«المباحث المصرية أذاقتني من فنون تعذيبها».. عبارة لخص بها أحد المواطنين السودانيين معاملته في السجون المصرية، عقب القبض عليه بشارع طلعت حرب، عشية وصوله للقاهرة، حيث جاء يطلب علاجًا لمرض «البواسير» الذي أنهك جسد ابنه الصغير، وذلك في حوار مع صحيفة «السوداني»، فيما نفت مصادر أمنية مصرية تعذيب المواطنين السودانيين.
كانت السفارة السودانية بالقاهرة سلّمت الأربعاء الماضي، مذكرة لوزارة الخارجية المصرية، احتجاجًا على ما سمته «تجاوزات ضد مواطنيها بالقاهرة»، وطالبت فيها بالتحقيق، ووقف التجاوزات فورًا، بعد احتجاز عدد من السودانيين بتهمة الاتجار في العملة وتقليد الدولارات واستخدامها في الاحتيال على المواطنين.
ونقلت وسائل الإعلام السودانية، عن نائب رئيس المجلس الأعلى للجالية السودانية بمصر، قوله، إن نحو 15 سودانيًا تعرضوا لمضايقات وحالات اعتداء من قبل المصريين، في أقسام وسط القاهرة في عابدين والأزبكية تتعلق أغلبها بحمل السودانيين لدولارات.
وقال المواطن، ويُدعى يحيى زكريا، إن المباحث أخذت كل المبالغ المالية التي بحوزته، وزَجَّتْ به ورفيقه السوداني بقسم شرطة عابدين، و«أذاقته من فنون تعذيبها».
وحسب التقرير الطبي الذي نشرته وسائل إعلام سودانية، عقب بلاغ تقديم به «زكريا» بقسم شرطة جبرة السوداني ضد الحكومة المصرية، فإن «آثار التعذيب نتج عنها نزف في مُقلتى العينين، ورضوض وآثار حرق وجروح باليدين»، وقال التقرير إن «زكريا تعرض لأذى جسدي ونفسي».
يقول «زكريا»، الذي يعمل فني تشغيل بشركة مصفاة الخرطوم، إنه أراد عرض ابنه على الأطباء بمستشفيات القاهرة، وفور وصوله غيّر العملة بسرعة شديدة لضيق الوقت، لكن «عناصر المباحث كانوا في انتظاره على أبواب الصرافة بشارع طلعت حرب».
ويضيف: «قبل أن نهمَّ أنا ورفيقي بالدخول للصرافة فوجئنا باثنين مسلحين بملابس مدنية يوقفاننا ويبدآن بتفتيش جيوبنا دون السؤال عن هوياتنا، وقبل أن نتمكن من إبراز جوازى سفرنا ودون إبرازهما لما يثبت هويتهما أخرجا كل النقود من جيبينا وأمسكا بها جيدًا بعد أن قاما بعدها، ثم اقتادانا لعربة بوكس أخذتنا مباشرة لقسم عابدين، وطوال الطريق نسألهما ماذا فعلنا وما هي تهمتنا ولا يرد علينا أحد؟».
ويتابع المواطن السوداني روايته: «أخبرتهم بأن ابني مريض طريح الفراش وتركته بالفندق تنزف بواسيره دما ولم يعرني أحد اهتمامه، وعند وصولنا القسم دخل عناصر الأمن للضابط المناوب، ثم تم استدعاؤنا ولم يأخذ الضابط أقوالنا، واكتفى فقط بحديث عنصري المباحث، وحين أدركنا كذب وافتراء ما ورد في دفتر المتحري، سخر منا الضابط الذي يرتدي ملابس مدنية وطلب أخذنا للحراسة».
يحكي «زكريا»، الذي تخطى الخمسين من عمره، عما سماه «رحلة التعذيب» على أيدي المباحث المصرية: «بداية منعونا من استخدام دورات المياه، وبالتالي لم نتمكن من أداء الفرائض، فأخطرناهم أننا مسلمون ونرغب في أداء صلاتنا فسمح لنا، كان ذلك في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني تم عرضنا على وكيل النيابة وأخذ أقوالنا وسألنا عن المبالغ التي كانت بحوزتنا فأخبرته بأني أحمل (500) دولار وقرابة الأربعة آلاف جنيه مصري تكاليف علاج ابني ورفيقي يحمل (1600) دولار ومبلغ ألفي جنيه سوداني، بعدها وجه وكيل النيابة بإخلاء سبيلنا بعد أخذ معلومات عن سبب وجودنا بمصر وتاريخ الدخول، وأصدر قراره بإخلاء سبيلنا ورد المبالغ التي أخذت منا بالعملة المصرية».
ويقول: «خرجنا من النيابة واعتقدنا أنه بالفعل سيُطلق سراحنا، ولكن أخذنا رجال المباحث مرة أخرى للحراسات، وقالوا لنا إنه ينبغي أن نعرض على جهاز الأمن القومي المصري ثم يتم إطلاق سراحنا.. هذه المرة زجوا بنا في حراسات أخرى ووجدنا بعض السودانيين ومنهم سوداني يدعى طلال جاء بأمه المريضة وتم حجزها بأحد المستشفيات بالقاهرة وذهب ليسحب نقودا من الصراف الآلي أسفل مبنى المستشفيات ولم يصعد إليه ثانية عقب إلقاء عناصر المباحث المصرية القبض عليه وعدم السماح له بالصعود وإخطار والدته أو إدارة المستشفى بغيابه».
ويستكمل حديثه للصحيفة السودانية: «طلب ضابط الأمن تقريرًا من مباحث القاهرة ثم أعادونا مرة أخرى للحراسة، وبدأت عناصر قسم عابدين في توجيه إساءات شخصية وتم حرماننا من دورات المياه، وبدأت بالصراخ والمطالبة برؤية ابني، حينها دخل أفراد الشرطة الزنزانة وقاموا بضربي على رأسي بأحذيتهم وتكبيلي وجرِّي بالأصفاد وحرقي بأعقاب السجائر على مرأى ومسمع من الموجودين بالزنزانة، عقب ذلك تم حجزي بزنزانة أخرى فيها أعتى عتاة الإجرام في مصر إلا أنني قبل نقلي طلبت الاتصال بأحد معارفنا في القاهرة والذي قام بأخذ ابني من الفندق ورعايته وقام بالاتصال بأسرتي بالخرطوم».
وتكتمت وزارة الخارجية السودانية على الواقعة، ولم تفصح عن نتائج اتصالاتها مع نظيرتها المصرية، وقالت إنها سترد على استفسارات نواب البرلمان، الاثنين المقبل، فيما أكد وزير الخارجية سامح شكري أن السودانيين يقيمون في مصر باعتبارها وطنهم الثاني، وأنه لا يوجد أي تمييز أو معاملة سيئة ضدهم، مضيفا أن أي إجراءات تتعلق بمخالفات قانونية يتساوى فيها المصري والسوداني أمام القانون.
وطالب شكري، خلال لقائه عبدالمحمود عبدالحليم، السفير السوداني بالقاهرة، بموافاة وزارة الخارجية بأى حالات تحوم الشكوك حول تعرضها لأى مضايقات أو إجراءات متشددة للتحقق منها على الفور .
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، المستشار أحمد أبوزيد، إن «حملات التفتيش تُطبق على الجميع وليس على السودانيين فقط، وأن القبض على بعضهم يرتبط بأحداث محددة ومخالفات تُطبق حتى على المصريين أنفسهم».
وأعربت الصحف السودانية عن استيائها مما يحدث للسودانيين في مصر، من بينها صحيفة «اليوم التالي» التي تساءلت في افتتاحيتها تحت عنوان «السودانيون في مصر.. ماذا جرى؟»، عن طبيعة الإجراءات التي تنتوي الحكومة السودانية اتخاذها لوقف التجاوزات بحق السودانيين في مصر.
وقالت: «كنا نرغب في معرفة هوية الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها لوقف التجاوزات التي تحدث للسودانيين في مصر هذه الأيام، هل ستكتفي وزارة الخارجية بالبيان المقتضب الذي أصدرته، وتختم مسعاها بانتظار رد الخارجية المصرية على المذكرة التي قدمتها سفارتنا في القاهرة؟».
وأضافت: «لماذا يحدث ذلك كله لنا، نحن الذين نغني للمحروسة (مصر يا أخت بلادي يا شقيقة)؟».
وطالب الإعلام السوداني، وزير الخارجية، بـ«يشد الرحال إلى القاهرة، ليقف على أحوال السودانيين هناك، ويطمئن إلى أن ما تعرض له (يحيى) لن يتكرر مع آخرين».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى