تابعت، مثل كثيرين، المعركة التى اندلعت فى مصر على مدى الأيام الماضية بين النواب ورئيس نادى القضاة فى أعقاب الحكم الذى صدر بحق الرئيس المخلوع حسنى مبارك ورجاله فى الثانى من يونيو الحالى؛ حيث انتقد عدد من أعضاء مجلس الشعب الحكم وأداء بعض القضاة وطالبوا باستقلال القضاء وتطهيره، إلى غير ذلك من الدعوات التى لم تتوقف منذ تدخل العسكر فى مؤسسة القضاء فى عام 1954 واستخدامهم جانباً من القضاة لتحقيق مصالح النظام من خلال التشريعات وحتى الأحكام التاريخية التى كان يتلوها القاضى بعدما تأتيه مكتوبة حسبما نشر عن معظم الأحكام التى صدرت فى القضايا السياسية التى وقعت فى مصر منذ عام 1954 وحتى سقوط مبارك، إلا أن بعض القضاة وقفوا فى مراحل مختلفة ضد ما كان يملى عليهم، وأثبتوا أن مصر كانت وستبقى على مر الزمان بها قضاة شرفاء كثيرون لا يقضون إلا بما يمليه عليهم ضميرهم وما يفرضه عليهم ربهم بأن يقضوا بالعدل، وقد سعى النظام الفاسد البائد لتقديم الرشاوى فى المناصب والمنافع والانتدابات والإعارات حتى يسيطر على أكبر قدر من القضاة، لكن الفئة الأكبر رفضت وآثرت أن تعيش على الكفاف تعانى شظف العيش على أن تقدم الدنية فى ضميرها ودينها، وهنا أذكر أننى قبل أكثر من عشر سنوات جمعتنى جلسات مطولة مع شيخ القضاة يحيى الرفاعى روى لى فيها معاناة القضاة الشرفاء مع النظام منذ عام 1969 وحتى الصدام مع مبارك فى منتصف الثمانينات، والمشروعات التى تقدموا بها من أجل استقلال القضاء؛ حيث كانت وما زالت معركة طويلة لم ولن تنتهى إلا حينما يشعر القاضى أنه أكبر بنفسه ومكانته التى وضع فيها من الجميع، وأن يعطى من الرواتب والامتيازات المادية ما يكفيه، مما يصعب على الحاكم والحكومة أياً ما كانت أن تشترى منه ولو شعرة إلا من كان فاسد النفس عديم الضمير.
لم أتعجب لخطاب النواب وأدائهم؛ فهذا ديدنهم تحت القبة، وحقهم الذى انتُخبوا من أجله، لكنى تعجبت مما جاء فى المؤتمر الصحفى الذى عقده المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، يوم الأربعاء الماضى ثم ظهوره التليفزيونى فى اليومين التاليين؛ حيث ظهر غاضبا مهددا متوعدا، لأعضاء البرلمان ولغيرهم وقد وقفت عند بعض الجمل الغاضبة الحادة التى يجب فى تصورى ألا تخرج من قاض من أهم صفاته الحلم والأناة وكظم الغيط والعدل، وسرعان ما انقسم القضاة إلى فريقين كما هم دائما: فريق مع المستشار الزند سارع بتقديم البلاغات والشكايات ضد أعضاء البرلمان، وفريق آخر انتقد الزند بشدة على ما صرح به، لا سيما حينما هدد بعدم مشاركة القضاة فى الإشراف على جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، ورفض تطبيق قانون السلطة القضائية إذا أقر من البرلمان، وتعليق العمل فى المحاكم، وتدويل قضية الانتقادات الموجهة للقضاة، وتعليق عضوية القضاة الذين انتقدوا الحكم الذى صدر على الرئيس المخلوع مبارك، وإعلانه الحرب على الجميع حينما قال: «إن المواجهات بدأت ولن تنتهى»، وكل الخيارات مفتوحة لمواجهة من وصفهم بـ«طيور الظلام» وقال: «من اليوم سيتحدث القضاة فى السياسة، وسيشاركون بنصيب الثلث فى تحديد مستقبل مصر باعتبارهم إحدى سلطات الدولة الثلاث»، وقائمة طويلة من التهديد والوعيد، النواب ردوا بسرعة على الزند وقالوا إن تصريحات الزند إرهاب للسلطة التشريعية ولا يحق لأحد أن يكبل يد البرلمان الذى انتُخب حتى يسن التشريعات والقوانين، واتهموا فصيلا فى المؤسسة القضائية بالتورط فى وقائع بها شبهة فساد كغيرها من مؤسسات الدولة، كما اتهموا الزند بأنه «دائم التجريح لمعارضيه منذ توليه منصبه فى عهد مبارك» ولم يقف الأمر عند حد النواب، بل إن قضاة تيار الاستقلال لم يقبلوا بما قاله رئيس ناديهم، فقد انتقده المستشار زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى القضاة السابق، واتهمه بتجاوز اختصاصاته؛ لأن نادى القضاة مؤسسة نقابية وليس سلطة قضائية، وليس من حقه أن يطلق ما أطلقه من تهديدات هى من صلاحيات وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، وانتقادات أخرى كثيرة أدلى بها عشرات من رؤساء المحاكم والقضاة، لكن أعقل الأصوات هى التى طالبت الزند بالتعقل وعدم إثارة الرأى العام والقضاة فى هذه الظروف الدقيقة والحساسة التى تمر بها البلاد.
لا أعرف لمصلحة من هذا التصعيد والغضب والانفعال والتهديد والوعيد وفتح معركة مع الجميع من قِبل رئيس نادى القضاة! فحينما تغضب أو تثور أى فئة من فئات الشعب فى هذه الظروف التى تمر بها البلاد فإن غضبهم يمكن أن يتفهم، أما حينما يغضب رئيس نادى القضاة بهذه الطريقة ويفتح معركة مع الجميع حتى مع معارضيه من القضاة فإن الأمر بحق يدعو للخوف وللقلق.
13/06/2012
معركة النواب والقضاة!! - أحمد منصور
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى