هذه الجملة التى أطلقتها الفنانة الرائعة سهير البابلى فى مسرحيتها الشهيرة «ريا وسكينة» لتدخل فى لغتنا الدارجة لاحقا، كانت أول ما قفز إلى ذهنى بعد المتابعة الدقيقة للمقابلة التليفزيونية التى أجراها الدكتور على السلمى نائب رئيس الوزراء السابق، مع الزميل محمود مسلم قبل أيام. لم أهتم كثيرا بما قاله السلمى عن المادتين التاسعة والعاشرة اللتين أوردهما فى مشروع «المبادئ الدستورية» الذى طرحه قبل أسابيع قليلة من استقالته مع حكومة عصام شرف فى أعقاب مجزرة شارع محمد محمود منذ شهرين. فلم يكن يراودنى شك أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو صاحب هاتين المادتين اللتين كان هدفهما بوضوح الاستمرار فى الاحتفاظ بالوضع المميز غير الخاضع للمساءلة، الذى تتمتع به المؤسسة العسكرية منذ ثورة 1952. ومنذ ذلك الوقت، والحديث أصبح على المكشوف بشأن الوضع الخاص الذى ستواصل المؤسسة العسكرية التمتع به فى أى دستور مقبل.
ولكن ما أردت سماعه ومعرفته هو الوزن الحقيقى للوزارات المختلفة التى تشكلت منذ إجبار المخلوع مبارك على ترك منصبه قبل عام وتولى المشير حسين طنطاوى مسؤوليات رئاسة الجمهورية. ما كشف عنه السلمى ببساطة أن وزارة شرف لم يكن لها وزن أو قيمة، وكذلك الوزارة اللاحقة للجد العزيز كمال الجنزورى، رغم كل التطبيل والتزمير الذى صاحب تعيينه والحديث عن تسليمه صلاحيات واسعة تتضمن بعض اختصاصات رئيس الجمهورية. فقرار الدخول فى مواجهة دموية مع المتظاهرين فى شارع محمد محمود لم تكن وزارة شرف وتحديدا وزير داخليته على دراية به، وأكد السلمى ما كان يتداوله همسا من أن «الشرطة العسكرية» بقيادة اللواء حمدى بدين، هى التى كانت تتولى إدارة تلك المعركة التى نجم عنها مقتل أكثر من أربعين إنسانا بريئا بجانب الإصابات البالغة التى لحقت بكثيرين، وتحديدا فقء العيون بالرصاص الخرطوش، كما هى الحال مع رمز ثورة 25 يناير، الدكتور أحمد حرارة وضحايا آخرين. وبالتالى كان وزير الداخلية السابق منصور العيسوى أول من أصروا على الاستقالة لأنه كان عمليا كان كما الأطرش فى الزفة، ولذلك فإننا عندما نتحدث عن ضرورة محاسبة المسؤولين عن مجزرة محمد محمود، ولاحقا مواجهات مجلس الوزراء، فإن أى لجنة قضائية مستقلة يقترحها نواب مستقلون مثل عمرو حمزاوى وآخرين من الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشعب الجديد يجب أن تتضمن ليس فقط الجنود أو الضباط من أصحاب الرتب الصغيرة، كما هى الحال مع الضابط الشهير بـ«قناص العيون»، بل القادة الذين كانوا مسؤولين بشكل مباشر عن إدارة تلك المعركة فى مواجهة المتظاهرين.
نعم حدث تطور فى الطريقة التى يتعامل بها القضاء العسكرى مع التحقيقات التى يجريها فى الانتهاكات الفاضحة التى تنكشف للرأى العام كما هى الحال بالنسبة إلى قضية كشف العذرية ومجزرة ماسبيرو. وتم الإعلان للمرة الأولى عن محاكمات تجرى للطبيب المجند الذى قيل إنه كان المسؤول الوحيد عن ذلك الانتهاك الجسيم لحرمة جسد عدد من الفتيات المصريات، وكذلك مجندين ممن قيل إنهم المسؤولون عن دهس الشهداء الأبرياء أمام مقر التليفزيون الرسمى فى ماسبيرو. ولكن الكل يعلم جيدا أن الأمر كان يتجاوز هؤلاء الجنود أو المجندين، وأن المسألة تتعلق بأوامر مباشرة صادرة لهم من قيادات هى التى يجب أن تخضع للمحاسبة. فالجنود الذين هاجموا الفتاة المسحولة وأوسعوها ضربا قبل أن تتم تعريتها فى أحداث مجلس الوزراء، وهو ما تكرر مع متظاهرين آخرين عديدين، والضباط الذين شاهدناهم بالعين المجردة فى شرائط الفيديو التى يعرضها الشباب المشاركون فى حملة «كاذبون» وهم يطلقون النار مباشرة من مسدساتهم على المتظاهرين، وقادة هذه الكتيبة الذين أصدروا الأمر المباشر للجنود والضباط باستخدام هذا الكم من العنف المفرط والدموى مع المتظاهرين والمعتصمين، كلهم يجب أن يخضعوا للمساءلة والمحاكمة.
والإدارة المباشرة للمجلس العسكرى لشؤون البلاد، وفقا للسلمى، لم تقتصر على الجوانب الأمنية فقط، ولكن عمليا كل الجوانب الأخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فالمجلس العسكرى هو الذى كان يعطل القانون الذى سمح للمصريين فى الخارج بالتصويت فى الانتخابات، وهو الإجراء الذى تأخر كثيرا وتم وضع المعوقات أمامه مما نجم عنه فى النهاية ضعف عدد المشاركين. كما عطل المجلس العسكرى عامدا متعمدا قانون الغدر أو العزل السياسى لرموز دولة الفساد، التى رزخ عليها مبارك وأدارها ابناه وزوجته حتى اللحظات الأخيرة قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو ما منع عمليا من تطبيقه. فالقادة العسكريون الذين تم دفعهم دفعا عبر الضغط الشعبى لمحاكمة رفيق الدرب والسلاح وقائدهم الأعلى على مدى ثلاثة عقود أصروا من البداية أن التغيير سيقتصر على الرجل الهرم وإنهاء مشروع التوريث لابنه. أما التغيير الثورى واتخاذ أى إجراءات تعكس أن تغييرا حقيقيا قد جرى فى مصر، فهذا أمر كان مرفوضا منذ البداية. كما أقر السلمى بأن المجلس العسكرى هو الذى كان يعطل كذلك القانون الخاص بالنقابات العمالية المستقلة، وهو ما سمح باستمرار النزاع الحالى داخل الحركة العمالية. وأخيرا، أكد السلمى أن السبب الحقيقى وراء الهجوم الشرس الذى تعرض له من قبل الإخوان المسلمين لم يكن معارضتهم المادتين التاسعة والعاشرة المرتبطتين بالوضع الخاص للقوات المسلحة، كما زعموا، بل إصرارهم على رفض الاتفاق على التوصل إلى أى مبادئ دستورية حاكمة يلتزم بها أعضاء اللجنة التأسيسية التى ستتولى صياغة الدستور. وهذا الموقف يعزز مخاوف كل القوى السياسية الأخرى المعارضة للإخوان، الذين يشعرون بقلق حقيقى من موقفهم من مدنية الدولة واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين. وفقط من يصر على وضع يده أمام الشمس ليزعم أنها غير موجودة فى وسط السماء هو من يزعم أنه لا يوجد اتفاق تهدئة واضح المعالم بين المجلس العسكرى وقادة جماعة الإخوان المسلمين، الذين ألمحوا أنهم لن يعارضوا منح وضع خاص للقوات المسلحة فى الدستور الجديد. هذا هو الواقع الذى نعيشه مع حلول الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، الذى أكده شخص تولى المسؤولية وتواصل بشكل مباشر مع القادة العسكريين. شكرا دكتور سلمى لأن تصريحاتك جعلت «كل شىء انكشفن وبان».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى