آخر المواضيع

آخر الأخبار

06‏/03‏/2012

علاء الأسواني يكتب: متى يتوقفون عن إهانتنا؟!

21

منذ أسابيع اكتشف الرأى العام فى ألمانيا أن رئيس الجمهورية كريستيان وولف قد حصل على قروض من بعض البنوك بتسهيلات خاصة، ولأن ذلك يعتبر استغلالا لنفوذه فقد طلب المدعى العام الألمانى رفع الحصانة عن رئيس الجمهورية الذى اضطر فورا إلى تقديم استقالته من منصبه.. قبل هذه الواقعة بأسابيع تم اكتشاف فضيحة أخرى فى بريطانيا بطلها وزير الطاقة كريس هون الذى قاد سيارته بسرعة فائقة، وعندما حُررت له مخالفة سرعة حاول أن يسجلها على رخصة قيادة زوجته السابقة.

وقد اعتبر الرأى العام سلوك الوزير غير أخلاقى مما أجبره على الاستقالة من منصبه. مثل هذه الوقائع تحدث دائما فى البلاد الديمقراطية لأن القاعدة المستقرة هناك أن أى مسؤول فى الدولة يجب أن يكون صادقا وأمينا، ولو حدث أنه تورط فى الكذب أو مخالفة القانون فإنه يكون غير جدير بمنصبه. تذكرت ذلك وأنا أتابع فضيحة تهريب المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى التى مازالت منظورة أمام المحاكم المصرية.. إن المجلس العسكرى هو الذى أثار هذه القضية فى ظروف غامضة، عندما اختار بضع منظمات للمجتمع المدنى وقدم المسؤولين عنها إلى المحاكمة بتهمة تلقى التمويل الأجنبى.

الغريب أن هذه المنظمات قد عملت عاماً كاملاً أمام أنظار المجلس العسكرى فلم يعترض عليها، والأغرب أنها طالبت أكثر من مرة بتقنين أوضاعها فماطلت الحكومة المصرية فى إعطائها التراخيص. أنا لا أوافق على التمويل الأجنبى من حيث المبدأ، وأتمنى أن يصدر تشريع يمنع التمويل الأجنبى من أساسه، لكن الغريب أن غضب المجلس العسكرى من التمويل الأجنبى قد انحصر فى المنظمات المدنية ولم يتطرق إلى الجمعيات والأحزاب الدينية التى أثبتت تقارير حكومية أنها تتلقى مئات الملايين من الدولارات من دول الخليج، إلا أن المجلس العسكرى كعادته قد كال بمكيالين فأعفى أصدقاءه الإخوان والسلفيين من أى محاسبة، وشن هجوما كاسحا على المنظمات المدنية، واتهم أعضاءها بأنهم يعملون على نشر الفوضى ويخططون من أجل تقسيم مصر إلى خمس دويلات.

وقد تحولت هذه المحاكمة إلى مظاهرة إعلامية كبرى حاول المجلس العسكرى خلالها أن يصور نفسه كسلطة وطنية متشددة يستحيل أن تخضع للضغوط الغربية ثم فجأة انفجرت الفضيحة: فقد تنحت هيئة محكمة الجنايات عن نظر القضية تحرجا من الضغوط التى يمارسها عليها المستشار عبدالمعز «بإيعاز من المجلس العسكرى» من أجل إلغاء حظر السفر عن المتهمين.. عندئذ أسرع المستشار عبدالمعز بتحويل القضية إلى دائرة أخرى يرأسها قاض «هو ضابط أمن دولة سابق» قام بإجراء اللازم، ورفع حظر السفر عن المتهمين الأجانب، وفعلا هبطت طائرة عسكرية أمريكية فى مطار القاهرة وقامت بترحيلهم بالمخالفة لأبسط قواعد القانون.

عندئذ أحس المصريون جميعا بالإهانة وهم يرون سيادتهم الوطنية وقوانين بلادهم تنتهك أمام أعينهم. نفس الإهانة التى أحسوا بها وهم يرون بنات مصر يسحلن فى الشوارع وتهتك أعراضهن، ويرون شباب مصر تدهسهم المدرعات وتفقأ عيونهم ويقتلون بالرصاص على أيدى جنود مصريين. إن المقارنة بين الحكومة الأمريكية التى تستميت دفاعا عن مواطنيها حتى لو كانوا متهمين وبين المجلس العسكرى الذى أهان كرامة المصريين مراراً وتكراراً لابد أن تدفعنا إلى السؤال: لماذا تحافظ الحكومات الغربية على حقوق مواطنيها بينما تهين السلطة فى مصر مواطنيها باستمرار.. يرجع ذلك فى رأيى إلى ثلاثة عوامل:

أولاً: طبيعة نظام الحكم:

إن الطريقة التى يتولى بها الحاكم السلطة تحدد سلوكه أثناء توليها، فالرئيس الذى جاء بانتخابات حرة سيكون دائما خاضعا لإرادة الشعب ومراقبته ولن يستطيع أن يستبد أو يهدر حقوق الناس. المجلس العسكرى يحكم مصر الآن بنفس أسلوب مبارك فهو يتولى السلطة لأنه يملك القوة اللازمة للبقاء فيها. من الطبيعى إذن ألا يعترف بحقوق المصريين لأنهم لم يختاروه ولا يملكون تغييره لو أرادوا. إن المجلس العسكرى مثل كل المستبدين لا يعمل أى حساب للشعب. هذه الاستهانة بالشعب تنتقل عادة من الحاكم المستبد إلى وزرائه لأنهم يعلمون أن أحدا لن يقدر على محاسبتهم، وهم لا يستقيلون أبدا ويتملقون الحاكم وينافقونه لأنهم يعلمون أنه مادام الحاكم راضيا عنهم فإنه سيحتفظ بهم مهما أهانوا الشعب ونهبوه وكذبوا عليه.

ثانياً: درجة استقلال القضاء:

القضاء فى الدول الديمقراطية مستقل تماما، ولا يستطيع أى شخص حتى لو كان رئيس الدولة أن يتدخل فى قراراته. إن أكبر مسؤول هناك يعلم أن أصغر وكيل نيابة يستطيع أن يستدعيه ويوجه إليه التهم ويأمر بحبسه. بالتالى تتحول الملاحقة القانونية إلى كابوس حقيقى يطارد أى مسؤول فى النظام الديمقراطى فيحرص على احترام القانون.. بالمقابل فإن النظام القضائى فى مصر غير مستقل وهو خاضع عمليا لسلطة رئيس الدولة لأن إدارة التفتيش القضائى، التى تتحكم فى مكافآت القضاة وجزاءاتهم، تابعة لوزير العدل الذى يعينه رئيس الجمهورية «أو المجلس العسكرى».

وفى النهاية فإن وزير العدل يتحكم فى مصائر القضاة بمعنى الكلمة.. أضف إلى ذلك أن رئيس الجمهورية هو الذى يعين النائب العام الذى يتولى سلطة التحقيق وتوجيه الاتهام، بالإضافة إلى نظام الانتداب الداخلى الذى يسمح لبعض القضاة بالعمل كمستشارين بمكافآت كبيرة فى وزارات معينة، بينما هم يفصلون فى القضايا مما ينسف مبدأ حياد القاضى من أساسه.. للإنصاف، بالرغم من كون النظام القضائى غير مستقل إلا أن معظم القضاة المصريين مستقلون من وحى ضمائرهم، وهم يدفعون فى ذلك ثمنا باهظا من راحتهم وأرزاقهم.

إن الموقف العظيم الذى أقدمت عليه هيئة محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد محمود شكرى عندما رفضت ضغوط المجلس العسكرى ليس إلا نموذجا مشرفا واحدا لما يفعله آلاف القضاة المصريين فى قضايا غير شهيرة لا نسمع عنها.. وفى عام 2005 خاض أكثر من ثلثى قضاة مصر معركة عظيمة من أجل تحقيق الاستقلال للنظام القضائى. ولسوف يذكر التاريخ أن هؤلاء القضاة الشرفاء رفضوا أن يكونوا شهود زور على انتخابات مزورة، وأنهم كانوا ومازالوا يناضلون ليس من أجل امتيازات أو مغانم، وإنما دفاعا عن العدل. على أن عددا قليلا من القضاة قد تورطوا فى التعاون مع النظام المستبد وأقرب مثال على ذلك القضاة الذين اشتركوا فى تزوير الانتخابات كما أثبتت أحكام محكمة النقض.

وفى أعقاب الثورة طالب الكثيرون بتطهير القضاء من القضاة المزورين، لكن المجلس العسكرى تمسك بهم لأنه يحتاج إلى خدماتهم. بل إن المجلس الأعلى للقضاء قد أعد قانونا متكاملا لتحقيق الاستقلال الكامل للقضاء، لكن المجلس العسكرى قام بتعطيل القانون لأنه سيحرمه من السيطرة على السلطة القضائية.. لا يمكن أن تعود للمصرى كرامته وحقوقه دون نظام قضائى مستقل.

ثالثاً: المفهوم الشائع للدين:

فى الدول الديمقراطية، لا يتحدث أحد من المسؤولين عن دينه أو ممارسته العبادات، لأن الأخلاق وحدها هى معيار الحكم على الإنسان.. من حقك أن تكون مسيحيا أو مسلما أو يهوديا أو تعتنق أى دين فهذا شأنك وحقك، وحرية الاعتقاد والعبادة مكفولة للجميع.. لكن دينك يخصك وحدك، أما أداؤك فى عملك وأمانتك واجتهادك وتعاملك مع الآخرين، فهذه المعايير الحقيقية للحكم عليك أمام الناس أو القانون. يكفى أن يكذب رئيس الدولة مرة واحدة لكى ينتهى مستقبله السياسى ويعزل من منصبه ويفقد ثقة الناس. فى الدولة الديمقراطية تكون الأخلاق هى معيار التدين، ولا تكون مظاهر التدين وحدها دليلا على الأخلاق. هذا المفهوم يشكل جوهر الإسلام الصحيح.

إن العدل والحرية والمساواة هى المبادئ الأساسية التى نزل الإسلام من أجل الدفاع عنها وكل ما عداها أقل أهمية. إلا أن فهم الكثيرين للإسلام صار شكليا وقاصرا. لقد حصل الإخوان والسلفيون على أغلبية مقاعد البرلمان «فى انتخابات قد تكون غير مزورة، لكنها لم تكن عادلة ولا ديمقراطية».. ورغم ذلك فقد كتبت فى هذا المكان مطالبا بدعم هذا البرلمان لأنه فى النهاية الهيئة الوحيدة المنتخبة القادرة على تحقيق أهداف الثورة.. لكننا نرى الآن أن مفهوم التدين عند كثيرين من أعضاء البرلمان قاصر وشكلى.

العقيدة منفصلة عن السلوك. المظهر والطقوس أهم من العمل.. هؤلاء النواب يسعون لاستصدار قرار يلزم المدارس بتعطيل الحصص من أجل إقامة صلاة الظهر، بينما لم يفعلوا أى شىء من أجل القصاص للشهداء وهم عاجزون عن توجيه أى اتهام للمجلس العسكرى الذى تسبب فى مذابح راح ضحيتها العشرات من شباب مصر.. بل إنهم فى مذبحة بورسعيد اكتفوا بإدانة وزير الداخلية ولم يجرؤوا على النطق بكلمة واحدة عن مسؤولية المجلس العسكرى.. نواب كثيرون لحاهم طويلة وعلامات السجود على وجوهم لكنهم لا يتحرجون من تطبيق سياسة مزدوجة المعايير إرضاء للمجلس العسكرى.. فعندما يخطئ النائب زياد العليمى ويتفوه بكلمة تسىء إلى المشير يثور النواب الأتقياء ويتنافسون فى التنكيل بـ«العليمى» مع أنه قال كلمته المسيئة خارج البرلمان، وعندما يوجه نائب داخل البرلمان اتهامات مشينة فى حق شخصية وطنية كبيرة مثل «البرادعى» يرفضون محاسبة المخطئ ويصفقون له ويهنئونه.

«البرادعى» الذى يصفقون لمن يتهمه بالعمالة الآن هو نفس «البرادعى» الذى جمع الإخوان يوما 600 ألف توقيع من أجل تأييده.. إلا أن ذلك حدث قبل الثورة حين كان الإخوان يحتاجون إلى دعم «البرادعى»، أما الآن فهم يحتاجون إلى دعم المجلس العسكرى ومواقفهم دائما تتغير وفقا لمصالحهم.. هذا التلون السياسى مناف للأخلاق، وكل ما هو مناف للأخلاق مناف للدين بالضرورة.. إلا أن التاريخ يعلمنا أننا إذا قصرنا الدين على الشكل والإجراءات من الممكن أن نقدم على تصرفات غير أخلاقية بضمير مطمئن تماما. لن تتغير مصر إلا إذا تغير مفهومنا للدين.

إن فضيحة تهريب المتهمين الأجانب، بقدر ما تمثله من إهانة بالغة لكرامتنا الوطنية، تضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة. لقد سقط حسنى مبارك لكن النظام الذى أنشأه مازال يحكم مصر. إن المجلس العسكرى هو امتداد لـ«مبارك» فى الفكر والأداء، وهو يهين المصريين تماما كما تعود «مبارك» أن يهينهم. لن يتوقفوا عن إهانتنا إلا إذا حققنا أهداف الثورة وأقمنا دولة العدل والحرية.

الديمقراطية هى الحل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى

ADDS'(9)

ADDS'(3)

 


-

اخر الموضوعات

مدونة افتكاسات سينمائية .. قفشات افيهات لاشهر الافلام

مدونة افتكاسات للصور ... مجموعة هائلة من اجمل الصور فى جميع المجالات

مدونة افتكاسات خواطر مرسومة.. اقتباسات لاهم الشعراء فى الوطن العربى والعالم

مدونة لوحات زيتية ..لاشهر اللوحات الزيتية لاشهر رسامى العالم مجموعة هائلة من اللوحات

من نحن

author ‏مدونة اخبارية تهتم بالتوثيق لثورة 25 يناير.الحقيقة.مازلت اسعى لنقلها كاملة بلا نقصان .اخطئ لكنى منحاز لها .لايعنينى سلفى ولا مسلم ولا اخوان يعنينى الانسان،
المزيد عني →

أنقر لمتابعتنا

تسوق من كمبيوتر شاك المعادى