احمد عبدالله:مصر كبيرة عليكم! ""

كنت أتابع الأخبار على بعض القنوات التليفزيونية بتوتر وقلق وتوقفت عند برنامج على إحدى القنوات المصرية الخاصة. البرنامج كان يبث صورًا مباشرة لما يدور أمام قصر الاتحادية وحرص على تمثيل وجهتي النظر: قيادي من الإخوان ومحامٍ معارض أما الحوار فكان عبارة عن اتهامات ومقاطعات وتهكم وسخرية وصراخ أحيانًا وتهدئة أحيانًا أخرى رغم محاولات المذيع المهنية للحد من التوتر لكن ما لفت انتباهي هو أداء الضيف المعارض وهو محامٍ شاب ليس لسبب سوى أنه يمثل من يعرفون بـ"النخبة!" 
باختصار استغربت ما قاله لضيفه الإخواني بأن "مصر كبيرة عليكم!" فرد عليه الضيف الإخواني بأن مصر كبيرة على الجميع!.. لم أتوقع هذه العبارة من "النخبة!" 

الجدل الدائر في بعض الأوساط هو أن مرسي فاز في الانتخابات بفارق ضئيل وهو لا يمثل كل الشعب، بل يردد البعض علنًا أنه ليس رئيسهم لأنهم لم ينتخبوه! لا أدري لماذا اعترف الأمريكيون جميعًا بالرئيس بوش الابن الذي فاز بفارق ضئيل هو الآخر على منافسه آل جور ولماذا لم يقل له الأمريكيون إن "أمريكا كبيرة عليكم أي الحزب الجمهوري!"؟ بالطبع سيهرع النخبويون ويقولون لا تقارن بين أمريكا العريقة في ديمقراطيتها ومصر أولى حضانة... بينما في ظروف أخرى سيقولون إن مصر أم الدنيا وأصل الحضارات وأعرق الحكومات وأرض المواهب والعبقريات! أتحدث منطقًا هنا لا أكثر! 

عندما جاءت مداخلة هاتفية من شخص ادعى أنه مقدم شرطة في موقع الحدث حاول المحامي المعارض انتزاع شهادة منه بأن مرسي وجماعة الإخوان هم السبب فيما يحدث ثم تلته مداخلة أخرى من ضابط آخر رفض ذكر اسمه دافع فيها عن اتهامات الضيف الإخواني للداخلية بالتقصير وهي اتهامات كانت بدون سبب مقنع كغيرها من الردود! لكن المفاجأة جاءت عندما اتصل مدير جهاز الإعلام في وزارة الداخلية ليقول إنه غير متأكد أن الذين تحدثوا هم أصلًا من الداخلية وأنه هو الجهة الرسمية الوحيدة التي يمكن أن تزود الإعلاميين بتفاصيل أكثر دقة... توقعت أن يحرج هذا الكلام الضيف المعارض لكنه بادر بكيل الأسئلة للسيد اللواء في محاولة لانتزاع شهادة منه أيضًا بأن ما حدث كان خطأ الإخوان والرئيس والحق يقال كان مسؤول الداخلية أكثر رقيًا ودبلوماسية في الرد...
المشكلة أن كثيرين من المصريين ببساطة لا يقبلون بالهزيمة...! 

 قرب نهاية البرنامج قال المحامي المعارض بأن رسالة وصلته بأن أسرة إعلامي معروف تعرضت للضرب على يد جماعة الإخوان وازداد الوضع توترًا في الاستوديو وامتد بالتأكيد إلى جموع المشاهدين ليس للاعتداء على الإعلامي وحسب لكن بسبب المعنى من وراء كل هذا... بعد دقائق جاء الرد من الإعلامي المعروف الذي كان هادئًا جدًا وقال إن ابنته "أخدت علقة" لكن أهم ما في الموضوع أن الضاربين لم يكونوا على علم بهوية ابنته أي أنهم لم يكونوا يعرفون أنهم يضربون ابنة الإعلامي ليس كما قال الضيف المعارض في البداية... هناك تفاصيل كثيرة لكن علينا أن نسأل: هل هذا الأداء نخبوي حقًا؟ هل يعكس مهنية؟ هل يعكس ثقافة وعلمًا؟ هل يفيد الثورة والثوار المخلصين؟ هل هذه انعكاسات لحظة غضب فقط؟

أنا لست مع أحد لكن يؤلمني أن أرى الشعب المصري ينخدع بظواهر إعلامية ونخبوية تعبث بعقولهم ومشاعرهم بقصد أو عن غير قصد! 

كثيرون من الوجوه الإعلامية في القنوات الخاصة تعتبر نفسها نخبة أو نخبة النخب! فنجد مذيعًا يستخدم بلاغته في إطلاق رصاصة الرحمة على "المهنية!" ويعتذر للشعب بسبب انتخابه الرئيس! وآخرون يخاطبون الجماهير، لفترات زمنية طويلة (تليفزيونيًا) ويحشدون ويحرضون علنًا جموع الناس بل أحدهم انتقد وهدد وحذر وسخر ووصف البعض بالخرفان ومذيعة مغمورة تحمل كفنها على الشاشة والمهزلة تتواصل... ألا يعرف العقلاء والمحترمون من أبناء الشعب المصري بـأن ما يفعله هؤلاء يحاسب عليه القانون في أي دولة ديمقراطية محترمة وأن هذا الأداء المسرحي الرخيص ليس له علاقة بالإعلام أو الصحافة إطلاقًا!... لو تركنا هؤلاء يخاطبون غالبية الشعب البسيط على طريقة: الجمهور عاوز كده! فقد يكون مبارك على حق عندما قال إنه يعرف الشعب أكثر من غيره. كلاهما هبط بمستوى الفكر لدى العامة: أي إعلام هذا وأي نخبة هذه!   

إن مصر في حاجة ماسة إلى إصلاح الإعلام وتصحيح مفهوم "النخبة" قبل الصراع على الدستور إذا أرادت أن تتقدم إلى الأمام ولو ترك الوضع كما هو عليه ستتفاقم أزمات مصر أكثر وأكثر!!

مواضيع مشابهة