بالشواهد كيف ورطت "الداخلية" مصر دوليًّا الطائرة الروسية دليلاً

 
التعذيب في الأقسام والسجون، الاختفاء القسري، قتل المواطنين في الشوارع والأقسام، وإجبار المواطنين على دفع الرشاوى، انتهاكات اعتدنا سماعها يوميًّا في وسائل الإعلام المصرية والعالمية من جانب وزارة الداخلية المصرية بحق المواطنين. لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل ورطت “الداخلية” مصر دوليًّا بعد تخاذلها الأمني في مطار شرم الشيخ، الأمر الذي تم كشفه عبر تحقيق صحفي لصحيفة “ذا صن”، والتي أكدت فيه أن رجال الأمن يتلقون الرشاوى مقابل عدم تفتيش الحقائب الخاصة بالمسافرين، مما قد ينجم عنه كوارث.
وهو ما قد يفتح الباب مرة أخرى لمطلب تم تجاهله عبر السنوات الماضية، وهو إعادة هيكلة وزارة الداخلية؛ حتى تقوم بدورها في حفاظ الأمن فقط، خاصة وأن ترتيب مصر الأمني وفقاً لمؤشر التنافسية العالمية يحمل رقم 116 من أصل 140 دولة متواجدة في التصنيف.

الاختفاء القسري
وهنا نعرض بعض التجاوزات التي قامت بها “الداخلية”، والتي جعلت مصر في مأزق دولي، أولها الاختفاء القسري. فرغم تأكيد الوزارة الدائم على عدم وجود مواطنين لم تعلن عن أسمائهم، إلا أن الواقع غالباً ما يأتي معاكسًا لكلامهم. فإسراء الطويل، وصهيب سعد، وعمر محمد، بعد أن نفت الوزارة وجودهم لديها، ظهروا بعد 10 أيام داخل سجونها، إضافة إلى عبد الرحمن سيد، الذي أعدم في قضية عرب شركس بعد اختفاء دام لشهر ونصف، ثم أعلنوا بعدها عن وجوده في سجن العقرب ومحاكمته، وإسلام عطيتو الذي اختفى ليومين، وظهر مقتولاً في الصحراء، وعشرات الحالات الأخرى المختفية التي لم يتم العثور عليها حتى الآن، مثل محمد الفخراني، المختفي منذ شهر ونصف، وعاطف فراج منذ يوليو الماضي، وأشرف شحاتة، من يناير العام الماضي، وخالد حسني منذ شهر، و”ماسوني” منذ 4 أشهر، وآخرين، كل هؤلاء المسئول عنهم وزارة الداخلية، وحتى إن لم يكونوا في حوزتها، فإن دورها هو البحث عنهم.
هذا الأمر الذي أحرج الرئيس عبد الفتاح السيسي دوليًّا، فعند سؤاله  في حواره مع قناة “bbc” العربية عن ظاهرة الاختفاء القسري، لم يستطع الرد على السؤال بشكل يرضي أهالي المختفين، وقال “الناس بتخرج من مصر عبر الحدود البرية بطريقة غير شرعية للانضمام للتنظيم، ولو شفناهم بنقبض عليهم ونرجعهم تاني، لكن بيهربوا عبر ليبيا وسوريا، وده مش بنقدر نحكمه”.
التعذيب في الأقسام والسجون
التعذيب في السجون المصرية نهج لم تتخلَّ عنه “الداخلية”، رغم أنه كان السبب الرئيسي في قيام ثورة يناير، ووصل الأمر إلى أن الوزارة لا تبالي بمن يموتون من التعذيب، كالمحامي كريم حمدي الذي توفى على أثر التعذيب في شهر فبراير الماضي، ولعل آخر ما حدث هو تعذيب سجناء قضية مجلس الشورى، وهو ما كشف عنه المفرج عنهم عقب خروجهم بالعفو الرئاسي، بعد أن طالبوا بزيادة الوجبة والكشف عن أقسام يحدث بها تعذيب بشكل مستمر، كقسم المطرية الذي حدثت به وقائع تعذيب شملت كلاًّ من: مصطفى الأسواني، وعزت عبد الفتاح، وأحمد إبراهيم، والمحامي إمام عفيفي، وعبد ربه صالح، وسجن العقرب الذي شهدحالات وفاة لعدد كبير من التعذيب، ومنع الأدوية.
الأمر الذي جعل منظمة “هيومان رايتس مونيتور”، تطالب بضرورة تدخل المقرر الخاص المسئول عن التعذيب في الأمم المتحدة، لمراقبة الأوضاع التي يتعرض لها كافة معتقلي الرأي في السجون المصرية، بعد تزايد عمليات التعذيب الممنهجة في حق المعارضين، بينما استنكرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببريطانيا حالة الصمت التي تتملك صناع القرار في العالم، في ظل انتشار وباء التعذيب في السجون ومقار الاحتجاز المصرية، ودعت أمين عام الأمم المتحدة إلى استخدام صلاحياته وإرسال بعثة تقصي حقائق حول ظروف احتجاز المعتقلين وما يتعرضون له من تعذيب وإذلال ممنهج، فالوقت ينفد، وبقاء الأمور على ما هي عليه دون تحرك جاد يعني مزيدًا من الضحايا.

القتل في الأقسام والشوارع
القتل الذي تمارسه الوزارة يأتي عن طريق مباشر وغير مباشر، مثلما حدث مع شيماء الصباغ التي قتلت بشكل مباشر خلال وقفة احتجاجية شاركت فيها مع حزبها في ذكرى يناير الماضي، ومحمد سيد عبد الفتاح الذي لقي مصرعه في قسم كرداسة، بعد سلسة من التعذيب في إبريل من العام الماضي، وعشرات الحالات التي قتلت بهذا الشكل. أما الشكل غير المباشر فكان عن طريق منع الأدوية لمرضى داخل السجون والأقسام، مثل محمد علاء خليفة (22 سنة)، والذي كان مريضًا بالربو، وفريد إسماعيل القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، الذي توفي في شهر مايو الماضي عقب التباطؤ في نقله إلى المستشفى، وهو ما جعل عددًا من المنظمات الدولية تتقدم بشكاوى ضد مصر إلى الأمم المتحدة، وتضعها في حرج لا تستطيع إنكاره.

حادثة روسيا والتقصير الأمني
جاءت حادثة الطائرة الروسية التي سقطت منذ أسبوع في سيناء، والتي لا يزال التحقيق فيها مستمرًّا؛ لتكشف كارثة أخرى داخل وزارة الداخلية، وهو ما أعلنت عنه الصحف الأجنبية من خلال صور أو تحقيقات تكشف تلقي القائمين على الأمن داخل مطار شرم الشيخ لرشاوى من أجل عدم تفتيش السائحين أو التهاون في التفتيش، كما ظهرت صورة لضابط منشغل بهاتفه، ولا ينظر إلى شاشة التفتيش.
ومن جانبه قال كربم عبد الراضي الناشط الحقوقي إن وزارة الداخلية لا تعمل نهائيًّا بشكل احترافي مع كل الملفات الأمنية؛ لأنها ببساطة تستخدم حلولاً عفا عليها الزمن، وهي فاشية لا تقدم أي حلول، بل العكس، من شأنها أن تزيد العنف والإرهاب، فبدلاً من أن تقوم بتوفير الأمن تكون سببًا في غيابه.
وأضاف “عبد الراضي” أنه فيما يتعلق بجمع المعلومات على سبيل المثال، تعتمد الوزارة على مخالفة القانون لجمع أي معلومة، والطريقة الأشهر لهم في ذلك هي القبض على المشتبه فيه وتعذيبه والحصول منه على اعترافات في أغلب الأحيان لا تكون حقيقية ومعلومات غير صالحة، وتراقب محادثات المواطنين الخاصة.
وأوضح أن ذلك يثبت أن تعاملها مع الملفات الأمنية يتم بشكل عشوائي، وينتج عنه الفشل الأمني الذي تشهده مصر، بالتوازي مع ذلك نجد أن الرئيس السيسي بدلاً من إصداره تشريعات تفعل محاسبة المرتشين من الأجهزة الأمنية، يصدر تشريعات تسهل عليهم الإفلات من العقاب وعدم المحاسبة.
وأكد الناشط الحقوقي أن كل ذلك جعل الأمن يخالف القانون، ولا يقوم بعمله؛ لأنه يدري أنه لن يحاسب، فأصبح المجرم يدرك أن أول حل يفكر فيه هو رشوة رجل الأمن؛ للإفلات بجريمته، وهذا ما يحدث بالفعل، مشيراً إلى أن الأزمة لن تحل إلا عن طريق إعادة هيكلة الوزارة، وتغيير عقيدة أفرادها وضبطها، بحيث تحمي المجتمع، ولا تحمي السلطة، وإعادة تدريب الضباط وأفراد الأمن على التعامل مع الملفات الأمنية، وتدريبهم على استخدام الإمكانيات التقنية التي أصبحت متاحة، وتفعيل الآليات والأجهزة الرقابية.

اقرا من المصدر

مواضيع مشابهة