قبيل فجر السبت 13 أكتوبر 1973، يشرع ضابط الاستطلاع المصرى، عماد شكرى، من مخبئه فى كهف مصطنع فوق إحدى قمم الطرف الغربى لجبل يعلق فى وسط سيناء خلف الممرات، يشرع فى متابعة وتدوين سيل من التلرز يحمل كل منها كتلة حجرية عملاقة مربعة الأضلاع تتجه من الشرق على الطريق الأوسط حتى تختفى فى الأفق ناحية الغرب فى اتجاه قناة السويس. لم يكن يعلم وهو يطلب من فرد اللاسلكى، صابر عبدالسميع، إرسال المعلومة إلى القاهرة أن هذه ستستخدم فيما نعرفه الآن باسم «ثغرة الدفرسوار».
فى هذه الأثناء كانت المركبة المدرعة التى تقل ألبرت ماندلر، قائد المنطقة الجنوبية، قد وصلت به إلى أحد مراكز المراقبة فى الخط الأمامى، وقد كانت فرقته تتمركز فى منطقة متقدمة بين فرقة شارون فى الطاسة وراءه ورؤوس المعابر للجيش الثالث المصرى أمامه. كان معه فى المركبة جنديان ومراسل الإذاعة الإسرائيلية، رافى أونجر.
يصل «عماد» فى تدوينه لسرب التلرز إلى الرقم 27 وهو يلتف بمنظاره يساراً قدر المستطاع كى يتبين منتهاها قدر ما أمكنه عندما يتشكل أمام ناظره شبح غائم لطائرتين هليكوبتر رابضتين أمام مقر القيادة العامة قرب قاعدة محطة رادار أم مرجم. يجهد فى تنظيف المنظار وضبط العدسة فيستطيع الآن أن يرى صورة أكثر وضوحاً لمن يبدو أنهم أربعة من كبار القادة يخرجون من مدخل القاعدة ثم يتجه كل اثنين منهم نحو طائرة مختلفة وسط اهتمام واضح من الضباط والجنود المحيطين بهم. ما لم يكن يعرفه «عماد» أن الطائرة الأولى حملت الجنرال ديفيد أليعازر والجنرال حاييم بارليف بينما حملت الثانية الجنرال شموئيل جونين والجنرال عيزرا وايزمان فى طريقهم إلى مركز القيادة الأمامى للقطاع الأوسط فى الطاسة كى يجتمعوا مع القادة الميدانيين لمناقشة خطة عبور القناة إلى الضفة الغربية، لكن فطنته وحسه العسكرى المرهف يدفعانه إلى أن يبعث برسالة شفرية فورية إلى القاهرة.
كانت مجموعة استطلاع مصرية أخرى قرب طريق الجدى تضع فى عينى منظارها هذا الجنرال طويل القامة ذا الشعر الأشقر والعينين الزرقاوين الذى نزل من مركبته المدرعة تاركاً الثلاثة الذين كانوا معه كى يعتلى برج المراقبة ويستعرض هو نفسه بمنظاره المواقع المتقدمة للجيش الثالث المصرى. ترسم الآن المجموعة المصرية إحداثيات الموقع الذى تقبع فيه المركبة المدرعة كى ترسلها إلى القيادة.
يهرول «ماندلر» بعد قليل عائداً إلى المركبة للرد على اتصال لاسلكى أقامه معه «جونين» من على متن الهليكوبتر العسكرية فى الجو. بينما تنصت مجموعة الاتصال المصرية يعبر «ماندلر» عن عدم استطاعته حضور اجتماع الطاسة نظراً لحساسية الموقف فى مواجهة الجيش الثالث ويطلب من «جونين» أن يعرج عليه بعد ذلك الاجتماع كى يقابله فى مكان حدده باسمه الشفرى على الخريطة وهو يقع على أحد المفارق الجانبية للطريق المؤدى إلى ممر الجدى.
يوافقه «جونين» ثم يسأله إن كان استطاع رصد أى تحركات للمصريين تشير إلى احتمال قيامهم بهجوم شامل وشيك، لكنه قبل أن يكمل السؤال يسمع صفيراً حاداً ينقطع الخط على إثره. ينظر «جونين» إلى «وايزمان» ثم ينكس رأسه وقد فهم ما حدث. فى تلك الأثناء يتابع أحد أفراد مجموعة الاستطلاع المصرية آثار القذيفة المحكمة التى أتت من إحدى بطاريات مدفعية الجيش الثالث كى تقتل الثلاثة ومعهم قائدهم. يجهش الضابط المصرى بالبكاء فى سجدة عفوية: «الله يرحمك يا عبدالمنعم يا رياض.. الله يرحمك يا عبدالمنعم يا رياض».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى