عودة لموضوع علاء ــ علاء عبدالفتاح ــ الذى حكم القضاء العسكرى يوم الأحد بتجديد حبسه احتياطيا ١٥ يوما جديدة على ذمة التحقيق فى أحداث ٩ أكتوبر بالرغم من الوضوح التام لنِيَّته المبَيَّتة للتواجد بالقاهرة وحضور مولد ابنه والتعامل مع الاتهامات الموجهة له حين يتم تقديمها عن طريق قضاء مدنى.
عودة لموضوع علاء ــ والحقيقة ده برضه من آثار هذه المرحلة السخيفة التى نمر بها: تظل ترميك بمشكلات تجبرك على الانشغال بها بدلا من أن تنشغل بمشروعك: مشروع البلد الأساسى، فتظل اللى تقوله تعيده واللى تعيده تزيده، بينما الأحداث تجرى من حولك والوقت يمُرّ. يعنى مثلا لو أخدنا حملة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، وأحصينا عدد الشباب الذى عمل ويعمل عليها، وحسبنا كمية التفكير والجهد والوقت اللى كل واحد منهم بذلها فى هذا العمل، وتصورنا لو كان هذا التفكير والجهد والوقت بُذِل فى مشروع من المشروعات التى تضعنا فعلا على طريق البدء فى تحقيق أهداف الثورة، تصوروا كان زماننا مشينا قد إيه فى الطريق؟ ده غير طبعا تبديد وقت وطاقة الشباب المحبوس ظلما، وطاقة ووقت وإمكانيات أهاليهم المهمومين الآن بالإجراءات والزيارات والنفقات ــ ولكن هذا ما يحدث: أهل السلطة يقذفوننا بالأفعال التى تضطرنا ــ لنَرُدّ عليها، أو نتفاداها، أو ندرأ شرها، تضطرنا لأن نترك طريقنا الأساسى، وننحرف إلى دروب من صنعهم.
معلهش. ما يستوجبه هذا منا هو مضاعفة الجهد، وأن نعمل معا ــ كما عملنا فى الميدان ــ ككيان عضوى حى، لكل جزء فيه دوره أو أدواره التى يرتضيها ويتبناها ويُحْسِنها، وهذا فى الواقع ما يُذَكِّرنا به علاء عندما يكتب فى مدونته بتاريخ ٧ نوفمبر:
«من أسوأ ما فى الحبسة دى العَطَلَة. الوقت جوه السجن بيمر ببطء شديد والإحساس المسيطر علىَّ الملل، بره بجرى وراء الوقت أدور على ساعة زيادة عشان أعرف أخلص اللى ورايا».
فما الشىء اللى «ورا» علاء واللى هو مشغول به ومُعَطَّل عنه فى محبسه؟ هل هى شئونه الخاصة؟ تَرَقِّيه المهنى كمصمم برامج معتبر مثلا؟ تجميعه للثروة مثلا؟ تلميع نفسه فى الإعلام مثلا استعدادا لاحتلال موقع أو اقتناص منصب؟ علاء شفاف وصريح (صفات فى الأغلب ساهمت فى تواجده وراء القضبان)، وهو يخبرنا فى جملته التالية:
«خايف إن مبادرات الثورة اللى كنت هشارك فيها تتأثر. لحسن الحظ الثورة مش واقفة على أى حد فأنا هعتمد على المتضامنين معايا يسدوا مطرحى».
هذه الجملة وحدها تدل على الكثير مما هو ثمين فى شخصية وموقف هذا الشاب المتهم بالتخريب وسرقة سلاح ميرى. أعرضها هنا، لا لأشكر فى شخصه، ولكن لأذكرنا بأن هذه الشخصية وهذه المواقف تحديدا هى شخصية وروح ثورة ٢٥ يناير التى تحلينا بها جميعا فى ثمانية عشر يوما ربانية وُهِبنا بها فى الميدان:
أولا: الغيرية. هو منشغل بالشأن العام وليس الخاص، بمشروع ــ ومبادرات ــ الثورة. وهذه سمة محورية فى موقف علاء عموما، فلو هو غَلِّب مصلحته الخاصة (كأن يحضر مولد ابنه، مثلا) ما كان ليرفض التعامل مع النيابة العسكرية، ذلك الرفض المقصود به صد تهديد هذا القضاء الاستثنائى عن غيره من المواطنين المدنيين.
ثانيا: التواضع. الكثير مما يَذْكُره علاء من محبسه مبادرات بدأها هو، أو هو ومنال، لكنه يعيها ــ حقيقة وبدون أى تكلف ــ على أنها مبادرات سوف «يشارك» فيها.
ثالثا: التوجه الجمعى، وهو الوعى بالنفس على أنها أساسا جزء من جمع أكبر منها، جزء من كيان عضوى حى، يتفاعل بعضه مع بعض، ويستعيض بأجزاء عن أجزاء عند الضرورة.
رابعا: الثقة فى فاعلية الغير وقدرتهم على العمل والابتكار.
خامسا: التمكين، فهذه الثقة فى قدرة الغير، ووضعهم فى موضع المسئولية، من شأنه أن يبعث وينمى عندهم الشعور بقدرتهم فعلا على العمل والإنجاز.
سادسا: الالتزام، فها هو محبوس، عزلوه عن ساحة العمل، لكنه قلق، قلق على العمل، لن يرضى أن يأخذ اجازة إجبارية قصيرة بل سيبحث عن كل ما يمكن أن يسهم به من موقعه ــ شأنه فى ذلك شأن أمه، الدكتورة ليلى سويف، التى تحرص على سير عملها، وعلى مصلحة طلابها، فتذهب إلى جامعتها وتقوم بواجباتها أثناء إضرابها عن الطعام.
سابعا: التفاؤل. فكل ما سبق، بل وفعل الكتابة نفسه، يدل على الإيمان العميق بجدوى الفعل ــ وهو لب الفاؤل.
أقول إن كل هذه السمات هى من سمات الثورة، وهى ما شن نظام حسنى مبارك الحرب عليها وحاول أن يبيدها فينا، فقام شبابنا ليحموا أرواحهم من هذه الإبادة، وقمنا معهم، ونبتت هذه السمات فى أرواحنا من جديد: الغيرية والتواضع والتوجه الجمعى والثقة فى الآخر والتمكن والتمكين والالتزام والتفاؤل ــ استشعرناها من جديد فى أنفسنا وفى الغير، فتحققت وتجلت بهية فى شعب مصر فى ميادين مصر وشوارعها. وظننا أنها ستستمر على هذا البهاء وهذا الوضوح فى مصر الثورة، وظننا ــ ببراءة ــ أنها ضمن ما تعهدت قواتنا المسلحة بحمايته حين أعلنت اعتناقها للثورة وحمايتها للشعب، فيا للهول ويا للهلع أصبحت هى ما يؤدى بك إلى النيابة العسكرية وإلى السجن الاحتياطى.
لكنها، وهنا المفارقة العبقرية: هى أيضا الطريق للخروج من السجن، ذلك السجن الكبير الذى تحررنا منه فى ٢٥ يناير، والذى تحاول تحالفات القوى القديمة المنهكة أن تسوقنا إليه مرة أخرى. وهذه هى أهمية المقالات والتدوينات التى ينتجها علاء عبدالفتاح فى سجنه، انه يذكرنا بالمشروعات الفعلية التى تشَكِّل الواقع الثورى الذى أراده الشعب وأسقط من أجله رأس ــ وليس بعد كل ــ النظام.
يوصى علاء: «بنخطط لإعادة إحياء مبادرة تعالوا نكتب دستورنا. محتاجين ناس تساعد فى إنهاء موقع المبادرة بسرعة ومحتاجين متطوعين يلفوا الشوارع والميادين والحوارى والقرى يجمعوا إجابات أهالينا على أسئلة بسيطة جدا عن مصر اللى بيحلموا بيها. ومحتاجين التنظيمات الشعبية زى النقابات المستقلة والمحررة واللجان الشعبية والحركات الثورية الشابة تشارك فى المبادرة دى. إصدار وثيقة شعبية ترسم ملامح مصر الثورة فى رأيى أفضل حل للمأزق اللى القوى السياسية والنخب والعسكر والفلول عمالين يدخلونا فيها فى موضوع الدستور. هل من متطوعين؟ لو مهتمين اتصلوا بـ«مها مأمون» من مركز هشام مبارك للقانون للتنسيق.
لو كنت بره كنت هدعم تحالف «الثورة مستمرة» فى الانتخابات. التحالف ده نازل بالقوائم والمرشحين الأقرب للتعبير عن الثورة. ومش نازل يدور على سلطة نازل يستكمل النضال من خلال الدعاية الانتخابية وبرنامجه ضد حكم العسكر ومع العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. «الثورة مستمرة» أفقر التحالفات من ناحية الفلوس وبالتالى معتمد تماما على المتطوعين والشباب الثورى والإعلام الاجتماعى فى حملته، محتاجينه يكسب أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان عشان يبقى فيه معارضة بحق داخل المجلس ويبقى فيه ناس نثق فيهم أنهم يراقبوا الحكومة وباقى القوى السياسية. محتاجينهم عشان يبقى فيه ناس تطرح مشاريع قوانين شعبية شارك فى صياغتها قوى شعبية ومناضلون، زى قوانين الحرية النقابية والتأمين الصحى والحد الأدنى والأقصى للأجور وزى مبادرة شرطة لشعب مصر «أهم وأشمل خطة لإصلاح الداخلية».
فيه مرشحين محترمين خارج التحالف ده كنت ناوى أدعمهم بغض النظر عن أحزابهم وتحالفاتهم زى جميلة إسماعيل مثلا.
دعم مرشحى الثورة ميكونش بس بالدعاية لهم، دعمهم يكون بالضغط عليهم عشان مينسوش قضايا الثورة وميسرحوش عن الانحياز للناس. اضغطوا عليهم عشان يبقى العدالة وحقوق الشهداء، وقف التعذيب والمحاكمات العسكرية، تسليم السلطة والتطهير فى قلب برامجهم وحملاتهم.
القناة الفضائية الشعبية، ده مشروع صعب، وسهل يتوه، وأسهل يقع فى فخ أن يهيمن عليه عواجيز وخبراء نواياهم حسنة، لازم كل الشباب اللى مهتم بالإعلام (جديد وقديم) يشارك ويفرض نفسه كمان، ولازم نبدع آليات لتنظيم العمل فى القناة تكون ديمقراطية يشارك فيها العاملين والجمهور قبل قاعدة الملاك الواسعة. عشان يبقى عندنا إعلام أهلى بجد بيوصل أغلب البيوت ويقدر يقاوم ثنائى السلطة ورأس المال.
مش محتاج أوصيكم نرجع الميادين يوم 18 نوفمبر. بعد وثيقة المبادئ فوق الدستورية بقى واضح أن المجلس العسكرى حتى لو سابنا ننتخب رئيس بعد عمر طويل مش ناوى يسيب السلطة أبدا.
دى الحاجات اللى أنا كنت ناوى أعملها فى الوقت ده، لكن فيه غيرها ألف طريقة وطريقة للمساهمة فى استمرار ونجاح الثورة. انضموا أو شكلوا لجانا شعبية لحماية الثورة فى أحيائكم وأماكن العمل والدراسة، انخرطوا فى حملة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين. شاركوا فى مبادرات الرقابة الشعبية على الانتخابات. ادعموا النقابات المستقلة والإضرابات العمالية. نظموا تويت ندوة فى مدنكم. افضحوا الفلول وعرفوا الناس بانتهاكات العسكر».
وها هو الانشغال بموضوع علاء يعيدنا للانشغال بوضوعنا الرئيسى: كيف نحافظ على المكتسبات الحقيقية للثورة، ونُفَعّلها وننميها؟ وها هو علاء، بكل أريحية، يضع أمامنا باقة من الأعمال والمبادرات يمكننا المساهمة فيها. فالمطلوب والجميل والشرف والكرامة أن نكون نحن الثورة، لا أن نتشدق بها ونجعل منها غطاء لأعمالنا ونوايانا المضادة لها.
ملحوظتان صغيرتان للسادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة:
١ــ ليس فى توصيات علاء تدمير الجيش أو الإساءة إليه، التوصيات تكرس فقط عودة الجيش لموقعه الطبيعى، بعيدا عن المدنيين، وحاميا للوطن من العدو الخارجى.
٢ــ أنا ممن يصفهم ابن اختى بـ «عواجيز نواياهم حسنة». زعلت؟ غضبت؟ قلت احبسوه؟ لأ. أنا فرحانة بيه، وبطاقته وإبداعه وثوريته وجَلَده وتفاؤله، وهاكون مطمئنة على بلدى لو هى فى إيديه وإيدين زمايله، الشباب، الذين يحدثهم حين يقول:
«أحسن طريقة للتضامن مع مسجون سياسى هو انكم تثبتوا أنه مش مهم أصلا وفيه ملايين أحسن وأقيم منه».
ياللا يا شباب: ورُّونا العمل، ورُّونا الأمل. ولو عاوزين عواجيز معاكم، إحنا جاهزين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى