أحمد نور الدين يكتب
«الكلمة الحلوة تفتح الباب المقفول».. هكذا يقول المثل الشعبي، غير أن الموروث الشعبي المستقر في وجدان المصريين يبدو غائبا عن أذهان الكثير من المسؤولين، فتخرج تصريحاتهم مستفزة لشعب يعيش أوضاعا أكثر استفزازا.
ابن عامل النظافة لن يكون قاضيًا
يأتي على رأس التصريحات المستفزة مقولة المستشار محفوظ صابر، وزير العدل السابق، لأحد البرامج الفضائية في مايو الماضي، أن “ابن عامل النظافة لن يصبح قاضيا، وكتر خيره إنه اتربى، لكن هناك وظائف أخرى تناسبه، والقاضي لديه شموخ ووضعه ولابد أن يكون من وسط محترم ماديا ومعنويا”، ما أثار ضجة إعلامية وشعبية واسعة أدت لاستقالة الوزير في نهاية الأمر.
ورغم إعلان مجلس الوزراء أن تصريحات الوزير كانت “زلة لسان”، إلا أن الوزير المستقيل عاد وأعلن تمسكه بكلامه، مؤكدا أن ما قاله واقع يعيشه القضاء والجيش والشرطة، ومعلنا عدم ندمه على التصريح الذي سيكرره لو عاد به الزمن مرة أخرى – على حد تعبيره.
الزند.. تاريخ حافل بالتصريحات المستفزة
عقب استقالة المستشار محفوظ صابر من وزارة العدل، تم تعيين المستشار أحمد الزند، رئيس نادي القضاة السابق، وزيرا للعدل خلفا له، إلا أن تاريخ الأخير حافل بالتصريحات المماثلة والتي تؤكد على امتياز القضاة وأبنائهم ماديا واجتماعيا وحتى مهنيا على غيرهم من فئات المجتمع.
فمنذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، طالب “الزند” بتعيين أبناء القضاة الحاصلين على تقدير مقبول في النيابة العامة؛ لأنهم “تربوا في أسر قضائية”، وعاد مرة أخرى في مارس 2012 ليؤكد نفس المعنى بلهجة أعنف وأكثر استفزازا ومهاجما المطالبين بالمساواة مع أبناء القضاة في التعيين قائلا “من يهاجم أبناء القضاة هم الحاقدون والكارهون ممن يرفض تعيينهم، وسيخيب آمالهم، وسيستمر تعيين أبناء القضاة سنة بسنة، ولن تستطيع قوة في مصر إيقاف هذا الزحف المقدس”، كما ردد عبارة “نحن هنا على أرض هذا الوطن أسياد وغيرنا هم العبيد”.
أما آخر تصريحات الوزير، فكانت في الخامس من سبتمبر الجاري، حينما أعلن أثناء افتتاح مصيف نادي القضاة بقرية مراقيا بالإسكندرية اعتزامه إنشاء مصايف وشاليهات للقضاة بالغردقة وشرم الشيخ ورأس البر، قائلا “لو مكانش القضاة اللي يصيفوا في شرم الشيخ مين اللي هيصيف فيها؟”.
في الجامعة.. رغبات أبناء الضباط والقضاة “أمن قومي”
عقب تطبيق قواعد التوزيع الجغرافي والإقليمي الجديدة على طلبة الثانوية العامة، والتي حرمت أبناء المحافظات من دخول كليات بعينها مثل كليتي الإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أصدر وزير التعليم العالي، الدكتور سيد عبد الخالق، قرارا يستثني أبناء القضاة والضباط من القرار تحت دعوى ما اعتبره “اعتبارات أمن قومي”؛ حتى تكون أذهان القضاة والضباط متفرغة لعملهم، بحسب ما صرح الوزير، الذي سمح لهم في نفس القرار بالتحويل دون استيفاء قواعد تحويلات تقليل الاغتراب، وسواء كان طلب التحويل للكلية المناظرة أو لغيرها.
مسئولو وزارة النقل.. منفصلون عن الواقع
تعاني مصر أزمة حادة في المرور منذ سنوات، وكوارث ضخمة في شبكات الطرق والكباري تؤدي إلى وقوع الحوادث المفجعة عاما بعد عام، وبدلا من أن يسعى مسئولو وزارة النقل إلى إيجاد حلول جادة لهذه الأزمات ومكاشفة الشعب بحقيقة إجراءات الإصلاح فيها، تخرج تصريحاتهم لتعبر عن انفصال تام عن واقع الشعب المصري، بداية من رئيس هيئة النقل العام، رزق علي، الذي قال في أبريل الماضي “نفسي أشوف راكب واحد واقف في الأتوبيس” ووصولا إلى رئيس هيئة الطرق والكباري السابق، سعد الجيوشي، الذي صرح في نوفمبر الماضي أثناء توليه المنصب قائلا “إصلاح الطرق سيؤدي إلى زيادة الحوادث لأنه سيجعلها أكثر جودة ونعومة مما سيؤدي إلى زيادة سرعة السائقين”.
وزير الثقافة.. عنصرية أحرجت الحكومة
في أبريل الماضي، أثناء جولة عبد الواحد النبوي، وزير الثقافة، بمتحف محمود سعيد التابع للوزارة، سخر من أمينة المتحف، عزة عبد المنعم، قائلا لها “أنا عندي مشكلة مع التخان”، ووجه كلامه لمديرة المتحف “خليها تطلع وتنزل السلم كل يوم عشرين مرة عشان تخس”، واستمر الوزير في سخريته من الموظفة حتى نهاية الزيارة، حيث قال لها أثناء مغادرته “لفي في الجنينة علشان تخسي زي ما اتفقنا”، مما دعا أمينة المتحف إلى إرسال شكوى ضد الوزير إلى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء وإثارة القضية إعلاميا حتى حصلت على اعتذار من الوزير ورئيس الوزراء.
المحافظون.. اتهامات بالعمالة وإشارات بذيئة للمواطنين
لا يختلف محافظو مصر كثيرا عن وزرائها في افتقادهم لحسن التعبير، فضلا عن حسن الأداء، فمحافظ الإسماعيلية السابق، اللواء أحمد القصاص، أثناء حديثه عن الزيادة السكانية في لقاء جماهيري مع المواطنين في نوفمبر الماضي قال “كل مواطن عنده أربع أو خمس عيال وعاوز الدولة تساعد؟ طب منين؟ ما تبص لنفسك الأول”، مشيرا لهم إشارة خارجة بأصبعه الأوسط.
في نوفمبر الماضي أيضا وأثناء مرور محافظ الدقهلية السابق، اللواء عمر الشوادفي، في شوارع المحافظة في أحد الاحتفالات تعرض له أحد الشباب مطالبا إياه بإزالة القمامة من المحافظة، مما دعا المحافظ للرد عليه “اتكل على الله يا حبيبي، أنا عارف مين اللي باعتك” قبل أن يتجاهل الشاب ويهتف “تحيا مصر، يسقط أعداء مصر، تسقط الزبالة”، كما أهان مواطنا آخر طلب منه في صلاة العيد إصلاح مشكلة مياه المجاري التي تختلط بمياه الري”، حيث عنف الوزير المواطن وألقى في وجهه حلوى كان المواطن قد أهداها له واتهمه بإثارة شماتة “الكلاب” في مصر.
ويسير محافظ الدقهلية الحالي، حسام الدين إمام، على نهج سلفه، فحينما شكا له أحد المواطنين في مداخلة على إحدى القنوات الفضائية عدم وصول المياه إلى بيته، علق الوزير قائلا “لا أعرف مزقوق من مين”، مما دعا الإعلامي محمد سعيد محفوظ للرد على الوزير قائلا “المواطن له حق في عرض مشاكله وحضرتك بتشتغل عنده وبتقبض مرتبك منه”، مما أثار غضب المحافظ الذي رد “أنا مش بشتغل عنده ولا أقبل أن تقول هذا، أنا بشتغل في بلدي”.
إبراهيم محلب.. رئيسهم الذي علمهم الاستفزاز
ما سبق ذكره من تصريحات مستفزة يجمع بين أصحابها عامل واحد مشترك، أنهم جميعا تقلدوا مناصبهم في حكومة المهندس إبراهيم محلب، لذا لم يكن غريبا أن يكون لرئيس مجلس الوزراء من التصريحات المستفزة نصيب، ففي شهر نوفمبر الماضي، وتعليقا على تكرار حوادث باصات تلاميذ المدارس ووفاة العشرات منهم، صرح محلب قائلا “عندما تحدثت مع وزير التعليم كانت حالته النفسية سيئة وماحبتش أزودها”.
وفي يوليو من العام الجاري وجه رئيس الوزراء حديثه للشباب الباحثين عن عمل قائلا “الوظائف الحكومية انتهت، ومتفكرش إنك تفتح كافيه عشان تكسب، فكر إنك تنزل تشتغل أو تسوق توك توك”، مما أثار ضجة إعلامية دعت المتحدث باسم مجلس الوزراء، السفير حسام القاويش، إلى إعلان أن “محلب” كان يقصد عدم دفع الشباب إلى المهن السهلة مثل فتح الكافيه وقيادة التوك توك، بل يجب العمل في مهن تفيد المجتمع.
وتعليقا على الظاهرة، قال الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إن المشكلة تكمن في أن الحكومة الحالية تتكون من وزراء إداريين أتوا لتنفيذ الأوامر فقط ويفتقرون للابتكار والرؤية، مضيفا أن أداءهم يتسم بالارتباك أيضا، مما يجعل سقطاتهم كثيرة وتصريحاتهم فيها رعونة وعدم مسؤولية.
وأضاف “ربيع” أن اللوم يقع على رئيس الوزراء الذي يختارهم وعلى النظام الموجود، مؤكدا أن مصر تحتاج إلى وزراء سياسيين قادرين على صنع القرار.
واتفق معه مدحت الزاهد، نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، قائلا: “نحتاج إلى حكومة تمتلك رؤية لتحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ولديها خطة استراتيجية لتحقيق قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية”.
وتابع “الزاهد” أن غياب البرلمان والمجالس المحلية التي تمارس رقابة على أعمال المسئولين التنفيذيين، بالإضافة إلى حصار المجال العام والتضييق على الحريات، أشعر المسؤولين أنهم أحرار في التصرف على هواهم دون أن يلقوا بالا لتلك التصريحات، مشيرا إلى تراجع دور الأجهزة الرقابية مما أدى إلى تولي مسؤولين لمناصبهم بينما تحوم حولهم شبهات فساد وبعضهم من رجال عهد مبارك.
البديل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى