قامت الثورة فى مصر من أجل دولة القانون، غير أن الأمور تمضى وكأن الذين يحكموننا يكرهون القانون ويحتقرونه أكثر مما يكرهه الخارجون عن القانون.
وقصة أسماء الجريدلى مع دولة اللاقانون تكفى، وقد عرضتها باختصار الزميلة نوارة نجم فى «التحرير» أمس، حيث تعرضت أسماء للضرب والسحل على يدى أحد المشايخ لأنها تجرأت واعترضت على اقتحامه عربة السيدات فى مترو الأنفاق لينفرد بالراكبات ويوسعهن ترهيبا وتفزيعا باعتبارهن وقود جهنم.
وعلى امتداد محطات المترو من رمسيس حتى المرج دارت فصول المعركة، التى خرجت منها أسماء مثخنة بالطعنات والكدمات حتى وقفت بين يدى القائمين على القانون وآثار الدماء على رقبتها.
غير أن ما جرى فى محطة المرج هو المهزلة مكتملة الأركان وكان الأبطال هذه المرة هم رجال الشرطة الذين استغاثت بهم أسماء، وهى بالمناسبة محجبة من خريجات الأزهر وواحدة من فتيات الثورة المصرية اللاتى أذهلن العالم طوال أيام الكفاح فى ميدان التحرير.
لقد قيض الله لأسماء نحو أربعة مواطنين يحتفظون فى عروقهم ببقايا نخوة ومروءة اصطحبوها مع الرجل الذى اعتدى عليها بأقذع الشتائم والضرب المبرح لتحرير محضر فى محطة المرج وهناك كان التراخى أول قل التباطؤ والتواطؤ من رجال الشرطة الذين حاولوا إثناءها عن المضى فى تحرير البلاغ بحجة أنه «راجل كبير قد والدك» وأمام إصرارها طلب أحدهم بمنتهى الرقة من المعتدى أن يتفضل معه إلى مقر الشرطة حيث يجلس حضرة الضابط المسئول، غير أن الرجل رفض وهدد وتوعد ثم قفز فى أول قطار وحين منع بعض المواطنين إغلاق الباب حتى لا يتحرك القطار ويهرب المعتدى بجريمته لم يحرك أفراد الشرطة ساكنا وتركوه يمضى إلى حال سبيله، وتفاصيل ما جرى تجدونه على مدونة الضحية على الرابط التالى :
http://e7nabto3elt7reer.blogspot.com/2011/10/blog-post_22.html.
وخلاصة الأمر أن من رجال الشرطة من لا يريد للفوضى والبلطجة أن تتوقف، ومنهم من لا يريد أن يعمل، ومنهم من لايزال مصرا على الاكتفاء بموقف المتفرج على ما يحدث للمواطنين المحترمين على أيدى بلطجية السلاح وبلطجية التدين الزائف أيضا.
ولعل الذين اعتمدوا أسلوب «الطرمخة» على كل الملفات المهمة التى انفتحت بعد قيام الثورة يدركون أننا لن نحقق شيئا ولن نتقدم خطوة واحدة طالما لم يتم التعامل بجدية وإخلاص نية مع كل استحقاقات مرحلة ما بعد الثورة، وقد بحت الأصوات تطالب بتطهير التربة قبل البناء عليها، وتنظيف الأرض من آفاتها قبل التفكير فى استزراعها، غير أن أحدا لم يستجب، واستدعى منطق «الفهلوة» فى إدارة الأمور، والمثال الأوضح على ذلك ما حدث فى قضية تطهير الداخلية من رجال حبيب العادلى، وإعادة هيكلتها، فكان أن أجروا حركة تنقلات اعتيادية وأحالوا مجموعة من القيادات للتقاعد، ذرا للرماد فى العيون وليس تطبيقا لمقتضيات العدل والإصلاح وكانت النتيجة أن الحالة الأمنية تزداد اهتراء وتراجعا.
وأحسب أن المظاهرات التى اندلعت أول أمس على نطاق واسع لأفراد جهاز الشرطة للمطالبة بتطهير الداخلية نتيجة طبيعية جدا لسياسات «الفهلوة» التى تدار بها الأمور، كون تغطية الجرح وإخفائه عن الأنظار لا تعنى العلاج والشفاء، بل تزيد من خطورة الداء، واستفحاله على نحو يصبح معه العلاج غير ممكن.
ويبقى أن توقيت اندلاع مظاهرات الشرطة ونحن على بعد أسابيع من الانتخابات البرلمانية المرشحة لأن تشهد أعمال عنف وبلطجة يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا مما هو قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى