حول الفيلم المسىء - نادر بكار

 

يمكن اعتبار فيلم الإساءة إلى النبى صلى الله عليه وسلم حلقةً لا تنفصل عن مسلسلٍ طويلٍ سخيف بدأ فى العام ٢٠٠٥ وتكرر موسمياً فى أكثر من مناسبة؛ مسلسلٌ من الاستخفاف بمشاعر مليارى مسلم فى أرجاء العالم والاستهانة بأعظم رموزهم؛ لذلك لا أتفق كثيراً مع من ذهب إلى كون الفيلم مغموراً كان الأولى تجاهله؛ فسكوتك على السفه أكثر من مرة يجعل وتيرة الاجتراء تعلو رويداً رويداً؛ وعجباً لهؤلاء الذين ينقلون أثراً ما تأكدوا من صحة نسبته إلى عمر بن الخطاب (أميتوا الباطل بعدم ذكره) ويتركون ما صحَّ عنه بلا خلاف (لمَ نُعْطَى الدنية فى ديننا؟)!

لسنا نجبر أحداً على اعتناق ديننا لأنه (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى)؛ وطبيعى أن نعرف أن هناك من لا يحبّ محمداً صلى الله عليه وسلم فى هذه الحياة الدنيا؛ لكن تبقى الإساءة هى الإساءة لا تحتمل صرفاً ولا تأويلاً ؛ والفيلم إذ ذاك يجسدُ أحد ملامح انحطاط السلوك الغربى بصفة عامة وازدرائه لمعانى قدسية الشرائع المختلفة وعلى رأسها الإسلام.

ولا يمكن أن نسلِّم لمن أراد إقناعنا أن حرية التعبير فى الولايات المتحدة لا يقف أمامها حاجز؛ وإلا فإن السؤال المنطقى يطرح نفسه؛ هل لو أنتجت مجموعة عربية أو مسلمة فيلماً يمجد ويشيد بأحداث الحادى عشر من سبتمبر ستعتبرها الحكومة الأمريكية حرية رأى أيضاً أم أنها ستعطى نفسها الحق فى إيقاف الفيلم واعتقال من أشرفوا على إنتاجه لأنه يعرّض السلم الاجتماعى للخطر؟ هم محقُّون فى ذلك بالتأكيد؛ ونحن أيضاً نعتبر الإساءة لنبينا ولسائر المرسلين (لا نفرق بين أحدٍ منهم) تكديراً للسلم العالمى.

والحق أنه قد آن الأوان للعالم الغربى أن يعى حجم التعديلات الجوهرية التى طرأت على موازين القوى إقليمياً وعالمياً بعد موجة ثورات الربيع العربى؛ ومن ثمَّ يفهم أن أوراق التفاوض والضغط بيدِ العرب والمسلمين قد زادت وأن عصر بلع الإهانات وقمع إرادات الشعوب قد وصل إلى منعطفه الأخير؛ ولا أدلَّ على ذلك من توحد كافة التيارات السياسية فى مصر مثلاً على غضبٍ عارم وغيرةٍ شديدة أن تُنتهك حرُمات الأمة بهذه البساطة.

وأحسب أن دوائر صنع القرار الأمريكية تعى هذا التحول وتسعى لاحتوائه؛ لذا لا أعوّل كثيراً على تصريحات أوباما التى اعتبر فيها مصر ليست بالعدو ولا الحليف لأكثر من اعتبار يأتى على رأسها عدم إمكانية الفصل بين أى تصريح لأوباما فى الفترة الحالية وبين سياق انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة؛ فالطبيعى أن يُضطر إلى مبادلة مزايدة منافسه رومنى بمزايدة يكشر فيها عن أنياب تطرفٍ وشطط؛ ومن ناحية أخرى يخرج من إدارته من يلطف الأجواء بتصريحات معاكسة تماماً كما فعل بانيتا وزير الدفاع الأمريكى وهيلارى وزيرة الخارجية.

وينبغى أن نوضح هنا ما كررناه كثيراً من قبل من كون التعرض للبعثات الدبلوماسية بالإيذاء يخالف القواعد الشرعية فى أكثر من نقطة أكثرها تعلقاً مباشراً بالحادث المؤسف الذى قُتل على أثره السفير الأمريكى فى ليبيا هو تأكيد النبى صلى الله عليه وسلم أن الرسل (الذين هم فى عصرنا السفراء والدبلوماسيون) لا تُقتل؛ ثم المبدأ الإسلامى العام (لا تزر وازرة وزر أخرى) كفيلٌ أيضاً بالدلالة على حمق هذه الفعلة وشناعتها؛ ومواقفنا فى كل الوقفات والتظاهرات ثابتة لا تتغير؛ نرحب بها طالما كانت سلميةً ولا تعطل سير الحياة المدنية أو تتعرض بالإيذاء لمنشأةٍ عامة أو خاصة.

وهنا لا أستبعد بالتأكيد وجود أصابع حركت خيوط الأزمة من بعيد؛ سواء اتفقوا على ذلك أم لا؛ لا سيما أن حوادث العنف ضد السفارات الأمريكية دارت رحاها فى عواصم بلدان الربيع العربى تحديداً؛ فما زالت هناك جيوبٌ لمقاومة التغيير فى كل عاصمة منها تتحين الفرصة تلو الأخرى لإعطاء الانطباع داخلياً ودولياً بهشاشة أنظمة الحكم الجديدة؛ خاصةً والمزاج الإسلامى يغلف معظمها فتكون تهمة الفوضى سهلة الإلصاق بها وسط عالم مستعدٍّ نفسياً لتقبل ذلك؛ وهنا أتوقف كثيراً أمام خبر توقيف بعض مثيرى الشغب واعترافهم بتلقى أموال لمهاجمة السفارة الأمريكية فى مصر وأربطه بسياقات سابقة لم يُكتب لها النجاح كالدعوة لمظاهرات ٢٤ أغسطس مثلاً؛ فلكى نفهم حقيقة التعرض للأمن وتعمد الاشتباك معه سواء فى محيط السفارة الأمريكية أو فى منطقة كبرى قصر النيل لا بد أن نعىَ أن الأمر كان بمثابة مواجهة مؤجلة بين أطراف متعددة وبين وزارة الداخلية.

حول الفيلم المسىء - نادر بكار
قسم الأخبار
Mon, 17 Sep 2012 10:10:00 GMT

مواضيع مشابهة