(1)
هناك حكمة عالمية شهيرة خاصة بالتبول تقول «لا تطرطش عكس الريح وإلا طرطشت الريح عليك»، كنت أتمنى أن يكون الجندى المصرى الذى خلع ملابسه فوق مبنى مجلس الوزراء وطرطش على المتظاهرين على علم بهذه الحكمة ليقى نفسه ورؤساءه شر الطرطشة العكسية، لو كان هذا الجندى يجيد القراءة والكتابة ونظر إلى أسفل مسافة ثلاثة أمتار للاحظ اللافتة التى قال لى صديقى الواقف إلى جوارى هناك إن وجودها فى هذا المشهد يدعو للسخرية.. كان الجندى يطرطش وأسفل منه بالبنط العريض على جدران المجلس لافتة تقول «الديمقراطية هى توكيد سيادة الشعب».. كان هذا الجندى يؤكدها على طريقته.
اتجاه الريح هو على الدوام اتجاه الشعب ولا تقل لى إنهم أقلية لا يعبرون عن بقية الشعب.. أعرف هذا، لكننى أؤمن أيضا أن الصواب «عمره ما كان بالكترة»، وأن الأغلبية لا تعنى بالضرورة أن كل سكانها على حق.. عندك مثلا قوم لوط كانوا أغلبية.. وكل الرسالات السماوية بدأت بشخص واحد فقط.
(2)
يقول سيدنا على بن أبى طالب إن العامة متى اجتمعوا أضروا «لأنهم قد يصدرون شوشرة على الأحلام وقد يضعفون جرأة الحق» ومتى تفرقوا نفعوا «لأنهم بتفرقهم يعود كل واحد إلى مهنته التى يفيد بها المجتمع»، لا أقصد إساءة إلى أحد لكن الكثيرين لهم ما يرونه على السطح فقط من عنف أو حرائق أو اقتصاد ينهار، يدعم رؤيتهم هذه إعلام رسمى يؤكد لهم صحة ما يرونه.
فى عز الضرب أسفل مبنى مجلس الوزراء تسللت بيننا سيدة ريفية بسيطة خمنت أنها ربما زوجة أحد حراس عقارات المنطقة، نظرنا جميعا إليها وتفاءلنا بوجودها بيننا، قال لها أحد الشباب «إدعى لنا يا حاجة»، فقالت له «عايزنى أدعيلكم يا معرضين.. يا شعب معرض.. بتحرقوا الدولة يا كلاب بالفلوس اللى بيقبضوهالكم على النت؟»، أصيب الجميع بصدمة من وابل الشتائم والاتهامات العكاشية التى انهالت على شباب معظمهم قد ربط رأسه بشاش أو علق ذراعه فى عنقه برباط ضاغط، تحمس أحدهم فقال لها «ماشى يا ستى كتر خيرك»، وعندما احتد أحدهم التف الجميع حوله وأسكتوه بالعافية وطلبوا من السيدة إن «خلاص ماتزعليش نفسك»، فقالت «مش عايزنى أزعل؟ ليه؟ هتراضينى بباكوين من فلوس النت؟ هه»، فأخرج لها الشاب جيوبه ودلدلها فارغة من بنطلونه وأمسك بيده ورقة بعشرة جنيهات قائلا «والله ما معايا غيرها وخايف أفكها من الصبح».
كنت مهتما بالفعل بالمساعدة فى إخراج السيدة من مرمى الحجارة وبعيدا عن حدود المذبحة الحجرية، لم أندهش عندما وجدت الأغلبية تناقش الأمر من وجهة نظر السيدة البسيطة بالضبط.
(3)
الناس التى تقف خارج حدود المعركة ضربها مؤلم أكثر من هؤلاء الذين يقفون فوق سطوح المجلس.. الواقفون خارج الميدان يقتلون دون نقطة دم واحدة، يرون النار المشتعلة فى المبنى ولا يرون التواطؤ فى تغافل المسؤولين عن الاستعانة بسيارات المطافئ التى تبعد 100 متر عن موقع الحدث.. يرون أن نارا اشتعلت من فرط الغضب هى العمالة ولا يرون فى إصرار الكبار على تركها مشتعلة هى الخيانة بعينها.. المبنى اللى حضرتك خايف عليه الدولة على استعداد تام على التفريط فيه مجانا لتشويه وجه الثورة.
حضرتك وبسبب زن الإعلام ترى الملايين التى خسرتها البورصة فى أسبوع بسبب الاعتصام، ولم تسمع أن البورصة خسرت منذ أسبوع 2 مليار جنيه فى يوم واحد بسبب التسرع فى جنى الأرباح، على حد تعبير تقرير البورصة.. لم تسمع الخبر لأن الإعلام يهتم بأخبار البورصة عندما يمكن الربط بين خسائرها وبين الثورة وتتجاهل الحديث عنها وعن الجشع الغبى لروادها.
حضرتك تستمع من الجنزورى لتبسيط مخل لما حدث منذ يومين، تستمع إلى خطاب قديم تفوح منه رائحة العطن، وتفسيرات ساذجة على طريقة الغسيل بتاع الجيران كان بينقط على غسيل الجيران اللى تحتهم، فتصدقه وتؤمن أن الأمر بسيط وأن المتظاهرين بلطجية ومأجورون ومراسيل مخطط التقسيم.
لا تلتفت غالبا لقائمة الشهداء والمصابين وصورهم ما بين شيخ وعالم دين كبير، مثل الشيخ عماد عفت وطالب طب برىء نزل ليساعد فى المستشفى الميدانى مثل علاء عبد الهادى، ولكنك تلتفت بلا شك لأمور من نوعية البنت التى توجد خارج منزلها فى هذا الوقت المتأخر لدعم الثورة والمعتصمين، حضرتك نسخة من زوجة رياض باشا البنطلونى التى قالت له اسمها مامى مش أمك.
حضرتك ترتاح لمن يكلمك بالهجايص فيلقى بالاتهامات جزافا، سواء كان قيادة عسكرية أو مذيعا نصف جاهل، ولا ترتاح لمن يتحدث بلهجة ثورية، لأنه يكسر كل ما تشكل بداخلك عبر السنوات الماضية عن أهمية الانصياع وتصديق من يحملون كارنيهات رسمية حكومية.
(4)
حضرتك تسأل لماذا يعتصم الشباب أمام مجلس الوزراء ولماذا يعترضون على الجنزورى؟.. إليك هذه القصة الصغيرة..
بدأت كتابة هذا المقال والجنزورى إلى جوارى فى الراديو يؤكد ويقسم أنه لا مجال لاستخدام العنف وأنه يعد بذلك على الأقل، لأنه إنسان قبل أن يكون مسؤولا وأسهب كثيرا فى تأكيد هذا الوعد، والآن أمامى على شاشة تليفزيون «سى بى سى» -بعد ربع ساعة من انتهاء الخطاب- جنود الجيش يطاردون الناس فى التحرير على الهواء مباشرة، وينهالون ضربا بالعصى على اثنين يفترشان الأرض ما بين فاقد للوعى وقتيل وعشرات يتساقطون على وجوههم أمام هذا الهجوم الكاسح. نحن أمام اختيار من أربعة..
الدكتور الجنزورى يكذب.. الدكتور الجنزورى مع نفسه.. الدكتور الجنزورى مالوش فيها.. الدكتور الجنزورى بيثبتنا.
الفرق أن حضرتك تجد صعوبة فى تصديق أى اختيار من السابقين رغم ما تراه بعينيك، بينما شباب الثورة قبل أن يشهدوا ذلك بكثير كانوا يؤمنون أن الجنزورى لن يخرج كثيرا عن تلك الاختيارات.
هل لدى حضرتك أسئلة أخرى؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى