مرت بالأمس الذكرى الرابعة على خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك عن السلطة إثر اندلاع ثورة يناير/كانون الثاني في الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، يوم ناضل من أجله المصريون سنوات وقدموا من أجله التضحيات والشهداء أملا في عصر جديد يضع بلدهم العريق حيث يجب أن يكون.
كان يوما فارقا ليس في حياة المصريين وتاريخهم فحسب، بل في مسار النضال الإنساني من أجل قيم الحرية والكرامة والعدالة التي انتصر لها.
يوم سيبقى عقودا طويلة مادة للبحث والتاريخ بما يحمله من رمزية وأسئلة وأسرار ودروس. إلا أن الذكرى الرابعة لخلع أحد أسوأ الديكتاتوريات، وأكثرها عنادا، في التاريخ الحديث تجد في مصر اليوم مشهدا يكاد يكون غير قابل للتصديق. ليس فقط لأن مبارك ونجليه ورموز الفساد في عهده كافة، عادوا طليقين «أبرياء» في نظر القانون، أو لأن بعضهم، أحمد عز نموذجا، يستعد إلى العودة إلى الحياة السياسية التي أفسدها، وسط توقعات بأن فلول الحزب الوطني المنحل هم «الحصان الأسود» في الانتخابات البرلمانية االمرتقبة، لكن لأن السياسات نفسها التي كانت سببا رئيسيا في سقوط مبارك، عادت تحكم نهج النظام وممارساته.
ولعل المجزرة التي أودت بتسعة عشر شابا من مشجعي نادي الزمالك قبل عدة أيام دليلا صارخا على ان «العقلية الأمنية» التي تفتقر إلى أي حس سياسي، مازالت هي اليد العليا حتى في التعامل مع مواطنين لايزعم أحد أنهم مارسوا العنف أو حملوا أسلحة، بل تتلخص «جريمتهم» في أنهم كانوا يحاولون حضور مباراة لكرة القدم. وهكذا انفجر الغضب الشعبي والسياسي والإعلامي في وجه النظام خلال الأيام الماضية حتى من بعض أنصاره.
إنها المرة الأولى التي لم يستطع النظام فيها أن يتهم جماعة الإخوان أو غيرها. وحتى إذا لم يكن أقدم على قتل هؤلاء عمدا، فإن الأسلوب اللاآدمي الانتقامي في التعامل معهم كان كافيا لقتلهم. وهنا يكمن مصدر الغضب الشعبي. إذ أن نظام مبارك، كما يعرف المصريون الآن، لا يريد العودة ليحكم أو يتحكم فقط، بل لينتقم من كل من تجاسرعلى الخروج ضد الفرعون.
من المنطلق نفسه يمكن فهم قتل الناشطتين شيماء الصباغ ورضا سندس عشية ذكرى الثورة الشهر الماضي، إلى جانب اعتقال الآلاف من الناشطين على اختلاف انتماءاتهم من غير اتهام. إنها العقلية «الانتقامية السادية» نفسها التي قتلت خالد سعيد وسيد بلال، دون أن تدرك أن تلك الجرائم كانت القشة التي ستقطم ظهر النظام في يناير/كانون الثاني 2011.
رغم انهيار الشرطة أثناء الثورة، وتعاقب عدد من الأسماء على منصب وزير الداخلية خلال الأعوام الاربعة الماضية، يبدو الجهاز اليوم وكأنه لم يتخل أبدا عن عقيديته وأساليبه القديمة. ومن هنا فإن المطالبات الغاضبة بإقالة الوزير الحالي محمد إبراهيم، تحتاج أن تدرك أن المطلوب يفوق كثيرا تغيير الأشخاص. ما تحتاجه مصر حقا إرادة سياسية واضحة تعيد هيكلية الجهاز الأمني برمته، بدءا من عقيدته القائمة على خدمة النظام وليس الشعب إلى ثقافته التي تعد مرتعا للفساد والانتهاكات الحقوقية.
سيكون من الخطأ أن يحاول النظام اختبار إمكانية إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، حتى إذا كانت الظروف لا تسمح بثورة جديدة في المستقبل القريب، أولا توفر بديلا جاهزا للحكم. ليس فقط لأن العودة إلى الوراء ضرب من المستحيل أصلا، لكن لأن المصريين لن يسمحوا لأحد بأن يجعلهم ضحايا لانتقام مبارك ونظامه.
وأخيرا، فقد وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مفترق طرق جلي وحاسم، أما أن يقوم بثورة على النظام القديم بكل وجوهه القبيحة وأساليبه المهترئة، أو لا يجب أن يفاجأ بأن المقدمات نفسها لا يمكن إلا أن تؤدي إلى النتائج ذاتها، وإنْ اختلفت الأشكال والأسماء والمعطيات.
المصدر | القدس العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى