قلم الدكتورة سهير صيام
هل حب الوطن كلمة جوفاء نرددها دون أن نعي مضمونها أم قصيدة شعر نتغني بها بأعذب الألحان في لقاءات السمر وفي أوقات الرخاء والسرور.. مخطئ وواهم من يعتقد ذلك ..فالحب أفعال وليست كلمات سهلة تصاغ هنا وهنك.. فالذي يحب وطنه حقا وبصدق هو كل مخلص ينتمي إلي هذا الوطن و لا يقبل أن يدنس ترابه او يضام أهله أو يذل أو يسفه شعبه سواء علي يد أعداءه أو علي يده هو أيا كان موقعه أومكانته فمن يحب وطنه لا يخون أمانه المسئوليه الملقاه علي عاتقه بل يؤديها علي أكمل وجه وأبهي صوره ولا يحولها إلي نفع خاص ومأرب شخصي يحقق من ورائه المجد والسلطة .. من يحب وطنه هو من يعمل بجد وإجتهاد دون أن ينتظر المقابل حتي ولو كان هذا المقابل هو الثناء فقط.. من يحب مصر لا توسوس له نفسه ليسرق أموالها وينهب ثروتها حتي ولو لم يكن عليه رقيب سوي ضميره اليقظ.. من يحب وطنه لا يحركه جاهه اوسلطان منصبه و تمتد يده لتبطش بغيره من المستضعفين أو ينكل بمعارضيه.. من يحب وطنه من يدرك أنه متسع له ولغيره من قاطنيه وان حقه هو جزء من حق الجميع فيه ... ..لاشك في أن فكرة المليونيات نبتة طيبة ظهرت مع ثورة مصر المباركة لاسيما بعد أن ظهرت ثمارها في انطلاق شرارة الحرية الأولي، وتحقيق ذلك الإنجاز الذي لم نتخيله يوما ما.. لكن شيئا فشيئا تغيرت قسمات النبتة الطاهرة الجميلة بعد أن تسللت إليها بعض ملامح الفساد، وبعد أن مستها العديد من الأدران فإذا كنا جميعا نؤمن بأن من ذهبوا للمليونيات كانت نواياهم صادقة فإننا لا ننكر أيضا أن هناك من ذهب بدافع التحريض أو الفتنة او التخريب أو أي نية أخري، وإلا فإن التساؤلات المنطقية للجميع.. لماذا نصر علي أن التعبير عن حب مصر لا يتم إلا بجمع أعداد مليونية ثم الذهاب للميدان ثم سيناريو الأحداث المدروسة بدقة، اشتباكات بسيطة فمعقدة ثم كر وفر فدماء فسقوط شهداء وقتلي وبلطجية أيضا، ثم هامش الأحداث علي الجانب الآخر: نقاش وجدل عقيم لا ينتهي حول أشياء منها: هل الداخلية قصرت أم لا؟ من الذي بدأ بإشعال الفتنة؟ من الذي بدأ بالاشتباكات؟ اين الشرطة؟ اين عربات الإسعاف؟أين وأين، ثم الحفل الكبير الذي يقيمه الإعلام طوعا أو كرها وسرعان ما تمتلئ الشاشات بنفس الوجوه المكررة والتعابير من الجميع الذين يدعون قراءة وتحليل المشهد ووصف أبعاد الموقف وتقديم رؤية شاملة: مصر رايحة لفين، أخشي ما أخشاه، لا بد للمجلس العسكري أن يفعل كذا لاشك في أن الحكومة لم تقم بأي دور لأنها حكومة هشة، لابد من تلبية المطالب، وضع السيناريو المحتمل للأحداث، تلك هي فوضي طبيعية لأي ثورة، وهكذا ولولا أن المقام لا يسمح لسردت الباقي .. فعندما تتحول مليونية الإصلاح والتغيير إلي مجرد جمع حشود فقط لا لشئ الا للاستعداد للتجاذب والاشتباكات فهي إذن مليونيات تدمير لا إصلاح وتغيير، مليونيات إفساد وإهلاك لا بناء وتقوية جدار الوطن الذي يئن الآن بل ينزف دماء غالية بلا رحمة ولا شفقة... فلماذا لم نسمع من كافة القوي السياسية، والأحزاب المختلفة المتصارعة جميعها علي السلطة أولا وتدافع عنها بكل ما اؤتيت من قوة، لماذا لم نسمع أو نخترع مليونيات اجتماعية مثلا تدعو للنهوض والعمل والاجتهاد مثل، مليونية العشوائيات، مليونيات الفقر، مليونية التعليم مليونية الدعم وتكون فاعلة وحقيقة وجادة ومنظمة تجمع فيها الحشود والنقود ووتحاور فيها عقول مصر المبتكرة الواعدة بكل ما لديها من فكر ونهضة ورؤية جادة لبلدها لعل وعسي تجد طريقا للنور للخروج من رحم الظلام الجاثم علي أنفاس بلدنا حتي الآن، فهذا ما تحتاجه مصر الآن بعد الكساد والركود في شتي المجالات الاقتصادية..لقد كنت مع الثورة منذ اليوم الأول قلباً وقالباً وكنت مع جيشنا ورجاله الشرفاء وهو حصننا المنيع الذي تصدي لحفظ الأمن في غياب الشرطة وبعد رجوعها وكنت ضد معاداة الشرطة والتعامل مع كل أفرادها علي إنهم خصوم لنا و كنت أحتسب عند الله شهداء ثورة الخامس والعشرين من يناير شهداء علي طريق الحرية والخلاص من النظام الفاسد.. شهداء درب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. لكن الآن وبعد الأحداث الأخيرة فإنني مع مصر فقط.. لم أعد مع الثورة ولا المجلس الأعلي للقوات المسلحة ولا الشرطة ولا أي من الأحزاب ولا مرشحي الرئاسة والبرلمان، لأن عندما يحدث ما حدث من قتل وإحداث إصابات وعاهات لزهور مصر اليانعة وعندما يحل الدمار والخراب والسرقة والنهب والبلطجة والتعدي علي المنشأت والممتلكات ولا حراك لأي من الأطراف سوي بعض كلمات لا جدوي منها.. تصبح كل هذه الأطراف مدانة، أياً كانت أسباب الثورة والرفض وأياً كانت وسائل فرض السيطرة وإقرار الأمن... عندما يوصف الرجال أنهم لم يعودوا كذلك من أناس لم نعلم عنهم أنهم أصلا كذلك ، ويكون هناك من يفرد لهم الصفحات ويؤيدهم في التعليق.. عندما يضطر رجال كانوا في قلب الميدان أن يقسموا أنهم كانوا كذلك ، لمجرد أن هناك البعض " ممن لانعرف أين كانوا وقتها " يكيلون اليهم تهم الخيانة والعمالة بغير حق لأنهم يريدون أن يطفؤوا نار الفتنة التي نعرف جيدلا أن هناك من يصر علي اشعالها.. عندما يصبح قلبي وذكرياتي مع التحرير ولكن عقلي يجبر ني أن لا أكون هناك حاليا.. عندما يؤيد عقلي الشعارات المرفوعة في العباسية أو روكسي ولا أستطيع نهائيا أن أكون هناك حتي لا يقترن اسمي بأشباه آدميين مثل عمرو مصطفي وتوفيق عكاشة.. عندما تصبح الصورة شديدة الضبابية بهذا الشكل.. عندها أعلم يقينا أن الفتنة مشتعل أوارها وأدعو من كل قلبي أن يطفئ الله نارها.. فالثورة للاسف الشديد لم تنجح لأن الثوار أخطأوا خطأ فادح عندما تركوا ميادين مصر بعد خلع مبارك متصورين أن المهمه قد انتهت وكان يجب البقاء حتي نتأكد أن الثورة تسير في طريقها الصحيح وأن مرحلة بناء مصر العادلة الديمقراطية تتم بنجاح وفق أسس ومسار صحيح وأهداف واضحة.. الثورة لم تنجح لأن المجلس العسكري الذي فوضه الشعب لإدارة المرحله الإنتقاليه فشل فشلا كبيراً في إدارة تلك المرحله إما لعدم خبرتهم السياسيه والتي جعلتهم غير مؤهلين للتعامل سياسياً مع كل القضايا والأحداث التي مرت بها البلاد خلال الأشهر الماضية أو لاستعانتهم بمستشارين مضللين غير متفهمين لمطالب الثورة والمرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد أو لرغبة بعض أعضاء المجلس العسكري البقاء في السلطة الأمر الذي يؤدي إلي حدوث تصادم بين رغبة الثوار في استكمال ثورتهم وتلك الرغبة فلي البقاء في الحكم.. الثورة لم تكتمل ولم تحقق أهدافها لتقسيم المجتمع بعد الثورة علي أساس ديني بين تيار إسلامي وتيار مسيحي منذ الاستفتاء علي الإعلان الدستوري في مارس الماضي وحتي الانتخابات البرلمانية الأمر الذي أدي إلي التناحر والتشتت والاختلاف.. الثورة لم تنجح في تحقيق أهدافها لأن الإعلام الرسمي للدولة أثبت أنه لا أمل في تغييره وتحريره وأن العاملين به سيظلون عبيداً لمن يحكم لا يكتبون ولا يعرضون إلا ما يراه من بيده حكم البلاد حتي ولو كان مجافي للحقائق.. أما الإعلام الخاص وخاصة برامج التوك شو في القنوات الفضائية فحدث ولا حرج عما تبثه من فتن بين فئات المجتمع وإثارة وقلب للحقائق والغريب أنه لا أحد يعرف من يمول هذه القنوات والصحف اليومية الجديدة.. الثورة لم تكتمل ولم تحقق مطالبها لأن رجال الأمن تخلوا عن واجبهم الوطني في حماية الوطن والمواطنين منذ الثامن والعشرين من يناير وحتي الآن معلنين إما أن يعودوا إلي جبروتهم وسطوتهم.. وإما ترك المواطنين للبلطجية وتجار المخدرات والسلاح يعبثون بأمن واستقرار الوطن وتهديد حياة المواطنين مما أدي إلي هروب الاستثمارات الأجنبيه وتراجع السياحه إلي أدني مستوياتها... الثور لم تنجح لأن الملايين من أبناء الوطن الذين عاشوا حياة بائسة يائسة في ظل نظام مبارك الظالم إما بمرتب هذيل لا يكفي لتوفير أدني متطلبات الحياة أو لإنضمام الملايين من الخريجين لطابور البطاله اللعين أرادوا أن تتحقق مطالبهم علي الفور بزيادة مرتباتهم أو لإيجاد فرصة عمل وانتشرت المظاهرات الفئوية في كل مكان وتعطل العمل والإنتاج.. الثورة لم تحقق أهدافها لأن من يٌطلق عليهم النخبة وقيادات الأحزاب استعجلوا الحصول علي نصيبهم في تورتة الوطن وأخذوا يبحثون عن مصالحهم الخاصة دون أن يدروا أنهم يطعنون الوطن بسكين بارد.. الثورة لم تنجح لأن الثوار تم خداعهم بعمل مئات الائتلافات وعشرات الأحزاب الجديدة التي أدت إلي تفريقهم وتمزيق وحدتهم وعدم وجود قيادة موحدة تتحدث بإسم الثورة ومطالبها.. يا دعاة المليونيات المتنوعة ياثوار مصر اعيدوا الينا ثورتنا المجيدة .. ارحمو مصر ارحموا جسدها الذي يئن ويبكي ارحموا بلدكم الطيب فليس الوقوف في الميدان والصراخ هو الطريقة المثلي والوحيدة للتعبير عن حب مصر... الآن مصر تبكي من جرح أصابها فمتي سنضمد الجرح ونبني ما دمرناه بأيدينا مادمنا لاننشغل إلا بجمع البشرورفع شعار مصر للجميع؟
الاسبوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى