ذمتك دى أحزاب؟
شيخوخة الأحزاب القديمة وطفولية الأحزاب الجديدة وراء هذا المشهد الانتخابى الهش والمرتبك والمثير للشفقة، الذى نراه مع نهاية فترة تقديم الترشيحات لانتخابات مجلسى الشعب والشورى. مد فترة تقديم أوراق الترشح مرتين كان تعبيرا عن تشوش المجلس العسكرى نفسه، وضعف اللجنة العليا للانتخابات، التى يبدو أنها توافق على رغبات (لا أقول تعليمات) المجلس العسكرى من أولها.
فرؤساء أحزاب وشباب ثورة يترجون المجلس مد الفترة، فيتحدث مع اللجنة فتوافق، ثم يلحون ليومين ثلاثة أخرى، فيطلب المجلس من اللجنة مدا ثانيا فيحصل عليه، لعلها طيبة من المجلس ورأفة بهؤلاء، لكنها تعبير عن الارتباك لا عن المرونة، ودليل على ضعف استقلالية اللجنة العليا، لكنها من ناحية أخرى مثل واضح فاضح عن ضعف الأحزاب وخيبتها بشكل فاق تصوراتنا!
كنت ممن يطالبون من اللحظة الأولى بانتخابات على النظام الفردى، وقلت هذا مرارا، وكان مسؤولون يردون على كلامى بدهشة واستنكار، حيث إن الأحزاب وقياداتها ومفكرين ومحللين كثيرين التقوا المجلس العسكرى، طالبوا -بإلحاح حتى اللجاجة- باعتماد نظام القائمة واستبعاد الفردى، فكنت أرد بأنهم «حافظين مش فاهمين»، فهم لا يعرفون حقيقة قدرتهم ولا يدركون واقعهم، وهذا ما بات مكشوفا حتى التعرى مع تقديم أوراق الترشح، فالأحزاب التى «خوتت دماغنا» بمنتهى السذاجة والمراهقة طلبا لنظام القائمة لم تستطع عمل قوائم أصلا وارتبكت واتخانقت ولفت حول أنفسها، وداخت وباخت واحتارت وتسولت الأسماء لقوائمها، حتى إن معظم الأحزاب تقريبا تورط فى جلب أعضاء من الحزب الوطنى المنحل ونواب سابقين ومرشحين مستقلين على مبادئ الوطنى، وأمطرت بهم قوائم أحزابها فى مشهد إعلان الخيبة الثقيلة، طيب إذا كنتم تعرفون أنكم بلا حول ولا طول ولا قوة، عملتم فيها رجالة وزعماء قوى وطالبتم بالقائمة، بل دبدبتم فى الأرض كثيرا حتى لا تكون النسبة خمسين/خمسين بين القائمة والفردى، ومن أجل زيادة نسبة القائمة فماذا كان منكم إلا هذا الارتباك المزرى؟!
هل يمكن أن نثق برؤية أحزاب وقياداتها، وهى كانت على هذا القدر من العمى الحيثى، ولا تفهم حتى حدودها ولا تنتبه إلى قدراتها الحقيقية؟!
ثم هذه الأحزاب نفسها أزعجتنا بكل ما تحمله من صخب وضجيج التفاهة، وجلست أسابيع وأياما فى تحالفات من أجل قوائم مشتركة، ثم قبيل الترشح جرى كل واحد منها ليعلن قائمة منفردة لحزبه، فتشتتت وتفتتت وانكشف تكاذبها وزيف توحدها، وتحولت التحالفات إلى تصارع وتخاصم وقمصة وزعلة وغضبة تجمع بين المراهقة والشيخوخة.
إلى أى حد يمكن أن تضع أملك فى نوعية من القيادات الحزبية هى على هذه الدرجة من الاهتزاز؟!
هل يمكن لهؤلاء أن يجتمعوا على أهداف واستراتيجية؟ هل يمكن لقيادات هذا شكلها وتلك تصرفاتها أن تكون مسؤولة عن بلد يصنع مستقبله بقرارات متوسطى الموهبة ومعدومى الرؤية؟!
صحيح.. ماذا كنت تنتظر من قيادات الأحزاب القديمة التى كان صفوت الشريف يلاعبها بطرف شنبه الرفيع المرسوم، وكان يحركها كمال الشاذلى -الله يرحمه- بالبنصر والخنصر؟!
الوفد والتجمع والناصرى وأحزاب أمناء الشرطة من صنيعة أمن الدولة بدت فضيحة سياسية فى الأيام السابقة على الترشح للانتخابات، وظهر حزب الوفد دكانا لخردوات الحزب الوطنى، وقوائم على طريقة كله باتنين جنيه ونص!!
أما الأحزاب الجديدة فتضم فعلا شخصيات وطنية طيبة، لكنها بلا خبرة وبلا رؤية ولا تفهم فى السياسة ولا العملية الانتخابية، وقادمة من قهاوى المثقفين وندوات النخبة وبرامج التوك شو إلى السياسة والواقع، وهى لا تفهم فيه ولا تعرفه ولا تملك من أدوات السياسة إلا حسن النية وحسن المظهر، ثم جاءت ومعها آفة التمزق اليسارى والانعزال الليبرالى والثرثرة الفكرية، فخرجت قوائمها هزيلة وفشلت فى أن تبقى على وحدتها، ثم سارع مفكروها ومنظروها للدخول على المقاعد الفردية، وهم الذين قرفونا كلاما فارغا عن ضرورة إلغاء الفردى!
أما شباب ائتلاف الثورة، فقد كان صادقا مع سنه وعمره تماما، وواضحا فى انعدام خبرته السياسية واستسلامه للتناقضات بين الجيل الواحد ومنافسات صغيرة ومزايدات ومناقشات مرهقة عبثية استنزفت قدراتهم، التى هى محدودة جدا بالأساس، فوجدوا أنفسهم معزولين عن الفعل، وبعيدين جدا عن الحركة ومهمشين تماما فى التركيبة الانتخابية، فجرى بعضهم إلى فصائله السياسية التى خرجوا منها ليلحق بهم فى آخر عربة، وتقوقعوا فى قوائم لا تتمتع بفرص النجاح، بل لا تملك حتى فرص الظهور، ونسوا الائتلاف فأنساهم الائتلاف أنفسهم!!
أما جماعة الإخوان المسلمين فيكفى أنها أعلنت فى البداية أنها ستترشح على خمسة وعشرين فى المئة من مقاعد البرلمان، ثم غيرت رأيها، وقالت إنها ستتنافس على خمسة وثلاثين أو أربعين فى المئة من المقاعد، ثم انتهى إلى أنها قدمت أوراق ترشيحها على كل القوائم تقريبا، وبدأت تتحدث عن أن مجلس الشورى بقى بتاعها خلاص!
عموما ربنا يعدى الانتخابات على خير، ونرضى منها بعبلها وعشوائيتها…وأغلبيتها!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى