام القضائي الذي جعل من يقومون على سلطة التحقيق والاتهام ، أناسا غير أكفاء بالقدر الكافي ليخرج من تحت أيدهم ملف نطمئن له كمحامين ، وننقل اطمئناننا للرأي العام المصري والمواطن الذي فقد الثقة في كل السلطات ما عدا السلطة القضائية.
لكن الإجابة الأصح والأدق من وجهة نظري ، ان من قام على هذه التحقيقات هم أشخاص قديرون وملمين بالقانون بشكل جيد ، لكن ينقصهم فقط توافر الإرادة السياسية والجدية ، لإخراج تحقيق جاد وتقديمه للمحكمة ،تحقيقا يعيد الأمور الى نصابها ويدين من ارتكبوا في حق هذا الشعب جرائم متسلسلة ومتكررة على مدار ثلاثين عاما.
دعونا من التحقيق الآن ،والمحاكمة ، لأنها لم تتم اساسا رغبة في تحقيق العدالة ، بل تحت ضغط شعب فاض به الكيل ،و لننظر في الظروف التي تتم خلالها هذه المحاكمة.
منذ اللحظة الأولى التي تطأ أقدامك فيها ساحة أكاديمية الشرطة " مبارك سابقا" تلحظ تماما نظرات الغضب والتحفز ضد أهالي الشهداء الرابضين تحت لهيب شمس الصحراء حيث مقر المحكمة ، تحفز يصل لحد التواطؤ مع من يسمون أنفسهم أولاد مبارك أو من يأسفون "عن أنفسهم فقط" للريس.
نحن وفي أغلبنا شعب طبقى ، وباعتبار أن الشرطة المصرية جزء من هذا الشعب "حتى وإن كان ضالا" فإن المنتمين لهذا الجهاز هم أيضا طبقيين ، لذلك فأهالي الشهداء والذين خيم على وجوههم الفقر وملابسهم البسيطة ، تدعو أي طبقي " حتى لو كان هو نفسه فقيرا" أن ينظر لهم شزرا ، في حين أن أولاد الديكتاتور " أولاد مبارك في قول أخر" يرتدون ملابس مودرن ونظارات شمسية وعبوات الكانز ، بيبسي وكوكا كولا في أيدهم.
لذلك وفضلا عن حالة الرضى او التغاضي بين قيادات جهاز الشرطة عن هؤلاء ، فمن الطبيعي أن ينحاز جهاز الشرطة ضد الفقراء وأسر الشهداء ، ويشارك في الاعتداء عليهم أو دعم أولاد الديكتاتور في اقل تقدير.
ندخل المحكمة ، ثلاثة بوابات اليكترونية ، وتفتيش يعيد للأذهان طريقة تفتيش المواطن الفلسطيني في المطارات العربية!! لنفاجئ بلافتة كبيرة مرفوعة داخل قاعة المحكمة مؤيدة لمبارك ، وصور له من الورق المقوى.
كيف دخلت هذه اللافتات؟ كيف خبئوا الأخشاب المعلقة عليها ، كيف مرت هذه الصور كبيرة الحجم من ثلاثة بوابات أمنية ، لم يمر منها سوى هاتف محمول صغير الحجم تفننت في إخفائه وقرأت كل الروايات البوليسية المتاحة لدي لأستطيع تمريره منها.
كيف قبل القاضي أن يبدأ الجلسة ولافتات مرفوعة لا تستفز فقط بعض اسر الشهداء والمصابين الموجودين ، بل تحول المحاكمة الي مظاهرة في حب الديكتاتور.
لم يكن هناك بدا من سؤال القاضي أن يأمر بإنزال هذه اللافتات ، على الأقل ليستطيع عشرات المحامين متابعة القاضي والشاهد الأول حيث تحجب اللافتة الرؤية ! القاضي لا يعير محامين الشهداء التفاتا ، هو فقط يستجيب حين يكون هؤلاء المحامين محل انتقاد او هجوم سواء من بعض المزايدين عليهم بالخارج أو المندسين بالداخل ، وما أكثرهم.
لابد أن يرفع المحامين أصواتهم غضبا لهذا الانحياز ، وقد حدث ، القاضي يستمر في التجاهل ، وتتحفز الشرطة للانقضاض علي المحامين ! لما لا فهم محاموا الشهداء الفقراء الذين كسروا غطرستهم وجعلوهم متساوين مع باقي المواطنين.
القاضي يرفع الجلسة غاضبا من مطلبب حق ، وكأنه كان ضوءا اخضر لأبناء الديكتاتور أن يسبون محاموا الشهداء ، عددنا كان كبيرا نسبيا وإن لم يكن بعدد قوات الشرطة التي تملأ القاعة ، ولا سيما أننا في بداية اليوم ، لم يكن لدي المحامين وأسر الشهداء سوى سلاحهم الذي أشهروه خلال إحداث الثورة ، هتافهم الصادق والمليء بالغضب ! الشعب يريد محاكمة المخلوع ، الشعب يريد اعدام السفاح.
لدينا قضية ندافع عنها ، الحق في صفنا ، لذلك كنا الأقوي، قوات الأمن المركزي وضباط الشرطة بمن فيهم أمن الدولة" واسمهم المستعار الأمن الوطني" يتراجعون من قوة الهتاف.
يعود القاضي ليقوم بما عجزت عنه قوات الأمن. أن يعامل محامين الشهداء معاملة سيئة ، نحن نحتمله ونحتمل ما نراه اساءة لأن ما يهمنا التركيز في كشف هزال التحقيقات وشهود النيابة الذين كان بعضهم يكاد يرسل قبلاته للقابعين داخل قفص الاتهام ، هؤلاء هم محط ولائهم.
ما لم يعلم عنه الرأي العام ، ان محاميا صاح ساخرا عند سماع شهود الإثبات الذين بنت عليهم النيابة العامة أدلتها لإدانة المتهمين : عايزين نسمع شهود الإثبات يا ريس !!
بالفعل كانوا شهود اثبات تليق شهاداتهم بشهود النفي.
تذكرت النائب العام مرة أخرى ، تذكرت قضايا وتحقيقات اكثر هزلية من هذه التحقيقات ومحاكمات اقل جدية سيق خلالها المئات من المعارضين لنظام مبارك الى السجون.
لم تكن محاكمات عادلة ، ولم تكن تحقيقاته سابقا تستهدف الوصول للحقيقة بقدر ما كانت تستهدف عقاب هؤلاء المعارضين.
القارق الوحيد أن هذه القضية وهذا التحقيق الذي تم بعد الثورة ، ولم يختلف في هزليته عما كان قبلها ، ان مبارك ، الديكتاتور مبارك ، المخلوع ، يسهل عليه استنادا لهذه التحقيقات أن يثبت براءته ، فالعالم كله ، بما فيه أسر الشهداء ، هؤلاء الفقراء لم يقبلوا باساءة معاملته أو اذلاله ! يطالبون بمحاكمه عادلة له.
وقد تحقق لمبارك ما يريده ، تحقيقات غير جادة ، تجعل من الصعب إدانته.
تذكرت وأنا ادون ملاحظاتي على موقع تويتر ، أن الثورة وقفت على باب النائب العام ولم تدخل ، تذكرت أن الجمعة القادمة هي جمعة تصحيح المسار ودعم استقلال القضاء.
كنت ومازلت أثق بالناس وقدرتهم على عمل المستحيل ، و رحيل النائب العام ، ليس مستحيلا ، هو صعب فقط ،
هتفت رغما عني ، بسباب ، لم أعي أنني كتبته أيضا على موقع تويتر.
لم أكن اعلم لمن أوجهة ، لكنه خرج ، ولم تسعفني بطارية جهاز المحمول أن اكتب أخر ملاحظاتي وتعليقاتي لهذا اليوم.
العدالة ليست بخير ، ولا عدالة دون استقلال القضاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى