ينتظر جثتي نجليه
- «عبد العال»: المرة الأولى التي خرجت فيها شقيقتي للتنزة منذ 20 عاما غرقت في النيل مع أحفادها
بوجهه الشاحب، وجسده الهزيل، وقف الرجل الستيني أحمد عبد الله، أمام مستشفى التحرير العام بإمبابة، يتطلع بعيون شاخصة إلى عربات الإسعاف التي تنقل جثث ضحايا مركب الوراق، أملا في وصول صغيريه اللذان لقيا حتفهما في حادث الأربعاء الماضي.
لم يذق «عبدالله» وأسرته طعم النوم منذ إعلان غرق مركب الوراق، التي كانت تقل نجليه أحمد ومحمد، فمنذ ذلك التاريخ وتكثف الأسرة من جهودها بحثا عن أولادها بين المستشفيات وأقسام الشرطة، معبرًا عن حزنه الشديد لفشل العثور عليهما وتمكنه من دفنه، يقول الرجل وهو يغالب دمعه: «خرجوا للنزهة مع أصحابهم ولم نعثر عليهم في أي مكان حتى الآن».
وإذا كان «أحمد»، لم يهنأ بدفن نجليه بعد 3 أيام من الكارثة، فالأهالي التي تجمعت لاستقبال جثث ذويها أمام مستشفى التحرير العام بإمبابة، عقب صلاة الجمعة، لازالت تعيش لحظات صدمة التعرف على جثث مشوهة ومنتفخة الوجوه والبطون، حيث استقبلت المستشفى 8 جثث جدد بعد انتشالهم من الغرق.
حكايات أسر ضحايا مركب الوراق تبدو متشابهة إلى حد كبير، فالأغلبية فقدوا أسرا بأكملها خرجوا للتنزه في ليلة الأربعاء، وهو حال جميع السيدات اللاتي افترشن محيط مستشفى إمبابة، في حلقات رثاء، وكن يتشحن بالملابس السوداء حدادا على فقد ذويهم أو جيرانهم.
على بعد أمتار من الباب الخلفي للمستشفى، جلست مجموعة من السيدات في استعداد لخروج الجثمان الآخير من أصل 5 أفراد، لم يصدر منهم صراخًا أو عويلًا، إلا أن وجوههم اكتست بالدموع حزنًا على أطفال لم يتجاوز أكبرهم سنا العاشرة.
تتمتم عمة أحد الأطفال بصوت متهدج: «عرفنا عيالنا من هدومهم لأن الجثث مشوهة ومنتفخة»، وتقول السيدة الخمسينية: إن «والد الأطفال الأربعة لم يخرج معهم ليلة النزهة، حيث اصطحبتهم جدتهم أم محمد، في رحلتها الأخيرة من الدنيا».
وأوضحت العمة، أن العائلة لم ينج منها إلا طفلة وحيدة تدعى بوسي، تبلغ من العمر 13 سنة، حيث استطاعت أن تقبض بأطراف أصابعها في الصندل الذي اصطدم بالمركب، إلا أنها أصيبت بصدمة عصيبة، ولم تغارد المستشفى إلى الآن.
وبحسب العمة، فإن الفتاة الناجية من الغرق اتهمت سائق الصندل بعدم إنقاذها أثناء محاولتها القفز أكثر من مرة كي لا يتم اتهامه في الواقعة المأساوية.
بين العشرات المتوافدين على مستشفى التحرير العام، كان الجد سيد عبد العال، يمني نفسه أن يحصل على جثمان الطفل عثمان، صاحب الـ6 سنوات، الضحية الأخيرة من عائلته التي فقدت منها 6 أفراد، بينهم شقيقته وابنتها و4 من الأحفاد.
يستند «عبد العال»، بظهره إلى باب المستشفى، وسط مجموعة من أقاربه بدا عليهم إرهاق البحث والمعاناة، يقول عن شقيقته: «لم تخرج للتنزه خارج الوراق منذ أكثر من 20 عامًا، وفي الفسحة خرجت مع أحفادها، لكنها كانت النزهة الأخيرة للجدة».
أسرة «عبد العال» حملت الدولة مسؤولية وفاة أسرة شقيقتها، والإهمال في البحث عن الضحايا حتى قطعهم للطريق أمام قسم الوراق: «لا دوريات لشرطة المسطحات على المراكب والصنادل، ولا أحد يهتم بأرواحنا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى