أمرت نيابة أمن الدولة العليا، اليوم الأربعاء بحبس جمال الدين محمد إبراهيم اللبان، مدير عام إدارة التوريدات والمشتريات بمجلس الدولة، 4 أيام على ذمة التحقيقات، فى واقعة اتهامه بتقاضيه رشوة بلغت نحو 155 مليون جنيه، بالإضافة إلى كمية كبيرة من المشغولات الذهبية بخلاف العقارات والسيارات والأصول الأخرى التى يمتلكها.
ضبط كل هذه الأموال لدى موظف عمومي اعتاد استغلال موقعه ونفوذه وعلاقاته مؤشر على حجم الفساد الذي يعاني منه الجهاز الإداري للدولة، إذ لم يكن هذا الموظف المرتشي هو الوحيد الذي تم ضبطه من قبل الرقابة الإدارية خلال الآونة الأخيرة، فخلال الشهرين الماضيين فقط، أمكن ضبط 9 موظفين مرتشين يجري التحقيق معهم في وقائع فساد بإجمالي مليون و350 ألف جنيه رشاوى نقدية بالإضافة إلى العقارات والأراضي، مقابل تسهيل الإجراءات، ما تسبب في إهدار نحو 11 مليونا و510 ألف جنيه بقطاع الإسكان في محافظة المنوفية.
حين كشف المستشار هشام جنينه، رئيس أهم جهاز رقابي في مصر، وهو الجهاز المركزي للمحاسبات، عن فاتورة الفساد في مصر خلال الفترة من 2012 حتى 2015 ثارت أزمة لم يكن سببها الحجم الكبير للفساد، بل كان مصدرها مجرد تصريح الرجل بها، مما دعى رئيس الجمهورية لتشكيل لجنة للتحقيق فيما صدر عنه من تصريحات اتهم بسببها بالإساءة لمصر وإشاعة أخبار كاذبة وتكدير الأمن وتهديد السلم الاجتماعي.
الرد الرئاسي على تصريح المستشار هشام جنينة بحجم الفساد في مصر جاء سريعا، فقد أفاله الرئيس السيسي من منصبه بقانون مشكوك في دستوريته، لتعارضه مع المادة 216 من الدستور التي لا تسمح بإقالة رئيس الجهاز المركزي من منصبه، ومع نص المادة 20 من قانون الجهاز المركزي ذاته، وذلك قبل أن يُكمل الرجل مدته القانونية، بدعوى “إضراره بسمعة البلاد واستغلال منصبه للإضرار بالدولة وتأثيره على الاستثمار والاقتصاد وتهديده للأمن القومي”، وتمت إحالته إلى نيابة أمن الدولة العليا، ووجه له الإعلام اتهامات عديدة بالأخونة والخيانة العظمى وُمنع كذلك من السفر خارج البلاد، حتى صدر ضده الحكم بالحبس سنة مع ايقاف التنفيذ وخروجه بغرامه مالية قدرها 20 ألف جنيه.
التناقض
خلال افتتاحه مشروع الاستزراع السمكي في محافظة الإسماعيلية، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، الشكر لهيئة الرقابة الإدارية على الجهد المبذول لكشف وقائع الفساد، قائلًا: “أتمنى أن القضية التي تم تداولها أمس بخصوص قضية الرشوة تكون قضية رأي عام، ولكن في إطارها، دون توجيه أي إهانة أو تجاوز لأي مؤسسة، ففساد شخص ليس معناه فساد مؤسسة بشكل عام”، مشيرا إلى أن الأجهزة الرقابية لن تقدر وحدها على مكافحة الفساد.
عدد من الخبراء استنكروا موقف رئيس الجمهورية، الذي وصفوه بـ”المتناقض”. ففي الوقت الذي يعزل فيه رئيس أكبر جهاز رقابي بالدولة عن منصبه، ويجري التحقيق معه ويصدر ضده حكم قضائي بالحبس، يشيد الرئيس بالدور العظيم الذي قامت به الرقابة الإدارية في كشف فساد موظف.
الاعتذار
“الاعتذار واجب حتى قبل أن يتم اكتشاف هذا الكم الهائل من الفساد الذي عشش في كل مفاصل الدولة”.. هكذا أعلن الدكتور حسن نافعه، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي طالب الجميع بتقديم الاعتذار للمستشار هشام جنينة، الذي دق ناقوس الخطر وكشف عن حجم الفساد الذي يضرب بجذوره في الجهاز الإداري للدولة، فكانت مكافأته العزل من منصبه والحكم بحبسه.
وقال نافعة، لـ”البديل”، إن جنينه نُحي عن منصبه لأنه كان حريصًا على مكافحة الفساد ولم يكن مجرد موظف عمومي بيروقراطي يهمه نيل الحوافز والمكافآت والترقيات، وبالتالي فهو تعرض لظلم فادح ومازال يتعرض له حتى الآن وسوف يتعرض لظلم أكبر في المستقبل لمنعه من أن يصبح شخصية عامة يحق لها الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.
وأضاف، أن مكافحة الفساد لا يمكن أن يكون لها أي قدر من الفعالية والجدية إلا في دولة يحكمها القانون، مشيرا إلى أن نظام الحكم الحالي تتحكم فيه الأجهزة الأمنية وهو ما لا يمكن معه مواجهة الفساد.
من جانبه، اتفق جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان مع ما طرحه نافعة، من ضرورة تقديم الاعتذار لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، قائلًا: “أنت لا تحارب الفساد بالقبض على أحدهم، كما حدث اليوم مع مسؤول المشتريات بمجلس الدولة، ولكن أنت في حاجة ماسة إلى منظومة كاملة لمكافحة الفساد واجتثاثه من جذوره”.
وقال إسحاق لـ”البديل” إن الدولة عليها عبء كبير يتمثل في مراجعة كافة القوانين وتغليظ العقوبات التي تحول دون تكرار وقائع الفساد، مطالبا بضرورة تشديد الرقابة وإقرار الشفافية للقضاء على منظومة الفساد بصورة كاملة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى