من المهم للغاية أن تستعيد العلاقة التاريخية بين المصريين وجيشهم كامل دفئها واحترامها، بعد أن تعرضت لكثير من الخدوش فى الشهور الماضية، نتيجة إقحام القوات المسلحة أو بالأحرى اقتحامها لتفاصيل الحياة اليومية للمصريين، واقترابها أكثر مما ينبغى بالشارع، على نحو ترك ميراثا كبيرا من التوتر.
وتحقيق ذلك يتوقف على مجموعة من العناصر المهمة، يأتى فى مقدمتها أن يعود معتقلو الثورة ومفقودوها من غياهب المحاكمات، والإجراءات العسكرية، المعلنة وغير المعلنة مع أعداد كبيرة من الثوار والمتظاهرين وعائلاتهم.
ولكى تستعيد هذه العلاقة صفاءها ونقاءها من حق أكثر من ١٢٠٠ أسرة مصرية أن تعرف مصير أبنائها المخطوفين والمفقودين فى أحداث الثورة، مع العلم أن النذر اليسير من هذه الحالات ظهر مع الضغط الإعلامى لحملة «هنلاقيهم» بعد شهور طويلة من الاختفاء القسرى، وحكوا قصص اختطافهم واعتقالهم، من الشوارع والميادين، والتى لا يخلو نسيجها الدرامى من ذكر الشرطتين العسكرية والعادية.
إن أحد معتقلى أحداث مجلس الوزراء على يد الشرطة العسكرية سعيد الجلفى والذى خرج مؤخرا فقد أسرته كاملة فى أحداث الثورة، حيث اختطفت زوجته وثلاثة من أبنائه، الابنة الكبرى اختطفت من ميدان التحرير فى يوليو ٢٠١١، والزوجة والابن الأصغر والابنة الصغرى اختطفوا يوم إخلاء سبيله ٢٥ يوليو من العام الجارى، حيث كان قد اتصل بهم لاستقباله لحظة خروجه من قسم الشرطة، غير أن الأرض انشقت وابتلعت الزوجة والأبناء ولم يظهر لهم أثر.
ولقد كانت ملفات المعتقلين والمفقودين والمخطوفين تواجه نوعا من التجاهل والتعتيم فى فترات سابقة لأن أحد أطرافها كان خصما وحكما ومتحكما وحيدا فيها طوال الوقت، أما وقد انتهت هذه الحالة الاستثنائية فإن هذا الملفات تستحق معالجة أكثر جرأة ووضوحا وجدية فى حسمها.
ومن غير المعقول ــ مثلا ــ أن يبقى مصير الشاب محمد جاد الرب، الشهير بـ«سامبو»، والذى يعرفه الثوار بأنه من أبطال الميدان فى معركة ٢٨ يونيو ٢٠١١ معلقا حتى اليوم، بعد اعتقاله وإحالته للقضاء العسكرى منذ ذلك التاريخ.. ولأن سامبو ليس من نجوم الفضائيات وليس متعلما، ولا مثقفا يشار له بالبنان (أو بالبنيان على رأى العلامة مصطفى عبده فى واحد من أعنف حوادث اللغة العربية) فإن سامبو بقى قابعا منذ اعتقاله فى زنازين العسكر حتى اليوم، بل إن صورته تحولت إلى وسيلة تعبيرية عن البلطجة فى صحيفة يومية.
والظن أن إنهاء هذه الملفات والقضايا التى يعرف القاصى والدانى أنها كانت انتقاما من الثوار والمتظاهرين، من شأنه أن يسهم فى تنقية الأجواء ولو جزئيا، بما يمكن أن يؤدى لاحقا إلى نفض الغبار عن شعار رائع ولد فى فجر الثورة «الجيش والشعب إيد واحدة» وهو الشعار الذى اغتيل بعد هبوط الجنود من أعالى جبهات الحروب الحقيقية إلى النواصى والحارات، يطاردون متظاهرين، ويفتكون بثائرات، فى عمليات كر وفر يومية لا تتناسب أبدا مع مهابة العسكرية.
ويبقى أنه من المهم تخفيف الظهور الإعلامى اليومى لقادة المؤسسة العسكرية، وهو ما كان سائدا طوال الفترة الماضية، بخطاب لم يكن على المستوى اللازم سياسيا واجتماعيا، مما أدى لشحوب هذه الهيبة التى يحتفظ بها المصريون لجيشهم.
وبهذه المناسبة لم يعد مناسبا ولا لائقا أن يتمسك المجلس العسكرى بمخاطبة الناس طوال الوقت عبر صفحة «فيس بوك» تجعله منخرطا أكثر مما يجب فى حوارات وملاسنات وثرثرات إلكترونية.. فليعد الجيش إلى أعالى الجبهات، وليسترح السيد «أدمن الصفحة» ويصنع شيئا آخر أكثر فائدة له وللناس وللوطن، وإن كنا سنفتقد ردوده ولغته الطريفة.
متى يودع «العسكرى» عالم الفيس بوك؟ - وائل قنديل
قسم الأخبار
Thu, 16 Aug 2012 12:30:00 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى