وسط اتهامات لمصر بمساندة إسرائيل على حساب أهل قطاع غزة، التقتDW عربية بالمفكر والكاتب المصري فهمي هويدي، لتسأله عن قراءته للمبادرة المصرية والدور الذي يمكن للقاهرة لعبه في سبيل تحقيق التهدئة.
أعلنت مصر قبل أكثر من أسبوع مبادرة للتهدئة بين الإسرائيليين والفصائل المسلحة في قطاع غزة، ما لبتت أن قوبلت برفض قاطع من قبل حركتي "حماس" و"الجهاد" باعتبار أنها لا تلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية وعلى رأسها فك الحصار عن قطاع غزة والالتزام باتفاق التهدئة لعام 2012. وقد فجرت هذه المبادرة موجة من الانتقادات اتهمت مصر بالتحيز لصالح الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين، وذلك في ظل توتر غير مسبوق تمر منه العلاقة بين حماس ومصر السيسي التي اعتبرت أن حركة "حماس" تهدد أمنها القومي. وحول هذه المبادرة ومدى قدرة القاهرة لتحقيق التهدئة المنشودة أجرت DW عربية حوارا مع المفكر الإسلامي فهمي هويدي أوضح فيه موقفه من المبادرة، معتبرا أن القاهرة لم تبدأ بداية صحيحة لحل الأزمة.
DWعربية: ما تقييمك للموقف المصري منذ بداية العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة؟
فهمي هويدي: الموقف المصري في بداية العملية العسكرية تحدث في بياناته الرسمية عن عدوان إسرائيلي على قطاع غزة وبعدها بـأربع وعشرين ساعة، وجدناه يتحدث عن عنف متبادل وعنف مضاد ويتحدث عن الطرف الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية كأنهما على قدم المساواة، ثم الخطوة الثالثة يتحدث عن أعمال عدائية من الطرفين.. ليس هذا فحسب وإنما عندما أصدر المبادرة جرى التنسيق فيها مع إسرائيل ولم يتواصل مع المقاومة الفلسطينية وهذا خطأ بروتوكولي، لأنه كان يجب على الأقل أن يتشاور مع الطرفين حتى يرى ماذا يقبل كل منهما، ثم يكمل النظام المصري الحكاية بمنع قافلة الإغاثة، في ظروف يبدو فيها الطريق مفتوحا بين القاهرة وتل أبيب، ومغلقا ومقطوعا بين القاهرة وغزة. وهذا أشعر البعض بأن مصر وإسرائيل يد واحدة في مواجهة الفلسطينيين، وهذا أمر مشين تاريخياً في هذه الظروف، كما أن هناك انحيازاً واضحاً من الدول الخليجية إلى إسرائيل مثل السعودية والإمارات التي أعلنت في البداية تأييدها للمبادرة على لسان وزير خارجيتها عبدالله بن زايد.
المفكر الإسلامي فهمي هويدي
هل أثرت الخصومة مع حماس على موقف مصر؟
النظام لديه خصومة مع حماس، لكنه كان يقول إن حماس ليست غزة.. لكن عندما منع التعاطف الشعبي بمنع قافلة الإغاثة أضاف حجة جديدة لمن يرى أن هناك انحيازا لإسرائيل.. الانحياز كان موجوداً في عهد مبارك لكن لم يكن بهذه الفجاجة، لأن الانحياز كان يلعب بشكل مختلف، وهذا يعطي انطباعا بأن الزواج العرفي الذي كان موجودا في السابق بين مصر وإسرائيل في عهد مبارك يكاد يتحول الآن إلى زواج رسمي، خاصة عندما نجد مصر تسعى لتحسين صورة إسرائيل في المنطقة وتبرر للمجازر التي تجرى الآن في غزة تحت مظلة أن إسرائيل مضطرة لأن تدافع عن نفسها.
وما رأيك في نص المبادرة؟
كانت المبادرة "تعجيزية" بالنسبة للمقاومة، وهذا يفتح الباب لسوء الظن كأنك تقدم شيئا وأنت تعلم أنهم سيرفضونه، وأن إسرائيل إذا بالغت في رد العنف فإنها بريئة لأن الطرف الآخر هو الذي رفض المبادرة.. الملابسات كلها تعطي انطباعا أنها لم تكن مبادرة بقدر ما أنها فخ نصب للفلسطينيين فوقعوا فيه برفضها.
هل رفض حماس للمبادرة المصرية كان لإحراج مصر؟
لا يريد الفلسطينيون إحراج مصر.. العكس هو الصحيح؛ مصر هي التي أرادت إحراج حماس .. ومصر طوال السنوات الماضية أرادت تشويه صورة حماس واتهامها بأنها وراء ثورة 25 يناير، بالرغم من أنه لم يبد تورطها في أي شيء تم اتهامها فيه.. هم يرون أنه تم تجاهلهم واحتقارهم عندما أطلقنا مبادرة لوقف النار بدون أي مشاورات معهم وبدون أي ضمانات أيضا، مما يدل على أنك لا تريد إنهاء الأزمة بقدر ما أنك تريد عودة الوضع إلى ما كان عليه وكل الخراب سيعود مرة أخرى، بعدما دفع الفلسطينيون ثمنا غاليا. والآن تطلب مصر أن تجلس المقاومة مع عدوها وكأن شيئا لم يحدث.
أزيد من 500 قتيل وآلاف الجرحى إثر الهجوم العسكري الإسرائيلي على القطاع ردا على الصواريخ الفلسطينية.
حمل وزير الخارجية سامح شكري محور حماس تركيا قطر مسؤولية إفشال دور مصر في المنطقة، كيف ترى تصريحاته؟
هذا كلام مبالغ فيه فرفض المبادرة تم قبل أن يتم أي تنسيق بين الفصائل المقاومة وقطر كما أن حركة الجهاد رفضتها قبل أن ترفضها حركة حماس .. هم بحثوا بعد ذلك عن حلفاء.. وليس كل تأييد لموقف هو تعبير عن تحالف استراتيجي .. لابد أن نفرق بين ما هو تكتيكيا وفرعيا وبين ما هو استراتيجي.
ألم يقم النظام بمصر بمشاورات مع أبو مازن الذي يعتبر رئيسا لكل الفلسطينيين؟
أبو مازن ليس له علاقة بالمقاومة .. والتجربة المصرية كانت تقوم على إجراء مشاورات مع المقاومة حتى أيام مبارك .. هذه أول مرة لا يتم فيها التشاور مع حماس والمقاومة قبل الإعلان عن المبادرة.. فحتى أيام مبارك وعمر سليمان كانوا يتشاورون مع المقاومة أولا مباشرة، ثم يأتي أبو مازن لتغطية المبادرة بعدما يتم الاتفاق عليها بشكل شرفي وبروتوكولي، كما أن النظام يعرف جيدا أن بو مازن ضد المقاومة لكن النظام "استعبط" وقال إن أبو مازن هو رئيس كل الفلسطينيين وهو لا يمثل المقاومة.
قال سامح شكري أيضا لو وافقت حماس على المبادرة منذ البداية، لمنعت سقوط كل هؤلاء القتلى، ما رأيك في هذا الحديث؟
هذا الكلام خطأ كبير، والعكس هو الصحيح.. فلو كانت مصر تشاورت مع المقاومة الفلسطينية قبل إطلاق المبادرة لكان الوضع أفضل. الخطأ أصلا من جانب مصر لأنها لم تبدأ بداية صحيحة لحل الأزمة، وتاريخياً هذا لم يكن تقليداً في خبرة التفاوض المصري.
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح أعلن صراحة أنه لا يمكن لهذه الحرب أن تتوقف بدون الدور المصري.. فما الحل إذا كانت مصر طرفا أساسيا وهناك خصومة بين حماس والقاهرة؟
على رأي عبد الحليم حافظ "اللي شبكنا يخلصنا" .. يجب تطوير المبادرة المصرية ولابد أن يكون لها تعديل .. أبو مازن يدور على نفسه وفي النهاية سيجلس مع خالد مشعل في الدوحة .. يمكن لمصر بأن لا تعدل المبادرة لكن عليها على الأقل إعطاء ضمانات.. الكرة في الملعب المصري .. هو المسؤول عن تعديل موقفه حتى يكون على مسافة واحدة بين الطرفين، وهذا يتم من خلال أمرين هما دخول الجرحى والمصابين الفلسطينيين، ودخول قوافل الإغاثة وتوفير ضمانات ملحقة بالمبادرة.
ما هو الدور الذي يمكن للقاهرة لعبه لإنهاء الأزمة، وهل تتوفر على أوراق ضغط؟
تقلصت علاقة مصر بالقضية الفلسطينية إلى حدود معبر رفح وهذا تفريط كبير في الدور المصري الذي يجب استعادته.. نحن نحتاج لأن يكون لدينا موقف متوازن .. لا نريد خصومة مع إسرائيل ولكن على الأقل علاقات متوازنة لأنه واضح جدا أن النظام المصري أقرب إلى إسرائيل ويضغط لصالح إسرائيل.. كنت أتمنى أن تدخل القافلة إلى غزة ويقال إننا مع الشعب الفلسطيني وليس مع حماس .. لابد من تلطيف الأجواء وسمعنا كلاما هادئا من قيادات حركة حماس تجاه مصر فنحتاج لأن نرى تهدئة من جانب مصر بأي شكل.
* فهمي هويدي: مفكر إسلامي وصحفي ذو توجهات قومية عربية، له العديد من المؤلفات، لعل من أهمها "الإسلام والديمقراطية" الذي صدر عام 1993، كما أنه يواظب على نشر مقالاته في عدد من الصحف والمواقع العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى