بقلم د. حسن نافعة ٢٩/ ٩/ ٢٠١١
كثر الحديث فى الآونة الأخيرة عن ظاهرة «الصناديق الخاصة» التى نمت بطريقة عشوائية، ولأنها تزوَّد بإيرادات إضافية يفترض أن تخصص للإنفاق على أغراض بعينها، فمن الطبيعى ألا تظهر فى الموازنة العامة، للدولة، وأن تخضع إدارتها للوائح وقوانين مختلفة تتناسب وطبيعة الأغراض التى أنشئت من أجلها، غير أن ضغوط الحاجة المتزايدة للحصول على أموال إضافية من خارج الموازنة العامة، من ناحية، وجمود اللوائح والقوانين المالية المطبقة فى الدولة، من ناحية أخرى، ساعدا على تحويل هذه الصناديق إلى آلية للفساد والإفساد.
فقد حصلت هذه الصناديق على إيراداتها من حصيلة رسوم وتمغات وغرامات فُرضت غالباً بطرق ملتوية وربما غير قانونية، وأنفقتها فى غير الأوجه المخصصة لها، خاصة فى صورة مكافآت وحوافز وخلافه.
كان يفترض أن يكون إنشاء هذه الصناديق من رئيس الدولة وحده، لكن التوسع التدريجى فى تفويض هذه السلطة لكل المستويات الأدنى، لتشمل الوزراء ورؤساء الهيئات والشركات ومجالس الحكم المحلى وغيرها، أدى إلى تكاثر غير طبيعى فى عددها إلى أن وصل إلى ما يقرب من عشرة آلاف صندوق حتى الآن، بلغت حصيلة الأموال المتجمعة فيها حوالى ٥٠٠ مليار جنيه، وفقاً لتقديرات الحد الأدنى، وإلى أكثر من ١٢٠٠ مليار جنيه، وفقاً لتقديرات الحد الأقصى.
وقد تحدثت تقارير عديدة صدرت مؤخراً عن أجهزة رقابية عديدة، خاصة عن الجهاز المركزى للمحاسبات، عن أوجه فساد كبير شاب عمل الصناديق الخاصة التى خرجت عن حدود الضوابط العامة، ولم تحقق الأهداف المرجوة من وراء إنشائها، وأصبحت مواردها أموالاً «سائبة» أو مستباحة من جانب القائمين عليها وأنفقت فى معظمها على الهدايا والعطايا والرشاوى.
رغم كثرة التقارير الصحفية التى تناولت بالتعليق أنشطة هذه الصناديق فإن المعلومات المتاحة عنها لاتزال متضاربة ولا تتسم بالقدر الكافى من الشفافية. لذا نأمل من وزارة المالية أن تتخذ الخطوات التالية:
١- إصدار بيان رسمى يشتمل على حصر دقيق لكل الصناديق الخاصة الموجودة فى مصر، ومصادر تمويلها، وأوجه إنفاقها، وحجم الأرصدة المتراكمة فيها، مصحوباً بتقدير موقف يوضح ما إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة عامة تستوجب استمرارها.
٢- بحث إمكانية تحويل هذه الأرصدة إلى الخزانة العامة لاستخدامها فى تمويل الحد الأدنى للأجور. ٣- العمل على إصدار تشريعات تحول دون فرض أعباء مالية جديدة على المواطنين إلا بقانون، وأن تكون الخزانة العامة للدولة هى الجهة الوحيدة التى تصب فيها الإيرادات العامة بمختلف أنواعها.
لدى أغلب المصريين قناعة تامة بأن بلادهم ليست فقيرة إلى الدرجة التى يصورونها، لكنها بالقطع بلاد منهوبة ويسود فيها إحساس عميق بالظلم من جانب الأغلبية الساحقة، ولكى يتغير هذا الإحساس يتعين توفير حد أدنى من العدالة الاجتماعية، وهو ما لن يتحقق إلا بالعمل على سد كل ثغرات الفساد، والصناديق الخاصة واحدة منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى