قل لى بالله عليك: ماذا كان سيحدث فى البلاد ولكثير من العباد لو كان قد تم تسريب تسجيل يتحدث فيه سيئ الذكر محمد مرسى عن أحلامه القديمة بمنصب رئيس الجمهورية، وكيف أنه رأى نفسه فى المنام يمسك سيفا أحمر مكتوبا عليه لا إله إلا الله، وأن أحدا قال له فى المنام «هنديك اللى عمرنا ما اديناه لحد»، وأنه عندما حصل فى منام آخر على ساعة أوميجا خضراء تفاءل لأن أوميجا بالإنجليزى زى مرسى بالعربى، وأنه قابل أنور السادات فى المنام فتبادلا التعبير عن يقين كل منهما بحكم مصر.
كم مدافعا عن العقلانية كنت ستراه حينها يتنطع فى البرامج منددا بنشر التفكير الغيبى فى عصر التفكير العلمي؟، وكم محللا كان سينبرى لتفسير دلالات السيف الأحمر وعلاقته بحلم الخلافة؟، وكم شجاعا كنت ستقرأ له مقالات يستدعى فيها فرويد لفضح دلالات هوس السلطة وأحلام النفوذ؟.
طيب، وأنصار الإخوان ماذا كانوا سيفعلون فى وجه هذه الحملة؟، بالتأكيد كان قسم منهم سيسارع إلى إنكار التسجيل وادعاء فبركة صوت مرسى، وقسم آخر كان سيتحدث عن أخلاقيات الصحافة التى تحظر نشر كلام لم يكن مصرحا بنشره، وقسم ثالث كان سيتحدث عن أن الأحلام جزء من ثقافتنا الإسلامية وأنها تدل على أن مرسى قريب من الثقافة الشعبية وهو ما يدل على أحقيته بمنصب الرئيس، وبالقطع كان جميعهم سيهاجمون كل من يسخر من مضمون التسريب، مؤكدين أن على الشعب ألا ينشغل بتفاهات مثل هذه ليتفرغ للبناء والإنتاج.
بالقطع كان أعداء الإخوان سيردون فورا بالحديث عن حق الشعب فى المعرفة الذى يعلو فوق كل اعتبار، مؤكدين أن حديث مرسى وإن لم يكن للنشر فهو يكشف عن طريقة تفكير الرجل المؤتمن على مصير الشعب، خاصة أننا لا نتحدث عن حلم بعلاوة أو بطفل طال انتظاره، بل نتحدث عن رجل يحلم بسلطة قال إنه لم يسع إليها أبدا، ثم اتضح أنه يحلم بها من زمان، وأخيرا سيذكر هؤلاء أنصار الإخوان بأنهم آخر من يحق لهم أن يتحدثوا عن تفاهة الانشغال بالمنامات، بعد أن صدعونا بتفاهات أحلام مرسى الذى يصلى خلفه الأنبياء ويهبط عليه الملائكة من السماء، وتبيض الديوك له سبع بيضات لكى يقضى سبع سنين فى الحكم.
طيب، أنت تعلم منذ البداية أننى لم أكن أتكلم عن تسريب أحلام مرسى، بل أتحدث عن مواقف الأطراف المختلفة من تسريب تسجيل صوتى للفريق السيسى يتحدث عن أحلامه بالرئاسة، وهو التسجيل الذى جعل اسم ماركة ساعات أوميجا على كل لسان دون أن تنفق الشركة المبالغ الباهظة التى تنقفها ساعات رولكس على الدعاية والإعلان؟. ولعلك أدركت أننى كنت أريد فقط أن ألفت نظرك إلى سياسة المعايير المزدوجة التى يطبقها الكثيرون ويظنون أنها يمكن أن تبنى دولة متقدمة عصرية، فها نحن اليوم نرى من كانوا لا يتركون شاردة وواردة يتفوه بها مرسى إلا وأشبعوها سخرية ونقدا، وقد هبطت عليهم حكمة الصمت من حيث لا ندرى ولا نحتسب، بل وأخذ بعضهم يتخذ ردود أفعال غاضبة منفعلة تشبه تماما ردود أفعال الإخوان على سخريتنا من المهازل التى كان يتفوه بها ويرتكبها رئيسهم الذى كان تجسيدا حيا لمعنى «أينما توجهه لا يأت بخير».
دعنا من موضوع المنامات كله على بعضه، وتعال لننظر إلى أى شىء يحدث فى مصر الآن ويعترض عليه أنصار الإخوان ويؤيده أنصار السيسى، وستجد أنه حدث بنفس التفاصيل أو بتفاصيل مقاربة فى عهد مرسى، وراجع كيف كانت ردود الأفعال وقتها وقارنها بردود الأفعال الآن، لتكتشف مدى التطابق بين أناس يدعون أنهم على طرفى نقيض، بينما هم لا يغضبون للدم إلا إذا سال من مناصريهم فقط، ولا يطالبون بتطبيق القانون إلا عندما يكون لمصلحتهم، ولا يؤمنون بالتطهير الجذرى إلا عندما يكونون فى المعارضة، ولا يتذكرون أن السياسة فن الممكن إلا عندما يستدعى الأمر غض النظر عن ما يرتكب بحق معارضيهم من جرائم، ولذلك ستدرك أنه لا يمكن أن ينصلح حال البلاد على أيدى أناس لا يتصارعون إلا من أجل نصرة باطلهم الذى يدعون أنه حق مبين؟، وأن الحل لا يمكن أن يقدمه أبدا من كان جزءا من المشكلة، وأن الأمل لن يجىء إلا على أيدى جيل الشباب الذى يحاولون تدجينه أو تشويهه أو قتل أحلامه.
أنت تعلم أن مصر لا تحتاج إلى رئيس لديه «رؤيا» بقدر ما تحتاج إلى رئيس لديه رؤية، لكنك لو قلت ذلك لأنصار السيسى لصبوا عليك اللعنات لتشكيكك فى امتلاكه لرؤية شاملة تجعل مصر قد الدنيا، لكنه يدخرها لحين توليه الحكم بعد أن يفشل المدنيون فى حل مشاكل البلاد، لا تجرب أن تسألهم لماذا إذن لم تظهر رؤيته جلية فى أدائه كنائب لرئيس الوزراء للشئون الأمنية ولا عماذا فعله بالتفويض الذى منحته له الملايين لتحقيق الاستقرار؟، لأنك لن تتلقى إلا الشتائم والتخوين والتهديدات، لذلك لا تفعل شيئا أكثر من التعبير عن رأيك إن استطعت، واترك «الميّة تختبر الأحلام»، فبالتأكيد لن تغضب عندما تكتشف أنك على خطأ، وأن الذين وعدوا الفريق السيسى بأن يعطوه ما لم يحصل عليه أحد كانوا هم المحقين.
ربما لو تأملت قليلا فى الأمس القريب لتذكرت أنه فى مصر لا يحتاج الإنسان بالضرورة إلى أحلام لكى «يركب السلطة»، فحسنى مبارك حكمها ثلاثين سنة من غير أن يحلم بشىء سوى أن يكون سفيرا فى بلاد الإكسلانسات، وربما لذلك جعلها تعيش فى كابوس لم ينته حتى الآن، لذلك أيا كانت أحلام من سيحكم البلاد، فإنها لن تكون مجدية له ولا للبلاد، لأن الأحلام التى ستنفع مصر وتفرج كربتها وتفك ضيقتها، لن تكون أبدا أحلام القادمين من قلب «دولة العواجيز» التى تقاوم الرحيل، بل ستكون أحلام شبابها الذين كتبوا على حوائطها منذ 3 سنوات عبارة كان يمكن أن تغير مصيرنا تماما لو فهم الجميع معناها: «لو مش هتسيبونا نحلم مش هنسيبكو تناموا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى