مبارك مات ولم يمت.. مرسى فاز ولم يفز.. شفيق الذى قتل وانقتل هو أيضا خسر ولم يخسر.. كل شىء فى مصر موجود وغير موجود.. حدث ولم يحدث.. عادت مصر من جديد «وطن الفوتوشوب»، يفخر حكامها بأنهم أجروا أنزه انتخابات فى العالم أنتجت برلمانا يباهون به الأمم، ثم يقومون بمنتهى الهمة والصرامة بإزالة هذا البرلمان من الوجود، فيما يغضون الطرف عن إزالة واجبة لأبنية مغتصبى الأراضى الزراعية.. يصدرون إعلانا دستوريا طويل القامة عريض المنكبين، ويفرضونه بالقوة على الجميع، ثم يقولون إن الإعلان فى حاجة إلى «كمالة» لكى يكون لائقا وصالحا للاستخدام.
وطوال الساعات الماضية و«العسكرى» يرج مصر فى خلاط عملاق للشائعات، ويهزها حتى الدوخة والغياب عن الوعى فى أرجوحة التسريبات، ممارسا على الجميع أقسى أنواع الحروب النفسية، فى إطار لعبة المساومات والضغوط لكى يمرر ما يريد، بحيث يبقى فوق كل السلطات، أو دولة أعلى من الدولة المصرية.
إنها حرب الأعصاب تدار الآن بمنتهى المهارة، وتستخدم فيها كل الوسائل اللازمة لبعثرة كل الأوراق وإنهاك الأنفس المتعبة أصلا بمزيد من المراوغة والضبابية وغياب اليقين، من خلال إطلاق النار على اليقين، بحيث لا تبقى هناك حقيقة واحدة ثابتة، ليدخل الجميع عنوة إلى حلقة زار صاخبة، يترنحون فيها حتى السقوط من الإعياء، ليفيقوا على واقع جديد مفروض عليهم بالإكراه.. هكذا يتصور من خططوا ونفذوا سيناريوهات «الصدمة والرعب» دون أن يتوقفوا لحظة للتفكير وإدراك أن الشعب اعتاد هذه الألاعيب وصار يمتلك القدرة على قراءة الرسائل المشفرة وغير المشفرة، ويبتدع من أساليب المقاومة ما يجعله صامدا وثابتا مكانه فى مواجهة هذه الطاحونة العسكرية، التى وإن بدت متفوقة على «الطاحونة الهولندية» فإن مصيرها إلى خروج كما حدث لمنتخب القمصان البرتقالية فى بطولة أمم أوروبا.
ويبدو أنهم لم يستوعبوا صدمة مقاومة المصريين الباسلة فى معركة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتى استخدموا فيها كل مخزونهم الاستراتيجى من الأسلحة لتمرير الجنرال إلى مقعد الرئاسة، ولم يصدقوا أن كل أساليب الترهيب والترغيب لم تنجح فى اختطاف إرادة المصريين وتوجيهها إلى حيث يريدون، ولم يتخيلوا أن الناخبين صوتوا ضد العسكرة، على الرغم من أن البديل غير واضح الانحياز للمدنية، بالقدر الذى يطمئن الجميع، وأمام زلزال الأرقام، عمدوا إلى اختراع حواديت المطابع الأميرية والطعون المتطايرة للعبث فى النتائج التى أجمعت عليها جهات المراقبة والمتابعة والرصد، وتقارير حركة «قضاة من أجل مصر» وبالمناسبة فإن الأرقام التى أعلنتها الحركة فى الجولة الأولى جاءت مطابقة تماما للنتائج الرسمية التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات.
وإذا كان هؤلاء يطبقون سياسة حافة الهاوية مع الجماهير، ويروعون المواطنين بجحيم الاحتمالات والتكهنات، فإن السياسة ذاتها جربها الشعب المصرى فى أيام موقعة الجمل السوداء، وانتصر عليها، ولم تفلح معه فزاعات الغزو الخارجى والحريق الداخلى، وبقى صامدا فى ميادينه حتى انتزع حلمه من فوهة بركان الرعب.
لقد كادت هذه الأجواء الغائمة تنسينا تهنئة الشاب الثائر الجميل محمود أمين على عودته سالما من زنزانة العسكر إلى براح الميدان وهوائه النقى بعد إخلاء سبيله بضمان محل إقامته أمس الأول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى