آخر المواضيع

آخر الأخبار

26‏/12‏/2011

ألغاز المشهد المصري.. والمواجهات الدامية!

28

السيد أبو داود
ما يحدث الآن في مصر لا يكاد يفهمه معظم المصريين، فضلاً عن المراقبين والمحللين الأجانب. فمشاهد العنف المتكررة، ابتداءً من "مسرح البالون" مرورًا بـ"ماسبيرو" و"محمد محمود" وانتهاءً بـ"القصر العيني".. كلها أحداث اختلطت فيها الأوراق، ومرت دون أن يتم تحديد الأطراف المتهمة فيها ومحاكمتها.
بعد أن نجحت ثورة 25 يناير في الإطاحة بنظام مبارك البائد، وقام المجلس الأعلى للقوات المسلحة باحتضان الثورة والضغط على رأس النظام لكي يتنحى، تنازل المخلوع عن منصبه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبالتالي فإن الشرعية التي استمدها المجلس العسكري الحاكم كانت من خلال تفويض السلطة له من المخلوع، ولم تكن من خلال تكليف الثورة له بحكم البلاد لفترة انتقالية. وهذه نقطة فاصلة، فالثورة لم يقدها أبناؤها وإنما قادها طرف ثالث ليس من أبنائها.


والمجلس الأعلى للقوات المسلحة يتكون من قادة أفرع الجيش، وجميعهم من رتبة لواء "جنرال" فصاعدًا، أي أنهم أكبر وأهم ضباط الجيش وأكثرهم خبرة، وكل منهم أمضى عشرات السنوات في التنقل بين رتب الجيش المختلفة. وهكذا، فإن هذا المجلس ينتمي لنظام الرئيس المخلوع، بل كان من أهم حماته. وحينما انهار النظام لم يكن هناك قطاع متماسك إلا الجيش.


ورغم أن موقف كاتب هذه السطور كان إيجابيًا على طول الخط، ومؤيدًا لموقف الجيش، على أمل أن يتلافى قادته أخطاءهم المتكررة منذ أن تسلموا السلطة، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل أن هذه الأخطاء كادت "بفعل تكرارها وكثرتها" أن تفشل ثورة 25 يناير. وعلى عكس البداية الجيدة من المجلس الأعلى في الاستماع لوجهات النظر المختلفة والتواصل مع الناس، فسرعان ما عاد القادة العسكريون إلى تطبيق نفس سياسات النظام البائد، سياسيًا وإعلاميًا.
نقطة فارقة


وإذا كانت المصلحة العليا في بداية المرحلة الانتقالية هي الاصطفاف خلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتجاوز عن هناته وعدم إثارة المشكلات في وجهه والحد من انتقاده، فإن هذه المصلحة العليا هي التي تحتم الآن الوقوف في وجه المجلس وإجباره على التخلي عن السلطة بأسرع وقت ممكن.
ولعل ما حدث مؤخرًا من ضباط وجنود الجيش في استخدام العنف الذي لم يعهده المصريون، حيث قتلوا وسحلوا الرجال وعروا وجروا النساء، كان نقطة فارقة في العلاقة الممتازة بين الشعب المصري وجيشه، وهو ما جعل كثيرًا من المثقفين يدعون إلى ضرورة إبعاد قادة الجيش عن الحكم فورًا، حتى لا تسوء العلاقة بين الطرفين أكثر من ذلك.
إزاء كل ما سبق، أصبح كثير من المثقفين المصريين يرددون أن المجلس العسكري الذي رافق المخلوع مبارك في الحكم لعقود طويلة كان يعمل لحماية مصالحه المباشرة، باعتباره ينتمي عضويًّا إلى الطبقة الحاكمة في العهد البائد، وربما كان من أبرز أركانها، وخرجت تحليلات تؤكد أن المجلس الأعلى يستحوذ على قاعدة استثمارية ضخمة من المنشآت الاقتصادية تمثل ما بين 25- 40 بالمئة من إجمالي الاستثمارات الاقتصادية في مصر، وشركاته التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة البرلمانية أو التنفيذية أو المجتمعية يديرها جنرالات المجلس ويحصلون منها على امتيازات ضخمة، كما أن هذه الاستثمارات تستخدم عمالة غير مدفوعة الأجر من المجندين من فقراء الشعب والذين يتم تشغيلهم بنظام السخرة في هذه الشركات، والمحرومين من حقوق التمثيل النقابي وممارسة حقوق الاحتجاج كالاضراب.


من المعلوم أن قواعد التعامل في بيئة عسكرية تختلف كليًا عن قواعد العمل في بيئة مدنية، ففي البيئة العسكرية هناك قاعدة "احترام الأقدمية"، حيث الكلمة الفصل هي للرتبة الأرفع والخدمة الأطول، ولا يجوز الاحتجاج أو توجيه النقد لمن هو أعلى رتبة، ويسود في العرف العسكري مقولة: "نفذ العقوبة ثم تظلم". أما بيئة العمل المدني فمختلفة تمامًا، خاصة في ظل الديمقراطيات وأجواء الحرية، وانتقاد الموظف العام، صغيرًا كان أو كبيرًا، بسبب وظيفته، أمر عادي، وحق التظاهر السلمي مكفول.. الخ.


العقلية العسكرية الحاكمة
ولعل التركيبة العسكرية، التي أفشلت ثوار يوليو 1952م، هي التي أدت بالمجلس الأعلى الآن إلى الفشل في تحقيق أهداف الثورة والتعامل مع الثوار والتحمس لمطالبهم، فهم ليسوا مقتنعين بجدوى الثورة وأهميتها، ولا يحملون فكرها، فأكبر خطأ ارتكبه المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو أنه ترك بنية وزارة الداخلية كما هي، ولم تمتد يد الإصلاح إلى هذه الوزارة إلا بصورة شكلية لم تؤثر في بنيتها ولا في طريقة تفكيرها، ولم يتم تجنيد مدنيين من كليات الحقوق والشريعة لتعويض العجز نتيجة استقالة كثير من الضباط، ولم يتم إبعاد إلا بعض مئات من اللواءات الذين كانوا قد اقتربوا من الإحالة للتقاعد، فالمواطنون يشعرون بأن التغيير ضئيل وأن سياسات "العادلي" مازالت مطبقة، وما قناص العيون عنا ببعيد، فهو ضابط شرطة تخصص في فقأ عيون المتظاهرين، ليس في عهد العادلي بل منذ شهر واحد فقط، أي بعد أكثر من عشرة أشهر على ثورة يناير، التي كان من أسبابها استهانة ضباط وزارة الداخلية بالمواطن المصري وإذلاله.


فالقيادة العسكرية عوضت افتقارها للفطنة السياسية وافتقارها لفهم التركيبة السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع المصري بـ"الوحشية" في التعامل، فلم يحدث من قبل أن تم تعرية النساء وسحلهن، والفترة الانتقالية كشفت عن مشكلة رئيسية تتعلق بالعقلية العسكرية الحاكمة، فهم يأتون بأفكار بمساعدة جهاز الأمن الوطني أكثر وحشية لقياس مدى رد فعل الناس.
ولم يكن المجلس الأعلى حاسمًا وسريعًا في اتخاذ أي إجراء، ففي أحداث العنف التي أشرنا إليها في صدر هذا المقال، تاهت الحقائق، فلم يحدث تحقيق جدي وسريع، ولم تحدث محاسبات ناجزة يعرف الرأي العام نتائجها. وكان القادة العسكريون يتحدثون دائمًا عن طرف ثالث خفي، لكنهم لا يحددون هويته، وتحدثوا عن أموال كثيرة دخلت البلاد لدعم أشخاص معينين وجهات محددة، لكنهم لم يذكروا التفاصيل، والمصريون يضربون أخماسًا في أسداس، يقولون: هل هم خائفون من ذكر "إسرائيل" أو "أمريكا" أو أي طرف آخر؟ فإذا كانوا خائفين فتلك مصيبة، وإذا كانوا يعرفون من يتحرك ولا يعلنون عنه فتلك كارثة، وإذا كانوا لا يعلمون شيئًا ويقولون هذا الكلام لتخفيف الضغوط عليهم فالمصيبة أكبر.

مواجهة العفاريت
بعد أحداث القصر العيني الأخيرة ملأ خبر- مسند إلى مصدر مسؤول رفيع المستوى دون أن يحدده- الصحف المصرية، وهو نفس أسلوب مواجهة "العفاريت" الذين يخربون مصر بـ"عفاريت" أخرى وأشباح غير محددة. يتحدث المسؤول الشبح عن رصد جهات أمنية سيادية لتحركات واتصالات لعناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية لتنفيذ سيناريو مخطط يوم 25 يناير المقبل، من خلال قيام ثورة أخرى جديدة هدفها فقط الدخول في اشتباكات دامية مع عناصر القوات المسلحة، بعد استفزازهم في أماكن حيوية وسقوط قتلى، بالإضافة إلى التجهيز لإشعال الحرائق وإثارة الفوضى في الشارع.

ويتحدث المصدر أيضًا عن مخطط يقوم على استدراج الشباب الطاهر والخاسرين في الانتخابات البرلمانية، بهدف إفشال كل العمليات الديمقراطية وإسقاط الجيش ومن ثم إسقاط الدولة. ويضيف المسؤول الخفي أن الجهات الأمنية السيادية تمكنت خلال أيام من رصد هذه الاتصالات والتحركات، وتأكد أن الهدف منها تحويل البلاد إلى فوضى عارمة وحرب أهلية بين الشعب والقوات المسلحة، تمهيداً لصدور قرارات بتدخل قوات أجنبية للفصل بين الشعب والقوات المسلحة.
ونحن لا نستبعد أبدًا وجود مخطط خارجي لإفشال الثورة المصرية، بل هو الاحتمال الأقرب، ومواجهة هذا المخطط الخبيث تكون بالتصدي الذكي له، وإطلاع الناس على الحقائق، أما أساليب جهاز أمن الدولة البائد التي هي شديدة الوضوح في الخبر السابق، فأمر يرفضه المصريون بعد 25 يناير، وهو دليل آخر على أن عقلية نظام مبارك المخلوع لا تزال تحكمنا، وأن الثورة لم تحقق أهدافها حتى الآن.


والأسئلة التي يرددها المصريون الآن هي من أمثلة: هل فعلاً يؤمن القادة العسكريون بثورة يناير وأهدافها، أم أنهم جزء من نظام المخلوع ويرفضون أي تغيير فيه؟ هل يخاف هؤلاء القادة من محاكمتهم؟ لماذا يرفضون الخروج الآمن من السلطة؟ هل فعلاً ينوون التخلي عن الحكم وتسليمه لسلطة مدنية منتخبة؟ لماذا لوح المشير بالاستفتاء على بقاء المجلس العسكري في الحكم؟ لماذا رفض القادة العسكريون تحديد موعد انتخابات الرئاسة إلا بعد ضغط شديد وأعمال عنف وسقوط أكثر من أربعين قتيلاً؟ لماذا استطاع الجيش تأمين الانتخابات في حين فشل في إعادة الأمن للشارع المصري ومواجهة الانفلات؟ لماذا وضع الجيش جنود وضباط المظلات فوق مجلس الشعب ليقذفوا المتظاهرين بالحجارة؟ لماذا..؟


أما بالنسبة للقوى السياسية الموجودة على الساحة المصرية، فيجب الإشارة إلى أن خلوّ ميدان التحرير من الإسلاميين كان خطأً كبيرًا، فوجودهم وسط الثوار كان سيمنع بشكل كبير وجود البلطجية والمشبوهين بين الثوار، فلدى الإسلاميين قدرات تنظيمية يعترف الجميع بها، في تأمين الاعتصامات، ووجودهم كان ضمانة لئلا يتحول المشهد الثوري النظيف إلى مشهد العنف والحرق والتدمير. كما أن وجودهم بين الثوار الحقيقيين كان سيحول دون الهجوم الذي تعرضوا له من العلمانيين ووصفهم بأنهم أنانيون وانتهازيون فضلوا الانتخابات وغنائمها على أمن البلاد وسلامتها، وعلى حماية الثورة حتى تحقق أهدافها، خاصة وأنهم كانوا الطرف الأكثر اضطهادًا، وأنهم لم يكونوا يحلمون بالوصول إلى الحكم إلا بفضل الثورة.


وبذكر البلطجية، فإن ملفهم كله ألغاز، فعن طريق هذا الملف سيعرف المصريون من هم الذين أحرقوا المجمع العلمي؟ ومن هم الذين يريدون نشر الفوضى بمصر وتقويض ثورة 25 يناير؟ وما هي الجهات التي تمولهم؟ وكل هذه أسئلة لم يستطع المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإجابة عليها أمام الرأي العام المصري. كما لا بد من الإجابة على السؤال الخاص بوجود الصبية والأطفال بهذا الشكل الكثيف يقذفون الطوب وزجاجات المولوتوف.
ثم يأتي دور العلمانيين بشقيهم اليساري والليبرالي، لنجدهم قد استغلوا الفضائيات التي يسيطرون عليها لكي يخوّفوا الشعب المصري من الإسلاميين، خاصة بعد ظهور نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، وكان الجنون الإعلامي العلماني ووصف الإسلاميين بأنهم متحالفون مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأنهم قادمون من أجل العودة بمصر إلى التخلف والجهل ومحاربة الفن والآثار ومنع النساء من كل شيء، وأنه بسببهم سيتم حصار مصر وعزلها، كان ذلك سببًا في الأحداث، فالعلمانيون أرادوا الوصول إلى هذه الأحداث حتى تلغى الانتخابات على غرار ما حدث في الجزائر عام 1990م.

العرب اون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى