ضجة كبيرة وقعت في مصر خلال اليومين الماضيين بسبب السلوك المفاجئ الذي أقدم عليه الإعلامي والنائب البرلماني المثير للجدل توفيق عكاشة ، صاحب قناة الفراعين ، والذي يقدم نفسه بوصفه "مفجر ثورة 30 يونيه" التي أطاحت بالإخوان ، حيث أعلن عن استقباله للسفير الإسرائيلي في بيته بالدقهلية ، ونشر صور الاستقبال غير المسبوق كما نشرته السفارة الإسرائيلية في القاهرة على موقعها ، وجرى كلام كثير لا يمكن الوثوق به تماما عن وعد عكاشة للسفير بتوصيل حصة من ماء النيل إلي تل أبيب ، وما قيل عن أسرار هيكل سليمان التي سيطلعه عليها ، وأظن أن هذا الكلام من التنكيت والسخرية المعتادة فيما يتعلق بتوفيق عكاشة وليس صحيحا .
توفيق عكاشة ليس مضطربا كما حاول بعض خصومه أن يصوروه ، هو شخص عاقل وواع وصاحب طموح ، كما أنه لا ينكر أنه يعمل بالتنسيق مع أجهزة رسمية رفيعة في الدولة ، وكرر ذلك مرارا ، فليس سرا ، وبالتالي عندما أقدم على تلك الخطوة المفاجئة والمثيرة ، كان من الطبيعي أن يكون السؤال الجوهري والأهم للرأي العام : هل تصرف عكاشة هذا التصرف الغريب من رأسه ، أم أنه كان باتفاق وربما تنسيق مع جهة ما ، وفي حدود ما استطلعته من آراء وتعليقات في المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي لاحظت أن هناك ما يشبه الإجماع على أن توفيق عكاشة تصرف بموجب تنسيق مع جهة ما في الدولة ، وأن مثل هذه الخطوة المثيرة من الصعب السماح بها لعضو برلماني بدون موافقة صريحة أو ضمنية مع جهة نافذة وصاحبة قرار ، كما أن وقف هذه الخطوة كان سهلا للغاية وبمجرد اتصال هاتفي ، وكان عكاشة قد اكتفى بقوله أنه أخطر جهات أمنية كبيرة بخطوته ، وبالتالي ففي الحد الأدنى كان هناك "عدم ممانعة" .
خطوة توفيق عكاشة باستقبال السفير الإسرائيلي مربكة لنظام السيسي ، في وقت يتحمل فيه ضغوطا كثيرا ، ولا ينقصه المزيد من الغضب الشعبي والاستفزاز بشكل مجاني وبدون معنى ظاهر ، وبالتالي يصبح السؤال عن معنى دفع عكاشة لتلك الخطوة غير المسبوقة من أي شخصية مصرية مسئولة أو غير مسئولة محيرا لأي مراقب للشأن العام في مصر ، هل المسألة تنحصر في أن "الأصدقاء" في مصر أعطوه ظهرهم فقرر أن يبحث عن "ظهر" آخر ولو مع السفارة الإسرائيلية ، والتي تعمل بشكل شرعي في القاهرة ، بناء على اتفاقات رسمية ومعاهدات ، وأن يبعث برسالة للجميع بأنه قادر على أن يقلب الطاولة على الرؤوس كلها ، ولا يستطيع أحد أن يقترب منه ، لأن معاقبته على هذا الموقف سيفسر دوليا وإسرائيليا على أنه موقف عدائي من التطبيع وهو ما يزيد من حرج السلطة في مصر ، والتي ستتعرض للحرج نفسه إذا سكتت أيضا عنه .
بسبب هذا الموقف وتلك الخطوة ، دخل عكاشة في صدام عنيف مع إعلاميين وبرلمانيين آخرين ، كانوا من أصدقائه أيام الجبهة ضد الإخوان ، وجميعهم يعمل لحسابات أجهزة ، ولكن من الواضح أن عكاشة يعمل في جناح مغاير للجناح أو الأجنحة التي يعمل لها الآخرون ، واللافت أن صراع الأجنحة هذا أثار انتباه وسائل إعلام دولية شهيرة ومراكز أبحاث دولية أيضا ، وتحدثت عنه مرارا وكثيرا ، وتحدثت عن "استقواء" كل جناح بما يعزز نفوذه في جسم الدولة ، حيث تتعدد الرؤى في تقدير المصالح الوطنية وتقدير حسابات الأمن القومي المصري .
محيرة جدا خطوة توفيق عكاشة ، لكن المؤكد أنها تأتي في سياق حالة تفكك شامل للجبهة التي تشكلت في 30 يونيه 2013 للإطاحة بحكم محمد مرسي والإخوان ، كما أنها تعزز من التصور السائد بأن مصر تعيش ما يشبه حالة فراغ سياسي ، وتعدد في مراكز السلطة والنفوذ ، وهو ما يعطي الانطباع بأنها ما زالت تعيش مرحلة انتقالية ، في انتظار أن تستقر السفينة في مرفأها الأخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى