أ.د. سيف الدين عبد الفتاح
من الضروري متابعة تصريحات هؤلاء الانقلابيين قبل وبعد الانقلاب، حتى يمكن أن نتعرف على تناقضهم في كلامهم، بما يعبر عن قدرة هؤلاء على التلون وافتقادهم أسس القيم الإنسانية التي يدعون أنهم يتمسكون بها، فالكلمات تتغير والمواقف تتبدل والسلطة تلعب بالرؤوس، خاصة حينما تأتي على ظهر الدبابات ،فإن كلمات الانقلاب تؤدي إلى انقلاب الكلمات.
يقول الدكتور الببلاوي - وهو موضع حديثنا اليوم - عند وقوع "أحداث ماسبيرو" في الثامن والتاسع من اكتوبر2011: "استشعرت أن ما حدث في ماسبيرو من أخطر النكسات التي قابلت مصر ..(إن الناس تقتل في بعض)". نقول له فماذا يحدث الآن؟..أليس تأليب الشعب على بعضه هو ما تفعلون وما تقترفون، ماذا يعنى فض الاعتصام واقتحامه سوى القتل بدم بارد.
يقول الببلاوي: "إن الوظيفة الأولى لأي حكومة .. تحقيق الأمن لأبناء البلد .. إذا لم يتحقق الأمن لأبناء البلد ... هنا تفشل الحكومة .. وبناء عليه: نحن نأسف لأننا لم نكن على المستوى لنقدم للمواطن ما يستحقه من إجراءات أمن". ونقول له: كنت نائبا لرئيس الوزراء فى حكومة عصام شرف، وتحدثت آنذاك على فشل الحكومة لأنها لم تحقق الأمن لأبناء البلد، لقد حققت كوارث لا تعد فى مساحات الفشل بل مساحات الإجرام السياسى يا رجل القانون والحقوق، هل قدمت الأمن للمواطن منذ أتيت أم قدمت لهم القتل والدم، الحرق والخنق، المقاتل والمجازر.
إن ما حدث فى "ماسبيرو" لا يشكل واحدا على الألف مما حدث فى الانقلاب الدموي الفاشي من قتل وقنص، عزّ عليك الأسف واستمرأت لغة الافتراء والتحريض وكيل الاتهامات وفائض الأوصاف، يا عنوان الفشل والكوارث، يا تاجر الموت وعرابه، ستُقاضى يا رجل القانون أمام المحاكم الدولية، وسترى عواقب فعلك ومآلات جرمك.
ويقول الببلاوي آنذاك: "رأيي أن تقدم الحكومة استقالتها للمجلس العسكري .. لأننا لم نقدم للناس ما تستحقه". وهو هنا حتى مع هذا الموقف الذي اتخذه واعتبره البعض آنذاك موقفا متميزا عارض فيه قتل الناس من غير ذنب في "ماسبيرو" فإنه للأسف الشديد صب جام غضبه على حكومة عصام شرف وأطرافها المختلفة وإن كان منها، ولم ينبس ببنت شفة عن مسئولية المجلس العسكري الفائت عن هذا الفعل الرهيب الذي قام به جنوده وآلياته آنذاك.
وفي تصريحات له بعد توليه حكومة الانقلاب يقول فيها: "إن مصر دولة تحترم القانون الذي يسري على الجميع، مؤكدا أن الدولة مسؤوليتها الأولى تطبيق القانون"؛ هكذا يتكلم رجل القانون عن دولة القانون، وهو في حقيقة الأمر ووفقا لخطاباته وممارساته لا يتفهم مقتضيات ما تعنيه كلمة سيادة القانون رغم أنه حقوقي، يقوم للأسف الشديد بانتقائية شديدة؛ يعبر بذلك عن موقف أيديولوجي مسبق في المحاسبة القانونية ،فماذا فعل بالبلطجية الذين يروعون الناس وعملوا في كنف الجيش والداخلية، أليس هؤلاء مسجلين خطر وخارجين على القانون؟ ولكنهم للأسف يُستخدمون في دولة القانون تحت أسماء اخترعوها "الأهالي" أو "المواطنين الشرفاء"، أي شرف هذا الذي تحرض فيه الخارج على القانون أن يقتل بدم بارد في رعايتك وكنفك، أليس هذا يا رجل القانون يعبر عن تطبيق القانون في انتقائية وانتقامية شديدة على كل من خالفه الرأي وفى توصيف استباقي لجماعة بممارسة الإرهاب؟.
عن أي إرهاب تتحدث؟ إرهاب نظامك الذي أتى على ظهر الدبابات؟ أم إرهاب هؤلاء الذين يحملون معارضتهم لنظام انقلابي فاشي؟ نقول لك مثل ما قال رجل الكونجرس الأمريكي حينما جلست وتصورت أنك في محاضرة تلقيها عليه في القانون وسيادته والديمقراطية وعملياتها، فأفحمك ليكشف زيف خطابك القانوني الذي تتفوه به، كلمات تشقشق بها ولا تؤمن بمعانيها أو مغازيها، يا من أتيت على ظهر الدبابات بليبراليتك المجنزرة وبديمقراطيتك المدرعة، قال لك السناتور (غراهام لندسي) في مقابلة صحفية: "كان رئيس الوزراء "كارثة"، بالغ في الوعظ لي قائلا: لا يمكنك التفاوض مع هؤلاء الناس، يجب عليهم ترك الشوارع واحترام سيادة القانون، قلت: السيد رئيس الوزراء، إنه من الصعب جدا بالنسبة لك إلقاء محاضرة لأي شخص عن سيادة القانون. ما هي عدد الأصوات التي حصلت عليها؟، لم يكن لديكم انتخابات!"، إنه يسأله كيف جئت إلى مكانك؟!.
وحول فض الاعتصام يقول الببلاوي أن "الشرطة استخدمت خلالها أعلى درجات ضبط النفس" نقول له: عن أي ضبط نفس تتحدث وقد أزهقت نفوسا تعد بالآلاف وأصبت ما يزيد عن العشرة آلاف، أهذا هو ضبط النفس الذي تتحدث عنه؟! وكنت من قبل تتحدث عن القتل في ماسبيرو، فماذا تسمي القتلى الذين وقعوا في زمن رئاستك للحكومة الانقلابية التي لم تتعد الأسابيع؟؟
لن يحاسبك القانون فحسب، ولكن سيحاسبك التاريخ؟ وستحاسبك الإنسانية على تجردك من معاني الإنسانية. (ملاحظة: شاهد الفيلم الوثائقي"حريق رابعة" حتى تدرك ماذا فعلت بأرواح المصريين).
ونختم بتصريح الببلاوي: (لا نقبل المصالحة مع من تلوثت أيديهم بالدماء) ونسأله ومن كل طريق: من الذي تلوثت يده بالدماء، أنت من تلوثت يده بالدماء! أنت بالذات آخر من يتكلم أو يحدد من يدخل في المصالحة أو يخرج منها، إذا كنت الآن تحتمي بقوة غيرك التي تستند إليها حينما جئت على ظهر الدبابة، وتقوم بكل هذا في إطار ما تمارسه حكومتك من محاكمات انتقائية وانتقامية، فاعرف أن محاكمتك قادمة، سواء أمام المحاكم الدولية أو محكمة الله حينما تقابل ربك وتُسأل عن أرواح أزهقتها واستبحت دمائها واسترخصت نفوسها.
في الإذاعة المصرية كان هناك برنامج يذاع في الصباح "قل ولا تقل" يصحح الأخطاء في اللغة، وعلى سيرة هذا البرنامج نقول: "لا تقل حكومة الببلاوي ولكن قل حكومة البلاوي"؛ لأن ما ارتكبته بحق لم يكن إلا "كوارث" "وبلاوي" يعاقب عليها كل شرع وكل قانون من شرائع الدين أو حقوق الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى