كتب:
في الثامن والعشرين من يناير 2003، وقف عاطف عبيد رئيس الوزراء المصري آنذاك ليعلن بالإنجليزية في مؤتمر المائدة المستديرة السنوي لمجلة "الإيكونوميست" في فندق سميراميس بالقاهرة ليخبر المستثمرين الأجانب والصحفيين وبنوك الاستثمار بأن حكومته قررت التخلي عن أحد أعمدة السياسة الاقتصادية المتبعة منذ عقود، وهو مساندة الجنيه المصري في البلد الذي يعاني من خلل كبير في ميزانه التجاري، ومن تضخم فاتورة وإرداته.
قال عبيد في كلمته في المؤتمر إنه "ستكون هناك سوق حرة لصرف العملات الأجنبية، حيث تحدد السوق سعر الصرف وتقوم البنوك بجميع الصفقات"، فيما قال محمود أبو العيون محافظ البنك المركزي إنه اعتباراً من صباح نفس اليوم ستحدد كل البنوك العاملة في مصر أسعار الصرف الخاصة بها بصورة مستقلة.
سبق إصدار القرار عدة خطوات في عامي 2001 و2002 لتخفيض سعر الجنيه مقابل الدولار، انتهت إلى ارتفاع سعر الدولار من 3.85 جنيه إلى 4.51 جنيه.
أما قرار التعويم فقد أدى إلى ارتفاع السعر في السوق الرسمي إلى 5.861 في المتوسط في عام 2003 وصولا إلى 6.194 العام التالي، قبل أن يتراجع قليلا إلى 5.791 في 2005، تبعًا لبيانات وزارة المالية.
وسرعان ما شهد السوق الموازي ارتفاعًا قياسيًا في سعر الدولار ليتخطى سبعة جنيهات بحلول منتصف العام نفسه في الوقت الذي كان السعر في السوق الرسمي قد وصل لستة جنيهات تقريبا.
إجراءات بعد القرار
واتخذت السلطات في مارس من العام نفسه قرارًا يُلزم" الوزارات والأجهزة التابعة لها، والهيئات العامة الاقتصادية و الخدمية، و شركات القطاع العام و شركات قطاع الأعمال العام، و كذلك شركات وأفراد ومنشآت القطاع الخاص، التي يستحق لها عن نشاطها مدفوعات بالنقد الأجنبي" ببيع 75% مما تحصله من النقد الأجنبي للبنوك خلال أسبوع من تاريخ تسلمه. وألزمها القرار أيضًا بأن تجنب 25% من الحصيلة في حسابات خاصة في البنوك الوطنية لمواجهة التزاماتها نحو البنوك والوفاء بمتطلبات نشاطها بالنقد الأجنبي.
ونص القرار الصادر من رئيس الوزراء وقتها على أن تسري أحكامه من أول يناير من نفس العام.
وفي ديسمبر من نفس العام، تولى فاروق العقدة قيادة المركزي ليحل محل محمود أبوالعيون. وفي الشهر نفسه، جرى التراجع عن هذا القرار، لكن البنك المركزي كان قد رفع الفائدة خلال الفترة من يناير إلى يوليو بنسبة 9% تقريبا لتصل إلى 13%- وهو إجراء يصاحب تراجع العملة المصرية مقابل الدولار لزيادة جاذبية الودائع بالجنيه من ناحية وكبح معدلات التضخم من ناحية أخرى- تبعا لمذكرة بحثية أصدرتها قبل أيام بنك الاستثمار الإماراتي "أرقام" لعملائها.
أدى رفع الفائدة إلى ارتفاع العائد على أذون الخزانة بنفس النسبة تقريبا في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية لسوق الدين المصري لإقراض الحكومة، مع ارتفاع العائد عليها.
ماذا فعل التعويم في الاقتصاد؟
عادة ما يرتبط تراجع سعر العملة بانتعاش الآمال بشأن تحسن عدد من مؤشرات الاقتصاد الكلي التي ترتبط بالقطاع الخارجي. وعادة ما يقال إن تخفيض سعر الصرف يرفع الصادرات ويجذب الاستثمار الأجنبي.
فيما يتعلق بالصادرات المصرية فقد شهدت بالفعل في تجربة 2003 بعض التحسن بالتزامن مع قرار التعويم. فقد ارتفعت حصيلة الصادرات من 7.1 مليار دولار في العام المالي 2001/2002، ثم إلى 8.2 مليار دولار في العام الذي تلاه، وصولا إلى 10.4مليار دولار في 2003/2004، أي بنسبة 46%.
ومع ذلك فمن غير المرجح أن يكون السبب في هذا التحسن راجعا إلى التراجع في سعر الجنيه، فالسنة المالية 2003/2004 كانت قد شهدت تحسنًا في أداء الاقتصاد العالمي ليتجاوز مرحلة التباطؤ التي مر بها منذ 2001. وازدهرت حركة التجارة العالمية وضاعف الاقتصاد العالمي معدل نموه إلى 4.5 % مقارنة بالسنة السابقة، تبعا لبيانات البنك المركزي.
هذا التحسن في الاقتصاد العالمي يحتمل بشدة أن يكون مرتبطا بتحسن حصيلة السياحة في 2003/2004 وصولا إلى 5.47 مليار دولار تقريبا من 3.79 مليار دولار في العام السابق.
أما الاستثمار الأجنبي المباشر، فاللوهلة الأولى يبدو إنه قد شهد تحسنًا "فوريا" متزامنا مع قرار التعويم. إذ ارتفع صافي حجم تلك الاستثمارات في عام 2001/2002 بنسبة تقترب من 64% إلى 700.6 مليون في العام التالي.
لكن هذا الارتفاع تضمن حصيلة خصخصة حصص أغلبية في بعض الشركات المحلية لمستثمرين أجانب بلغت 439.7 مليون دولار، بحسب التقرير السنوي للبنك المركزي عن عام 2002/2003.
بينما العام التالي لم يشهد سوى 407.2 مليون دولار من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
أما صافي استثمارات محفظة الأوراق المالية فقد تراجعت من 998.9 مليون دولار في 2001/2002 إلى صافي تدفق للخارج بواقع 405.2 مليون دولار، و شهد العام اللاحق صافي تدفق للخارج بواقع 225.6 مليون دولار، أي خروج لهذا النوع من الاستثمار.
الأثر على الناس
بعد قرار التعويم، شهدت معدلات التضخم السنوية ارتفاعا شهريا مضطردًا. ويوضح الشكل التالي معدلات التضخم وارتفاعها من 2.9% في يناير عام 2003- الذي شهد الإعلان عن قرار التعويم – إلى 17.3% في ديسمبر 2004، نقلا عن بيانات التقرير المالي الشهري الصادر عن وزارة المالية في ديسمبر من العام 2006.
كان لذلك أعمق الأثر على الفئات الأفقر. فقد أظهرت دراسة أجراها البنك الدولي في عام 2007 حول تأثير تراجع سعر الجنيه خلال الفترة بين العامين 2000 إلى 2005 على مستوى المعيشة في مصر، أن انخفاض سعر الجنيه أدى بشكل مباشر إلى تراجع استهلاك الأسر المصرية بواقع 7.4% في المتوسط، وأدى وحده لارتفاع عدد الأسر الفقيرة ب 5.1% من 16.7% من الأسر المصرية إلى 21.8% خلال هذه الفترة.
وقالت الدراسة إن التأثير الأكبر لتخفيض العملة انصب على المواد الغذائية ما أدى لأثر إضافي على الأسر الأفقر – التي توجه معظم دخلها للطعام والشراب.
التعويم الأول للجنيه نسخة 2003 - القصة الكاملة
Hossam
Sun, 09 Oct 2016 09:08:04 GMT
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى