صلى الآلاف من الرجال والنساء صلاة الغائب على شهيد سوريا محمد محرز، مساء الخميس، بمسجد السلام بالحي العاشر بمدينة نصر، وسط حشود ضخمة جاءت من مختلف المحافظات، وكذلك مشاركة بعض الأجناس الأخرى من الجالية السورية في مصر، وبعض الأتراك.
ولم تفارق الابتسامة وجه شيماء علي زوجة الشهيد، وحتى أنها فضلت عدم ارتداء الملابس السوداء، وحملت باقة من الورد الملفوفة بشكل أنيق أبيض اللون، كباقات الأفراح؛ ودخلت بها المسجد، مُحتفلة بزفاف زوجها للحور العين بعد استشهاده في سوريا، ونيله ما كان يتمناه طوال حياته، وحرصت كذلك الكثير من الفتيات المشاركات في صلاة الغائب الملابس والألوان الزاهية رافضين ارتداء اللون الأسود، معلنين أن هذا يوم زفاف واحتفال وفرح لا يوم عزاء وحزن.
وقرأ ياسر محرز أخو الشهيد الأكبر وصية أخيه وهو يبكي، والتي هزت كافة المشيعين لجنازته، وأجهش جميعهم في البكاء، ثم قرأ رسالة من أمه بعثت بها من الأراضي المقدسة تؤكد رضاها وفرحها بما ناله ابنها، مؤكدة أنها بمجرد علمها بالخبر سجدت في الروضة الشريفة وحمدت الله أن ابنها صدق في طلبه فنال الشهادة، وأعقبها بدعاء طويل لأخيه الشهيد وزوجته بأن يجمعهم على خير في جنته.
وكان عزاء الرجال بالمسجد، ثم في منزل أم الشهيد، وفي منزل الشهيد وزوجته بمنطقة زهراء بمدينة نصر، اكتظ المنزل من الصباح الباكر وحتى اللحظات الأخيرة من الليل بالآلاف من النساء؛ ووزعت قريبات الشهيد قطع من "البيتزا" والمشروبات الساخنة على المعزيات لهن، بينما ظلت زوجته في ابتسامة صادقة وصبر كبير تروي قصص عن زوجها.
فتروي شيماء أنها قبل أن تتزوج منه وهي شعرت أنه شخص غير عادي، في تعاملاته وأخلاقه؛ حتى أنها حاربت الجميع من أجل الزواج به، رغم الكثير من الصعوبات التي واجهتها، مؤكدة أن الشهادة كانت حلمه وهدفه الواضح وكانت تعلم ذلك جيدا.
وتستطرد قائلة: إن أكثر ما كان يضايقه هو ظاهرة الالتزام الشكلي والخارجي، دون تعمق ذلك الالتزام والإيمان إلى داخل النفوس، حتى إنه حرص أن يصلح باطنه ولم يهتم أبدا بشكله الخارجي وماذا سيقول الناس عنه؛ مؤكدة أن من الممكن أن يراه الناس شخصا عاديا جدا، وليس بالشيخ الذي كسته مظاهر الالتزام التي نعتادها، مبينة أن ذلك على الرغم من كونه في باطنه شخص غير عادي موصولا بالله بصدق وله شأن وحال مع الله.
وتقول: "محمد تقرب من الله أكثر وأكثر في آخر شهر، وأصلح كل ما كان مقصرا فيه، وعلاقته معي على الرغم من روعتها إلا أنها أصبحت أكثر روعة، وأكثر ما أذهلني بعد خبر وفاته هو كيف أنه أصلح ما كان مقصرا فيه في شهر واحد وصدق في طلبه للشهادة فنالها بهذه السرعة".
وتروي أنه ذات يوم قال لها: إن لحظة الجهاد حانت، وإنه علم الكثير من المآسي التي تدور في سوريا من اللاجئين السوريين في مصر، فقرر أن يعد عدته، ولكنه قال لها "كيف وأنا في حاجة لكي أخفض وزني وأنهج وأنا أصعد السلم"، فقرر الذهاب للتريض وتنظيم طريقة غذائه حتى يكون بجسم مناسب، وكل ذلك ليس بهدف دنيوي وإنما ليتهيأ للجهاد، وفعلاً تحقق له ما أراد، وجاءت له التأشيرة فقال لها ذاهب لتأمين مستقبلك أنت وبنتي وسافر".
وعن شعورها وشعور والدتها وقتها فقالت: إنها ساعدته على السفر، فهي تحيا معه الشهادة، أما أمه فكانت خائفة عليه، وتتمنى أن لا يذهب لسوريا؛ ولكنها لم تمنعه ولم تقول له في أي وقت لا تذهب، وفي ذات الوقت تمنت أن أحدا غيرها يقولها له فيثنيه عما هو فيه، فلما سئلت لما لا تقول له لا يذهب ببساطة وهو كان سيستجيب لكلامها، فقالت: "خوفا من أن يعاقبها الله بمنعها له بوفاته في مصر على فراشه أو في حادث سيارة فتفقد هي وهو الأجر"!.
ولم تنزعج شيماء من أي سؤال طرح عليها من قبل المهنئات لها بشهادة زوجها، بل ظلت تسرد في أحاديثها؛ فتروي قائلة: "الكل اعتقد بأنني فوجئت بوصيته التي كتبها والتي استخرجتها من مكتبه مثلا.. لا أبدا فنحن سطرناها سويا، وظللنا نُعدل فيها ونحذف ونضيف عليها، فأنا لم أفاجأ بها على الإطلاق بل كنت أعده للشهادة كما كان يَعد نفسه وأتمنى أن ألحق به".
وتقول: إن المكالمة قبل الأخيرة من محمد لها وهو في سوريا، حيث يحدثها كل 5 أيام، أخبرها فيها أنه رأى رؤية أنه يخبرها أنه قام الليل كله، وظل يدعو لها كثيرا أن يربط الله على قلبها، حتى إن الموجودات قلن لها: "وقد استجاب دعاءه فأنت بالفعل صابرة محتسبة، وأنت من تواسينا فسبحان الله صدق الله حتى في دعائه فصدقه الله".
وتضيف وفي صباح يوم الأربعاء فوجئت باتصال تلفوني دولي فقالت: إنه هو بالتأكيد ولكنها ما أن لاقت صوتا آخر غير صوت زوجها، حتى وقع في روعها أنه إما أصيب أو استشهد، فقال لها المتصل أبشري.. ثم صمت فقالت قلت للوهلة سيقول لي أصيب ولكنه قال لها زوجك استشهد وآخر ما قال الله أكبر ثم سجد!.
وقالت: إن هناك العديد من الصور له قبل وبعد استشهاده وهو مبتسم الوجه في سوريا، وهناك من أخبرها بإعداد فيلم وثائقي له، كما أنها نوت أن تكتب عنه كتابا كيف عاش حياة الشهادة بصدق فنالها بصدق فعلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى