لم يحظ يوم الجمعة علي مدي قرون عديدة بمثل هذا الاهتمام الكبير الذي ناله خلال عام 2011 .. فمن قبل كان يوم الجمعة هو يوم الراحة والتعبد والبٌعد عن أي ضغوط أو مشاحنات .. بل إن الاحتفال بجميع مناسباتنا كنا نفضل له يوم الجمعة أيضا لما يتسم به من هدوء واتساع لمساحة الوقت أكثر من أي يوم آخر من أيام الأسبوع
.
أما اليوم فقد صار ليوم الجمعة سِمة أخري جديدة ظهرت مؤخرا في دول الربيع العربي وهي سمة الاحتجاج
وقد بدأت يوم 28 من يناير عام 2011 ولقبت «بجمعة الغضب» .. ومن بعدها توالت التظاهرات والمليونيات التي اتخذت في مصر ميدان التحرير مركزاً لها .. ومن هناك توالت أيام الجمعة الواحدة تلو الأخري إلي أن لقب معظمها بأسماء ستظل خالدة ولابد أن تذكر .. كلما ذكرت ثورة «25» يناير .. ثورة خيرة شباب مصر التي هزت عرش مبارك .. وكانت أول هذه السلسلة المتتالية قد بدأت بجمعة «28 من يناير» :
وهي رابع أيام الثورة المصرية التي ثارت علي حكم الرئيس السابق مبارك .. وقد شارك في الثورة خلال الأيام الثلاثة الأولي نخبة من المثقفين وطلبة الجامعات وشباب الإنترنت وأيضا الحركات المعارضة مثل حركة 6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير ونقابة الصحفيين، إضافة إلي جموع المصلين في الجوامع الكبري بعد انتهاء صلاة الجمعة.
وفي ذلك اليوم أصدرت وزارة الاتصالات أمراً بوقف خدمة الإنترنت والرسائل القصيرة والاتصال عبر الهواتف المحمولة في جميع أنحاء الجمهورية .. وبعد الصلاة بدأت تظاهرات شعبية واسعة خرج فيها الملايين، وكذلك في أغلب المدن المصرية، وعمت فوضي كبيرة وحرقت أقسام الشرطة وتم تهريب أعداد كبيرة من المساجين، إضافة إلي إحراق المنشآت الحكومية المهمة.. وفي نهاية اليوم نزلت مدرعات الجيش المصري إلي شوارع المدن لمساندة قوات الشرطة التي اختفت من الساحة تماما بصورة مفاجأة، وبالرغم من تحقيق الثورة للنصر الذي لم يكن يتوقعه أحد حتي منظمو الثورة أنفسهم من الشباب، وذلك بتخلي مبارك عن عرشه الذي ظل متمسكا به لمدة ثلاثين عاما .. فإنها قد دفعت دماء أبنائها الذين ضحوا بأرواحهم برضا وكرامة ثمناً لهذا النصر.
- جمعة الرحيل 11من فبراير 2011
وفي هذا اليوم بلغت الثورة ذروتها .. فقد فاض الكيل بالشعب خصوصا بعد استثارة غضبهم بصورة لا يمكن تهدئتها سوي بتحقيق مطلبهم الذى كانوا يزدادون إصراراً علي تحقيقه كل ساعة وهو تنحي مبارك عن الحكم.. وكانت الثورة في هذا اليوم قد قررت التحرك إلي قصر الرئاسة لإجبار مبارك علي تحقيق مطلبهم مثلما كان قد حدث من قبل مع زين العابدين بن في تونس.. وبالفعل حانت اللحظة الحاسمة بعد طول انتظار.. وقام اللواء عمر سليمان بإلقاء خطاب التنحي في مساء اليوم نفسه.
- جمعة الانتصار والاستمرار في 18 من فبراير
وهي في الواقع كانت جمعة الاحتفال بالنصر، وقد قام شباب الثورة يومها بتـأبين شهدائها والاحتفال بسقوط مبارك ورموز الفساد، بالإضافة إلي المطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط من وجوه يتوافق الشعب المصري علي نزاهتها وإلغاء قانون الطوارئ والمسارعة في التحقيق مع المسئولين السابقين الذين تسببوا في قتل الثوار، وكذلك التضامن مع مطالب المهنيين والعمال.
وفي اليوم ذاته أيضا أعلن النشطاء علي الفيس بوك عن عمل وقفة صامتة كرد الجميل لمبارك عند مسجد مصطفي محمود .. واجتمع يومها المؤيدون للنظام السابق للاعتراف بإنجازات مبارك خلال «30» سنة مؤكدين أنه كانت هناك العديد من السلبيات، وكان لابد من التغيير، لكن بصورة أفضل.
ثم توالت بعد ذلك الكثير من أيام الجمعة المليئة بالمليونيات التي كان من أشهرها أيضا :
- جمعة تصحيح المسار يوم 7 من سبتمبر 2011
وقد احتشد خلالها آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير للمطالبة بخارطة طريق واضحة، ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، وقد شارك في هذه الجمعة أكثر من «30» جماعة وحزباً سياسياً، وقد أكدوا ضرورة وضع جدول زمني لتسليم السلطة، وقد انتقدت أيضا الأحزاب السياسية المدنية والحركات الشبابية قانون الانتخابات الجديد الذي صدر في 20 من يوليو الماضي.. مؤكدين أنه كان ينبغي أن يعتمد نظام الانتخابات علي القائمة النسبية بدلاً من النظام المختلط بين القائمة النسبية والفردي.
ومن أيام الجمعة المميزة أيضا خلال هذا العام
- جمعة استرداد الثورة في 30 من سبتمبر
وقد توافد إلي الميدان في ذلك اليوم آلاف المطالبين باسترداد الثورة، حيث حددوا مطالبهم في وضع جدول زمني لتسليم السلطة إلي قيادة مدنية منتخبة، وإنهاء حالة الطوارئ وتحقيق المطالب المشروعة للعاملين بالدولة، كما أكد المتظاهرون ضرورة تفعيل قانون الغدر واستبعاد أعضاء الحزب الوطني المنحل عن الحياة السياسية.
- جمعة 18 نوفمبر
تعد من أبرز المليونيات التي تأرجح اسمها ما بين جمعية تسليم السلطة والمطلب الواحد وجمعة قندهار .. فقد تلون الميدان بصبغة سلفية سواء كانت جهادية أم دعوية.
إذ رفع العديد منهم صور أسامة بن لادن ـ زعيم تنظيم القاعدة الذي اغتالته القوات الأمريكية منذ ستة أشهر، في حين قاطعت أغلب القوي المدنية هذه المليونية .. ومنها ائتلاف شباب الثورة والجمعية الوطنية للتغيير وحزبا الوفد والتجمع، كما شهد الميدان وجود «7» منصات إسلامية تنتمي كل منها إلي حزب أو تيار مختلف.
وهكذا فقد شهدت الساحة السياسية حالة من الانقسام انعكست آثارها علي هذه المليونية التي تعددت مسمياتها بين عدد من الأطياف السياسية والتيارات الدينية المختلفة.
ففي البداية أطلقوا عليها جمعة «المطلب الوحيد».. ثم جاءت اقتراحات بتسميتها «جمعة تسليم السلطة» للمناداة بتسليم المجلس العسكري للسلطة في أقرب وقت إلي حكومة منتخبة، وكذلك كان هناك اقتراح بتسميتها «جمعة الديمقراطية» إلي أن حسم الموقف الصورة التي ظهرت بها المليونية بالفعل مصطبغة بالطابع الديني وملأت الساحة يومها الأناشيد والمدائح الدينية .. فسميت «جمعة قندهار».
وأخيرا كانت هناك جمعة «رد الشرف» في 23 من ديسمبر حيث شهد ميدان التحرير مليونية كبيرة شارك فيها عشرات الآلاف معترضين علي المشهد الدامي الذي كانت بطلته «غادة كمال» التي تعرضت للسحل من أفراد القوات المسلحة، وفي أثناء الاشتباكات التي وقعت أمام مجلس الوزراء، ولم يكف الثوار عن المسيرات التي طافت داخل الميدان للتنديد بمثل هذه الأحداث وتعالت الهتافات «بنات مصر خط أحمر».
وفي مبادرة جادة من شباب التحرير قام عدد منهم بإقامة ساتر بشري أمام شارع الشيخ ريحان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى