هذه رؤية استاذنا الكبير هيكل, وقراءته للرياح العابرة التي تهب موجاتها على مصر وثورتها, في اللحظة الراهنة.. وفي قراءته للمشهد, اجابة قد تكون وافية, شافية, عن السؤال الحائر والقلق, حول ما يجري ويحدث في مصر بعد الثورة.. خاصة وان اللحظة الراهنة تقف شاهدا على هبوب رياح الخماسين على المشهد المصري, وهي لحظة شديدة الخطورة, شديدة التأثير في المستقبل, ومع الارتباك الحاصل في المشهد السياسي.. واذا كان ربيع الثورة المصرية لا يزال قائما, فان رياح الخماسين بعواصفها, ورمالها, وترابها, وعتمة الليل عند الظهر اثناءها, هي ظاهرة موعدها الربيع ايضا .. وهي ظاهرة واجهت ثورات كثيرة!!
وهبوب رياح الخماسين على ربيع الثورة المصرية, كان عاصفا من الداخل والخارج, ومن عناصر وقوى وجدت في حالة السيولة والفوضى, فرصة تمد اليها اصابعها, تحاول ان تأخذ, او تحاول ان تبث, او تحاول ان تطّوع, ومن القوى الكبرى التي وجدت في الربيع العربي الذي فاجأها, فرصة نادرة للاستغلال, وضخ ملايين الدولارات, وحتى من دول الجوار المباشر وغير المباشر, كان المتدخلون كثرا, وبملايين اخرى, بعضها تم دسه في جيوب ناقليه!! واذا كان التاريخ الانساني قد عرف من قبل تجارة في دم الناس, وفي بيع وتهريب السلاح, وفي تجارة الجسد, فقد عرف ايضا تجارة في عواطف وامال وطموحات الشعوب والامم.. والمعنى ان لصوص الثورات لهم دور, بضخ الاموال الطائرة القذرة, وهي اموال برائحة دم الشعوب!!
ومن خلال اطلالته على المشهد المصري, جاء التوصيف الدرامي من استاذنا الكبير هيكل, لاحوالنا القائمة, والظواهر التي تحكمت واستحكمت, وللحالة الثورية وتعقيداتها, واعراض الخلط الشديد الذي بدا اساسا في التفكير والتوصيف, قبل ان يظهر في الفعل والتصرف, وفي فترة الانتقال والتي تمثل لحظات في التاريخ حرجة جدا, ولذلك فان الاوضاع في مصر تبدو معوّقة, وداخلة في شبه مأزق يحتاج الى جسارة فكر وفعل!!
ورياح الخماسين التي تهب على مصر وثورتها, لم تكن بعيدة عن عناصر كثيرة وجدتها فرصة لتستولي على الشارع المصري, ومن جماعات ذات اهداف سياسية متباينة, وايضا ذات مقاصد ونوايا مختلفة, ومعظمها طاف على السطح بعد الثورة, وبلا جذور في العمق, وهرولت تتسابق باقصى سرعة لتلحق باجل محدد وقريب, ولم تتردد في استعمال كل الوسائل, لكي تسبق غيرها اليه, وهكذا دخل التخوين سلاحا, والتكفير سلاحا, والارهاب سلاحا, والتخويف سلاحا, بل ولسوء الحظ فان الدين دفع به الى الساحة ضمن الاسلحة, وفي ظروف عاصفة, لا احد يعرف مصادر رياحها, ولا سرعة حركتها, ولا طبيعة المسؤولين عنها!!
وفي هذه الاجواء وما حولها, كان الشعب المصري يشعر بان مطالبه لا تلقى العناية الكافية, وان الملايين التي خرجت وصنعت الثورة فعلا, ثم عادت الى حياتها الطبيعية, بدات ترى ان العمل السياسي الذي يجرى في العاصمة, هو سباق قوة مشغول بما هو فيه, وقد حدث هدر عقيم في العمل الوطني, عوّقت حركته واربكته, والنتيجة ان هذه الجماهير اصابها نوع من ضيق الصدر, ونفاد الصبر, وبان قلقها, وقد هبت رياح الخماسين على مناخ الثورة, وفي تلك الظروف التي تعاني منها مصر : فالشعب الذي صنع الثورة, يرى ان الثورة تحققت, وقد حان وقت توزيع ارباحها, والشعب معذور لان الحقائق بعيدة عنه, ثم ان احوال معظم طبقاته دون المستوى بكثير, كما ان صبره طال حتى تقطعت الحبال !! والشباب الذي فجر الزناد الثوري بجسارة واقتدار, وقع في تصور انه ـ وليس كتل الملايين ـ من صنع الثورة, ومن حقه الان ان تكون له كلمته العليا, وكان يمكن ان يكون شيء من هذا الى حد ما مفهوما, لولا ان هذا الشباب لم ينظم نفسه, وانما تفرق على اكثر من مئتي جماعة, كل منها تحسب نفسها الاقوى والاكثر فعلا في الميدان, كما ان الشباب لم يتوقف بشكل كاف للتعرف على الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في البلد, وانما اخذته النشوة الى حد اعتبار ما يريده قانونا واجب النفاذ, حتى على واقع الاحوال!!
وفي المقابل .. يقف المجلس العسكري الاعلى, وقد الت اليه امانة الشرعية, ومتصورا في بعض الاحيان انه سلطة الدولة, وهذا واقع في جزء منه, لكنها سلطة الانتقال, اي سلطة التمهيد لما هو قادم, وفي احيان اخرى يعلن انه لا يستطيع ان يتصرف خارج حدود معينة, لان مسؤولية القرارات الكبرى ليست عنده, وانما في انتظار سلطة مدنية تجيء فيما بعد, وما بين حيازة سلطة الدولة فعلا, وما بين انتظار سلطة مدنية قادمة, حدث كثير من التردد والتناقض والتخبط بين القرار والانتظار!!
والحاصل ان الاطراف الثلاثة: كتل الجماهير, وجموع الشباب, والمجلس الاعلى للقوات المسلحة, فوجئوا بالواقع المتردي الذي تكشف مع الثورة, وهكذا راح كثيرون يوظفون غير الممكن في طلب غير الموجود, وهو وضع بالغ الحرج.. كما ان احدا من الاطراف الثلاثة لم يكن مهيأ للتعامل مع هذا الواقع, لا بالتصورات, ولا بالسياسة, ولا بالتنفيذ.. وهكذا فان طبائع الاحوال في هذه الظروف صنعت شكوكا بين الاطراف, لم يتصد لها احد بحوار متكافىء عميق ومستنير, ومع الشكوك بدا نوع من الاحباط يزحف على الساحة السياسية المصرية!!
ويرى الاستاذ هيكل ان على الاطراف جميعا ان تتذكر, ان القوات المسلحة المصرية في هذه اللحظة, قوة وحيدة تقف حاجزا بين مصر وبين الفوضى الشاملة, وان الحفاظ على الكيان الوطني سابق في جدول الاولويات عما عداه .. وهذه حقيقة لا تقبل الجدل, ولا يمكن تجاوزها.
11/10/2011
فتحي خطاب : ارتباك في المشهد السياسي .. لماذا ?!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
موضوعات عشوائية
-
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى