ضيوف الحلقة:
- إيفي شلايم/ متخصص في الصراع العربي الإسرائيلي وأستاذ في جامعة أوكسفورد
- فيكتور جوراليوف/ موظف في سفارة الاتحاد السوفياتي في سوريا في وقت الحرب
- ريتشارد باركر/ دبلوماسي أميركي سابق
- ويليام كوانت/ عضو مجلس الأمن القومي الأسبق فترة الحرب
- ديفد واتكين/ عضو البرلمان البريطاني
- وآخرون
تاريخ الحلقة: 6/10/2005
- حجب وثائق الحرب
- أميركا ورصد التحركات العسكرية ما قبل الحرب
- السادات والعلاقات مع موسكو وواشنطن
- اللقاءات السرية بين حافظ إسماعيل وكيسنغر
- المفاوضات السوفياتية الأميركية
من خطاب للرئيس أنور السادات في 16 أكتوبر 1973: ربما جاء يوم نجلس فيه معاً لا لكي نتفاخر ونتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلا بعد جيل، قصة الكفاح وشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله.
إنها حرب السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، آخِر الحروب العربية الإسرائيلية كما وصفها الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وأراد لها أن تكون وهي تلك النقطة الفاصلة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والتي تعددت حولها الدراسات والتحليلات والشهادات عبر وسائل الإعلام المختلفة شرقا وغربا ولكننا هنا نحاول أن نلتقط ما قيل في حينها حول الحرب في ذروة اشتعالها من أفواه السياسيين والدبلوماسيين وهو ما استقر وثبت في وثائقهم حيث يحفظ أرشيفهم ما يتعلق بتاريخنا. بعد أن هدأت المدافع وخفت هدير الطائرات وإنفضت الجموع على الجانبين وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على حرب السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 كشفت عواصم غربية عديدة النقاب عن أرشيف تلك الحرب تطبيقا لقوانين رفع الحظر الذي يقتضيه سر الدولة وأظهرت الوثائق حقائق مثيرة حول الأحداث والمواقف التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وعندما فتحنا ملف حرب أكتوبر وتعقبناه بالبحث والتنقيب في وثائق واشنطن وموسكو ولندن وباريس وتل أبيب جاءت بعض الحقائق صادمة للسائد عربيا، لكن مغامرتنا مع أرشيف حرب 1973 لم تكن هينة لاعتبارات عدة؛ منها الكم الضخم من الوثائق التي كشف عنها في العواصم الغربية عن هذه الحرب حتى بدا لباحثينا ومراسلينا وهم يقلّبون الصفحات المتراكمة أنهم أمام أمواج من الوثائق والمعلومات والتفاصيل، إن الفحص الدقيق والمقارنات بين وثائق أرشيف العواصم المختلفة كان يُظهر لنا في كل مرة أن هناك مناطق ظِل بدا وكأن صناع القرار أو أمناء أسرار التاريخ يتفننون في حجبها وهكذا كانت تلك المنطقة هي الأكثر جاذبية بالنسبة إلينا نظرا لما يمكن أن تنطوي عليه من أسرار مدفونة في صدور الرجال وبين طيات الوثائق التي لا تزال لم تكشف بعد لاعتبارات مختلفة، في واشنطن العاصمة الغربية التي استغرقت حيزا مهما من البحث والتنقيب في الأرشيف عاشت الطبقة السياسية خلال بدايات الألفية الثالثة على إيقاع جدل ساخن بسبب حزمة من الوثائق حاول هنري كيسنغر وزير الخارجية الأميركي الأسبق واللاعب الرئيسي في حرب أكتوبر حجبها عندما سلمها في ديسمبر/ كانون الأول عام 1976 إلى مكتبة الكونغرس وقام بحفظها هناك طالبا عدم نشرها إلا بعد وفاته بخمس سنوات بدلا من تسليمها إلى المركز القومي للأرشيف والذي بمقتضى القانون الأميركي سوف يكشف عنها بعد ثلاثين عاما.
حجب وثائق الحرب
جدعون روز– مدير تحرير مجلة الشؤون الدولية بواشنطن: كان كيسنغر مهتما بالدرجة الأولى بعلاقته الدبلوماسية وباتصالاته وكان دائما يتباطأ فيما يتعلق بإطلاع الرأي العام على الوثائق وكان يستخدم هذه الوثائق لتأليف كتبه ولتقديم الوثائق المختارة.
حزمة الوثائق كانت تضم نحو عشرة آلاف صفحة من تقارير وسجلات عن محادثات هاتفية أجراها الرجل القوي في البيت الأبيض خلال السنوات من 1973 إلى 1975 وصدر حكم عن هيئة المحكمة العليا في واشنطن عام 1989 اعتبر أن نصوص المحادثات سجلات شخصية وليست حكومية، لكن هيئات بحثية أميركية ألحت على مطالبتها القانونية بحرية الإطلاع وبعد مفاوضات دامت ثمانية أشهر مع وزارة الخارجية الأميركية وافق كيسنغر على نشرها، تلك السجلات المفرج عنها إضافة إلى مئات الوثائق الأخرى التي رفع عنها الحظر سلطت الضوء على حقائق مذهلة عن الدور الأميركي في حرب أكتوبر وخصوصا دور كيسنغر وربما لم يكن إصداره لكتابه الجديد الأزمة، سوى محاولة للمرافعة عن نفسه، الأمر الذي ضاعف من حدة التعارضات بين الوثائق.
جدعون روز: ما زالت وثائق حرب 1973 يتم الكشف عنها وكتاب كيسنغر الأزمة يعد مصدرا جيدا لها ولكننا يجب أن ننتظر حتى نحصل على كل السجلات للقيام بتحليل كامل لما حدث.
أما في موسكو حيث كنا نتوق إلى الوصول إلى حقائق دامغة تساعدنا في قراءة دفتر أحوال الحرب، كان يتعين علينا اختراق جبال من الجليد لا تزال جاثمة على الأرشيف القومي وتحجب أسرار الاتحاد السوفيتي القوة العظمى الثانية في القرن العشرين، كانت وزارة الخارجية الروسية قد بادرت في السنوات الأخيرة لإصدار كتاب من الوثائق ارتأت أن يكون إصداره مشتركا مع وزارة الخارجية الإسرائيلية ويغطي كتاب الوثائق التي أفرج عنه في عام 2003 نصف قرن من عمر الاتحاد السوفيتي ابتداء من عام 1941، لكن إخراج الأرشيف السوفيتي بهذه الطريقة يثير تساؤلات حول كيفية اختيار الوثائق التي كُشف عنها النقاب ويزيد من فضول البحث عن ما لا يظهر في لائحة الأرشيف الإسرائيلي السوفيتي.
فيتسلاف موتوزوف- مستشار في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ورئيس رابطة الصداقة العربية الروسية: بعض العناصر اليهودية في موسكو خصوصا أحد الأستاذة في معهد العلاقات الدولية والاقتصادية العالمية (كلمة بلغة أجنبية) غريغوري ميرسكي الذي اليوم أو كثيرا ما يكتب ويؤلف ويعلق على شاشات التلفزيون الروسية هو كان من أحد أنصار فكرة تقوية العلاقات مع إسرائيل حتى معاديا للموقف الرسمي السوفيتي.
أما في إسرائيل فقد انفجرت معركة وثائق حرب أكتوبر مبكرا على إثر تداعيات الحرب وبعد مضي ثلاثين عاما على الحرب تبدو اليوم الحقائق والاعترافات التي كشفت عنها لجنة إغرانات التي شكلها الكنيست الإسرائيلي بعيد الحرب ليست سوى نذر قليل من فيض حقائق تتكشف يوما بعد يوم وتعيد للذاكرة أجواء المواجهة بين المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل حول المسؤولية عن التقصير في توقع قيام الحرب.
إيفي شلايم- متخصص في الصراع العربي الإسرائيلي وأستاذ في جامعة أوكسفورد: كان العسكريون كبش فداء لفشل السياسيين، لأنه في نهاية الأمر لم يكن أكتوبر 1973 فقط فشلا استخباريا لإسرائيل إنه أعمق من ذلك، كان فشلا سياسيا لكل سياسات الحكومة.
عمنون ريشيف- قائد وحدة مدرعات إسرائيلية في حرب أكتوبر: أظن أن القيادة السياسية كانت مذنبة ليست أقل من العسكرية، تجدر الإشارة إلى أن الجمهور الإسرائيلي قال كلمته في الانتخابات عندما أنزل الحزب الحاكم من السلطة.
أميركا ورصد التحركات العسكرية ما قبل الحرب
نحاول كشف بعض أسرار الملف الأشهر والأخطر في تاريخنا من خلال قراءة متعمقة في أرشيفهم. حرب حزيران/ يونيو عام 1967 والتي نتج عنها احتلال إسرائيل لأراضي الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان خلفت جراحات عميقة في الجسد والمعنويات العربية وساد شعور بالإحباط لم يزده رحيل الزعيم القومي العربي جمال عبد الناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام 1970 سوى انتكاسة معنوية أخرى، ظروف وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر وهو يغالب مرضه في مؤتمر القمة العربية الذي دعا إليه في القاهرة محاول الصلح بين الأردن وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانت مؤشرا على حالة الصف العربي المفكك ولكن هل كانت الصورة العربية بالفعل غارقة في القتامة إلى هذا الحد؟ مجلس الأمن القومي الأميركي يرصد في مذكرته المعدة في بداية أيار/ مايو عام 1973 التحركات العسكرية التي قامت بها مصر ودول عربية أخرى خلال الأسابيع الأخيرة في عدة نقاط؛ نقل وحدة مدرعة مغربية إلى سوريا وبعض معدات هذه الوحدات قد تم تسليمها بالفعل بعد نقلها على متن طائرات سوفيتية من الجزائر وقد تكون بعض القوات قد وصلت بالفعل، نقل سربين من الطائرات الجزائرية من طراز ميغ 21 نحو عشرين طائرة بطياريها إلى ليبيا غالبا لمساندة دفاعها الجوي، لدينا دلائل أن الجزائر قد تكون قامت أيضا بإرسال طائرات ميغ 15 وميغ 17 إلى سوريا، هناك تعهد مازال في مرحلة التخطيط بنقل قوات سودانية أرضية إلى سوريا.
سيرغي بوادوفي- مدير مكتب ميشيل جوبير رئيس الوزراء الفرنسي وقت الحرب: إنها دول قريبة منا ومتمسكة بإستقلالها وفرنسا كانت متواجدة بقوة فيها ونحن نتفهم حرصها على إتخاذ قراراتها مثلما تريد ومن واجبنا أن نحترم ذلك وبالتالي فإنني لا أعتقد أننا تدخلنا في مثل هذا النوع من المواضيع.
وتستنتج المذكرة أن هذه التحركات جزء من تخطيط عربي عام من أجل زيادة الضغط على إسرائيل ونقل رجال ومعدات يساهم إلى درجة ما في تقوية القوات المسلحة لمصر وسوريا ولكن التأثير الأساسي في هذه المرحلة هو نفسي، فما هي الدواعي التي جعلت البيت الأبيض يرى في التحركات العربية مجرد عامل نفسي لكنه يحمل في طياته مؤشرات استعدادات عسكرية قابلة للتوظيف في حرب لا يُحتمل أن تقع في وقت قريب جدا؟
ويليام كوانت- عضو مجلس الأمن القومي الأسبق فترة الحرب: تم إبلاغنا في صيف عام 1973 من قبل مصادر رفيعة المستوى من ضمنها رؤساء عرب بأن مصر وسوريا ستشنان الحرب في الصيف وقد كانت معلومات وثيقة أكدتها لنا هذه المصادر بما لا يدع مجالا للشك أن الحرب ستبدأ في أبريل 1973 ولكنها لم تبدأ.
جون شليسنغر- وزير الدفاع الأميركي وقت الحرب: أرسل الملك فيصل بعدة رسائل في أوائل عام 1973 قبل الحرب بفترة طويلة يخبرنا فيها بأن الوضع لا يُحتمل ويجب عمل شيء ما للتخفيف من حدة التوتر الموجود في الشرق الأوسط وقد تم التعامل مع هذه الرسائل بشيء من عدم الاكتراث.
وتواصل المذكرة عرض مؤشرات عدم قيام الحرب؛ أولا هناك فجوة رئيسية تتمثل في رفض الأردن وضع قواته تحت تصرف الجبهة الشرقية المصرية السورية، ثانيا إن اضطراب الأمور بين الفدائيين والحكومة اللبنانية يربك مصر والعرب الآخرين ويلفت الانتباه بعيدا عن ذلك البعد في الصراع العربي الإسرائيلي الذي ترغب مصر في التركيز عليه على الرغم من أنها تساهم أيضا في الإحساس بالتوتر السائد في المنطقة، ثالثا إن السرعة المفاجئة لانفجار الوضع في لبنان توضح الخطر المتمثل في أن التحركات العسكرية خلال الأشهر القليلة المقبلة قد تخلق زخما لن تقدر القاهرة على التحكم فيه مثل ما حدث في حرب 1967 ويضاف إلى ذلك تصريح السادات مرارا بأنه الآن جاد كل الجد في أنه كلما مضى الوقت بات من الصعب إيجاد أعذار لعدم القيام بتحرك خاصة بعد أن وفى القادة العرب الآخرين بالتزاماتهم نحو قضيته.
عمنون ريشيف: تقديرات الجيش بنيت على تقدير قدرات أو عدم قدرات الجيش المصري والسوري ولم يأخذوا بعين الاعتبار الكلمات المكتوبة على الجدار، مثلا رئيس مصر السادات قال في حينه أنه مستعد للتضحية بمليون جندي، نحن بعقليتنا الغربية والإسرائيلية رأينا أن ذلك أبعد من إمكانية التفكير فيه.
وتضع المذكرة اعتبارات عدة تبرر عدم اتخاذ السادات قرارا بشن الحرب؛ أولها أنه لم يستنفذ خياراته الدبلوماسية، ثانيها أن وضع القوات العسكرية يتطلب مزيدا من الوقت كي تكون جاهزة للقيام بهجوم، ثالثها أن وضع مصر الاقتصادي يواصل الانهيار، رابعها أن الأميركيين يشككون في صحة ما يصلهم حول تعرض الرئيس السادات لضغوط داخلية كبيرة تدفعه إلى الحرب وخامسها وهو أخطر الدواعي حسب المذكرة أن فرص النجاح العسكري ضئيلة في أحسن الأحوال وأن حدوث كارثة جديدة قد يطيح بنظام السادات بدلا من أن ينقذه من مأزقه.
إيفي شلايم: المقولة الإسرائيلية قامت على أن إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية وأن إسرائيل قوية هي الحصن الرئيسي للاستقرار الإقليمي.
جدعون روز: فاجأ السادات الجميع وأعتقد أن هذا يرجع إلى عاملين؛ الأول أن أميركا لم تفهم كيف أن الوضع في مصر كان غير محتمل في بداية السبعينيات بالإضافة إلى فشلهم في تصور ما يمكن أن يقوم به السادات لتغيير هذا الوضع.
"
السادات كان سياسيا ذكيا أو واعيا بالواقع في المنطقة والعالم وكان يعي أن الحرب ضد إسرائيل كانت تحظى بتأييد شعبي عربي لتحقيق عدالة القضية العربية بما في ذلك القضية الفلسطينية
"
فيكتور جوراليوف
فيكتور جوراليوف- موظف في سفارة الاتحاد السوفيتي في سوريا في وقت الحرب: السادات كان سياسياً ذكياً أو واعيا بالواقع في المنطقة والعالم وكان يعي أن الحرب ضد إسرائيل كانت تحظى بتأييد شعبي عربي لتحقيق عدالة القضية العربية بما في ذلك القضية الفلسطينية.
أما منظمة التحرير الفلسطينية فقد كانت تخوض حربا ذات وجهين؛ من أجل تحرير الأرض ومن أجل تثبيت شرعيتها ولم تقتصر حركتها على تنفيذ عمليات فدائية ضد إسرائيل في عمق الأراضي المحتلة بل باتت فصائلها مندفعة في اتجاه القيام بعمليات مثيرة للاهتمام الدولي ومن ثَمَ شهدت الساحة الدولية عمليات ملحمية واختطافات للطائرات، أما سوريا التي صعد إلى سدة الحكم فيها الرئيس حافظ الأسد فقد كانت متحفزة إلى طي صفحة هزيمة حزيران واسترجاع القنيطرة والجولان بأي ثمن ووجدت سوريا دعما لتوجهها من قِبَل عدد من الأطراف العربية مثل ليبيا والعراق والدولية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي.
فيتسلاف موتوزوف: أميركا كانت تشعر أن كمية السلاح لدى الجيوش العربية وخصوصا في العراق ولا مرة استعمل جيشها في صراع ضد إسرائيل ولكن إسرائيل دائما كان يشعر قوة الجيش العراقي وراء الظهر السوري.
السادات والعلاقات مع موسكو وواشنطن
أحدث قرار طرد السوفيت هزة قوية في المسلمات حول السياسة المصرية، فالمؤيدون داخل مصر وخارجها لاستمرار العلاقات الاستراتيجية مع الاتحاد السوفيتي كانوا يرون في قرار السادات مغامرة غير محسوبة تُعرّض مصر والعالم العربي لمخاطر كبيرة وتقدم هدية مجانية لواشنطن لاسيما أن سياسة إدارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون كانت مؤيدة بقوة لإسرائيل.
جدعون روز: عندما قام بطرد الخبراء السوفيت وأوضح بجلاء أنه يريد تغيير حلفه أدرك أنه بحاجة إلى تشذيب بعض الأشياء.
إيفي شلايم: وقد قرر الذهاب إلى حرب 1973 وحده، بتعاون مع سوريا ولكن بدون دعم سوفييتي، أثناء الحرب شعر أن الاتحاد السوفيتي لم يقدم الدعم لمصر وسوريا بقدر دعم أميركا لإسرائيل.
عمنون ريشيف: لم يكن يفهم الموضوع على أنه طرد بل إخلاء للخبراء، ذلك كان يجب أن يكون علامة إنذار أخرى على أن الحرب على وشك أن تندلع إلا أن الجمود الفكري والعقلي تسبب في عدم الانتباه للحالة عند جمهرة المخابرات.
فاديم كيربيتشينكو- رئيس شبكة كي جي بي في مصر وقت الحرب: إتهموا خبراءنا العسكريين بأنهم يقومون بنقل المعلومات من مصر إلى الولايات المتحدة التي تقوم بدورها بنقلها إلى إسرائيل وكانت كلها اتهامات عبثية.
وعندما كان المتتبعون ينتظرون تغيرا جوهريا في سياسة مصر إزاء الولايات المتحدة الأميركية كانت واشنطن نفسها تسابق الزمن لتدارك سنوات القطيعة مع القاهرة وكانت التوقعات ترجح تطبيعا أميركيا مصريا.
ريتشارد باركر- دبلوماسي أميركي سابق: لقد فعل المصريون ذلك على ما يبدو وبناء على نصيحة من السعوديين بأن هذا قد يصلح العلاقة مع الأميركيين ولم نأخذ ذلك على محمل الجد كما كان يجب.
وبالتالي أظهر السادات سلوكا سياسيا مفاجئا بإعلانه في الذكرى الخامسة لحرب 1967 وكان ذلك في العجوزة أمام عدد من جرحى الحرب أنه ليس هناك من خيار أمام مصر سوى الحرب ضد إسرائيل لاسترجاع سيناء.
سيرغي بوادوفي: لاحظنا بأن الرئيس السادات تكلم في عدة مناسبات عن احتمال حل النزاع بالطرق الحربية، اعتقدنا أنه يجب أخذ ذلك مآخذ الجد وأنه بالنظر إلى الموقف الفرنسي الرافض لاحتلال الأراضي وهو موقف أساسي مثلما جاء في مؤتمر الجنرال ديغول عام 1967 كان ينبغي الانتباه إلى ردود فعل الدول العربية.
جون شليسنغر: الولايات المتحدة قللت من قدر الرئيس السادات في ذلك الوقت، فقد أعتبر شخصا يحاول الابتعاد عن السوفيت ولم نعرف نواياه وربما كان يريد انتزاع دعما أكبر من الولايات المتحدة وهذا ما حصل ولكن لم تكن لدينا فكرة واضحة عن ذلك.
لكن العلاقات السوفيتية المصرية لم تنحو إلى القطيعة الكاملة بل استمرت بعض مستويات التعاون بما فيه العسكري، ففي ديسمبر من عام 1972 اتخذت مصر قرارا بتجديد اتفاقية التسهيلات البحرية في البحر الأبيض المتوسط المُوقّعة مع السوفيت لمدة خمس سنوات وفي أعقاب ذلك بادر السوفيت بإرسال بعض المتطلبات من السلاح إلى مصر وفي مقابلة مع نيوزويك الأميركية يصرح السادات بأنه يحصل من السوفيت على كل ما يريده وأنه راض تماما.
فيتسلاف موتوزوف: كانت موسكو مزعجة من بداية الحرب وهي ما كانت مع فكرة الحرب ضد إسرائيل لأسباب عديدة؛ أحد الأسباب أنه هي كانت الحسابات الاستراتيجية أنه الطرف العربي بغض النظر عن التفوق العسكري لإسرائيل من حيث عدد الدبابات والطائرات نوعيا كانت أضعف وعلى هذا الأساس كان هناك التجربة المرة بـ1967.
وفي بيان الخارجية السوفيتية عن زيارة حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري إلى موسكو بتاريخ الحادي عشر من فبراير 1973 نقرأ.. يؤكد الجانب الروسي من جديد على أنه في ظل الرفض العنيد من جانب إسرائيل للتسوية السياسية العادلة في الشرق الأوسط فإن البلدان العربية تمتلك الحق الكامل في استخدام جميع أشكال النضال لأجل تحرير أراضيها المحتلة وأضافت الوثيقة أن الجانبين بحثا الخطوات اللازمة لتعزيز النضال من أجل التسوية العادلة لنزاع الشرق الأوسط وبخصوص موضوع العلاقة مع مصر أكدت الوثيقة أن الجانب السوفيتي سوف يواصل الدعم السياسي والاقتصادي لمصر وأنه سوف يساعد على تقوية وتعزيز قدراتها العسكرية وفقا لأحكام معاهدة الصداقة والتعاون السوفيتية المصرية المُوقّعة في السابع والعشرين من مايو عام 1971.
فيكتور جوراليوف: وبمعزل عن السياسة السوفيتية التي أراها حذرة في موقفها من مسألة الحرب العربية ضد إسرائيل أعتقد أن الدعم كان له الدور الأهم في حسم نتيجة حرب أكتوبر.
فيتسلاف موتوزوف: أنا ممكن أن أقول أن ما وصلت علاقات السوفيتية العربية ذلك الحين على مستوى الصدق الذي كانت يسمح للطرف السوفيتي أن يزودوا الجيوش العربية بسلاح أكثر معاصرة.
إيفي شلايم: قد أدرك السادات أن الاتحاد السوفيتي يملك مفتاح الحرب في الشرق الأوسط لأنه يمكن أن يمد العرب بالسلاح لكن أميركا تملك مفتاح السلم في الشرق الأوسط.
اللقاءات السرية بين حافظ إسماعيل وكسينغر
وعلى جبهة العلاقات مع واشنطن كانت بداية عام 1973 أي بعد تجديد ولاية الرئيس نيكسون فاتحة لاتصالات على مستوى عال بين القاهرة وواشنطن وجرى بعضها في كنف السرية، ففي فبراير/ شباط قام حافظ إسماعيل أيضا بزيارة سرية إلى واشنطن والتقى خلالها بالرئيس نيكسون ومستشاره للأمن القومي حين ذاك هنري كيسنغر، حيث تعرض وثائق الخارجية الأميركية مذكرة كيسنغر إلى نيكسون حول الاجتماع بين المستشارين ورجالهما ويُعَد هذا الاجتماع ثاني جولة من سلسلة اللقاءات السرية التي انطلقت بين الجانبين بعد تبادل الرئيسين نيكسون والسادات للرسائل العلنية بينهما.
ديفيد واتكين- عضو البرلمان البريطاني حزب المحافظين وقت الحرب: مثل الكثيرين في المناصب العليا في مختلف أنحاء العالم وفي مختلف الحكومات أعتقد أن السادات بالغ في قياس حجم قدراته.
وكان الاجتماع الأول قد عقد في كنكتيكت إلى الغرب من واشنطن في الأيام من الرابع والعشرين إلى السادس والعشرين من فبراير شباط عام 1973 وارتأى الجانبان هذه المرة عقد الاجتماع الثاني في فرنسا.
ما يجمع بين موقعي اللقاءات السرية بين المسؤولين الأميركيين والمصريين هو أن كيسنغر كان من اختارهما وربما لم يكن من قبيل الصدفة أن تكون مدينة كنكتيكت هي التي نشأ فيها كيسنغر وأن يكون الشاليه الواقع بمنتجع مولان سانت فارجو في بلدة روشفور شمال باريس ملكا لسيدة يهودية تعيش في نيويورك.
"
فرنسا لم يكن لها أن تلعب دورا وكانت مستعدة من أجل السلام العالمي لتسهيل الاتصالات التي كانت تريد إقامتها أميركا حليفتها
"
سيرغي بوادوفي
سيرغي بوادوفي: فرنسا لم يكن لها أن تلعب دورا وإنما كانت فقط وسيطة وكانت مستعدة من أجل السلام العالمي لتسهيل الاتصالات التي كانت الولايات المتحدة الحليفة لفرنسا تريد إقامتها.
في شاليه روشفور وتحديدا في الساعة العاشرة وخمسة عشرة دقيقة كان الجميع في ردهة المنزل يتناولون فنجان قهوة ويتبادلون أحاديث خفيفة وتشير الوثيقة في بدايتها إلى الصعوبات التي واجهت الوفد المصري قبل المغادرة لحضور الاجتماع بسبب تسريب الصحافة الإسرائيلية تقارير عن صفقة أسلحة أميركية جديدة لإسرائيل وخيم هذا الموضوع على بدايات المحادثات وحاول كيسنغر التقليل من أهميته، لكنه ترك في ثنايا حديثه لمخاطبيه إشارات ملتبسة تتراوح بين حقيقة العلاقات الأميركية الإسرائيلية العميقة وبين وجود أطراف في أميركا ربما تريد عرقلة مثل هذه اللقاءات المصرية الأميركية.
ويليام كوانت: في الواقع كان هذا جزءا من إستراتيجية كيسنغر وهي أن يوضح تماما أن أميركا تساند إسرائيل مع توضيح نقطة أنه إذا أردت أن تهتم بقضاياك تخلص من الروس وتعامل معنا مباشرة.
جدعون روز: في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة الأميركية تواجه عدة أزمات؛ المواجهة بين الشرق والغرب أثناء الحرب الباردة ونتائج ما بعد حرب فيتنام والاضطرابات الداخلية.
وتبرز الوثيقة أنه في هذه المرحلة الأولى من المحادثات المصرية الأميركية كان لدى القيادة المصرية بصيص من الأمل في الدور الأميركي، يستشف كيسنغر في بداية تقريره أن مستشار الأمن القومي المصري حافظ إسماعيل قد جاء إلى هذا الاجتماع للقيام بالمزيد من الاستكشاف لنوايا البيت الأبيض وليس لمناقشة العناصر الأساسية لاتفاق مصري إسرائيلي محتمل والنتيجة كانت أن المحادثات المصرية كانت أقل فائدة من المرة الماضية ولكنني شعرت أنه تم تحقيق تقدم أكبر مقارنة بالمرة الماضية من ناحية اقتناع إسماعيل بالمنطق وواقع الأسباب الداخلية التي تقف وراء اقتراحنا بالتحرك نحو التسوية وفقا لتوجه يقوم على سياسة الخطوة خطوة، ففي المرة الماضية استمع جيدا ولكن فقط في هذا اللقاء الثاني شعرت أنه فهم تماما سياسة نتائج الخطوة خطوة التي نقترحها.
ويليام كوانت: تقييم كيسنغر للقائه الأول بحافظ إسماعيل كان بأنه بداية للعلاقات مع مصر وأنهما تحدثا بجدية وقال أنه يتفهم أن الوضع الحالي غير محتمل بالنسبة للمصريين، لقد قال ذلك فعلا لكن الحل سيأخذ بعض الوقت، أنت لا تستطيع حل الأمور بين عشية وضحاها.
كان اتفاق الطرفين في اجتماع فبراير على بحث طرق محددة من أجل ضمان أمن إسرائيل في سيناء مع استعادة مصر للسيادة عليها وصيغة بيان عام حول اتفاق سلام مؤقت يندرج في سياق مسلسل يؤدي إلى اتفاق سلام نهائي، غير أن كيسنغر يلاحظ أن إسماعيل كان حريصا على استكشاف نوايا واشنطن وبدائلها لتحريك إسرائيل.
سيرغي بوادوفي: لابد من معرفة وضع كيسنغر الذي عمل آنذاك بذكاء ومهارة كبيرين، الرئيس نيكسون كان معرضا لانتقادات كبيرة في قضية ووترغيت وبالتالي فإن هامش تحركه سياسيا كان محدودا.
ويوضح تقرير كيسنغر الملاحظات التي أبداها إسماعيل عن الدور الأميركي بقوله إسماعيل وجد ترددا مستمرا من قبل البيت الأبيض فيما يتعلق بالدور الذي ستلعبه إذا كان هناك مثل هذا الدور ومن غير الواضح أن البيت الأبيض قد قرر أن يضع ثقله خلف جهود تحقيق تسوية سلمية.
ويليام كوانت: وكان السادات يشير في تصريحاته إلى إمكانية عقد اتفاق للسلام حتى إنه استخدم كلمة السلام، كما شملت تصريحاته كلمات عن عقد اتفاقيات وأشياء من هذا القبيل ولم يهتم كيسنغر بهذه التصريحات على الإطلاق.
وفي حديثه إلى كيسنغر رسم إسماعيل صورةً عن دواعي القلق المصري في الاعتبارات التالية؛ قرار مواصلة إمداد إسرائيل بالطائرات خلال 1974 و1975 ذو دلائل واضحة للغاية، قرار توفير مساعدة تكنولوجية للصناعة العسكرية الإسرائيلية خطير لأنه سيحرر إسرائيل من تأثير الولايات المتحدة، قيام الولايات المتحدة بتمويل خمسين مليون دولار من أجل توطين المهاجرين من الاتحاد السوفيتي يوفر المزيد من المساندة لنمو إسرائيل، تهديد واشنطن باستخدام الفيتو ضد مشروع قرار مجلس الأمن بشأن الغارات الإسرائيلية على بيروت، لقد لاحظت مصر كيف أن الضغط من الكونغرس الأميركي أجبر الإدارة الأميركية على الرغم منها في ممارسة الضغط على الاتحاد السوفيتي من أجل تهجير اليهود السوفيت وهذا الأمر دعى مصر إلى التساؤل إذا ما كانت الولايات المتحدة حرة في لعب دور في الشرق الأوسط، لا يمكن استبعاد وجود تعاون نووي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وعلى هذه الاعتبارات وضع إسماعيل استنتاجاته ورسم سيناريوهات لمستقبل الأوضاع وضمنها الخيارات المتاحة بالنسبة لمصر وتضمنت الاستنتاجات رسالة إلى الجانب الأميركي مفادها أن القاهرة تنتظر تعامل أميركي مختلف معها بعد قرار طرد الخبراء السوفيت وذهبت انتظارات القاهرة إلى حد مطالبة واشنطن بنهج سياسة توازن وتعامل متعادل بين مصر وإسرائيل.
ريتشارد باركر- دبلوماسي أميركي سابق: كيسنغر كمستشار للأمن القومي وبعد أن أصبح وزيرا للخارجية كان يعتبر الشرق الأوسط لعبة بيننا وبين السوفيت ولم يكن يعير ما يجري محليا وما يفعله الناس الاهتمام المطلوب.
عمنون ريشيف: أعتقد بأن كيسنغر رغم كونه يهوديا خدم أولا وقبل كل شيء المصلحة الأميركية والتي مفادها أن يكون هدوء وسلام في الشرق الأوسط.
ويليام كوانت: كان رأي كيسنغر أن المصريين انصرفوا من هذا الاجتماع وهم في غاية الإحباط لأن شيئا لن يتغير قريبا ولكن ذلك لم يقلقه فقد كان يفكر بأنه لو انتظر المصريون لآخر العام فإن أميركا ستبدأ في توجيه نظرها إليهم والانتباه لقضيتهم.
وتتلخص الخيارات المصرية التي طرحها إسماعيل في.. من الممكن أن تقبل باتفاقية مؤقتة والتي من المؤكد أنها ستتحول إلى اتفاق دائم أو أن بإمكانها التحرك نحو اتفاق نهائي وهو ما سيتطلب تنازلات هائلة من مصر، عدم استبعاد الخيار العسكري لكن طريقة طرحه من قِبَل إسماعيل جاءت في قالب تساؤل إنكاري يفيد الاستبعاد وإذا لم يكن أي من هذين التوجهين مقبولا فماذا يبقى لمصر سوى التحرك العسكري؟ وهنا يسجل كيسنغر في ملاحظاته تلك الفقرة.. إسماعيل قال في محادثاته المغلقة معي إنه يشعر أن القيام بتحرك عسكري الآن سيكون مغامرا للغاية ولذا فهو كان يفكر في المستقبل بعيد المدى.
فاديم كيربيتشينكو: أنا شخصيا كنت قد خضت جولات من النقاش وتبادل الرسائل مع الخبراء الأميركيين ومن ضمنهم السفير باركر الذي كان أحد المؤثرين في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط وأكدت له حقيقة أن الاتحاد السوفيتي لم يدفع العرب قط للتورط في حرب ضد إسرائيل.
ريتشارد باركر: رأى المصريون في شيء من المنطق بأنه لن يكون هناك سلام بالطرق السلمية ولابد من الحرب، إذ لا يمكن أن يتفاوضوا مع الإسرائيليين الذين يمسكون بكل الأوراق ويحتلون أراضي مصرية.
محمد أنور السادات: إذا لم نتوصل إلى الحسم في سنة 1971 ستظل القضية معلقة إلى ما بعد 1973 و1974 وهو ما تريده إسرائيل وما يريده الأميركان.
وكشفت الوثيقة أن المحادثات المصرية الأميركية حول قناة السويس وسيناء كانت تستدعي في مواقع عدة الحديث عن تداعيات الأوضاع الإقليمية والدولية على هذا الموضوع، فقد طرح إسماعيل على مخاطبه كيسنغر مدى ارتباط موضوع السويس بما سماه العقدة الإيرانية العراقية، كما أثار معه فكرة أحد المسؤولين الأميركيين نائب مدير دائرة الاستعداد للطوارئ الذي دعى لاحتلال منطقة الخليج كأحد بديلين ثانيهما التخلي عن الاعتماد على النفط العربي وكان واضحا من رد فعل كيسنغر أن طرح الموضوع استفزه برغم ضحكه عندما كان إسماعيل يسرد هذه المعلومات ووصف كيسنغر فكرة احتلال مصادر النفط في الخليج بأنها فكرة سخيفة لا ينبغي مناقشتها، لكنه سارع لطمأنة إسماعيل بقوله بأية حال مصر ليست تلك الدولة الرئيسية المنتجة للنفط.
جدعون روز: كيسنغر علامة فريدة في الدبلوماسية الأميركية قد يكون من أذكى الدبلوماسيين الأميركيين فهو الأكثر نفاقا والأكثر سخرية.
لكن مجريات تلك الاتصالات تُظهر أن واشنطن لم يكن لديها دور فعّال في ثني إسرائيل عن نهجها وفي التاسع من نيسان/ إبريل عام 1973 صرّح السادات في مقابلة مع مجلة النيوزويك الأميركية بحتمية حدوث مواجهة شاملة مع إسرائيل بسبب احتلالها لسيناء والأراضي العربية الأخرى.
فاديم كيربيتشينكو: كان السادات يعتقد أنه بطرد الخبراء السوفيت ستقوم الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لتطبيق قرار الأمم المتحدة 242 والخروج بالتالي من صحراء سيناء.
ريتشارد باركر: ولم نفعل ذلك لسببين؛ أولهما تأثير جماعات الضغط الإسرائيلية وما شابهها والثاني أننا لم نصدق أن المصريين قادرون على فعل شيء حيال ذلك ولأننا لم نتنبأ بوقوع الحرب.
المفاوضات السوفياتية الأميركية
كانت التوازنات السياسية الدولية بين القطبين الكبيرين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تتقاذف الكرة العربية، فقد كان اجتماع الزعيمين السوفيتي والأميركي قد رتب لاجتماع القمة المقرر انعقادها في اليوم التالي بكامب ديفد وتم تخصيص الاجتماع الأول لملف الشرق الأوسط بينما خصص اجتماع القمة لموضوع خفض التسلح النووي، فكيف كان مصير قضية الشرق الأوسط القضية العربية الأولى على مائدة المفاوضات السوفيتية الأميركية؟
فيكتور جوراليوف: الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة نشطا لتحسين علاقتهما، فكما تعلمون كانت ظلال الحرب الفيتنامية ثقيلة على الولايات المتحدة.
ديفيد واتكين: كانت تلك هي أيام الحرب الباردة، الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كانا يقفان بمواجهة بعضهما بعضاً وكان الشرق الأوسط بلا شك يرى على أنه منطقة قابلة للانفجار في أي لحظة وكان العديد من الناس يقولون أنه في حال اندلاع الحرب بينهما فستكون بدايتها في تلك المنطقة.
توضح مذكرة كيسنغر للرئيس نيكسون حول اجتماعه مع بريجينيف في قمة سان كليمونت كاليفورنيا بتاريخ الـ 23 من يونيو حزيران عام 1973 أن بريجينيف كان يبحث عن شكل لكلمات يتفق عليها الطرفان السوفيتي والأميركي وتكون بمثابة مبادئ عامة ينطلق منها دور مُشترك من أجل تحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط.
ويليام كوانت: لقد قال لينكسون إفعل شيئا، أوقف هذا لأن ذلك يضر بعلاقتنا، لم يذكر بريجينيف العرب وإنما كان يهمه العلاقات الأميركية الروسية، فلو أن الحرب اندلعت في الشرق الأوسط فإن ذلك سيضر بالعلاقات الأميركية الروسية.
ولخّص بريجينيف أفكاره في النقاط التالية؛ ضمانات لإسرائيل والدول الأخرى، تفادي حدوث مواجهات مسلحة في الأراضي المحتلة، الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية، حق جميع الأطراف المرور في الممرات.
فاديم كيربيتشينكو: البنود التي وضعها الرئيس بريجينيف وهي خمسة على ما أذكر بشأن حل النزاع ما تزال حتى وقتنا هذا تثبت صحتها وكنا دائما نُصّر على الحق العربي في لقاءاتنا ومشاوراتنا مع الأميركيين.
وتظهر المذكرة كيف تدخل كيسنغر لدى الرئيس نيكسون ليكبح الأفكار التي عبر عنها بريجينيف معتبرا أنها تتضمن تفاصيل مفاجئة للجانب الأميركي وأعقبه تدخل الرئيس نيكسون ليتبنى ما قاله كيسنغر.
جدعون روز: كان يشعر أيضا بأنه أحق من نيكسون بالسيطرة على الأمور لذلك كان أحد أهداف كيسنغر في السنوات التي تفجرت فيها فضيحة ووترغيت في السبعينات أن تنفصل السياسة الدولية عن الأمور الداخلية بقدر الإمكان.
ريتشارد باركر: نيكسون كان خارج الصورة تماماً ولا أعتقد أن هناك جانب شرير في شخص كيسنغر، كان يتصرف كأي إداري مخلص يحاول تسيير الأمور على أتم وجه.
عاد بريجينيف ليعرب عن مخاوفه من انفجار الوضع وقيام الحرب في المنطقة إذا استمرت حالة الجمود واختصر أفكاره في جملة واحدة لا تتجاوز كلمتين؛ انسحاب القوات وألح على الرئيس نيكسون بقبول هذا المبدأ كي لا يخرج الجانبان من الاجتماع بدون نتائج وتعهد بريجينيف للرئيس نيكسون بأن الجانب السوفيتي لن يكشف أي اتفاق معه للجانب العربي.
ديفيد واتكين: حدث أن قال لي دبلوماسي أميركي رفيع المستوى.. مستر واتكين أنا سفير في العالم العربي وأتحدث اللغة العربية وأفهم المنطقة تماماً وسأزود حكومتي بكل المعلومات اللازمة لكنك تعرف الجهة التي تسيطر على حكومتي.
ووعد بريجينيف الرئيس نيكسون بأن تحقيق السلام سيقود إلى استئناف العلاقات الإسرائيلية السوفيتية التي كانت قد قُطعت في حرب 1967 مشيرا إلى أن السوفيت ساعدوا على إقامة إسرائيل.
فيتسلاف موتوزوف: الدور الكبير في هذا الشأن كان لا شك.. كان يلعبه هنري كيسنغر، هذا شخص الذي كان وريتشارد نيكسون كرئيس أميركي في ذلك الحين.. كانت لهم.. وصلت الفكرة إلى ذهنهم أنه استمرارية الحرب توتر في هذه المنطقة يضع أميركا في وضع حرج.
ويخرج الإعلان السوفيتي الأميركي المشترك بتاريخ الـ 24 من يونيو عام 1973 بالصياغة التالية، لقد عبّر الجانبان السوفيتي والأميركي عن قلقهما الشديد من الوضع في الشرق الأوسط وتبادلا الآراء بشأن طرق وسبل تحقيق وبلوغ التسوية في الشرق الأوسط وقد عرض كل جانب من الجانبين موقفه من هذه القضية وقد وافق الطرفان على مواصلة جهودهما الرامية إلى المساعدة في الوصول إلى تسوية سريعة في الشرق الأوسط، تلك التسوية التي يجب أن تتحقق وفقا لمصالح جميع دول هذه المنطقة وتستجيب لسيادتهم واستقلالهم وتراعي المصالح المشروعة للشعب الفلسطيني بالشكل الواجب.
إيفي شلايم: مع أن الاتحاد السوفيتي كان متحالفاً مع جبهة الرفض في العالم العربي كان متحالفاً مع العراق وليبيا اللذين كانا ضد حق إسرائيل في الوجود، لكن الاتحاد السوفيتي لم يتفق مع هذه الدول حول هذا الموضوع، فالاتحاد السوفيتي وافق على حق إسرائيل في الوجود وصوّت مع القرار 242 بعد حرب 1967.
كان الموقف الإسرائيلي واضحا للغاية، فقد ظلت القوات الإسرائيلية تلاحق الفلسطينيين في لبنان بعد أن شردتهم المواجهات الدموية التي تعرضوا لها في الأردن في أيلول/ سبتمبر عام سبعين واعتمدت استراتيجية لتصفية القيادات الفلسطينية عبر الاغتيالات والتي أفردت العديد من الجرائد العربية والغربية والعالمية الصفحات لتغطية أخبارها، إذ وصفتها اللوموند الفرنسية بأنها ضربة قاسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بينما تعرض التايمز اللندنية للحرج البريطاني تحت عنوان الإسرائيليون استخدموا جوازات سفر بريطانية مزورة وتكمل فقرة المقال توفرت معلومات بأن ثلاثة من المشاركين في الغارة على بيروت في العاشر من أبريل استخدموا جوازات بريطانية مزورة وذلك خلال استجواب لوزير الشؤون الخارجية والكومنولث في البرلمان، كذلك اعتمدت إسرائيل حملة دولية ضد ما اعتبرته إرهابا وكانت تعنى به عمليات خطف الطائرات المثيرة التي نفذها فدائيون فلسطينيون ونشطاء ثوريون في أنحاء عديدة من العالم تضامنا معهم وفي يوليو/ تموز من عام 1973 تنشر نيويورك تايمز خبر اختطاف طائرة يابانية من مطار أمستردام بواسطة يابانيين وإجبارها على تغيير مسارها نحو دبي بدلا من طوكيو ويرفض شيمون بيريز وزير المواصلات الإسرائيلي آنذاك طلب الخاطفين إطلاق سراح بعض من سماهم إرهابيين ونفذت القوات الإسرائيلية هجمات جوية على الأراضي اللبنانية وقصفت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وشهدت الجبهة السورية الإسرائيلية توترات متلاحقة في السنوات الثلاثة الأولى من السبعينيات وعلى الجبهة المصرية ردت إسرائيل برفض مبادرة السلام التي قدمها الرئيس السادات بداية عام 1971 في خطاب رسمي أمام مجلس الأمة وهو البرلمان المصري ودعا من خلاله إلى تسوية جزئية من خلال الانسحاب الجزئي الإسرائيلي شرقي قناة السويس على طريق جدول الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وفتح قناة السويس للملاحة الدولية ومن المفارقات أن السيدة مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية قدمت فيما بعد تصريحا منافيا لتلك الحقائق.
غولدا مائير: الرئيس السادات والرئيس الأسد والملك حسين وكل الآخرين يجب أن يتحلوا بالشجاعة، لماذا توجد لديهم كل هذه الشجاعة لإرسال أبنائهم للحرب ولا يجدونها للقائنا على طاولة المفاوضات؟
وترصد مذكرة مجلس الأمن القومي الأميركي في بداية مايو/ أيار عام 1973 احتمالات قيام الحرب فيما يلي؛ في خطاب السادات الذي ألقاه في الأول من مايو أشار إلى أنه شعر بضغط من الاتحاد السوفيتي ليواصل سعيه للتوصل إلى حل سلمي وهناك أيضا دلائل أن موسكو تستخدم أطرافا ثالثة لتحذير القاهرة من مخاطر حرب جديدة.
فيتسلاف موتوزوف: العلاقات بين السادات وبين الاتحاد السوفيتي ما كانت تلك الأيام وأنا أتصور أن الاتحاد السوفيتي ما كان يملك أي وسيلة للضغط على مصر على الإطلاق.
فاديم كيربيتشينكو: كنا ننطلق من أن إسرائيل مؤهلة للقيام بضرب دولة أو مجموعة من الدول العربية فجيشها النظامي كان أفضل من أي جيش عربي، فهو يقوم بتدريبات سريعة ودقيقة كما أن المستوى التعليمي فيه عال، ناهيك عن أن كثيرا من جنرالاته وضباطه امتلكوا خبرة عالية من خلال مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية والأهم من ذلك كله أن الغرب وبخاصة الولايات المتحدة لن تسمح بهزيمة إسرائيل.
وتواصل الوثيقة السابقة هناك معلومات مؤكدة من الأردن أن السفير السوفيتي لدى دمشق نصح السوريين بعدم التورط في حرب وعادة ما يتصرف الأسد كقناة اتصال بين القاهرة وموسكو.
فيتسلاف موتوزوف: كان هناك خطورة أمام الاتحاد السوفيتي أن سمعة السلاح السوفيتي أصبحت متدهورة ودور الاتحاد السوفيتي وليست في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم النامي كانت متدهورة مع سمعة السلاح في سوريا.
فيكتور جوراليوف: على الرغم من أنني لست عسكريا لكنني قرأت كثيرا عن أن العرب لو استخدموا هذه الأسلحة كما كان يعتقد خبراؤنا لما خرجت إسرائيل من هذه الحرب بالصورة ذاتها.
وتعود وثيقة الأول من مايو لتؤكد أن غروميكو وهو وزير الخارجية السوفيتي السابق سأل رئيس الأركان الفرنسي إذا كانت باريس لديها القدرة على التأثير على القاهرة لحثها على عدم البدء في حرب والسوفيت أنفسهم لم يعد باستطاعتهم ممارسة حق الفيتو على تحركات مصر.
إيريك رولو- مراسل صحفي بالمنطقة فترة الحرب: كان فيه نوع من التفاهم بين الاتحاد السوفيتي وفرنسا أيامها في الاتجاه العربي ما في شك ولكن حصل تنسيق.. ما أظنيش حصل تنسيق سياسي، حصل أنه موسكو وباريس كانت بتعمل في نفس الاتجاه، إن هو لازم العرب يسترجعوا الأراضي المحتلة.
كانت تلك هي أيام الدبلوماسية الأخيرة قبل الحرب، فكيف كان سباق الأمتار الأخيرة نحو قناة السويس بين أطراف اللعبة السياسية؟ كيف كانت تقديرات السياسيين لاحتمالات وقوع الحرب؟ كيف مارست القيادتان السورية والمصرية لعبة الخداع الاستراتيجي؟ وكيف قيمت الإدارة الأميركية والمخابرات الإسرائيلية تلك الحيل؟ لا يزال أرشيفهم يمدنا بالجديد حول أسئلة متعددة في تاريخ حرب أكتوبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى