يرى البعض خاصة من المثقين الثوريين في مصر أن المجلس العسكري الحاكم إنما يريد بكل ثمن الحفاظ على امتيازاته الاقتصادية والسياسية وأنه يعتبر الثورة "حفلا كبيرا مزعجا لا بد من إخماده". فهل ينذر ذلك بقطيعة بين الشعب والجيش.
"الشعب والجيش يد واحدة"، هكذا هتف المتظاهرون في 12 من فبراير / شباط الماضي عندما أعلن عن تنحي حسني مبارك وتسلم المجلس العسكري للسلطة. قبلها تظاهر الملايين من المصريين لمدة 18 يوما مطالبين برحيل مبارك، وخلال تلك الفترة لم يتدخل الجيش لقمع المتظاهرين الأمر الذي زاد شعبيته. ولكن سرعان ما تغير الأمر، عندما ردت الشرطة العسكرية في 9 من مارس / آذار على المتظاهرين في ميدان التحرير بالعنف. حينها أيضا خضعت متظاهرات لفحص لعذريتهن من قبل جنود. وفي أبريل/ نيسان تجددت الاشتباكات مع الجيش مسفرة هذه المرة عن قتلى. فهل تنذر علاقة الشعب بالمؤسسة العسكرية إلى أن تتحول إلى قطيعة.
"شعور بالإحباط إزاء تصرفات المجلس العسكري"
الكاتب والناشط المصري محمد هاشم يشعر بالإحباط إزاء حكم المجلس العسكري في مصر
تحول مكتب محمد هاشم، وهو ناشط وصاحب دار نشر، الواقع بالقرب من ميدان التحرير إلى ملتقى للمثقفين المصريين. في إحدى الغرف الأربع توجد مرتبات وأغطية يستعملها المتظاهرون في ميدان التحرير ليلا. وفي غرفة أخرى توجد أدوية وأدوات للتطبيب لتقديم المساعدة الأولية. كلها تبرعات، على ما يقول هاشم، الذي يضيف: "لا أحد يعلم متى ستطلق أجهزة الشرطة والعسكر النار على المتظاهرين." وحول مكتب هاشم يجلس ثوريون ومثقفون من كتاب وشعراء وممثلين وغيرهم ويتناقشون حول مستقبل الثورة. ويبدو عليهم كلهم شعور بالإحباط من حكم المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية في البلاد. ويقول هاشم: "للأسف فقد أفقد المجلس العسكري الجنود روحهم القتالية والدفاعية، خاصة وأن مهمتهم الحقيقية تكمن في الدفاع عن البلاد. وبدلا من ذلك فإن العسكر يتعامل بكل شدة مع المواطنين، وهذا أمر محزن فعلا". ويضيف قائلا: "المجلس العسكري لا يمكنه تمثيل الشعب ولا الجيش المصري".
ويبدو على عيني محمد الحزن والتعب عندما يتحدث عما يحدث في بلاده. ويعتبر محمد هاشم،الذي حصل مؤخرا على جائزة قيمة في ألمانيا، من الكتاب المصريين المعارضين والناقدين الذين نشروا خلال فترة الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وقد علق آمالا كبيرة على التغيير في بلاده عقب اندلاع الثورة المصرية. و"خيانة " المجلس العسكري تثير غضبه الشديد. ويقول: "إنهم مساعدو النظام القديم ويواصلون نفس سياسة الفساد المتبعة في السابق، بل إن الأمر قد زاد سوءا". ويضيف: "تصور أن هناك أكثر من 16 ألف ناشط تعرض للاعتقال ولا يزال يقبع داخل السجون العسكرية."
"المجلس العسكري يواصل سياسة الفساد في عهد مبارك"
ومن بين هؤلاء طالب علوم الكمبيوتر لؤي نجاتي (21 عاما)، الذي اعتقل عقب الاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكم العسكري في 19 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث قتل 41 شخصا على يد قوات من الشرطة والجيش. وقد قضى لؤي نجاتي 8 أيام في المعتقل، حيث تعرض لمعاملة وصفها بـ"المهينة". ويقول نجاتي إنه قد فقد الثقة في المجلس العسكري. "كانت الحرية والعدالة الاجتماعية من بين مطالب الثورة. ولكني لم أر شيئا منها حتى اليوم". ويشدد على أن الوضع لا يزال عما كان عليه قبل الثورة على جميع الأصعدة: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ويقول محمد هاشم إن "المجلس العسكري يستفز الناس ويحاول نشر البلبة في صفوفهم حتى لا ينعموا بالثورة". ويضيف "يريد أن تنزلق البلاد في فوضى عارمة حتى يصاب الناس بالخوف ويلزموا بيوتهم، فقط على هذا النحو يمكن للمجلس العسكري الحفاظ على سلطته." ومن خلال سيطرته السياسية يمكن للمجلس العسكري الحفاظ على مصالحه الاقتصادية، حيث يُقال إن العسكر يسيطر على 40 بالمائة من الاقتصاد المصري، ولا أحد يستطيع تحديد قوته الاقتصادية نظرا لانعدام أرقام محددة. وتعتبر ميزانية الجيش المصري الضخمة سرية ولا تخضع للنقاش داخل البرلمان. والمؤسسة العسكرية تسعى بكل الطرق إلى أن يبقى الأمر على ما هو عليه حاليا والحفاظ على امتيازاتها وتأثيرها في المستقبل أيضا.
"انسحبوا لا تدمروا ثورتنا" – هكذا ردد المتظاهرون خلال الأسابيع الماضية تزامنا مع الانتخابات البرلمانية التي حصدت فيها القوى الإسلامية أغلبية الأصوات. في غضون ذلك يتزايد الغضب ضد المجلس العسكري التي ازدادت الأصوات المطالبة بتنحيه. لكن يبدو أن الجنرالات لم يتعلموا الدرس، على ما يقول لؤي نجاتي. "يبدو أن المجلس العسكري يرى في الثورة حفلا كبيرا يزعجه. ولذلك يحاول إنهاء هذا الحفل من خلال قمع المتظاهرين والقضاء على المتظاهرين. ولكن هذا وهم لأن الثورة انطلقت من الشعب وليس لها أي زعيم يمكن القضاء عليه".
خالد الكوطيط / شمس العياري
مراجعة: أحمد حسو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى