بغداد - الخليج أونلاين
شهد العراق، أمس الخميس، اليوم الأكثر دمويّةً منذ انطلاق الاحتجاجات الثلاثاء، والتي راح ضحيّتها 35 شخصاً خلال مواجهات عنيفة غير مسبوقة بين المحتجّين والقوّات الأمنيّة.
وفي وقتٍ كانت التظاهرات تملأ ساحات في عدة مدن عراقية، خرج رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، بخطاب متلفز إلى العراقيين، تعهد فيه بتلبية مطالب المحتجين، لكنه قال إن حكومته "لا تمتلك حلولاً سحرية لتحقيق أحلام المواطنين في عام واحد".
تعهدات حكومية
وفي كلمته التي ألقاها قبل فجر الجمعة وبثها التلفزيون الرسمي تعهد رئيس الوزراء العراقي بالاستجابة لكل مطالب المتظاهرين المشروعة.
وأضاف: "نحن متمسكون بالدستور وعلينا إصلاح المنظومة السياسية، ونتحمل مسؤولية قيادة الدولة في هذه المرحلة الحساسة".
وقال: "شكّلنا لجاناً من أجل إطلاق سراح المحتجزين من المتظاهرين واعتبار ضحايا المظاهرات شهداء".
واعتبر رئيس الوزراء أن "التذمر من الأداء السياسي العام مفهوم ومبرر"، مشيراً إلى أن الحكومة ستصوت على قانون لمنح الأسر الفقيرة أجراً أساسياً.
وكشف عن تشكيل لجان قانونية لضمان عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، وقال: "مطلوب منا مجهود أكبر لمواجهة الفساد في كافة أنحاء البلاد".
وشدد عبد المهدي على أنه لا توجد حلول سحرية لحل المشاكل، وقال إن الحكومة لا تستطيع تحقيق أحلام المواطنين في عام واحد.
الدولة واللادولة
وقال عبد المهدي: "نحن اليوم بين خياري الدولة واللادولة"، داعياً لإعادة الحياة إلى طبيعتها في كافة المحافظات واحترام سلطة القانون.
وأضاف: "خضنا تجارب كبيرة حتى وصلنا إلى مسيرة ديمقراطية، ونريد أن نخدم ونعمل بإخلاص"، داعياً المتظاهرين "لعدم الالتفات إلى دعاة اليأس ودعوات العودة إلى الوراء، وكذلك لدعوات عسكرة المجتمع".
وأشار عبد المهدي الى أن "البعض نجح في إخراج المظاهرات من مسارها السلمي، وبعضُ الشعارات المرفوعة كشفت عن محاولات لركوب المظاهرات وتضييعها"، ولفت إلى أن "اتساع حرائق الممتلكات خلال التظاهرات يثير التساؤلات".
عبدالمهدي
وأردف قائلاً: إن "التصعيد في التظاهر بات يؤدي إلى خسائر وإصابات"، مخاطباً المتظاهرين بالقول: "مطالبكم بالإصلاح ومكافحة الفساد وصلتنا".
وتابع: "أتوجه بالشكر لشبابنا من المتظاهرين وقوات الأمن للحفاظ على سلمية المظاهرات"، داعياً إلى "ضرورة إعادة الحياة في كافة المحافظات، واحترام سلطة القانون".
وتابع أن "التصعيد بالتظاهر بات يؤدي إلى خسائر في الأرواح وتدمير الدولة، وسنضع ضوابط صارمة لمنع العنف".
من جانب آخر، عادت خدمة الإنترنت، الجمعة، إلى معظم أنحاء العراق، ومن ضمنها العاصمة بغداد، بعد انقطاعه الخميس تزامناً مع التظاهرات الشعبية.
القتلى في تصاعد
والخميس، تدخّلت مدرّعات القوّات الخاصّة في بغداد لصَدّ الحشود، فيما أطلقت القوّات الأمنيّة على الأرض الرصاص الحيّ الذي ارتدّ على متظاهرين.
ومع سقوط 35 قتيلاً، بينهم شرطيّان، و18 منهم في محافظة ذي قار الجنوبيّة وحدها، تحوّل الحراك، الخميس، إلى معركة في بغداد على محاور عدّة تؤدّي إلى ميدان التحرير، نقطة التجمّع المركزيّة الرمزيّة للمتظاهرين.
ووصل المتظاهرون في بغداد على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينيّة عليها أسماء "الأئمة المعصومين" لدى الشيعة، على غرار تلك المعلّقة في شوارع العاصمة قبل ثلاثة أسابيع تقريباً من ذكرى أربعين الإمام الحسين، أكبر المناسبات الدينيّة لدى هذه الطائفة، بحسب ما أفاد مصوّر من وكالة "فرانس برس".
وردّد المتظاهرون هتافات عدّة، بينها: "بالرّوح بالدم نفديك يا عراق".
وفي مواجهتهم، شكّلت قوات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشريّة في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط.
وجددت القوّات الأمنية، الخميس، إطلاق الرصاص الحيّ لتفريق المتظاهرين، رغم حظر التجوّل الذي دخل حيّز التنفيذ فجراً.
السيستاني والصدر
وسيكون اليوم الجمعة،بمنزلة اختبار سياسي مهمّ لرئيس الحكومة، مع الخطبة التي يُنتظر أن يُلقيها ممثّل المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني، الذي يُعدّ رأيه حاسماً في عدد كبير من القضايا السياسيّة العراقيّة، وفقاً لـ"الفرنسية".
وإذ يبدو الحراك عفويّاً، قرّر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وضع ثقله في ميزان الاحتجاجات، داعياً أنصاره الذين سبق أن شلّوا مفاصل البلاد، عام 2016، باحتجاجات في العاصمة، إلى تنظيم "اعتصامات سلميّة" و"إضراب عام"، ما أثار مخاوف من تضاعف التعبئة في الشارع.
ويُعاني العراق الذي أنهكته الحروب انقطاعاً مزمناً للتيّار الكهربائي ومياه الشرب منذ سنوات.
وتشير تقارير رسميّة إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، اختفى نحو 450 مليار دولار من الأموال العامة، أي أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلّي الإجمالي للعراق.
وفي أماكن أخرى من العاصمة وفي مدن عدّة، يُواصل محتجّون إغلاق الطرق أو إشعال الإطارات أمام المباني الرسميّة في النجف أو الناصريّة جنوباً.
في سياق متصل ذكرت مصادر محلية اليوم مقتل 3 متظاهرين في الديوانية جنوبي العراق، في وقت أعلنت فيه السلطات حظراً للتجوال بالمدينة التي تشهد احتجاجات شعبية كبيرة.
وفي محاولة لامتصاص الغضب الشعبي المتزايد، قرر المجلس الأعلى لمكافحة الفساد في العراق إقالة ألف موظف حكومي؛ بتهم تتعلق بـ"الاختلاس وهدر المال العام".
من جهتها قالت مصادر حقوقية عراقية إن عدد الجرحى منذ الاحتجاجات بلغ 1177 جريحاً، فيما بلغ عدد المعتقلين نحو 216 متظاهراً أفرج عن 154 منهم.
والثلاثاء، قال بيان للحكومة، إن من بين المصابين 40 من قوات الأمن، وألقى باللوم في العنف على "مجموعة من مثيري الشغب".
في هذا الصدد يقول مراسل "الخليج أونلاين" إن اتساع رقعة المظاهرات، مع ضعف إمكانية التواصل مع جميع المحافظات التي شهدت احتجاجات، لا سيما بسبب قطع الحكومة للإنترنت في مناطق، وإضعافه في مناطق أخرى، وعدم وجود مركزية واضحة تقود الاحتجاجات، يجعل من الصعب معرفة حصيلة مؤكدة للضحايا والخسائر الأخرى في صفوف المدنيين.
وأضاف: "قطع متظاهرون طرقاً رئيسية تربط العاصمة بغداد بالمحافظات الشمالية، وقطع الطريق الرابط بين بغداد والمدن الجنوبية أيضاً، في حين توحدت شعارات المتظاهرين في "إسقاط النظام" بعد أن كانت تشمل أيضاً المطالبة بتحسين الواقع الخدمي والمعيشي، وهو على ما يبدو أثار حفيظة حكومة بغداد".
حظر للتجوال وقطع للإنترنت
وأفادت مصادر الشرطة بأن حظر التجول فُرض في ثلاث مدن بجنوب العراق، في حين فتحت قوات مكافحة الإرهاب النار على محتجين حاولوا اقتحام مطار بغداد، وانتشرت في مدينة ذي قار في الجنوب بعدما "فقدت" الشرطة "السيطرة" عقب تبادل لإطلاق النار بين محتجين وقوات الأمن، بحسب وكالة "رويترز".
واستثنى عبد المهدي، في بيانه، من حظر التجوال "المسافرين من وإلى مطار بغداد وعجلات الإسعاف والحالات المرضية".
وجاء في البيان أنه سيتم أيضاً "استثناء العاملين في الدوائر الخدمية كالمستشفيات ودوائر الكهرباء والإسالة من قرار حظر التجوال".
وقال عبد المهدي إن المحافظين هم المناطون باتخاذ القرار الخاص بإعلان حظر التجول في محافظاتهم.
وأضافت مصادر الشرطة لـ"رويترز" أنه جرى فرض حظر التجول في الناصرية ومدينتين أخريين في جنوبي البلاد، هما ميسان وبابل.
وتضمنت المطالب، يوم الأربعاء، "إسقاط النظام"، وأضرمت النيران في مبان حكومية وحزبية في محافظتين أخريين بجنوب العراق.
وأحرق المحتجون مباني حكومية في ذي قار وميسان والنجف، وحاول المحتجون في الكوت اقتحام مبنى البلدية، في حين خرج المئات في شوارع الحلة والديوانية.
واحتشد آلاف في مدينة البصرة دون أن تتعرض احتجاجاتهم لمواجهة مع قوات الأمن، وخرج آخرون أيضاً في السماوة، فيما وقعت احتجاجات محدودة أيضاً في مدينتي كركوك وتكريت بشمال البلاد ومحافظة ديالى في الشرق.
بدوره قال مرصد "نتبلوكس" لمراقبة الإنترنت إن الإنترنت انقطع عن معظم أنحاء العراق، بما في ذلك العاصمة بغداد.
من جانب آخر أغلقت قوات الأمن عدة طرق في بغداد، منها جسر يقود إلى المنطقة الخضراء الشديدة التحصين، التي بها مقار الحكومة وعدد من السفارات الأجنبية.
وفي محاولة لتهدئة المحتجين الغاضبين أصدر عبد المهدي، الثلاثاء، بياناً تعهد فيه بتوفير فرص عمل للخريجين. وأصدر تعليماته لوزارة النفط وهيئات حكومية أخرى بتخصيص حصة للعمالة المحلية في العقود القادمة مع الشركات الأجنبية نسبتها 50% من قوة العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اهلا بكم فى مدونة افتكاسات .من فضلك اكتب تعليقك مع مراعاه ان من الممكن السيدات والانسات يروا التعليق من فضلك اجعلة مناسب .. بدون الفاظ ... وشكرا لكم ... هشام حسنى