«لماذا لا تتم محاسبة كل ضابط شرطة يتراخى فى تأدية واجبه؟ ولماذا لم تتم الاستجابة لواحد من أهم مطالب ائتلاف ضباط الشرطة الذى تحدث عن ضرورة إقالة عدد من القيادات الأمنية المساعدة لحبيب العادلى وفتح ملفات ثرواتها ونفوذها؟ لماذا لم يتم منذ اللحظات الأولى لخلع مبارك وضع مدرعة جيش وبعض أفراد الجيش أمام كل قسم شرطة به حجز يحتوى على مساجين وأمام كل مستشفى فى القاهرة والمحافظات خصوصا أن اعتداءات البلطجية على المستشفيات والأقسام ظهرت جلية منذ أيام الثورة الأولى؟ لماذا الإصرار على التباطؤ فى إعادة محاكمة الناشطين السياسيين المعتقلين الذين صدرت بحقهم أحكام عسكرية ووُصفوا بأنهم بلطجية فى حين يرتع البلطجية الحقيقيون فى شوارع مصر؟ لماذا لم يتم الالتفات إلى تصريحات رئيس محكمة جنايات الإسكندرية التى تحدث فيها عن وجود مواد تسمح بمحاكمة مبارك ورجاله بتهم الفساد السياسى؟ لماذا لم تتم محاسبة أحمد شفيق ومحمود وجدى حول دورهما فى ملفى الانفلات الأمنى والثروات المنهوبة لكى يتضح هل هما مظلومان أم ظالمان؟ لماذا لم يُطلب من كل ضباط أمن الدولة والمباحث الجنائية ومديريات أمن الدولة أن يضعوا تحت تصرف القوات المسلحة كل ما لديهم من معلومات عن شبكة العلاقات التى كانت تربطهم بالقيادات السلفية وتشكيلات البلطجية التى تثير كل هذه الأزمات فى مصر؟ لماذا لا يعطى المجلس الفرصة لمن تثبت كفاءته من قيادات الصف الثانى فى الداخلية لكى تنال فرصتها فى إثبات جدارتها بحفظ الأمن ولو من باب استغلال الطموح الإنسانى لفائدة البلاد؟ ألا يعلم المجلس أن التراخى فى هذه النقطة سيؤدى إلى فشل مهمته فى تحقيق مطالب الثورة ولن يفرق ذلك مع تلك القيادات ببصلة؟ أين ذهبت الروح الرائعة التى كتبت جملة «نعتذر ورصيدنا لديكم يسمح»؟ لماذا لا يتم توحيد المعايير التى يتم التعامل بها مع كل الأحداث فى مصر؟
لقد قلت مرارا وتكرارا إن ثقتنا بالجيش لا حدود لها، وإننا ندرك أنه العمود الصلب الذى نجا من التهشيم فى عهد مبارك، لكننى قلت أيضا مرارا وتكرارا إن ذلك لا يعنى عدم نقد الأداء السياسى للمجلس العسكرى الذى يتولى السلطة السياسية الآن فى البلاد، ولذلك أقول من موقع الخوف على مصر إنه إذا لم يسارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى الإجابة عن كل هذه الأسئلة التى يتداولها الناس الآن وبمنتهى الصراحة فإنه سيفتح الباب للمزيد من الأسئلة الشائكة التى أخشى أن كثيرا منها بدأ يُتداول بين الناس الآن بشكل أو بآخر، ومن بينها: هل هناك نية مبيتة لفرض الأحكام العرفية على البلاد وبقاء الجيش فى السلطة فترة أطول؟ ماذا عن بعض الكتاب الذين يطالبون المجلس بالبقاء فترة أطول فى الحكم؟ بعضهم يطالب بأن تصل تلك الفترة إلى سنة كاملة وبعضهم يطالب بأن تكون ثلاث سنوات، هل تطوع هؤلاء الكتاب بذلك من تلقاء أنفسهم؟ وهل يمكن ربط هذه الدعوات بهذا التراخى عن الحسم فى أشياء كان يمكن أن يتم الحسم فيها؟ هل المجلس يريد أن يصل الشارع بنفسه إلى هذا الاستنتاج هربا من شعوره بالرعب الناتج عن تضخيم الإعلام لكل حادثة تقع هنا أو هناك؟
نعم نعلم أن المجلس قال بشكل قاطع قبل ذلك إنه لا يريد البقاء فى السلطة أكثر من الوقت اللازم لإجراء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية لأن بقاءه فترة أطول ليس فى مصلحة البلاد ونحن نصدقه ونصدق تعهده بتسليم السلطة إلى القيادة المدنية المنتخبة التى يرضاها الشعب، ونعلم أن السياسة الخارجية المحترمة التى تتخذها مصر الآن لن تجعل إسرائيل تقف مكتوفة الأيدى وستعلن الحرب على مصر مستخدمة كل أسلحتها العلنية والسرية، ومتحالفة فى ذلك مع القوى الرجعية التى ستبذل كل ما تستطيع لمنع عودة مصر لقيادة الأمة العربية، نعلم أن الوضع الاقتصادى لا يسر إلا عدوا أو كارها، نعلم أن العصابات المسلحة التى نمت وترعرت فى عهد مبارك لن تستسلم بسهولة، نعلم أن الجيش يواجه تحديات إقليمية ضخمة، نعلم أن هناك حسابات معقدة تجعل مصارحة الشعب بكل شىء أمرا مستحيلا، كل هذا نعلمه، لكنه للأسف لا يحمل أى إجابات عن الأسئلة التى تدور فى الشارع الآن، ولذلك فاللحظة التى نعيشها الآن لا تحتمل سوى سبيل واحد وحيد: المصارحة، ولن ينقذ هذا الوطن الآن سوى المصارحة الكاملة، بعيدا عن الجمل الإنشائية حتى لو كانت صادقة.
ختاما: الآن أصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعلم من خلال تجاربه العديدة طيلة الأسابيع العصيبة الماضية أن الغالبية العظمى من أبناء مصر عندما هتفت من أعماق قلوبها «الجيش والشعب إيد واحدة»، لم تكن تهتف به خائفة أو متزلفة، بل كانت تدرك الدور الذى قام به فى حماية الثورة، ولذلك فقد كانت حريصة كل الحرص على عدم السماح بشق صفه تحت أى مبرر، لكن هذه الجماهير عندما أعلنت ثقتها بالمجلس لم تعطه تلك الثقة على بياض بل كانت ثقة ممنوحة على أرضية تعهده بتحقيق مطالب الثورة، ولذلك فهذه الجماهير تدرك أن المجلس لن يصغى إلى أعضاء رابطة صناع الطغاة الذين يحاولون إلباس الحق بالباطل وهم يعلمون، وتثق أنه سيظل وفيا بتعهده القاطع بتحقيق جميع مطالب الثورة، ولذلك فهى تنتظره الآن لكى يبدد الغيوم الداكنة الكئيبة التى تراكمت فى سماء الوطن، وليس لذلك سبيل سوى الحسم، والمصارحة، المصارحة، المصارحة.
للأسف الشديد كل الكلام الذى قرأتَه منذ قليل نشرته فى يوم عشرة مايو الماضى، ولكن لا حياة لمن تنادى. وللأسف الأشد فإن الشىء الوحيد الذى تغير منذ ذلك الوقت هو أنه حتى لهجة التفاؤل الحذر الموجودة فى المقال ستبدو مستفزة لك الآن، ولا ألومك على الإطلاق، فكيف يكون للتفاؤل مكان فى ظل عناد مستمر على تجاهل القوى الحقيقية التى فجرت الثورة، والإصرار على الاتفاق مع كيانات سياسية بعضها مشبوه وبعضها منهك وبعضها متخبط وبعضها راغب فى أى فرصة للبقاء فى النور بعيدا عن أقبية السجون؟ كيف نراهن على التفاؤل بينما يراهن المجلس العسكرى على الغموض ويصر على التعامل مع الأجيال الجديدة كأنها تحمل نفس عيوب الأجيال السابقة من قِصَر نفَس وضيق أفق ومحدودية خيال.
لا تستجيبوا لمستشارى السوء، وأنقذوا مصر بتقديم موعد الانتخابات الرئاسية لتكون عقب الانتخابات البرلمانية مباشرة، واتركوا الشعب المصرى يقرر مصيره، هذا أو الصداع الأزلى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى