الجارديان: قصة الهجوم على معتصمي الحرس الجمهوري كاملة
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقا مطولا حول مجزرة الحرس الجمهوري التي ارتكبتها بعض قوات الجيش ضد معتصمين سلميين عزل، مستندة في ذلك إلى أقوال شهود عيان وبعض الصور ومقاطع الفيديو.قالت الصحيفة إنه في ساعات مبكرة من ٨ يوليو ٢٠١٣ قُتل ٥١ شخصا من انصار الاخوان المسلمين خارج مقر نادي الحرس الجمهوري من قبل قوات الامن، فيما يدعي الجيش المصري ان المعتصمين حاولوا اقتحام المبنى بمساعدة راكبي دراجات نارية مسلحين.
وبعد فحص العديد من مقاطع الفيديو و مقابلة شهود عيان من المسعفين والمعتصمين فقد وجد باتريك كينقزلي قصة مختلفة ؛ هجوم منسق على عدد كبير من المدنيين المسالمين. قال أحد الناجين " لو ارادوا فض الاعتصام لوجدوا طريقة اخرى لفعل ذلك ، لكنهم ارادوا قتلنا".
وأضافت أنه في حوالي الساعة ٣.١٧ من فجر الاثنين الثامن من يوليو كان الدكتور يحي موسى راكعا في صلاة الفجر . كان موسى متحدثا رسميا لوزارة الصحة وكان في ذلك اليوم خارج مبنى الحرس الجمهوري مع نحو ٢٠٠٠ شخص من انصار الاخوان المسلمين. وكان موسى قد نص خيمة للاعتصام خارج المبنى في اعتصام ضد ازاحة الرئيس السابق محمد مرسي الذي كان يُعتقد انه مسجون بداخل المبنى .
وكالجميع كان موسى جاثما على ركبته وظهره للحاجز الشائك امام مدخل المبنى ، وعلى بعد عدة اقدام كان يجلس الدكتور رضا محمدي وهو محاضر تربوي في جامعة الازهر وخلفه البروفيسور ياسر طه استاذ الكيمياء العضوية بجامعة الازهر وثلاثتهم كانوا اصدقاء في الجامعة وتشاركوا نفس الخيمة في تلك الليلة.
وخلال ساعة قُتل طه برصاصة في رقبته ومحمدي فقد وعيه عندما اخترقت رصاصة فخذه وموسى اصيب بطلق في كلتا قدميه وفقد جزءً كبيراً من سبابته. والثلاثة كلهم كانوا ضحايا لاكثر المجازر الدموية التي نفذتها الحكومة منذ رحيل حسني مبارك والتي قُتل فيها على الاقل ٥١ شخصاً واصيب نحو ٤٣٥ اخرين وفقا لمصادر رسمية، فيما قُتل رجلي امن وجندي واصيب ٤٢ آخرون .
ويقول الجيش ان الهجوم عمل ارهابي ، وانه حوالي الساعة ٤ فجرا كما ذكر التقرير الرسمي للجيش تقدم ستة اشخاص مسلحون في درجات نارية بإتجاه المبنى وحاول المعتصمون اقتحام المبنى فما كان من الجنود الا ان دافعوا عن ممتلكاتهم. ومع ذلك فإن تحقيقا استمر لمدة اسبوع شمل الحديث مع ٣١ شاهد من الحشد المتواجد والاطباء بالاضافة الى تحليل محتوى مقاطع الفيديو وجدنا لا اثر للدراجين المسلحين بل ان لرواية مختلفة تماما ثبت فيها ان الجيش قام بهجوم منظم على مجموعة كبيرة من المدنيين الغير مسلحين والمسالمين.
ورفض الجيش اربع طلبات لمقابلة بعض الجنود الذين كانوا متواجدين في ذلك الوقت. وعرض متحدث بإسم الجيش صور لثلاثة اشخاص من انصار مرسي يحملون اسلحة بعد بداية المجزرة، لكن ما عرضه الجيش على انه مشاهد مستفزة للمتظاهرين يرمون الحجارة في الساعة الرابعة وخمس دقائق تقريبا يأتي بعد اكثر من نصف ساعة من بداية الهجوم على مخيم المعتصمين.
تمام الساعة ٣:١٧ دقيقة فجراً.
قالت الصحيفة إنه تجمع عدد من انصار الرئيس مرسي في باحة مبنى الحرس الجمهوري منذ الساعة الثالثة ضمن اعتصام يقومون به منذ الجمعة الذي سبقه. وقد اغلقوا شارع صالح سالم وهو احد الشوارع الرئيسة في مدينة القاهرة وأقاموا خيامهم. وفي اليوم الاول لتجمعهم تم اطلاق النار على ثلاثة اشخاص لقوا حتفهم على يد ضباط في الجيش ، وفي تمام الساعة الثالثة وسبعة عشر دقيقة فجراً نادى الامام لصلاة الفجر وكان كل شي هادئ، وسارت النساء والاطفال للمخيمات. فيما وقف فصيل من الجيش امام المبنى خلف السياج ، وقام نحو ١٢ شخصاً من المعتصمين بتحصين المتظاهرين الذين استقامو لاداء الصلاة على جانبي الشارع وبإمتداد ثلاثمئة متر من كلا الجانبين بينما كان البعض لازالوا نائمون . لكن الاغلب تجمعوا للصلاة منتشرين في تقاطع طريقي طريق صالح سالم وشارع الطيران والطريق الممتد الى رابعة العدوية مقر الاعتقام الاكبر لمناصري مرسي.
يقول الدكتور مصطفى حسنين وهو الطبيب الذي كان مناوباً في المساء والذي كان عائداً الى رابعة العدوية لينام قليلاً حوالي الساعة الثالثة فجراً : " لقد كان كل شي هادئاً وكان الجميع يؤدون الصلاة وكان افراد الجيش هادئون ايضاً والبعض منهم كان يتحدث مع المعتصمين من خلف السياج. ما حدث بعد ذلك يبدو مثار جدل لكن معظم الشهود يؤكدون ان هناك هجوما شُن على المعتصمين بعد الثالثة والنصف تماماً وعندما كان الجميع راكعون في الركعة الاخيرة من الصلاة.
يقول موسى مااكده الكثيرين ممن حضر المشهد: " كان المصلون في الركعة الثانية وعندما سمع الامام ضجة في الصفوف القريبة من الاعتصام اضطر لقطع الدعاء وختم الصلاة سريعاً". وفي طرفي المعتصمين قام رجال المراقبة بضرب قطع من المعدن لتنبيه المعتصمين وهو عرف استخدمه المعتصمون في ٢٠١١ كدلالة على اقتراب وقوع خطر.
وعلى بعد ٢٠٠ متر غرباً في احدى الشقق في اعلى احد المباني استيقظ سيف جمال وهو مهندس في الاربعين من العمر مع عائلته على صوت الضجيج. ولا يصنف سيف نفسه لاي تيار من التيارات المتصارعة في مصر، وجمال وعائلته الذين لم يأبهوا لوجود المتظاهرين من قبل خرجوا لمشاهدة ما يجري. وكانت هناك العشرات من سيارات الامن وخلفها العشرات من الجنود المرتجلين والمسلحين يسيرون شرقاً بإتجاه مسجد مصطفى على شارع صلاح سالم.
يقول جمال :" كان هناك عشرات السيارات المسلحة التابعة للامن تتقدم ومعها العديد من الجنود. وتقدموا ببطء وتوقفوا على بعد نحو ١٠٠ متر قبل البدء في اطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وبعد ذلك اصبح من الصعب رؤية ما اذا كان هناك اطلاق نار حي على المعتصمين" وبدأ جمال بتصوير الاحداث بالكاميرا الشخصية الخاصة .وابتدأ جمال التصوير في تمام الساعة ٣:٢٦ دقيقة تماماً. وقد تم تنزيل الفيديو لاحقا من احد اصدقاء جمال الذي غير اسمه هربا من ملاحقة السلطات له.
عندما بدأ كل ذلك كان المشهد ضبابياً نتيجة لانتشار الغاز بكثافة وكان مشهد المتظاهرين الذين تجمعوا لمشاهدة مايحدث واضحاً. وفي الاتجاه الاخر كانت مجموعة اخرى من المتظاهرين تحتشد لمشاهدت هجوم آخر على المعتصمين قرب مسجد السيدة صفية.
يقول الدكتور محمدي :" عندما انتهينا من الصلاة هرعنا الى مصدر الصوت ووجدنا القوات تطلق قنابل الغاز من السيارات بينما تقدم الجنود سيراً لاطلاق النار على المتظاهرين. جمال كان يشاهد كل ذلك ويؤكد ان الهجوم لم يسبقه استفزاز. ويقول جمال : " انا متأكد من ذلك ، الامن بدأو بالهجوم ولم اشاهد اي درجات نارية ولم اسمع اطلاق نار من قبل" واضاف ان العصي هي الاداة الوحيدة التي كان يحملها المعتصمون آنذاك ويضيف " الهجوم لم يكن رد فعل ضد هجوم ، فالمعتصون لم يهاجموا فقد كانوا يصلون ، وقد تقدمت قوات الامن منهم ببطء وثبات ، لقد كانت خطة ".
وتعارضت تفسيرات جمال مع تفسيرات شاهدين اخرين يسكنان في نفس الشارع. حيث قالت نهى الاسعد ان قوات الامن تجاوبت مع اطلاق نار من بندقيات حملها المتظاهرون فيما قالت جارتها الصحفية ميرنا الهلاباوي " انه من الواضح ان المعتصمين بدأو بإطلاق النار" إلا انه غير واضح كيف استطاعت الشاهدتان معرفة مصدر من بدأ الهجوم اولا، حيث يؤكد المسعفون في ميدان رابعة العدوية ان اول الجثث وصلت في تمام الساعة ٣:٤٥ فيما قالت الهلاباوي انها لم تستطع مشاهدة الوضع من بلكونة شقتها الا بعد الساعة ٣:٤٦ فيما ظهرت تغريدتها باللغة العربية في تمام الساعة ٣:٤٢ حيث كان قد بدأ اطلاق النار مما يدعو للتساؤل عن كيفية معرفتها بمن بدأ بإطلاق النار.
بينما تقول الاسعد انها لم تنظر للخارج الا بعد الساعة ٣:٥٥ وهذا يعارض جملتها التي شهدت فيها عبر الفيس بوك التي قالت فيها ان اطلاق النار حصل تمام الساعة ٤:١٥ .
ويظهر في تسجيل جمال بعد ٩٠ ثانية احد المعتصمين الذي كان واضحاً انه يطلق النار بإتجاه قوات الامن غير ان مسار الصوت في الفيديو يدل على انها لم تكن المرة الاولى لاطلاق النار.
طه حسين خالد وهو معلم لغة انجليزية جاء من كفر الشيخ لمقر الاعتصام. عندما سمع صوت ضجيج المعدن للتنبيه كان من اوائل من وصل للجانب الشرقي وكان يخشى ان يكون معارضوا مرسي قد هاجموا المعتصمين لكن حال وصوله وجد ان الواقع اكثر رعباً حيث كانت قوات الامن تهاجم المعتصمين بقنابل الغاز اولاً ثم بالذخيرة الحية . ويقول خالد :" وقفنا في اماكننا في البداية لكن بعد ان اُطلقت قنابل الغاز تراجعنا قليلاً ، وسرت وسط الحشد في منتصف الطريق لكي لا يتمكن احد من رؤيتي وعندها اصبت وكان ذلك في تمام الثالثة واربعين دقيقة، وعندها ركضت في طريق سالم صالح واخطط للذهاب يمينا لطريق الطيران وعندها اصبت مرة اخرى في الفخذ الايسر.
وعلى بعد امتار خلفه كان يحي محفوظ وهو معلم من سوهاج ثابتا مكانه عندما رأى قوات الامن تتقدم ، يقول محفوظ : " بقيت في مكاني وكنت اريد ان اخبرهم ان النساء والاطفال كانوا يصلون الا ان جندياً اصابني في رجلي ، احسست بعدها بالدوار وسقطت على الارض ، سقطت على فكي واحاط بي تسعة جنود وكانوا يضربونني بالعصي."
ويمكن مشاهدة احد المعتصمين يتم ضربه من قبل قوات الامن في المشهد الذي التقطه جمال بالكاميرا خاصته.
وبالعودة لمكان الاعتصام أمام مدخل الحرس الجمهوري كانت هناك فوضى عارمة فالاباء مذعورون ويركضون هنا وهناك بحثاً عن ابنائهم الذين خرجوا مذعورين على صوت محمد وهدان احد قادة الاخوان الذي كان يرجو القوات عبر مكبر الصوت الخاص بالامام ان يرحموا المعتصمين.
وعلى مقربة من ذلك وحوالي الساعة ٣:٣٠ شكل ٣٠ شخصاً منهم الدكتور يحي موسى حاجزا بشريا على طول الحاجز الشائك امام المبنى لحماية المقر. ويقول الدكتور موسى :" اردنا ان نتأكد ان لا احد يرمي على الجنود الحجارة او القوارير لكي لا يستفزونهم ، وبعد نحو دقيقتين او ثلاث قام الجنود امام الحرس الجمهوري بوضع اقنعة الغاز وبعدها خرجت سيارتين للشرطة من المبنى وكان الضباط في داخل السيارات يرتدون اقنعة الغاز ايضاً وبدأو بإطلاق قنابل الغاز بإتجاه نهاية الحشد ثم بدأو بالاطلاق بشكل عمودي ادى الى اصابة البعض مباشرة بقنابل الغاز."
وبعد عشر دقائق وعندما ازداد الغاز كثافة وانتشر في الارجاء سقط العديد من الرجال الذين كانوا يشكلون الحاجز البشري على ركبهم واستطاع موسى الفرار لتهدئة لسعات الغاز التي يحس بها. ووجد عند التقاطع ماء واستطاع ان يغسل وجهه وعينيه وحاول العودة بإتجاه السياج لكن الغاز كان كثيفاً فلجأ خلف احد العربات واستطاع رؤية سيارة مسلحة لقوات الامن على الحافة الشرقية وخلفها جنود وافراد من الامن قاموا بإقتحام الاعتصام وزملاء آخرين لهم يقتحمون من جهة اخرى. ويقول موسى :" استطعت مشاهدتهم وهم يطلقون الرصاص الحي وكانوا على بعد نحو ٢٠ متراً فقط ".
وبناءً على شهادات المتواجدين في المخيم فإن القوات المقتحمة تقدمت بسرعة وبكثافة شديدة . ويقول محمد صابر السباعي انه كان يحمل سجادة الصلاة عندما اصيب. ويقول :" اختبأت انا واحدهم خلف بعض الركام عندما احسست بإصطدام شي ما برأسي ، وعندها حملت سجادتي ووغطيت بها رأسي الا انها لم توقف النزيف الذي كان شديداً ".
ويقول محمد عبد الحافظ احد المحتجين الذي اصيب برصاص حي حول المعدة انه كان نائما في خيمته دقائق قليلة قبل الهجوم وانه استيقظ ليجد نفسه في المستشفى.
وفي وسط الفوضى العارمة ، تدفق نحو ١٠٠ شخص من المعتصمين بإتجاه المساكن القريبة طلباً للجوء وطالبين الخل الذي يفيد كعلاج منزلي في حالة الاختناق بالغاز. وقادهم السكان لأسطح العمارات حيث تم اعتقالهم لاحقاً من قوات الامن وبقي احدهم في حالة ذعر وعمرة ١١ سنة حيث تسمر في مكانه هناك الى بعد العصر.
وكان موسى من اوائل من اصيبوا ببندقيات رجال الامن في ركبته اليسرى وكان يحاول السيطرة على الالم وبقي في المركبة الى ان اصيب مرةً اخرى برصاص حي حول الركبة اليمنى وكانت الاصابة الثانية لا تُحتمل فأتجه الى شارع الطيران ليجد حماية مناسبة. ويقول موسى "وعندها حصلت الاصابة الثالثة حيث نظرت الى اصبعي السبابة فوجدت ان ثلثيها قد اصيب " وعندها حمله بعض المعتصمين الى سيارة اقلته الى اقرب مركز طبي.
وبعد ساعات ، اراد بعض مراسلوا القنوات الرسمية اجراء لقاء معه كما هي العادة في مثل هذه الاحداث ، وقال لهم انه كان هناك بنفسه وان ما حدث هو مجزرة وحينها تم قطع الاتصال من طرف القناة. وبعدها بفترة بسيطة تم ابلاغه بفصله من عمله كمتحدث رسمي لوزارة الصحة نظراً لنشره معلومات مغلوطة .
ويقول الدكتور علاء محمود ابو زيد الذي كان يستقبل الحالات في المستشفى الميداني في رابعة العدوية ، ويقول ان اول الحالات وصلت نحو ٣:٤٥ فجراً .وكان الاطباء قد اعدوا قبل ايام غرفة كبيرة في باحة المسجد جهزوها بعدد ٦ اسرة طبية ورفوف تحوي بعض الادوية ومستلزمات طبية استعداداً لحالات كالانفلونزا او ضربات الشمس ولكن ليس لما حصل في ذلك الصباح.
ويقول ابو زيد الذي عمل طبيباً متطوعا سابقا في عام ٢٠١١ وفي الاحداث الاخيرة ان اول الحالات اصيبت في الرأس وأن جزءً من الجمجمة قد فُقد وتدلى الدماغ من الرأس وكان الرجل قد تُوفي. وعندها ادرك مدير المستشفى الميداني خطورة الوضع فأيقظ جميع الاطباء وطلب منهم الاستعداد لحالة طوارئ قصوى. إلا انهم لم يكونوا مستعدون للقادم ، فلم يكن هناك غير ستة اسرة وفي اسوأ الظروف كان يمكن ان يتعامل الاطباء مع ٢٥ حالة في نفس الوقت. ويقول ابو زيد : " هذه كانت مجزرة ، لم نكن نستطيع ادارة الوضع وكنا نتسائل متى ينتهي كل ذلك ، لكنه لم ينتهي." وبحلول الرابعة فجراً كانت هناك ثلاث جثث لاشخاص متوفين في المستشفى الميداني ويقول انه مابين الثالثة والنصف فجراً للسابعة والنصف وصلت ١٢ جثة تم نقلهم بالسيارات او الدراجات الخاصة كما وصل نحو ٤٥٠ اصابة. ويقول ابو زيد ان البعض تعرض لاصابتين في الرقبة من الخلف وفي الصدر من الامام مما يفسر انهم تلقوا رصاصات في الخلف ثم استداروا بإتجاه مصدر الرصاص فأصيبوا مرةً اخرى من الامام.
الدكتور محمد لطفي هو احد المسعفين المتطوعين في الميدان والذي سبق ان تطوع في الازمة الليبية سابقاً . يقول الدكتور لطفي : " كل الحالات كانت من نفس النوع ، كما لو كنا في ميدان معركة" إلا ان شعور لطفي تجاه الموقف كان مختلفاً فبينما كان في المستشفى آمناً فقد كانت والدته وزوجته وبنتيه وولده في ميدان الحرس الجمهوري ويقول :" لك ان تتخيل كيف يمكن ادارة الامور من هنا وقلبك وعقلك مع المجزرة هناك".
وبحلول الرابعة والنصف كانت التجهيزات من المستشفى الميداني قد بدأت في النفاد. لأجل ذلك تم ارسال بعض الحالات الخفيفة لمستشفيات ومراكز طبية مجاورة واشتكى المصابون من ساعات الانتظار الطويلة وفي بعض الحالات تم رفض استقبالهم في بعض المراكز الاهلية لكي لا يدخل المركز في هذه الدوامة السياسية المتأزمة. وبحلول السابعة بلغ الوضع بالدكتور ابو زيد ان اضطر الى ثني بنطلونه من الاسفل لكثرة الدماء على الارض. ويقول ابو زيد " بغض النظر ان شح التجهيزات في المستشفى الميداني، لم يكن احد ليستطيع التعامل مع ما حدث فقد كنا نعمل ونبكي في نفس الوقت".
ويقول ابو زيد ان اكثر الحالات حبساً للانفاس هي حالة لطفل يبلغ من العمر ١٠ سنوات اصيب ببندقية وطفلة رضيعة اخرى عمرها ٦ اشهر فقدت الوعي بسبب الغاز ويقول ابو زيد ان هذه الحالات تبدد الرواية التي يرددها الجيش حول عدم استهدافهم للاطفال والنساء. ويؤكد جراح اخر عمل في المستشفى الميداني يدعى د. خالد عبد اللطيف انه عالج عشرون امرأة من حالات اختناق بسبب الغاز فيما التقت الصحيفة ( القارديان ) بإمرأتين اصيبتا في الهجوم.
و فوجئ الجميع بالدكتور ياسر طه الذي كان وجهاً مألوفاً للجميع محمولاً على النقالة وهو الامر الذي يقول الدكتور ابو زيد اننا لم نستطع تصديقه. وامام هذه المشاهد انهار طبيب امراض القلب الذي اعتاد مشاهدة الدماء في غرف العمليات الدكتور سامر ابو زيد ودخل في حالة بكاء هستيري.
ويقول الدكتور مصطفى حسنين الذي كان عائدا في الساعة الثالثة فجراً الى رابعة ليخلد للنوم ان مديره اوقظه في تمام ٣:٤٥ وقال له ان هناك حالة طوارئ ( هجوم )" ويقول :" هرعت لهناك حاملاً حقيبتة الاسعافات الاولية التي تحوي القطن ومرهم مضاد وضمادات وبخاخ الخل لحالات الاختناق بالغاز ، ووصلت هناك حدود الرابعة فجراً، وفي ٤:١٠ اتجهت لطريق الطيران وكنت استطيع سماع اصوات اطلاق قنابل الغاز والذخيرة الحية ولكني لم استطع مشاهدتها، واستمريت في الركض واشاهد المصابين يتم نقلهم للجهة المقابلة،، وعندها اتجه الي احد المعتصمين وذراعه مصابة وكان يصرخ بصوت عالي جداً ، وكان الجزء السفلي من ذراعه معلقاً بالجلد فقط ، لكني لم استطيع فعل اي شي لاجله" واضاف : " رأيت النساء والاطفال يركضون للخلف وآخرون يحاولون حماية المصابين بالحجارة وقنينات الغاز والاطارات المحروقة لزيادة كثافة الدخان الى اعلى حد لكي لا يتمكن القناصون من تحديد اهدافهم."
في خضم المعركة كان الدكتور محمدي يحاول مساعدة اكبر عدد ممكن من الناس ليسلكوا طريق الطيران الذي يعيدهم لرابعة العدوية. وفي هذه الاثناء شاهد امرأة كبيرة في السن مختنقة من الغاز وتبحث في الارجاء قائلةً لمحمدي : " انا ابحث عن ابني ، لا استطيع ان اجد ابني " واجابها : " نحن كلنا ابناءك، دعيني اساعدك " الا انها رفضت وقالت : " لا يهم اذا ما حدث لي شيئاً ، لكن ابني هو حياتي ، لابد ان اجد ابني."
فتركها محمدي واتجه لشارع الطيران حيث اصيب هناك اصابة في الفخذ الايمن، ويقول : " لقد شاهدت الضابط الذي اطلق النار ، لقد كان واحداً من اولئك الذين قدموا من جهة مسجد السيدة صفية وقد استطاع شق طريقه عبر شارع الطيران وكان على بعد ٣٠ متراً مني."
وقريباً من ذلك الوقت كان الدكتور حسنين قد وصل الى تقاطع الطيران مع صالح سالم الذي اصبح شبه خالٍ الان ويؤكد انه استطاع مشاهدة احد المعتصمين مصابا في الرأس ويقول :" انه بحلول ٤:١٥ عندما شاهدت ذلك الشخص مصاباً في الرأس ، لم يكن هناك اي من المعتصمين مسلح ، بعضهم كان يحمل عصي ويلبس خوذة ولكن هذا كل ما في الامر وأقسم بأن اولئك الذين اصيبوا في الرأس لم يكونوا يحملوا اي سلاح.
وفي قلب الحدث كان الدكتورة اهنام عبدالعزيز غريب وهي استاذ مساعد في علم الاحياء الدقيقة في جامعة الزقازيق وكانت الدكتورة اهنام محجبة وتدور هنا وهناك بحثاً عن ابنها البالغ ٢١ عاما والذي يعاني من الربو وتقول : " كنت ادور من خيمة لاخرى بحثاً عن ابني وكانوا يطلقون علينا من جميع الاتجاهات ولكني لم اجده وكان الجميع مستلقين على الارض ليحتموا فتلقيت رصاص في الظهر من بندقية واصبحت اكح دماً، واضهرت الاشعة لاحقاً اصابتي ب ٧٥ طلقة في الظهر بعضها لازالت في الرئة حتى الان " وتضيف: " اقترب مني ضابط يرتدي زياً اسوداً وطلب مني النهوض فأخبرته بأني لا استطيع لاني مصابة فوجه بندقيته الى وجهي وقال انهضي والا قتلتك فنهضت" وتؤكد انه تم اخذها مع آخرين بإتجاه المركبة التي تم اطلاق الرصاص منها وبالقرب من منها مركبة اخرى للامن المركزي وانها كانت تتوسل اليهم ليتركوها فهي ام واستاذ في الجامعة وترجتهم ليتركوها تذهب لسيارة الاسعاف، غير انهم لم يكن لديهم رحمة واخبروها انه لا يمكن ان تدخل سيارات الاسعاف بسبب الجدران التي بنوها وانه لا يمكن لهم الرحيل الا بعد شروق الشمس وهذا ماحدث بالفعل فلم تتمكن من المغادرة الا بعد شروق الشمس.
وبعض من هؤلاء المحتجزين لم يكونوا محظوظين، فقد كان هناك مسجدين استطاع الكثير من المعتصمين الوصول لهما وهما مسجد مصطفى في الغرب ومسجد السيدة صفية في الشرق. إسلام لطفي البالغ من العمر ١٩ عاماً الذي يدرس الصيدلة كوالده محمد المتواجد في المستشفى الميداني، كان اسلام في دورات المياه الخاصة بمسجد مصطفى الساعة ٣:٣٠ عندما كان يغسل وجهه ويده وفجأة سمع صوت اطلاق النار واطل برأسه من باب دورات المياه لباحة المسجد ليشاهد بضعة جنود امروه في الحال ان يعود للداخل ،وبعد ذلك بفترة بسيطة تم ادخال بندقيتين عبر نوافذ دورات المياه رغم انه لم يفعل شيئا حينها الا غسل .
ويقول لطفي الابن :" دخل احدهم وكسر الباب الى دورات المياه وقد كنا اربعة في الداخل وامرنا بالخروج والاستلقاء ارضاً ثم قام بربط ايدينا برباط بلاستيكي وتم اخذنا مقيدين الى سيارة الشرطة، وقد أُجبرنا على خفض رؤوسنا فلم نكن نشاهد اطلاق النار لكننا كنا قادرين على سماعه" ويضيف : " كان ضباط الأمن المركزي والشرطة يضربون سيارات الناس بقوة في كلا الجانبين. وكان الامر في سيارة الشرطة الفان كالجحيم ، فقد كانت طاقتها الاستيعابية ١٥ شخصاً الا انه تم الزج بنحو ٥٠ شخصاً فيها وكان الازدحام شديداً والرطوبة عالية، وقد ادخلنا بالسيارة داخل مبنى الحرس وبقينا هناك الى التاسعة صباحاً " ويستطرق: " كنا نظن ان الناس قد بدأوا يموتون لذا كنا نطرق بقوة شديدة فاطلقوا سراحنا مع مجموعتين اخرى ".
وكانت جولة اخرى من الاعتقالات قد حدثت في مسجد السيدة صفية واعتقالات اخرى في مسجد مصطفى غير ان المتواجدين في مسجد مصطفى لم يعتقل منهم الا القليل وذلك لان الاغلب منهم احكموا اغلاق المسجد وتحصنوا في الداخل ( وتدعي ميرنا الهلباوي أن اثنين من المعتصمين تسلقوا المنارة وبدأوا بإطلاق النار على قوات الامن ) لكن في مسجد السيدة صفية تم اعتقال الجميع. ويقول محامي الدفاع عن المعتصمين خالد نور الدين "ان الشرطة امرت المعتصمين بشكل غير محترم بالمشي في محيط المسجد على اطراف اصابعهم وأن يلقون هواتفهم بعيداً كما لو كانوا مجرمين." وكؤلائك المتواجدين في مسجد مصطفى تم وضع خمسين شخصاً في سيارة فان لا تستوعب الا خمسة عشر شخصاً. وتم ادخالهم كالاخرين لمبنى الحرس الجمهوري وقد طرقوا اطراف الشاحنة بقوة ليتم فتح منفذ للتنفس ثم تم اقتيادهم وطلب منهم ان يستلقوا على الارض وسار بعض الجنود عليهم بالاحذية العسكرية ويقول نور الدين :" ان احد الضباط جاء لاحد المعتصمين بصورة مرسي وسأله: من هذا ؟! فقال: هذا الرئيس مرسي ، فرد الضابط : هو ليس رئيساً بل خروف وقام بضرب المعتصم."
لقد تم في ذلك اليوم اعتقال ٦٠٠ شخص وكالبقية اُعتقل اسلام لطفي ليوم الاربعاء.. بلا محامي وتم اتهامه بالقتل والشروع في القتل وحيازة السلاح. ويقول اسلام :" لم اقم ابداً باي عنف، لم ارم حتى الحجارة ،، لقد كنت معتصماً بطريقة سلمية للغاية." وكان بعض من رفاق لطفي قد قاموا قطعاً برمي الحجارة . ففي الساعة ٤:٣٠ بعد ساعة تماماً من بداية اطلاق النار لاول مرة فقد انتقلت الاحداث بالكامل من شارع صالح سالم لشارع الطيران وهو الطريق المؤدي الى موقع الاعتصام الاكبر في رابعة العدوية. وقد انتشر قناصة الجيش من اسفل الطريق ومن اسطح البنايات العسكرية المجاورة. وقام مئات الاسلاميين خشية ان يتم الهجوم على رابعة العدوية برمي الحجارة وتشكيل حواجز بشرية وحرق بعض الاطارات لحجب الرؤية.
وأظهرت الصور التي قدمتها الشرطة لصحيفة القارديان أن انصار الرئيس بدأوا حرب شوارع من بعد ٤:٥٩ وظهر في الصور ثلاثة اشخاص مسلحين بمسدسات يدوية فيما قام اخرون بقذف قنابل البنزين على قوات الامن، بينما قال انصار مرسي ان هناك رجلان شنوا هجوما بالالعاب النارية على قوات الامن فيما تسلق اخرون اعلى برج سكني قريب ليلقوا قذائف مولوتوف كما اظهرت الصور المعتصمين وهم يلقون احواض واغطية المراحيض من الاعلى. لكن القوات كانت لاتزال تستخدم القوة المفرطة مع السواد الاعظم من المعتصمين المسالمين.
واستمر قناصوا الجيش في استهداف مواطنين غير مسلحين، وقد اظهرت الصور التي التقطها الصحفي احمد عاصم الذي يعمل في احدى الصحف التابعة للاخوان وفاته على يد احد قناصي الجيش. ويقول ابراهيم رؤوف صانع افلام لا ينتمي للاخوان ان اخيه الغير مسلح الذي كان يقف في الصفوف الخلفية قد اصيب برصاصة في المعدة . وكان رؤوف قد ابلغ ان عدة مستشفيات شهيرة و قريبة رفضت استقبال المصابين لاجل سمعتها. ويقول رؤوف :" حملت اخي طول الطريق الى مستشفى رابعة الميداني ووجد الاطباء انه قد اصيب بالرصاص الحي فما كان مني الا ان اخذته الى مستشفيين في القاهرة وكلهم رفضوا استقبالة فأضطررت لقيادة السيارة بلا رعاية طبية الى مدينة ٦ اكتوبر لمستشفى الزهور".
وكان حازم ممدوح، مبرمج حواسيب ، على وشك مغادرة مقر الاعتصام بسيارة اجرة عندما وقع الهجوم في الثالثة والنصف وقد ابلغ ايضاً عن استهدافه من قبل قناصي الجيش رغم انه كان بعيد نسبيا عن موقع التصادم. ويقول :" بدأوا بإطلاق النار علينا نحن البعيدين عن الموقع وقد استطعت ان اخفض رأسي لتجنب القناصة الا ان شخص آخر خلفي اصيب في الرأس لانه لم يحتمي." وعلى مقربة من شارع الطيران كان الدكتور خالد عبداللطيف خارجاً من عمله في مستشفى الزقازيق في ذلك اليوم وقام بإعداد مستشفى ميداني مصغر حيث توفي هناك ثلاثة اشخاص، وقد لاحظ الدكتور عبداللطيف اساءات متكررة من ضباط الجيش حيث حاولوا مراراً ازالة الخيمة وكان الغاز يملأ ارجاء المكان مما صعب المهمة اكثر، وخرج عبداللطيف من الخيمة في تمام السابعة تاركاً خلفه رجل كبير في السن يحاول انعاش صديقة المتوفى. وقد اعتقلت الشرطة صديقه الدكتور اشرف الذي كان يعالج احد المرضي وقال له الشرطي :" اما ان تأتي معنا او ستُقتل."
انتهى القتال اخيراً في تمام السابعة بعد ان استمر ثلاث ساعات ونصف ونتج عنه ٥٤ قتيلاً ، الا ان القتل لم ينتهي ذلك اليوم، ففي صباح يوم الاربعاء حوالي الساعة السادسة تم العثور على جثة المهندس البالغ من العمر ٣٧ عاماً فريد شوقي، وقد وجدت الجثة مرمية في شارع الطيران وهناك اثار تعذيب وندبات واضحة على جسده واثار صعق كهربائي ورضوض في اماكن متفرقة من جسده.
وأعلن عدلي منصور الرئيس المؤقت القيام بتحقيقيات قضائية في الحادث بناءً على المعطيات الاولية للقضية مظهراً ان الجيش لا يرغب في ان يعرض نفسه لاستقصاء من الخارج. وقد عزف الجيش عن اعطاء بيان كامل عن الحادث وهناك ايضاً غياب للنقد ولوسائل الاعلام المحايدة فيما تم اقفال قنوات الاخوان
وفي جو سياسي مشحون وفي ظل استقطاب حاد وحيث ينتشر شعور بأن الاخوان قد تمت معاقبتهم وان الجيش المصري منيع ضد اي دعوى قد ترفع ضده، هناك حنق يرتفع من قبل الضحايا لان الحقيقة قد لا تظهر ابداً.
يقول الدكتور علاء ابو زيد من مستشفى رابعة الميداني :" اريد ان اؤكد ان ماحدث كان مجزرة بالفعل ، كانت القصة متطابقة في كل الحالات التي استقبلناها ، يستحيل ان يكونوا جميعاً اتفقوا على نفس الكذبة."
وبينما يتعالج الدكتور يحي موسى من جراحه الثلاثة يؤكد من مستشفى القاهرة قائلاً : " لو ارادوا تفريقنا من موقع الاعتصام لاستطاعوا فعل ذلك بأي طريقة لكنهم ارادوا قتلنا ".
رابط المقال كاملاً بمقاطع الفيديو والصور:
http://www.guardian.co.uk/world/interactive/2013/jul/18/cairo-republican-guard-shooting-full-story?CMP=twt_gu#part-one
http://www.el-wasat.com/portal/News-55722533.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى