محمد الشرقاوى و عبدالغنى دياب
88 عامًا قضاها في خدمة وطنه بكل كفاءة وأمانة وإخلاص، ومع ذلك انتهى به الأمر إلى أن يحبسه الرئيس السابق مبارك القابع فى سجن طرة الآن.. ذلك هو الفريق" سعد الدين الشاذلي" رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية خلال حرب أكتوبر 973، وواحد ممن تعرض أسمهم للتغييب طوال الـ 39 عاماً الماضية، والذي احتفلت القوات المسلحة المصرية أمس الاثنين بذكرى ميلاده.
هذا البطل النادر ربما لا يعرفه الكثيرون من الجيل الحالي، ربما لان حياته اتسمت بالغموض واختفاؤه طوال فترة حكم الرئيس السادات ومحمد حسنى مبارك، ولكن الجيل القديم حينما تسأله عنه فسيجيب بكل وضوح " آه ده بتاع الثغرة"، والعقل المدبر للهجوم المصري على خط الدفاع الصهيوني المنيع "بارليف".
ولد الفريق سعد الدين الشاذلى فى قرية" شبرتنا" مركز بسيون فى محافظة الغربية في أبريل عام 1922، والتحق بالكلية الحربية وهو في السابعة عشر من عمره، ثم انتدب للخدمة في الحرس الملكي عام 1943، وبعد ثورة 1952 قام بتأسيس وقيادة أول كتيبة لقوات المظلات عام 1954، ثم تولى قيادة أول قوات عربية موحدة في الكونغو كجزء من قوات الأمم المتحدة هناك عام 1960.
بعد ذلك عمل كملحق عسكرياً في لندن (1961- 1963). وأدت تلك الفترة التي قضاها في لندن إلى زيادة خبراته العسكرية، وإضافة الأساليب العسكرية للمعسكر الغربي إلى الأساليب العسكرية للمعسكر الشرقي الذي تعتمده مصر في تشكيلاتها وأساليبها القتالية في ذلك الوقت، وأثبت الشاذلي نفسه مرة أخرى في نكسة 1967 عندما كان برتبة لواء ويقود وحدة من القوات المصرية الخاصة مجموع أفرادها حوالي ١٥٠٠ فرد والمعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء، ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث، وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية، وكنتيجة لفقدان الاتصال بين الشاذلي وبين قيادة الجيش في سيناء، فقد اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو، وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلومترات، وبقي هناك يومين إلى أن تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي أصدرت إليه الأوامر بالانسحاب فورا، فاستجاب لتلك الأوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب يوم 8 يونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، و نجح في العودة بقواته ومعداته إلى الجيش المصري سالما، وتفادى النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلى 20%، فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء، بعدها تم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هي القوات الخاصة.
وفي 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصرى، فيما سماه بـثورة التصحيح عين الشاذلى رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، و فى 13 ديسمبر 1973 وفى قمة عمله العسكرى بعد حرب أكتوبر، تم تسريح الفريق الشاذلى من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر فى إنجلترا ثم البرتغال، وفى عام 1978 انتقد الشاذلى بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه ويذهب إلى الجزائر كلاجئ سياسى.
فى المنفى كتب الفريق الشاذلى مذكراته عن الحرب والتى اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثناء سير العمليات على الجبهة، أدت إلى التسبب فى الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة، وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر، كانت تصلهم الإمدادات خلالها تحت إشراف الجيش الصهيوني، كما اتهم فى تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة فى مفاوضات فض الاشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته، وهو الكتاب الذى أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية.
بعد سنوات وفي عام 1992 عاد إلى مصر بعد 14 عاماً قضاها فى المنفى بالجزائر، وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة، وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين، وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصرى ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لابد أن تخضع لمحاكمة أخرىـ، وأثناء تواجده بالسجن، نجح فريق المحامين المدافع عنه فى الحصول على حكم قضائى صادر من أعلى محكمة مدنية وينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية، وأن الحكم العسكرى الصادر ضده يعتبر مخالفاً للدستور، وأمرت المحكمة بالإفراج الفورى عنه، رغم ذلك، لم ينفذ هذا الحكم الأخير وقضى سنة ونصف السنة فى السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدًا عن أى ظهور رسمي.. وظل هكذا إلى أن توفي في 10 فبراير 2011، بالمركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة، عن عمر بلغ 88 عامًا قضاها في خدمة وطنه بكل كفاءة وأمانة وإخلاص، وقد جاءت وفاته في خضم ثورة 2011 في مصر، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض، وقد شيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة بعد صلاة الجمعة، وكانت جنازته في نفس اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان تنحي الرئيس حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية.
88 عامًا قضاها في خدمة وطنه: الفريق سعد الدين الشاذلي.. اللغز المحير والعقل المدبر لحرب أكتوبر
naser
Mon, 01 Apr 2013 21:16:30 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى