قليلون هم الدعاة الذين يستطيعون التحلى بشجاعة القول فى أيامنا تلك، والإشارة الصريحة إلى داء عضال تملك من مفاصل وعقل وقلب الجماعات والتنظيمات الدينية، متمثلا فى التخلى عن مهمتها الأساسية فى الدعوة للمكارم وللوسطية وانغماسها، حتى النخاع، فى العمل السياسى، وما يقلقك أنهم يفعلون ذلك بالتستر خلف عباءة الدين.. وكون داعية بمكانة وشهرة الشيخ محمد حسان يقدم على الاستقالة من منصبى نائب رئيس شورى العلماء والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، فإن السبب لابد أن يكون له صلة بأمر جلل.
الشيخ حسان قالها بوضوح لا غموض فيه: إنه استقال خشية تورطه فى الخلافات السياسية، التى انتهجتها الهيئتان مؤخراً، وإقحام العلماء أنفسهم فى المعترك السياسى على حساب الرصيد الدعوى، وأنه يود التفرغ للدعوة.. أحسنت يا شيخنا الجليل فما صدر عنك هو الحق بعينه، ولا يملك أحد اتهامك بأنك تعادى وتكيد للدين ورموزه، مثلما يحدث مع كل مَنْ يتكلم عن خلط كثيرين من الدعاة والمحسوبين على التيار الإسلامى ما بين السياسة والدين.
وما فعله حسان رسالة إلى أولئك الذين يظهرون مساء على شاشات الفضائيات الدينية لتكفير المعارضين والمخالفين للرئيس محمد مرسى، وأنهم يستحقون القتل وإقامة حد الحرابة عليهم، لأنه فى نظرهم لا يجوز الخروج على الحاكم، حتى لو كان ظالماً ويسير بالبلاد نحو التهلكة والدمار، فالعلماء توقفوا عن دورهم الأصيل فى البحث العلمى والدعوة وتفرغوا لتبرير وتجميل الأخطاء الرئاسية.
ورسالة أيضًا إلى نفر ممَنْ استغلوا الدين لإقناع الناس بانتخاب مرسى لكونه قادما بمشروع إقامة الدولة الإسلامية والعدالة والرفاهية الاجتماعية، ألا يشعر هؤلاء بالخجل والخزى الآن وهم يرون الرئيس ينكث عن وعوده وعهوده، ولا يتحرك والوطن يتجه إلى حفرة سحيقة من الانقسامات والعنف والجمود الاقتصادى، بسبب الإصرار على أخونة الدولة ومؤسساتها، وما بالهم لا يعتذرون عن سوء تقديرهم على الأقل تعبيرا عن احترامهم للملايين، الذين يقتنعون بما يصدر عنهم؟
وانظروا إلى مَنْ الذى قدم أدلته وقرائنه على الأخونة، إنه حزب النور، الذى تحالف مع الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وساندهم ووقف لجوارهم، حيث سلم قادة النور الرئيس ملفا يتضمن بيانات بإسناد 13 ألف وظيفة لعناصر إخوانية منذ توليه الرئاسة قبل أشهر قليلة، وبدلا من أن يتصدى الرئيس لهذه الظاهرة رد على النور بإقالة مستشاره لشئون البيئة، الدكتور خالد علم الدين، عضو النور.. وهكذا يفتح الرئيس جبهة خلاف جديدة مع حلفاء الأمس القريب، وأن فتشت عن فائدة نهج مرسى وجماعته فى الإكثار من الأعداء وعدم المحافظة على الأصدقاء، فلن تجد إجابة منطقية سوى الرغبة فى الاحتكار والاستئثار دون شريك.. ولعل موقف الشيخ حسان، الذى ينبغى تحيته عليه يكون حافزًا لغيره من الدعاة للتوقف عن تلوين السياسة بالصبغة الدينية، والإيحاء بأن الواقف على جبهتهم هم الفرقة الناجية المؤمنة، وأن مَنْ يعارضونهم أو ينتقدونهم لتصريحاتهم وفتاواهم المستفزة غير المنصفة والموظفة سياسياً هم الفئة الخاسرة المؤازرة للضلال والبعيدة عن الحق المبين.
19/02/2013
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ADDS'(9)
ADDS'(3)
-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى